|
عودة الى السفسطائية والافلاطونية الجزء الثاني
محمد انعيسى
الحوار المتمدن-العدد: 1740 - 2006 / 11 / 20 - 08:17
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ـ تمثل السفسطائيين للعمل دائما ونحن نعرض نظرة السفسطائيين الى الأمورلابد لنا أن نقارن هذه النظرة بالنظرة الأفلاطونية ،طبعا لان الأفلاطونية هي النقيض التاريخي للسفسطائية فكيف نظرت السفسطائية والأفلاطونية الى العملباعتبار العمل قيمة انسانية ضرورية لاستمرار الانسانية؟ العمل الانساني فعل مادي يستلزم بالضرورة استخدام العقل لتحويل المادة ،لهذا فالفلسفة الأفلاطونية تحتقر وتزدري العمل لارتباط هذا الاخير بالطاقة والجهد المادي وفي هذا الصدد بالذات يقول بلوتارك(لقد عيرهم أفلاطون ساخطا عليهم سخطا كبيرا لأنهم أفسدوا الهندسة وحقروا من تميزها بان جعلوها تهبط من شيء عقلاني وغير مادي الى شيء مادي محسوس،وكل من استخدم الأدوات الميكانيكية في الهندسة كان عليه أن يستخدم المادة ،وهذه تحتاج الى كثير من العمل اليدوي،وهي موضوع العمل الحقير)(10) لعل بلوتارك يقصد الهندسة الميكانيكية في هذا النص،فأفلاطون يسخط على كل واحد يشتغل بالمادة، ولا نعرف كيف كان أفلاطون يتناول وجباته الغذائسة المادية ، ربما كانت له وجبات مثالية تنسجم مع أفكاره ومثله، وكان الفلسفة تنحصر غايتها في الاشتغال بالمثاليات والاقامة في أبراج عاجية مترفعة على الناس. هكذا نجد دائما تعارضا صريخا بين الافلاطونية والسفسطائية ، فالسفسطائيون يذهبون دائما الى القيمة العملية للأشياء ، في حين نجد الأفلاطونية تؤكد على القيمة المجردة الغير المحسوسة ،ويمكن ان نقول ان الثورة التقنية المعاصرة ماهي الا أحد انتصارات السفسطائية على الأفلاطونية . السفسطائية تؤكد على ان الانسان هو معيا الحقيقة ،فالانسان هو الذي يقرر بكل مسؤولية ما ينفعه وما يضره،والانسان هو الذي يحدد قيمة الأشياء ووجودها أو نفيها،اذ ان الانسان هو قيمة القيم وهو الذي يحدد نفسه بنفسه من خلال استخدامه للعقل . والنهضة الاوروبية لم تتحقق الا باعادة قراءة الفلسفة السفسطائية ،اذ ان شعار النهضة كان هو الحرية واعتبار الانسان هو الكائن الاسمى للانسان، وهذا من روح الفلسفة السفسطائية،فاعلان القطيعية مع الفكر الديني المثالي الذي كان يستغل للسيطرة على الناس هو مبدأسفسطائي ،اذ ان السفسطائية كما قلنا دائما كانت تدعوا الى استخدام العقل في المسائل المتعلقة بوجود الانسان.وهكذا يمكن ان نقول أن الفلسفة السفسطائية والفلسفة الأفلاطونية تعرفان صراعا عبر التاريخ،ففي كل مرحلة من مراحل التاريخ نجد أوجها للصراع بين الاتجاه السفسطائي والاتجاه الأفلاطوني ،لكن هذا ليس امرا طارئا على البشرية بل ان هذا الصراع الفكري ضروري جدا لتقدم الانسانية ،اذ ان الشيء يعرف بنقيضه كما يؤكد على ذلك الفيلسوف هيجل، فلولا الأفلاطونية لما عرفنا قيمة السفسطائية. يمكن ان نضيف نظرة السفسطائيين الى الفن المعماري باعتباره عملا يدويا ،حيث يرى السفسطائيون أن فن النحت هو الفن الحقيقي، اذ ان النحت عمل وفن يجمع بين قيمتين،القيمة العملية والقيمة الجمالية،وهذا ما يجعل الانسان يحصل على قوته من خلال عمله بالاضافة الى الابداع الجمالي الذي يخلقه هذا العمل .لكن الأفلاطونية احتقرت العمل اليدوي بكل انواعه وفي هذا الصدد بالذات يقول فيليب فرانك(نحن نرى ان الفنانين الذين صنعوا مجد اليونان الخالد،من امثال فيدياس وأناكريون قد ووجهوا باحتقار من طرف معاصريهم لأنهم لم ينقطعوا الى الدراسات الراقيةونعني بها السياسة والفلسفة)(11).اذن فالأفلاطونية دائما تنظر الى العمل اليدوي نظرة ازدرائية ،لكن رغم ذلك فان لكل فلسفة قيمتها كما اكدنا على ذلك سالفا.اما وضعنا للفلسفة السفسطائية في مقابل الفلسفة الأفلاطونية فيرجع الى محاولة معرفة التصورالعام لكل فلسفة على حدة باعتبارهما تشكلان طرفي نقيض. ـ تمثل السفسطائيين للسياسة كيف ينظر السفسطائيون الى السياسة؟ وما هي أهم النقط التي تنبني عليها الفسفة السفسطائية حول السياسة؟ يقول ويل ديورانت في كتابه قصة الفلسفة(أما في السياسة فقد انقسموا مدرستين،قالت احداهما مثل روسو:أن الطبيعة خير والمدنية شر وان جميع الناس متساوون بالطبيعة،وأن النظم الأخلاقية المصطنعة هي التي قضت على هذه المساواة بينهم،وفرقتهم الى طبقات ،وأن القانون هو من اختراع الأقوياءمن الرجال ليقيدوا او يحكموا الضعفاءمنهم.