|
الشاعر التونسي الألمعي د-طاهر مشي : شاعريته تتألق في سماء الكلمة الأصيلة الحافلة بكل معاني البلاغة والسحر والبيان
محمد المحسن
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 7814 - 2023 / 12 / 3 - 22:08
المحور:
الادب والفن
د-طاهر مشي شاعر تونسي ألمعي صدر له أكثر من ديوان،مستفيدا من تجربته الشعرية وثقافته الغزيرة التي جعلت منه شاعرا صاحب رؤيا وموقف حداثي جدير بالتنويه.. نحن إذن أمام شاعر تمرس بالقول الشعري وعبر دواوينه الشعرية بإمكان القارئ أن يكتشف عالمه الشعري الذي لا يعول على جيشان الشعور فقط ورصف الكلمات البليغة،بقدر ما يجعل من العالم بمختلف مظاهره المادية والإنسانية مادة للتأمل في رزانة عميقة واتزان وجداني متوسلا بالدهشة والحيرة والشغف بفتنة السؤال وإثارة القلق أو الشك الذي ينير دهاليز الفكر ويضئ عتمة النفس. كما يمتاز -طاهر مشي بكونه ناثرا من طراز رفيع ويجلي نثره ميزتين اثنتين واجبتين في كل نثر عظيم الثقافة الرصينة والأسلوب الآسر الذي يكمن سره في هذه الكيمياء الساحرة التي تجمع ذاته وتبصراتها بالحياة. وهنا أقول : المؤلف أو الشاعر،لم يعد ميتا كما استحال في سبعينيات القرن الماضي،ولم يعد إلى أدراجه القديمة منعزلا عن نصه،بل هو الصوت الآخر الذي يدفع القارئ إلى البحث عن مزيد من التفاصيل واقتناص الإحداثيات السردية أو الشعرية بمعاونة الكاتب نفسه.. هذا الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي كتب نصوصا بجمالية فنية وأسلوبية ذات بصمة مميزة،كنتاج لخبرة وتعمق واهتمام بالجوانب الفنية للغة ولحالات التمظهر فيها وإلماما بالقوالب والأنواع. وإذن؟ هو إذا،(الشاعر التونسي السامق د-طاهر مشي) شاعر ذو لونِ مميز،جمع بين حروف كلماته قطوفاً من الرومانسية والرقة والحلم والدفء والجرأة،استطاع عبر قصائده الموغلة في الجرأة والرومانسية التعبير عن المرأة و مشاعرها و أحلامها و أفكارها بمقدرة فريدة دون أن يهمل القضايا الوطنية المنتصرة للإنسان والإنسانية. دعوني أقتحم حلبة الشعر للشاعر الكبير د-طاهر مشي وأرقص،رقصة -زوربا اليوناني-على ايقاع كلماته العذبة راجيا أن لا تخني قدمايَ :
سيري؛ فما بيننا،بالنّأْيِ قد دُرِسا!* ما من حبيبٍ في الهَوى تَعِبٌ والشّوقُ في الأوْصالِ قد خُرِسا إلاّ وَ دمعُ العَيْنِ من وَصَبٍ مِنْ وَطْأةِ الأيّامِ، قد حُبِسا كم في الهوى تلتاعُ أفئدةٌ والدّمعُ مِن عِشقٍ قد انبَجَسا كمْ من هوًى لِلرّوحِ مرجِعُهُ والشوق يُلهِبُهُ في القلبِ قد غُرِسا يا روحُ فيكِ الروحُ موطنُها والعَيْنُ ترقُبُها،بَحْراً غَدا يبَسا من قلبي دمعُ العشقِ أذرِفُهُ حتى بدا في عَيْنِها قَبَسا يا وَيْحَ قلبِيَ بالأحلامُ أرقُبُها يا لوْعةَ المُشتاقِ كَمْ نُكِسا! ما راعَني في البُعدِْ مَظلَمَةٌ إلاّ حبيبٌ جفا،مِن وصْلهِ يَئِسَ ما رُمتُ هجْرَ الخِلِّ طَوْعَ يَدي إلاّ لأنّ حشاشَ القلبِ قد يَبِسَ يا مّنُ تركْتِنِي للِطوفانِ يُغرِقُني سيري؛ فما بيننا،بالنّأْيِ قد دُرِسا! طاهر مشي
تتجلى في هذه القصيدة طاقة شعرية قادرة علي إزاحة مستويات التعبير إلي عمق دلالي رغم عمودية النص إذ تعمل عناصره علي تشكيل مشهد شعري متعدد الجوانب، برسم صور حية ونابضة للذات التي تبقي في مواجهة مُستمرة مع الفعل الإنساني الأجمل وهو الحب وعند هذا المستوي تحديدا،تصنع الشعرية موجات متتالية من الدفق الشعوري،مرتبطة بحضور الأخر دوما تخلق منه هامات ومساحات مضيئة عبر تشكيلها الشعري فيظل النص منذ عتبة العنوان يكشف طوال الوقت هذه الأعماق الدلالية ويقدم صورة شعرية بلغة مُتحررة رغم إيقاعها البطيء نسبيا،ففعل الشعر حين يكون عالما بمفردات الحضور الإنساني تتألق فى شغب وتلامس برهافة مشاعرنا تخط عليها عالمها الثرى بكون من العلامات والعلاقات التي تتحدد فيه مواقع الكلام في صورة تخيلية بين الإرسال والاستقبال في كتابه (الأسس الجمالية في النقد العربي) يقول د. عز الدين اسماعيل*:” اللغة في الفن غاية في ذاتها،في حين أنها في غيره وسيلة “. ومعنى ذلك أن مهارة الفنان ( الشاعر ) في إنتاجه الفني يتوقف بالأساس على علاقته باللغة التي يستخدمها. ونحن لن نعكف على إحصاء الخصائص اللغوية التي يتميز بها الأسلوب عند شاعرنا د. طاهر مشي.ﻷن هذه قراءة جمالية متعجلة اختيرت في الأصل لهدف محدد،وهو التركيز على استقراء اللغة التعبيرية التي يستخدمها الشاعر للتعبير عما يعتمل في وجدانه من صور ابداعية على غاية من الإشراق والتجلي. غير أن القراءة الجمالية في شعر د. طاهر مشي لا يمكن لها إلا أن تمر بأسلوبه اللغوي الذي بات معروفا به ومميزا له لشدة تعلقه بفنون البلاغة والبيان،بحيث أنه لا يقدم تركيبا لغويا إلا بتلغيمه بإحتمالات متعددة للمعنى.واحتمالات متعددة لتفسير الصورة الفنية نفسها. لذا فإن المعجم الشعري الخاص بشاعرنا قد بلغ حدا من الدقة في اختبار الألفاظ فرض على المتلقي المتذوق حاجة ماسة للتأمل. وإذن؟ إذا،نحن أمام مفردات لينة طرية تشبه عجينة الصلصال يضعها الشاعر(د-طاهر مشي) في يد المتلقي لتتحول تحولا سحريا إلى الصورة التي يتوقعها والتي تلائم تطلعات ذائقته الشخصية. وبهذا نعود إلى أهم مبادئ التشكيل الجمالي للصورة الفنية في الشعر وهو اختيار المفردات التي تسبب إدراكا حسيا مبهما أو غامضا بعض الشيء عند المتلقي.بسبب هذه التعددية في احتمالات معنى اللفظ الواحد. مناجاة الله في قصيدة”مناجاة” : الدعاء هو العبادة،وهو لحظة صدق لا يشوبها الكذب،حينها يدرك العبد حقيقة فقره إلى ملك الملوك،ويرى تلك الحقيقة مشرقةً أمام عينيه،كأنه لم يعرفها من قبل،أو حالت بينه وبينها فتن الدنيا وزخارفها البالية،فتفيض دموعه لتمحو آثار غفلته،وتنساب على لسانه كلمات تطرب لها الأسماع،وترقص لها القلوب،فكيف إذا انتظمت هذه الكلمات على أوزان الشعر وقوافيه كما هو الحال في قصيدة د-طاهر مشي التي أشرنا إليها..؟! ربي الهي يا حبيبي المنعم ها قد شكوت الداء بات محجمي كل الأيادي في رجاك أكفها تدعوك حمدا يا حفيظا مقدمي..- لم يفُتْ الشعراء العرب،خلال مسيرة الشعر العربي المجيدة،أن يُفردوا لمناجاة الله تعالى مساحات واسعة ملؤها الإبداع،يسطِّرون فيها تعلُّق أنفسهم،التي زكَّتها التقوى ورقَّقها الأدب، بالخالق الكريم سبحانه وتعالى،الذي لا يقطع التوبة عن عباده وإن ملُّوا من الاستغفار. ولعلنا نبصر في نص”مناجاة” لشاعرنا الفذ د-طاهر مشي المناجاة التي برع في نظمها هذا الشاعر القديرسمو الأدب الذي يرتقي بالمشاعر ويسمو بها في فضاءات التبتُّل والصفاء، ويدعوها إلى توحيد الله تعالى والإخلاص في العبادة وتجنُّب المعاصي والآثام،وهي أهداف نبيلة جاء بها الشرع،وأُسِّس عليها الشعر،لولا ما اعترى بعض الشعراء من نزعات وشطحات حادت بهم عن المعنى الحقيقي للأدب تجليات الإنزياح في قصائد الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي : إن جمالية اللغة تتحقق من خلال انزياحها عن معايير اللغة العادية،واستغلال كل طاقاتها المعجمية والصوتية والتركيبية والدلالية.فالانزياح هو”انحراف الشعر عن قواعد قانون الكلام، أو اختراق ضوابط المعيار أو المقياس،وهو ظاهرة أسلوبية تظهر عبقرية،حين تسمح بالابتعاد عن الاستعمال المألوف،فتوقع في نظام اللغة اضطرابا،يصبح هو نفسه انتظاماً جديداً،ذلك أن الإنزياح إذا كان خطأ في الأصل،فإنه خطأ يمكن إصلاحه بتأويله”. وهذا يفيد بأن للإنزياح دورا جماليا كبيرا باعتباره يقوم على وجود علاقات توتر وتنافر بين متغيرين أو أكثر،وخاصة على المستوى الدلالي أو التركيبي. وهذه الوضعية تحتاج إلى تدخل من المتلقي في إطار عملية التأويل التي تعيد للخطاب انسجامه وتوازنه. وهو بمعنى