|
قراءة لرواية الكاتب سلام أمان ( تباين )
علي المسعود
(Ali Al- Masoud)
الحوار المتمدن-العدد: 7815 - 2023 / 12 / 4 - 15:50
المحور:
الادب والفن
قراءة لرواية الكاتب سلام أمان ( تباين ) رواية حداثية تمزج بين تقنيات متعددة في الكتابة
علي المسعود
أنتهيت قبل فترة من قراءة رواية " تباين " للكاتب العراقي" سلام أمان " الصادرة عن دار ثائر العصامي للطباعة والنشر ، قراءتي هذه ليست قراءة نقديّة للرّواية من متخصّص في النّقد، وبالتالي تندرج قراءتي في إطار التلقي وخارج المنظومة النقدية الصارمة التي تتناول النصوص الابداعية بمفاهيم ونظريات أحترمها ، ولكنها ليست أدواتي ولا منظومتي . سبق للكاتب وأن أصدر رواية ( الطائر الأخضر ) ، وهي الراوية الثانية بعد روايته (رماد شجرة النبق ) .. في البداية أستقى الروائي " سلام أمان " عنوان روايته ( تباين ) من اسم لوحة رسمتها السيدة بتول وهي فنانة تشكيلية لها حظوة وتقدير في الوسط الثقافي ويدين لها الرائي بالفضل والاعتزاز والتي شكل لقاءه الاول بها عند اصلاح عطل سيارتها الامريكية إنعطافة كبيرة في مسار حياته وهي بالنسبة له ( خيمتي التي وقتني من عصف الحياة وقسوة أنواءها ) والتي غيرت مسار حياته من صبي ميكانيكي سيارات ، ترك الدراسة من اجل ان يرث مهنة الاب الى طالب مجتهد ومتفوق في دراسته حتى ينال شهادة الدكتوراة ويعمل أستاذاً في كلية الفنون . وبعد رحيل السيدة بتول أوصت باللوحة الى بطل الرواية ( أمجد ) بعد أن أصبح خبيرا متخصص في الفن وكتب العديد من المقالات في الفن والنقد .
أهمية المكان في النص الروائي هناك الكثير من الدراسات التي تناولت عنصر المكان واهميته في النص الروائي على أعتبار الإنسان يعيش في عالم يتصف ببعدين أساسيين هما: الزمان والمكان، وفيهما يحيا الإنسان وينمو الجنس البشري ويتطور، والثابت تاريخياً المكان أقدم من الإنسان، ولكن الإنسان بوجوده وكينونته في المكان يعيد تشكيله وتحويله إلى أشكال مختلفة حسب احتياجاته الحياتية ووفق ثقافته . ورغم أن المكان والزمان عنصران متلازمان لا يفترقان، فإن المكان ثابت على عكس الزمان المتحرك . في روايته " تباين " أعطى الروائي (سلام أمان ) أهتمام كبير لكل من المكان والزمان وجعلهما ألاساس في هندسة ألاحداث ، ونجح الكاتب في جعل المكان في الرواية عنصر غالب ، ويمثل محوراً أساسياً من المحاور التي تدور حولها عناصر الرواية ، ويحمل دلالات عديدة بدأ من موقع الورشة قرب المقبرة في منطقة الشيخ معروف حتى مدينة باريس حيث أكمل دراسته العليا . وأبتكر الروائي طرق عدة في بناء الفضاء أو المكان الروائي، منها: الوصف، استخدام الصورة الفنية، توظيف الرموز، ولكل منها دوره الفعال في النص الروائي " تباين" . " تباين ” رواية حداثية تمزج بين تقنيات متعددة في الكتابة دون الخروج عن مقومات الكتابة الروائية فتأخذ من الرواية التقليدية لغة السردالمكتوبة التي تحترم مقومات الكتابة بما فيها الألفاظ المأدية للمعاني، وأنماط التركيب الخاص بالأحرف و الكلمات، واستفادت من الرواية الحداثية وخاصة من التحررالنسبي لزمن السرد الروائي الطويل، والاكتفاء بالزمن السردي القصيرالمؤدي إلى المعنى من أقصرالطرق، وأستطاع الكاتب في توظيف ثقافته الفنية واستفاد من الفن السينمائي من خلال حركة الشخصيات والأصوات المؤدية للحوارات، واستغلال اللغة لأداء وظيفة التوليف البصري المنتج للدلالة البصرية و الذهنية المخزونة في ذاكرة المتلقي . لغة الرواية والحمولة الفكرية التي حفلت بها
المعروف عن اللغة في الرواية أإنها الركيزة الأولى والأهم لبنائها الفني، فاللغة تمنح الشخصية أبعادها و تشكل الاساس في بناء السرد والتي يقوم عليها الحدث وبناءه . واللغة بدورها لا تستقيم في الأعمال الروائية دون سرد والمقصود بالسرد، هو لغة الرواية وأسلوبها وطريقة كتابتها، الرواية أولا وقبل كل شئ كتابة مُشّكلة من مجموعة من الجمل ذات حمولة فكرية و أيديولوجية، وكل ما يصدر عن الأديب من أحداث وشخصيات يتخذ صفتة الأدبية بواسطة اللغة . ولهذا السبب تعتبر اللغة مكونا أساسيا من مكونات العمل الأدبي عامة والإبداع الروائي .اللغة هي التي تنقل الأحداث والوقائع من المحيط الخارجي ويضعها السارد في صور الفنية تتسم بالجمالية ، من الجمل ذات الحمولة الفكرية التي حفلت بها رواية الكاتب " سلام أمان " ، ولأن المجال لا يتسع هنا للتطويل والغوص عميقاً في اللغة الروائية لهذا المنجز الروائي فإنني سأكتفي بإضاءات سريعة : - "ها أنا اتذكرها بعد كل هذه السنين ، كم كانت مصدراً للسكينة والأستقرار في نفسي . لطالما أطفأت نيران قلقنا عندما كانت الحياة تقسو علينا وتفاجئنا بممارسات جديدة علينا ، تارة ننفعل لها وتارةٌ نغضب ..تثير فينا التساؤلات في بعض الاحيان والدهشة في كثير من الأحيان , لم نكن ندرك وقتها كم هي قديمة هذه الحياة وكم نحن جديدون بالنسبة لها . وإلى أن أدركنا ذالك كان الأوان قد فات لكي نبدأ من جديد البداية التي كنا نريدها . الله يرحمك ياأمي ..كنت تحترقين لتضئ لنا دروباً لتطأها أقدامنا الصغيرة لأول مرة . حين نفذت مهجتك وتبعثرت أحلامك البسيطة ، فلم تعرفيها إلا من خلالنا ونحن نكبر يوم بعد يوم وسنة بعد سنة يشتد عودنا وانت تضمحلين ، ننموا وأنتِ تذبلين ، حتى لم يعد في جسدك النحيل القدرة على مقاومة المرض حين أبتلاكِ ، وراح يعبث فيك تدميراً عندما لم يجد فيك قوة تردعه !!" ص 6 . - "عندما تبيت حتى تكاد تتعفن في عري هذا الكون .. تظل تبحث عن نهاية عبر المسافات الشاسعة ، وكلما أوغلنا أكثر زاد تقزمنا ، وكلما أدركنا هول ذالك الأتساع ، كلما تضاءلنا حتى نكاد نتلاشى أمام الحقيقة التي بدت وكأنها زيف يعيش ف أدمغتنا فقط " ص 12 . - " نحن نموت وذالك هو قدرنا ولكن لماذا نجعل تلك الأشياء التي عاشت معنا زكانت شاهدة على حياتنا تموت أيضاً ، بعض تلك الأشياء أكتسبت روحا ً من تعلقنا بها . صار لها ألقّ بقدر ما أحتوته مشاعرنا بقدر ما عايشناه وعايشتنا ، الزمن يمنح الأشياء قيمة أضافية " ص 36 . - " هل تعرف ياأمجد ، كأن قدراً ما يلعب بنا ، حيتنا ماهي ألا مقلب كبير . السنين مرت كأنها تسابقنا في مضمار للركض ، مضمار دائري يعود بنا الى نقطة البداية غير اننا نكون قد أستنزفنا أعمارنا وذكرياتنا وتقطعت أنفاسنا ونحن تقترب من شريط نهاية ذالك السباق " ص 70 . - " أنا لاأكفر ، أنا أحب الله ، الذي خلق كل هذا الجمال لا يمكن أن يكون إلا بمتهى الجمال . أما القباحة كفعل وسلوك فهي قرينة بالبشر ، الله الذي سكن قلبي منذ طفولتي مرتبط بالقدرة الكلية على تصحبح الأمور ، تلك التي يكون فيها الأنسان مسؤولاً عنها بشكل مباشر أو غير مباشر " ص 107 .
تفصيل لحالة اوصدمة انسانية وخلاصة لتجربة حياتية
حكاية تباين في سردها هي تفصيل لحالة اوصدمة انسانية وخلاصة لتجربة حياتية ، قالوا : "إن الألم العظيم يصنع أدباً عظيماً." وبالرغم من أن هذه المقولة تنطبق على الروائي "سلام أمان" وروايته كعمل فني أدبي ربما ناتج عن ألمه، أو تحصيل حاصل من تجربة حياتية ، سواءاً كان لفراق أو فقدان ، حرب أو حب ، حياة أو موت ، اعتقال ومطاردة ، حنين أو إغتراب، وحاجته للكتابة كوسيلة للتعبير والمشاركة في المعاناة الجمعية، إلا أن مصدر قوة هذا ألعمل الروائي تكمن في المحافظة على وعي القارئ كاملا أثناء متابعة القراءة، لا يطفئ بصيرته ليخدعه بلحظات استمتاع عابرة يعود بعدها إلى واقعه البائس ويزيده وضوحا وألما ، في نفس الوقت ، يمنح الكاتب متعة السرد من خلال الاستمرار في القراءة . إن المتتبع والمتمعن لأسلوب الروائي " سلام أمان " في رواياته السابقة يستنتج بأن هذا العمل الأدبي، لم ينجز بشكل عشوائي ولم تتم صياغته بتلقائية، بل نلاحظ بأنه عمل محكم البناء تم الإعداد له مسبقا، يحترمَ فيه الروائي المكونات الأساسية للعمل الروائي بما فيها من أحداث وشخصيات وحبكة وفضاء روائي وحوار كما أن السرد في الرواية كان نتيجة توافق بين رؤية الروائي الفنية وما يتطلبه موضوع النص الروائي . وموضوع السرد في الرواية يحيلنا إلى نموذج آخر اعتمده ” سلام أمان “في هذه الرواية وهو السرد المؤدي إلى السيناريو السينمائي، من خلال تصوير رحله بطله أمجد الطفل الذي( يرتدي بدلة العمل الملوثة بعشرات البقع مثل لوحة تجريديدية لمعاناة الطفولة ) الذي يساعد أباه في ورشة تصليح السيارات في المنطقة الصناعية قرب ضريح الشيخ معروف مجاور المقبرة في مع أخويه أحمد واركان ، الى الدكتور الذي يحاضر عن الجمال في أكاديمية الفنون بعد سفره الى فرنسا و نيله لشهادته منها ، حتى اعتقاله في الشعبة الخامسة ، ويقرر الهجرة والعودة الى فرنسا ( حيث لا يضطهد بها صاحب رأي على رأية ) . الكاتب يتحرك باللغة وينهض بها في اتجاه حركي درامي يشعر به القارئ من خلال أصوات الشخصيات ومن خلال حركاتهم الصامتة و التي تتخلل المقاطع الصوتية عبر سطوع الكتابة الروائية. كما أن عملية السرد السينمائي تظهر من خلال توظيف أسلوب اللقطة والمشهد والحوار، فطريقة الكتابة تشعرنا وكأننا أمام مشاهد سينمائية متنوعة يعتمد فيها السيناريست على لقطات مختلفة من الواقع يسلط عليها الضوء لكي لا يشعر المتفرج بالملل . واستخدام موسيقى داخلية جميلة تحافظ على ايقاعها من خلال الاغاني الجميلة المنتقاة من قبل (أمجد) التي تكشف الحس الفني والذائقة الراقية . في الختام : أشد على يد الكاتب على هذه المنجز الادبي الذي أعتبره اضافة الى المكتبة الروائية العراقية والعربية .
هامش : العبارات المحصورة بين الاقواس مأخوذة من نص راوية " تباين " للكاتب سلام أمان
#علي_المسعود (هاشتاغ)
Ali_Al-_Masoud#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيلم - زوجه تشايكوفسكي- اسقاطات سياسية أم نقل لتجربة زواج ال
...
-
الفيلم الياباني -أجزاء الوصية الأخيرة “ صرخة ضد الحرب ودروس
...
-
فيلم ( فريمونت ) صدمة لاجئة أفغانية بالحلم الأمريكي
-
فيلم - الطبقة العاملة يدخلون الجنة - اسقاط لوحشية الرأسمالية
...
-
فيلم - في النار-، يصور طبيبة نفسية تشعل حربا بين العلم ورجال
...
-
- ثاقبة الجليد- فيلم يتنبأ باغتراب الرأسمالية مع حرب طبقية م
...
-
فيروز: (أنا لا أنساك فلسطين )، وعيوننا ترحل اليك كل يوم
-
- إن شاء الله - فيلم كندي يصور معاناة الفلسطينيين المحرومين
...
-
ديكتاتور تشيلي أوغوستو بينوشيه مصاص الدماء في كوميديا الرعب(
...
-
فيلم -كولدا - فيلم يعيد ذكرى الخيبة الإسرائيلية في حرب أكتوب
...
-
المسلسل الوثائقي ( مُسكنّ ألألم ).. يفضح شركات الادوية وإستغ
...
-
الفيلم الأردني -مدن الترانزيت- يحاكي غربة لأنسان العربي داخل
...
-
فيلم ( المعضلة الأجتماعية ) يكشف الجانب المظلم في أستخدام وس
...
-
الفيلم الوثائقي ( المعضلة الأجتماعية ) يكشف الجانب المظلم في
...
-
فيلم ( المطيرجي ) مشحون بذكريات وحنين اليهود العراقيين الى ب
...
-
الحرب العالمية الثالثة - فيلم إيراني - يكشف محرقة الفقراء وا
...
-
فيلم - مسز تشاترجي ضد النرويج - يسلط الضوء على الاختلافات ال
...
-
فيلم- صوت الحرية- صرخة بوجه عالم يستغل فيه الأطفال جنسيا
-
الفيلم الايراني (قصيدة البقرة البيضاء ) يفضح فساد السلطة الق
...
-
الفيلم الأيراني (طريق ترابي) رحلة الخلاص والبحث عن الحرية
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|