ادعت المدرسة الاخرى مثل نيتشه ، أن الطبيعة وراء الخير والشر ،وان الناس بالطبيعةغير متساوون ،وان الأخلاق من اختراع الضعفاء لتقييد الاقوياء ،وان القوة هي الفضيلة العليا والرغبةالعليا التي يرغب بها الانسان. وأن الدولة الأرسطوقراطيةهي الأفضل والأحكم ، والأكثر تناسبا طبيعيا من جميع انواع الحكومات)(12). ليس غرضنا الوقوف عند كل مدرسة على حدة بل نريد ان نؤكد على ان المدرستين التي ذكرها لنا ديورانت لم تاتيان بجديد بل ان نفس الآراء نجدها عند السفسطائيين.ويمكن ان نقول ان المدرسة السفسطائية قد انقسمت الى قسمين من حيث رايها في السياسة .قد يعترض قائل ويقول:ان السفسطائية لم تكن مدرسة موحدة على مستو ى الآراء خاصة في السياسة،لكن العنراض ليس في محله اذان السياسة هي فن الممكن والمستحيل ، أو هي فن الخطاء والصواب كما يقال،فطبيعي ان يكون هناك اختلاف على مستوى الرأي خاصة في السياسة باعتبارها مفهوما نسبيا متغيرا من حين الى آخر،بالاضافة الى ان الاختلاف في مسألة معينة داخل منظومة فكرية لا يقلل من قيمة هذه المدرسة الكبرى عبر التاريخ ، اما فيما يخص نظرة السفسطائيين الى الحياة والوجود بصفة عامة ،فانهم كانوا لا يحبذون نقاش الامور الميتافيزيقية التي يعجز العقل على فهمها،اذ ان فلسفتهم كانت موجهة لغاية الانسان ومن اجل فهم الانسان لنفسه ،بل انهم كانوا يرفضون نقاش الدين وكل ما يتعلق بالامور الغيبية طبعا لحساسية هذه المواضيع وفي هذا الاطار يقول بروتاغوراس زعيم السفسطائيين عندما سئل عن الالهة :(انا لا استطيع ان اجزم ان كانت الالهة موجودة ام غير موجودة ،فان عدة مسائل تحول دوني ودون هذا العلم، أهمها صعوبة المسألة وقصر العمر)(13) وهكذا فالبحث في الالوهية لا يعني السفسطائيين، بل ما يهمهم هو وجودهم واعتقادهم ان العالم في صيرورة ودينامية وهذا ما تنبني عليه الفلسفة الحديثة. ـ تمثل السفسطائيين للعدالة يقول علي الوردي في كتابه مهزلة العقل البشري:(ان العدالة الاجتماعية هي هدف جميع المذاهب الاجتماعيةالمعاصرة ،وهي محورالجدل القائم بينها. ولنا أن نقول هنا بان هذه المذاهب الاجتماعية ،على خلاف آرائها تفهم العدالة على أساس ما فهمه السفسطائيون القدماء)(14). ان جميع المدارس الفكرية المعاصرة تقر على ان مفهوم العدالة كقيمة انسانية في صيرورة ما دامت العدالة ترتبط بالانسان نفسه،والعدالة التي نقصدها هنا هي العدالة التي تعتبر ان جميع الناس سواسية في الحقوق المادية والمعنوية،ولهم الحق في الاستفادة من الثروات التي يشتركون في وجودها.على خلاف ما تراه الأفلاطونيةوالفلسفة المثالية عامة وهي ان العدالة صفة مطلقة مرتبطة بالعقل المطلق أي الله ،و ان العدالة هي هبة الهية وترتبط بالغريزة والدين يرى السفسطائيون: (ان العدل من التاريخ ونتيجة للتفاعل الاجتماعي،ومعنى هذا أن العدل ليس فكرة مجردة قائمة في الفراغ ، انما هو صنيعة التطور التاريخي ن ولا تعنيه الا حجة البشرالمساهمين على تكوين هذا التاريخ)(15). معنى هذا العدل لن يتاتى الا بالنضال والمساهمة الفعالة في سبيل تحقيقه،وليس العدل فكرة مجردة كما يتوهم الأفلاطونيين ،بل العدل كقيمة انسانية يسعى الانسان اليها جاهدا مضحيا بذاته من اجل تحقيقها. يتبع(...)
#محمد_انعيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودة الى السفسطائية والافلاطونية الجزء الأول
-
في ضرورة النقد والنقد الذاتي:الحركة الامازيغية نموذجا
-
الوعي بالذات ،نحو فهم أعمق
-
عبد الله بن سبأ في شمال افريقيا دراسة تحليلية لنظرية المؤامر
...
-
العلمانية
المزيد.....
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
-
فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
-
لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط
...
-
عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم
...
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ
...
-
اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا
...
-
العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال
...
-
سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص
...
-
شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك
...
-
خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|