أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف الصيفي - أوريجانوس السكندري















المزيد.....


أوريجانوس السكندري


شريف الصيفي

الحوار المتمدن-العدد: 7813 - 2023 / 12 / 2 - 18:59
المحور: الادب والفن
    


يصعب فهم العلامة أوريجانوس بدون السياق الروحي والثقافي المحيط بالمسيحية المبكرة وتحديدًا الفلسفة الأفلاطونية والغنوصية. وقد ساعدتنا لا شك الاكتشافات الحديثة للتراث الغنوصي بإلقاء نظرة على دوافع أوريجانوس وطريقة تفكيره التي لا تعيقها الدوغماتية التي ترسخت لاحقًا. اسمه بالكامل في الأصل "هوريجينيس أداماناتيوي ابن ليونيديس، اسمه المصري مشتق من اسم الإله حورس، ولكون صوت الحاء غير موجود في الأبجدية اليونانية نطق اورجانوس. ولد في عام 185 م. في الإسكندرية من أسرة مسيحية، اضطر للعمل مبكراً كي يعول أسرته بعد استشهاد أبيه في موجة الاضطهاد التي قادها الإمبراطور سيبتيموس سيفيروس عام 202 م. كان أوريجانوس ذو ثقافة دينية عالية، فقد درس أولاً على يد والده "ليونيديس" ثم لاحقًا تتلمذ على يد كلمنت السكندري، في المدرسة اللاهوتية " الديداسكاليون" (الموعوظين)، وهي المدرسة التي تأسست عام 190 م تقريباً، كأول مدرسة في التاريخ للراغبين في إعتناق المسيحية أو المنضمين حديثاً إليها، والتي تطورت فيما بعد لتصبح مدرسة لاهوتية ذات سمعة عالمية. وكانت مشبعه بشكل ما بالتقاليد الأكاديمية القديمة للإسكندرية، وكانت تتبع المنهج الأكاديمي القديم في التعلم عن طريق السؤال والجواب. كما درس الفلسفة الأفلاطونية الحديثة على يد أمونيوس ساكاس وعمل مدرساً للأدب اليوناني. بعد رحيل كلمنت عن الإسكندرية، عهد البابا ديمتريوس الأول لأوريجانوس بإدارة المدرسة عام 202 م، ومع تعيينه بدأت محاولة ديمتريوس جعل المدرسة تابعة للأسقف مباشرة، وأدى ذلك فيما بعد إلى التباعد بين الرجلين، بين الأسقف والفيلسوف. تقول المصادر أنه ألف عدد كبير من الكتب باليونانية، فقدت جميعها ولم يبقى إلا بعضها مترجماً للاتينية. منها ما حمل نقداً للمدارس الغنوصية، ومن أشهر الكتب التي وصلتنا كاملة كتابه "ضد كلسوس"، يرد فيه على ما جاء في كتاب "كلمة حق" للفيلسوف "كلسيوس" ضد المسيحية الذي صدر في الإسكندرية عام 178 م. كان اهتمام أوريجانوس هو التعاطي مع العلم بأكمله في عصره من وجهة نظر مسيحية ورفع المسيحية إلى مرتبة نظرية عالمية وفقًا للتقليد الهلنستي. انعكس تأثره بالفلسفة الأفلاطونية الحديثة على مقولاته اللاهوتية، فاستعار منها تصورها عن الكائن البشري المركب من ثلاث عناصر: الجسد والنفس والروح، واستخدم هذا التصور في تفسيراته للكتاب المقدس. في تواز مع تقسيمه لمفاهيم النص، فهناك مفهوم حرفي ومفهوم أخلاقي ومفهوم روحي للنص. كما يعتبر مفهوم أوريجانوس اللاهوتي والعقائدي عن الله مفهومًا مجردًا تمامًا - فالله كيان كامل وغير مرئي وغير مادي ويتجاوز كل الأشياء المادية، وبالتالي غير مفهوم وغير مُدرك. كذلك هو غير قابل للتغيير ويتجاوز المكان والزمان. لكن جبروته محدود بخيره ورحمته وعدله وحكمته وجميعها تحد من إظهار ذاته، فهذا التجلي، انبثاق الله الذاتي يعبر عنه بطرق مختلفة – كما يقول أوريجانوس –"اللوجوس" (الكلمة) إحدى هذه التجليات "اللوجوس (الكلمة). كان هذا التجلي أول خلق الله، كما جاء في الأمثال 8، 22: "الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم"، كي يؤسس علاقة خلاقة بينه وبين العالم، فهو وسيط لا غنى عنه، لأن الله بوصفه كيانًا مطلقًا لا يمكن أن يكون مصدرًا للخلق المتعدد. اللوجوس هو المبدأ الخلاق