|
بين الأهداف المعلنة والحقيقية للحرب على غزة
نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)
الحوار المتمدن-العدد: 7814 - 2023 / 12 / 3 - 11:35
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
في الثامن عشر من أوكتوبر الماضي، وقبل مرور أسبوعين على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حطت طائرة الرئيس الأميركي جو بايدن في مطار اللد في زيارة كانت الأولى التي يقوم بها رئيس أميركي إلى إسرائيل في زمن الحرب. وخلافا لعبارات التأييد والانحياز المعروفة، والتي تكررت لاحقا على ألسنة جميع المسؤولين الأميركيين، نبّه بايدن مستقبليه إلى ضرورة التفكير في اليوم التالي للحرب، وتحديد أهدافها بدقة، وعدم الاندفاع وراء رغبات الانتقام كما فعلت الولايات المتحدة في الحرب على أفغانستان والعراق. جاءت تحذيرات بايدن الدقيقة لإسرائيل، على الرغم مما عرف عنه من عدم التركيز في تصريحاته الرسمية بسبب أثر التقدم في العمر. يمثل هذا الموقف إقرارا ضمنيا بأن الأهداف الإسرائيلية المعلنة للحرب وهي القضاء على حماس واستعادة الأسرى، ولاحقا أضيف هدف القضاء على التهديد القادم من غزة، هي أهداف غير واقعية على الإطلاق، بل يناقض بعضها بعضا. لأن القضاء على حماس أو على المقاومة يناظر القضاء على الشعب الفلسطيني، ومواصلة عمليات الإبادة والتدمير وقصف كل متر مربع من مساحة قطاع غزة، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تعريض حياة الأسرى للخطر. فشلت خمسون يوما من حرب الإبادة والتهجير والتطهير العرقي والعقوبات الجماعية في استعادة أسير واحد، فما الذي يضمن أن استمرار هذه العمليات الوحشية (المدعومة من الإدارة الأميركية وفق الذريعة الممجوجة والكاذبة عن حق الدفاع عن النفس) يمكن لها أن تعيد بقية الأسرى؟ من المؤكد أن أهداف حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة تختلف اختلافا جذريا عن تلك المعلنة، ولمعرفة هذه الأهداف والتحقق منها، لسنا بحاجة لمتابعة وتحليل ما يتفوّه به السياسيون والجنرالات، بل تكفينا ما تقوم به آلة الحرب من مذابح جماعية يومية، وتدمير للمساكن والبنى التحتية والمعالم الحضارية والخدمية. فهذه الحرب هي جزء من الحملة والمخططات المعروفة لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية وحسم الصراع، وهي الحملة التي عايشنا ترجماتها في الضفة على امتداد العامين الماضيين. يضاف إلى ذلك هدف التخلص من قطاع غزة الذي راود كثيرا من قادة إسرائيل على مر العقود الماضية، والذي يترجم أحيانا بشكل "ناعم" بفكرة فصل غزة عن الضفة وإخراجها من معادلة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأحيانا أخرى ينفذ بشكل وحشي وقاسٍ كما يجري الآن أو عبر مخططات التهجير التي تختفي أحيانا ثم تعاود الظهور مع كل حرب أو أزمة، ومفهوم أن غخراج غزة من الصراع يعني الخلص من مليوني فلسطيني ومن المقاومة ومن جزء مهممن قضية اللاجئين، بل ومن وحدة الشعب الفلسطيني، كل ذلك في وقت واحد. في المدى المنظور تهدف هذه الحرب العدوانية إلى تكبيد الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا يفوق بعشرات المرات الثمن الذي تكبدته إسرائيل في عملية السابع من أكتوبر، وهو نهج دأبت إسرائيل على ممارسته حتى في عمليات القمع اليومية وسلسلة الحروب الصغيرة التي شنتها على غزة. يمكن تسمية هذا الأمر بميزان الدم، أو عدّاد القتل والذي رأيناه في كل عملية اجتياح لمدن الضفة ومخيماتها، حيث كان يجري إعدام المطلوبين ومَن تواجد إلى جوارهم أو في طريق تنفيذ العملية وحتى عابري السبيل ممن وُجد بالصدفة في مكان العمليات، يشير عداد الدم هذا يشير إلى مقتل عشرة فلسطينيين على الأقل مقابل كل إسرائيلي، وغالبا ما يكون الضحايا الفلسطينيون من المدنيين وبخاصة من الأطفال والنساء وكبار السن كما يجري خلال المجازر