آخر خرق منظم لشفرة اللغة،ويعتبر في حقيقة الأمر الوجه المعكوس لعملية أساسية أخرى،إذ أن الشعر لا يدمر اللغة العادية إلا لكي يعيد بناءها على مستوى أعلى،فعقب فك البنية الذي يقوم به الشكل البلاغي،تحدث عملية إعادة بنية أخرى في نظام جديد. والشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي استخدم هذه الظاهرة الأسلوبية بغزارة وبشكل ملفت للنظر حتى أصبحت واحدة من أهم السمات الفنية التي تميز تجربته الشعرية. ما قبل الخاتمة : إن الفكرة لدى كاتب الشعر لا توجه لغة الخارج،فالشاعر نفسه شبيه بلغة جديدة تبني نفسها، وتبتكر لِنفسها وسائل تعبيرية وتتنوع حسب معناها الخاص.هنا ما نسمّيه شعراً ليس سوى فرع من الادب الذي تتأكد فيه الاستقلالية في أبهى صورها.فالكثير من المتذوقين للشعر الحديث لا يعتبرون القصيدة شعراً ما لم يكن بها أنين وحكمة أو استغاثة،لذلك واحد من أصعب الأمور في كتابة الشعر هو أن يعرف المرء ما هو موضوعه ؟!. إن جلّ الناس يعرفون ولا يكتبون الشعر لأنهم واعون جداً للفكرة..وبعبارة أخرى أكثر تحديداً وسيولة،إن القصيدة هي التي تخبر الشاعر د-طاهر مشي بم يفكر..وليس العكس !. على سبيل الخاتمة: قام الشعراء العرب على غرار السياب،عبدالوهاب البياتي،نازك الملائكة وغيرهم..بتجديد قصيدة الشعر الحر وغيرت المناخ العام للقصيدة العربية التقليدية من أجل تقديم مواضيع الإنسان المعاصر وهمومه بحرية أكثر وبانفتاح أكثر على عالم المعرفة.. وهذا ما يؤسس له الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي،داعيا القارئات الفضليات والقراء الأفاضل الإطلاع على نصوصه وتجربته الشعرية الرائدة،ومن ثم نفتح باب النقاش الحضاري للوصول إلى فهم إنساني عميق لكتابة النص الشعري والأدبي العميق،إيمانا منا بدور الآدب في النهوض بالعالم الروحي للشعوب. ولنا عودة إلى مشهده الشعري عبر مقاربات مستفيضة..
*ترجمَت هذه القصيدة إلى الأنجليزية والإيطالية بقلم الأستاذ الجزائري الشاعر محمد علي السالمي.
#محمد_المحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجليات الذاتِ الأنثوية..في أفق قصيدة النثر النسوية العربية و
...
-
حين يتخفى الشعر..في قناع الوَجَع..قراءة فنية متعجلة في قصيدة
...
-
الإدهاش الإبداعي..في أفق قصائد الشاعر التونسي الكبير د-طاهر
...
-
على هامش الحرب-القروسطية-على غزة..أرض العزة غزة: درب الآلام.
...
-
حين يتخفى الشعر..في قناع الوَجَع.. قراءة فنية متعجلة في قصيد
...
-
قراءة فنية-متعجلة- في قصة قصيرة -قدر الأمواج- للكاتبة التونس
...
-
التموجات الدلالية للقصيدة الومضة-لدى الشاعرة التونسية القدير
...
-
إشراقات الحب وإيقاعاته -في-إستمِرّي سيّدتي- للشاعر التونسي ا
...
-
حضور فلسطين في ثوب إبداعي مطرز بالرفض والصمود والتحدي..في قص
...
-
جماليات اللغة الشعرية في تجلياتها التركيبية والدلالية.وعمق ا
...
-
الشاعرة التونسية السامقة أ-نعيمة المديوني..تضيء ذاكرة الوطن.
...
-
قراءة جمالية في قصيدة الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي -قصيد
...
-
قراءة متأنية في-قصة قصيرة-جدا منبجسة من ثقوب الوَجَع..-حدث ذ
...
-
غزة-مدينة أسطورية-تروي لنا بطولات الأجداد وملاحم الأحفاد..وت
...
-
على هامش ملحمة العزة بقطاع غزة-غزة-مدينة أسطورية-تروي لنا بط
...
-
-أليس بإمكان الشاعر الآن..وهنا..تطريز المشهد الشعري بزلازل م
...
-
تحايا مفعمَة بعطر الزهور..إلى مربية فاضلة
-
(صلوات..في محراب العشق) قصائد الشاعر التونسي الكبير د-طاهر م
...
-
جمالية الخطاب الشعري التقدمي..قصائد نخبة من الشعراء العرب (ب
...
-
تَمَثُّلات الوَجَعِ في قصيدة الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مش
...
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|