العقلاني الذي يسري في الكون ويسوده وهو بذلك متبني تبني كامل لمقولة الفيلسوف الإغريقي "هيراقليطس" بأن اللوجوس هو العقل الكوني. كما فهم عمل "اللوجوس" وفقًا للتفسير الأفلاطوني على أنه روح العالم التي يُظهر الله فيها قدرته المطلقة. وبما أن تجلي الله أزلي فإن اللوجوس أبدي كذلك، ويشكل جسرًا بين المخلوق وغير المخلوق، إلى جانب كونه منبع الخلق فهو ومن خلاله كممثل مرئي للحكمة الإلهية يمكن معرفة الله غير المحسوس. وقد أدى دفاع أوريجانوس عن واحدية الله أن يخضع الابن للأب، لذلك أكد على استقلالية اللوجوس وتميزه عن جوهر الله ولم يستخدم مصطلح "مكافئ مع الأب في الجوهر"، فهو مجرد صورة، رد فعل، تجلي لا يمكن مقارنته بالله. يؤكد أوريجانوس في نظرية اللوغوس بوضوح على إنسانية المسيح: الأب (اللوجوس الأول) أعظم من الابن (اللوجوس الثاني). ذروة هذا التجلي التدريجي هو التجلي الكامل للمسيح، فمن خلاله يظهر الله بوصفه أب، الذي تجلى فقط بوصفه الرب فقط. كان تجسيد الكلمة ضروريًا كي يكون مفهومًا للقوة الحسية البشرية. تحدث أوريجانوس عن "جسد رائع" جسد أثيري وإلهي وهنا يقترب أوريجانوس من الفكر الدوسيتي. تصور أوريجانوس أن ثمة تطهيرًا تصاعديًا للأرواح بعد تطهيرها من كل الشرور ستتمكن من رؤية الله الآب وجهاً لوجه وسيعرفون حقيقة الله كما عرفه الابن. تقترب فكرته كثيرًا من التصور الأفلاطوني القائل بأن تطهير العالم من الشرور سيؤدي إلى تجدد كوني. أبتكر تصور الإصلاح الشامل للعالم، على أساس أن الشر عنصر دنيوي وزائل وأن النفس ذلك الكيان الروحي أسبق في الوجود وسجن في الجسد بسبب الخطيئة، والإصلاح النهائي سيتم بمعونة المخلص يسوع المسيح بإعادة الروح لأصلها الأول. إذا أدرك الإنسان أولاً ضعفه وأوكل كل شيء إلى الخير الإلهي. لم يُدان أوريجانوس أبدًا خلال حياته، وقد كانت سلطته قوية لدرجة أنه لم يتم إدانته رسميًا على أنه مهرطق. تم رفض بعض تعاليمه حوالي عام 553 في مجمع القسطنطينية الثاني ، وكان من المقرر حرق كتاباته، لكن لاهوته كان دائمًا مثيرًا للجدل حتى يومنا هذا. اندلع في نهاية القرن الرابع جدل واسع حول أفكاره عندما وصف إبيفانيوس سلاميس في كتابه "بناريون" أوريجانوس بأنه مهرطق، لأنه قال أن الابن تابع للأب. ذلك التصريح الذي أزعج الأسقف يوحنا في أورشليم، الذي كان من أتباع أوريجانوس المخلصين. كان موقف أسقف الإسكندرية ثيوفيلوس في البداية مع أنصار أوريجانوس وأعلنه صراحة في رسالته الفصحية عام 399. كان لدى أسقف الإسكندرية ميلاً نحو أفكار أوريجانوس التي تُنكر تجسيد الله في هيئة بشرية أو كيان مادي أو أي مكون فيزيقي، مدفوعًا بخوفه أن يقود ذلك إلى الوقوع في فخ عبادة الأصنام. انقسم الرهبان إلى فريقين، فريق أيد الأسقف وفريق آخر اعترض على محتوى الرسالة الفصحية واتهموه بتلوثه بأخطر هرطقة كشخص ينكر أن الله تعالى كان له شكل إنساني وفقًا للنص التوراتي الصريح في الإصحاح الأول من سفر التكوين 26- 27: "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا.... فخلق الله الإنسان على صورته". وبعضهم رفض أن تُعرض رسالة الأسقف الفصحية في مجامعهم أو تُقرأ علانية، فقد كانت مفاهيم تجسيد الله مرتبطة بقوة بالأنشطة اليومية للصلوات والعبادات الرهبانية، ويحكى أن أحد الرهبان في دير "بفنوتيوس" في الصعيد قد انهار باكيًا عندما اجتمعت الجماعة للصلاة لأنه شعر بأن الصورة الذهنية عن الله التي بداخله قد أنتزعت منه، وأن الشكل البشري لله الذي اعتاد أن يضعه أمامه عند الصلاة قد غادر قلبه الآن، فرمى بنفسه على الأرض صارخًا:

"لقد انتزعوا مني إلهي، ليس لدي الآن أحد أعتمد عليه،

ولا أعرف لمن أتعبد أو أتوجه".

تدفق مئات من رهبان "نتريا" على الإسكندرية وحاصروا مقر الأسقف، وتقول بعض المصادر أن بعضهم لأعد خطة لاغتيال الأسقف إن لم يتراجع عن موقفه. في نهاية اليوم تراجع الأسقف عن موقفه المُعلن في رسالته الفصحية تحت ضغط الرهبان وأدان أفكار أوريجانوس بوصفها "خرقة من رداء الفلاسفة"، حيث خرج على الرهبان الغاضبين واسترضاهم بتحية تؤيد تصورهم بأن الله كانت له خصائص وصورة بشرية، قائلاً: أراكم (تبدون) مثل وجه الله. لاحقًا انقلب تمامًا على أقوله الأولى وعلى من أيدوه من الرهبان وفي مقدمتهم "إيسيذورس":

إن بعض عديمي القيمة المجانين المصابين بالهذيان الذين تمنوا نشر بدعة أوريجانوس في أديرة نتريا فقد اجتثهم منجل النبي.

وفي رسالة ثانية بعدها بأشهر قليلة أرسلها إلى "هيرونيموس":

لقد قضت كنيسة المسيح بسيف الإنجيل على أفاعي أوريجانوس التي خرجت من جحورها، واراحت جماعة الرهبان المقدسين في نتريا من وباء عدوتها".!!



#شريف_الصيفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ، زهرة برية على كرسي الأسقفية -سينيزيوس القيرواني-
- شكاوى الفلاح المصري
- وصف الأحوال في مدينة العمال، ووقائع أول إضراب في تاريخ العمل ...


المزيد.....




- سربند حبيب حين ينهل من الطفولة وحكايات الجدة والمخيلة الكردي ...
- لِمَن تحت قدَميها جنان الرؤوف الرحيم
- مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والثقافي.. رحيل المفكر البحريني م ...
- رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري
- وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث ...
- وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه ...
- تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل ...
- تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون ...
- محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا ...
- الفيلم الفلسطيني -خطوات-.. عن دور الفن في العلاج النفسي لضحا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف الصيفي - أوريجانوس السكندري