المرتكبة حاليا في غزة. تكبيد الفلسطينيين الثمن يهدف ايضا إلى كيّ وعيهم وخلق قناعة راسخة لأجيال باستحالة التصدي لإسرائيل، أو بالكلفة الهائلة لمثل هذه المحاولات. ويرى بعض المسؤولين الإسرائيليين مثل الوزير جدعون ساعر أن استيفاء الثمن يجب أن يشمل اقتطاع جزء مهم من مساحة قطاع غزة الصغيرة أصلا، ويوافقه في ذلك معظم الجنرالات والسياسيين الذين يدعو بعضهم إلى عودة الاستيطان إلى غزة، وذهب بعضهم إلى حد المطالبة بتحويل قطاع غزة إلى منتزه قومي إسرائيلي، بل طالبت الوزيرة السابقة أييلت شاكيد بتحويل مدينة خانيونس إلى ملعب لكرة القدم. تهدف فظائع الإبادة والتدمير أيضا إلى استعادة قوة الردع المهدورة في السابع من أوكتوبر، في رسالة ملطخة بالدم ليس للفلسطينيين فقط بل لكل من يفكر بالمساس بإسرائيل، ذلك ما كرره وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي توعد بتحويل بيروت إلى غزة جديدة إذا فكر حزب الله بتصعيد المناوشات ضد إسرائيل إلى حرب مفتوحة. تتحرك أهداف الحرب الوحشية على قطاع غزة في ضوء نتائج المواجهات الميدانية وردود الفعل الإقليمية والدولية. ففي بداية الحرب طالب قادة إسرائيل المواطنين الغزيين بالخروج من القطاع للنجاة بأنفسهم، بل إن بعض أعضاء الكنيست وخاصة داني دانون (ليكود) ورام بن باراك (يوجد مستقبل) طالبا دول العالم باستيعاب اللاجئين الفلسطينيين بحيث تأخذ كل دولة حصة من هؤلاء اللاجئين، وحظي هذا الحل "العبقري" بإشادة من الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش. وفي موازاة الدعوة لتهجير الفلسطينيين، أطلَّت برأسها أفكار استيطانية وتوسعية قديمة وجديدة مثل مشروع قناة بن غوريون، والأطماع في حقول الغاز قبالة سواحل غزة وكلاهما يفترض أن الخلاص من غزة وشعبها بات أمرا ممكنا. لكن الموقف الحازم لمصر والأردن برفض التهجير، ثم تبني موقف مشابه من قبل عديد الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة أدى إلى تراجع هذه المطالب، والاستعاضة عنها بالتهجير الداخلي الذي يهدف إلى حشر مليوني نسمة وتكديسهم في مخيمات كبرى من دون اية مقومات للحياة وبالتالي الضغط على المجتمع الدولي للتدخل من أجل إنهاء هذه الكارثة الإنسانية عبر التهجير. تخطط إسرائيل كيفما تشاء بناء على أطماعها والدعم الأميركي لها، لكنها ليست وحدها في ميدان المعركة، فالشعب الفلسطيني صامد على أرضه، والمقاومة تقوم بواجبها، وحركات الاحتجاج تعم مدن العالم وعواصمه وتهز أركان النظام الدولي الظالم ومعاييره المزدوجة التي تُفصّل تفصيلا بحسب هوية الضحية ولونها وعرقها ودينها.
#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)
Nihad_Abughosh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الحرب والأخلاق بين دولة الاحتلال والمقاومة
-
حتى بعد الحرب: جولات كثيرة لمعارك مقبلة
-
بعض الحقائق التي كشفتها الحرب على غزة
-
استهداف المستشفيات وسيلة لتهجير الفلسطينيين
-
إسرائيل ليست وحدها في ميدان المعركة
-
عن سيناريوهات ما بعد الحرب
-
هذا الانحياز المطلق للاحتلال والعدوان!
-
أشياء كثيرة تهشمت ويستحيل ترميمها
-
الإبادة والكارثة في غزة هدفان للاحتلال وليستا نتيجة جانبية
-
الأعياد اليهودية مواسم للعدوان والكراهية
-
نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين
-
خيارات المقاومة في ظل التطورات الميدانية
-
عملية طوفان الأقصى تغير معادلات الصراع
-
لماذا يشيطنون غزة ومقاومتها (3 من 3)
-
لماذا يشيطنون غزة ومقاومتها (2 من 3)
-
لماذا يشيطنون غزة ومقاومتها؟(1 من 3)
-
الأولوية لحماية المدنيين ووقف حرب الإبادة والتهجير
-
لا أهداف اسرائيلية واقعية سوى القتل والانتقام والدمار
-
مسؤولياتنا لدرء نكبة ثانية تتهددنا جميعا
-
إسرائيل لا تأبه بمصير أسراها
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|