آدم الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 7812 - 2023 / 12 / 1 - 01:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فاز خافيير ميلي مرشح اليمين المتطرف في الانتخابات الرئاسية في الأرجنتين ليشكل ذلك عودة جديدة للمسار الرأسمالي للاقتصاد الأرجنتيني , لكن هذه المرة بثوب يصفه الكثير من المتابعين للشأن السياسي في الأرجنتين بالفوضوي , حتى أن الرئيس المنتحب ميلي وصف نهجه بالرأسمالي الفوضوي و كأنه يقر بأن الفوضى الاقتصادية ستعم في الأرجنتين في المرحلة الانتقالية القادمة كأمر واقع لا يمكن تجنبه و يطالب الشعب الأرجنتيني بتحمل هذه الفوضى كثمن لابد منه لإجراء التصحيح الاقتصادي و الانتقال من الاقتصاد المقيد الى اقتصاد السوق الحر الذي يصفه بانه الطريق الوحيد نحو الرفاهية و التقدم للأرجنتين و شعبها .... فما هي ملامح و اركان هذه الفوضى التي ستحل على الاقتصاد الأرجنتيني ...؟
لقد شمل برنامج خافيير ميلي الانتخابي الأركان التالية :
اولا : شعار " الأرجنتين اولا " .
طرح خافيير ميلي مشروعه الاقتصادي السياسي تحت عنوان " الأرجنتين اولا " و هذا الشعار يشبه الى درجة كبيرة الشعار الذي رفعه الرئيس الامريكي السابق ترامب " امريكا أولا " .
هنالك تناقض كبير في مشروع خافيير ميلي فمن جهة يعلن انه سيعمل من اجل الأرجنتين اولا و من جهة اخرى يعلن نيته المسبقة للتوجه لبناء علاقة متينة مع امريكا , إذ يفترض بالنهج السياسي الوطني الذي يرفع شعار مصلحة الوطن اولا أن تحكم علاقة بلاده مع الدول الأخرى و منها امريكا المصلحة الوطنية دون أي شيء أخر , فلماذا ينوي خافيير ميلي تقيد الأرجنتين بعلاقة متينة مع أمريكا قد لا تكون في بعض جوانبها في مصلحة الأرجنتين .
ثانيا : دفع الأرجنتين بعيدا عن الشيوعيين و الاشتراكيين .
خص في هذا الابتعاد كل من الصين و البرازيل و هذا هو اغرب ما في برنامج خافيير ميلي الانتخابي إذ إن الابتعاد عن الصين سيؤدي الى خسارة الأرجنتين لأهم سوق لصادراتها الأساسية و هي فول الصويا و لحم البقر و الجلود , إذ لم يتضمن برنامجه أي اشارة للأسواق البديلة التي ستحل محل الصين في استيعاب الصادرات الأرجنتينية , قد تكون البرازيل و امريكا هما المستفيدين الرئيسيين من ابتعاد الأرجنتين عن الصين لأنهما المنافسان الأساسيان للأرجنتين في هذا النوع من الصادرات الى الصين .
أما الابتعاد عن البرازيل فهو امر ليس غريب فقط بل له ارتدادات سلبية على الاقتصاد الأرجنتيني , إذ إن دفع الارجنتين في نهج يبعدها عن وسطها الاقتصادي في أمريكا اللاتينية و خصوصا عن البرازيل يدل على أن برنامج خافيير ميلي الانتخابي هو برنامج شعبوي سرعان ما سيجد ضرورة ملحة للتراجع عنه لكون البرازيل هي اكبر قوة اقتصادية في امريكا الجنوبية و دولة كبرى في هذه القارة من ناحية عدد السكان و المساحة بالإضافة الى كونها دولة جارة للأرجنتين , و فعلا بدأ خافيير ميلي بالتراجع التدريجي عن بعض من هذه الطروحات الفوضوية التي اعتمدها في حملته الانتخابية .
ثالثا : التحول الى الخصخصة معتمدا اسلوب الصدمة الخالية من أي خطة أو أي تدرج في التطبيق لتحقيق الهدف النهائي الذي هو الخصخصة الشاملة .
لا شك أن اعتماد سياسة الصدمة في التحولات نحو الخصخصة الشاملة قد تسقط الأرجنتين في فوضى عارمة لها بداية و ليس لها نهاية واضحة و معروفة .
من خلال التصريحات المتتالية الصادرة من خافيير ميلي بعد أن ضمن فوزه في الانتخابات و كذلك من تصريحات مرشحي وزارته القادمة يتضح أن هنالك تراجع واضح عن ما كان يطرح اثناء الحملة الانتخابية .
الموانع و العوائق التي سيصطدم بها خافيير ميلي اثناء توليه للحكم ستحول دون المضي قدما بتنفيذ الفوضى التي وعد جمهوره بها .
من المؤكد أن خافيير ميلي يدرك جيدا , و هو من اصحاب الخبرة في الشأن الاقتصادي أن الفوضى التي تحدث عنها في حملته الانتخابية سوف لن تكون خلاقة إطلاقا و إن الأرجنتين بحاجة الى خطة عقلانية تنقذ اقتصادها المثقل بالدين الخارجي و نسبة عجز كبيرة في الإيرادات الحكومية ادت الى تصاعد نسبة التضخم السنوي لتصل الى حدود 143% .
إن ضغط البنك الدولي على الأرجنتين لإجراء خصخصة شاملة سيصطدم بمتطلبات الواقع الأرجنتيني لذا تراجع ميلي كثيرا عن مشروعه للخصخصة الشاملة و الفورية و اعلن بشكل واضح أن قطاع التعليم و الصحة سوف لن تشملهم اجراءات الخصخصة و أن الخصخصة ستطال في المرحلة الأولى شركة النفط الوطنية الأرجنتينية .
رابعا : رفع الدعم الحكومي عن السلع و الخدمات .
من اهم متطلبات و شروط البنك الدولي لإعادة جدولة ديونه المستحقة على الأرجنتين و البالغة حوالي 44 مليار دولار امريكي هو رفع كل اشكال الدعم الحكومي عن السلع و الخدمات .
لقد شمل خطاب خافيير ميلي الشعبوي خلال حملته الانتخابية انهاء العجز في الميزانية الحكومية من خلال انهاء الدعم الحكومي للسلع و الخدمات , لكن متطلبات الواقع الاقتصادي للأرجنتين اجبرت ميلي على تغيير خطابه بعد أن تحقق فوزه في الانتخابات و بدأ مرحلة مواجهة الواقع الأرجنتيني بكل تحدياته ليتحدث عن تقليص الأنفاق الحكومي بنسبة لا تتجاوز 15% حيث اعلن أن رفع الدعم سيشمل فقط قطاع النقل و المحروقات .
إن الغاء الدعم على قطاع النقل و المحروقات له جوانب ايجابية و اخرى سلبية , فهذا الإلغاء سيقلص حجم العجز في الميزانية الحكومية و هو أمر ايجابي و ضروري لكن الغاء الدعم لهذين القطاعين دون أن يرافق ذلك زيادة في دخل شرائح المجتمع الفقيرة سيزيد عدد الأرجنتين الذين هم تحت خط الفقر و ستزداد نسبتهم البالغة حاليا حوالي 40% من السكان لتصل الى مستويات اكثر خطورة تتسبب في اضطرابات سياسية و مجتمعية لن تستطيع حكومة اليمين المتطرف القادمة من معالجتها أو تحملها .
خامسا : الغاء البنك المركزي الأرجنتيني و الانتقال للدولرة الكلية و ذلك بإلغاء العملة الوطنية الأرجنتينية " البيزو " و اعتماد الدولار الأمريكي كعملة رسمية للأرجنتين .
هذه الفقرة في برنامج خافيير ميلي الانتخابي هي الأكثر فوضوية فهي تتعارض مع شعاره الانتخابي " الأرجنتين اولا " الذي ركز عليه في دعايته الانتخابية ليستبدله بشعار الدولار الامريكي أولا ...!
إن الغاء البنك المركزي الأرجنتيني و الانتقال للدولرة الكلية هو إسقاط لأي طموح للأرجنتين كي تكون قوة اقتصادية صاعدة و دعوة لبقائها دولة ضعيفة تابعة لإرادة البيت الأبيض الأمريكي بالإضافة الى أن الدولرة الكلية تتطلب ميزانية حكومية خالية من العجز المالي , و هذا امر غير ممكن في المرحلة التي تمر بها الأرجنتين , و الأرجنتين ليست امريكا كي تطبع و تصدر ما تحتاجه من الدولارات الأمريكية لسد العجز في الميزانية الحكومية .
سادسا : الغاء الرسوم على الصادرات .
من الفقرات المهمة التي وردت في برنامج خافيير ميلي الانتخابي الغاء الرسوم على الصادرات لتحريرها من القيود الحكومية و خصوصا على المزارعين و مربي الماشية .
إن لهذا الأجراء جوانب إيجابية مهمة و جوانب سلبية , فهذا الأجراء سيؤدي الى زيادة الصادرات الأرجنتينية و انتعاش القطاع الزراعي و قطاع المنتجات الحيوانية , هذا امر مهم لأنعاش الاقتصاد الأرجنتيني لكنه سيؤدي ايضا الى ارتفاع اسعار المواد الغذائية على المستهلك الأرجنتيني لتصل الى اسعارها في السوق العالمية و إن لم يرافق ذلك تحسين القدرة الشرائية للمواطن الأرجنتيني فقد يؤدي ذلك الى زيادة فقر الفقراء و في عنى الأغنياء .
سابعا : عدم الانضمام لمجموعة بريكس .
لقد شمل برنامج خافيير ميلي نية حكومته اعلان عدم رغبة الأرجنتين للانضمام لمجموعة بريكس , هذه الرغبة في عدم الانضمام ينطبق عليها المثل الذي يقول " زعل العصفور على بيدر الدخن " .
إن انضمام الأرجنتين لمجموعة بريكس سيجعلها دولة متلقية للدعم من الدول الأكثر قدرة اقتصادية في هذه المجموعة كالصين و السعودية و روسيا و الأمارات بالإضافة الى الدعم من البنك التابع لهذه المجموعة ( بنك التنمية الجديد NDB ) و عدم انضمامها سيفقدها هذه الدعم الذي سيذهب لدول اخرى في المجموعة و خصوصا لمصر و ايران و اثيوبيا .
لقد ظهر التراجع عن نية عدم الانضمام لمجموعة بريكس في تصريح للمرشح لشغل منصب وزير خارجية الأرجنتين في الحكومة القادمة بقوله : يمكن الانضمام لمجموعة بريكس دون أن يكون للأرجنتين دور نشط فيها ...! , فهل يقصد بأن طلب الأرجنتين للدعم من مجموعة بريكس سيكون غير نشط و غير فعال ...؟
ثامنا : توثيق العلاقة السياسية مع امريكا و إسرائيل .
لا تفسير لهذا الطرح ألا كونه دغدغة لمشاعر المتنفذين في السلطة المالية الدولية في البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و دعوة غير مباشرة للاستثمارات الأمريكية للتوجه صوب الأرجنتين . فهل ستقنع طروحات اليمين المتطرف الأرجنتيني الاستثمارات الأمريكية للقدوم الى الداخل الأرجنتيني ... ؟ و هل سيتراجع البنك الدولي عن شروطه القاسية ...؟
يبدو أن عدم اليقين هو الذي يسود و يطغى على المشهد الأرجنتيني المضطرب .
#آدم_الحسن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