تمجيد الجهل!

احمد جمعة
روائي
(A.juma)

الحوار المتمدن-العدد: 7813 - 2023 / 12 / 2 - 20:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية

في روايتي "شاي مع ماريو فيتالي" تتقمص الدكتاتورية روح شعبية تهفو إلى جعل التنوير وحرية التعبير الحاد يستحق التعذيب والنبذ، تتنبأ الرواية بوباء جديد ينتشر في الأجساد ويصيبها بالتشوية ويقود للإفراط الشعبي في تقديس الدكتاتورية وجعلها بديلاً للتنوير، مما يسهل للدكتاتورية وهي تتمتع بالدعم الشعبي من البقاء والتغذي على انتزاع العقل والتفكير بدلاً من الأغلبية وتحسين وجه القمع والتعذيب وحتى الإعدام. عندما تبلغ الدكتاتورية العربية حافة الذروة بجعل شعبيتها هي السائدة وبتحويل الأوطان إلى منافي، وجعل الغربة فيها هي الصورة العقابية لكل متحرِّر وعقل يفكر وقلم يعبر وإنسان يتنفس الهواء الحر النقي، فإنها بذلك تُصمّم بقائها إلى أطول مدة يمكنها الصمود بسلب الإنسان العربي عقله.
لا قوة تضاهي العقل سوى العقل ذاته، عندما تحارب الجهل بالعقل وعندما تكرس الجهل كذلك بالعقل، فعندما تفكر الحكومات الدكتاتورية بعقل وتنتزع العقول من الشعوب فالوضع يشبه الحاضر العربي اليوم. لا شيء يضاهي الآن مدى السقوط المرعب للشعوب وقد سُلِبت العقل وأصبحت الأنظمة العربية في غالبها مثل كالخرافة وهي تحل مكان العقل...
الحكومات الدكتاتورية غير ملامة وبذات الوقت مسئولة عن تحويل الشعوب إلى قطعان مواشي تسييرها حيثما تصفق وتتقبل فقرها وجهلها ومصيبة الكبائر هنا تحوُّل الكتاب ومن يدعون بالطليعة والنخبة إلى قيادات للقطعان، هل هناك وباء أخطر وأشنع من أن ترى المفكر والروائي والأديب والمثقف يُسبِح ويحمد لدكتاتورية العقل المسلوب والترويج للجهل...
من يلقي نظرة للوراء على حقب من التاريخ ابتداء من عصور التنوير المقترن بالنخب الفكرية كأبو العلاء المعري والفارابي وابن رشد وابن خلدون مرورًا بعصر شبلي شميل وسلامة موسى وطه حسين...وكان قراء العربية يحتضنون ديكارت وفولتير وكارل ماركس ونتشه وكانت الصورة متقنة وتوحي بعصر لا تسقط فيه الأمة بفقدان الوعي والإصابة بغيبوبة فترى الدكتاتورية مقدسة والعقل منبوذ حتى تتحول الأوطان إلى منافي وتضحى شعبية الجهل تضاهي العبادة له ومن يفكر بحرية خارج السرب يصيبه الوباء وينفي من الوطن وهو فيه.
كيف تحولت الشعوب العربية إلى هذا المنحدر الرمادي؟ وكيف أضحت الطليعة النخبة إلى قائد للقطيع مما أعاد ترتيب الوضع لعكس ما كان، فأصبحت الغوغاء هي من تقود الطليعة النخبة. يا للهول!

#احمد_جمعة (هاشتاغ) A.juma#

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات