الفلسفة الحديثة (16): جون ستيوارت مل

إلياس شتواني
باحث وشاعر

الحوار المتمدن-العدد: 7810 - 2023 / 11 / 29 - 00:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

يعد جون ستيوارت مل (1773-1836م) من أهم رواد الفلسفة الوضعية، و خصوصا فيما يتعلق بدوره الكبير في تنقيح و بلورة المذهب النفعي (Utilitarianism). يتمحور منطق مل بشكل مبدئي حول أهمية الإستقراء كأساس للعملية للإستدلالية، فالمعرفة تتكون بشكل رئيسي من إستقراءات مستمدة من التجربة نفسها و بذلك ينكر مل الحقائق التي نعرفها بصورة قبلية. مل فيلسوف وضعي يؤكد على أن ما نعرفه هو الظواهر، و لا جدوى من أن نبحث في متاهات المطلق.

المذهب النفعي، كما ينظر إليه مل، يرى أن الأفعال الإنسانية صحيحة طالما أنها تميل إلى تعزيز مبدأ السعادة، و خاطئة لأنها تميل إلى تعزيز عكس ذلك. نعني بالسعادة اللذة وغياب الألم. و نعني بالتعاسة الألم والحرمان من اللذة. المتعة والتحرر من الألم هما الشيئان الوحيدان المرغوبان فيهما كغايات سامية و ضرورية. يمكن أن تصل النفعية إلى غاياتها فقط من خلال تنمية نبل الشخصية. المبدأ النفعي هو حياة السعادة التي تعدنا بمنع الألم أو على الأقل تخفيفه.

يثّبت المذهب النفعي في البشر قوة التضحية بأعظم مصلحتهم من أجل مصلحة الآخرين أو المنفعة العامة. يرفض المبدأ فقط الاعتراف بأن التضحية بحد ذاتها خير. فأي تضحية لا تزيد أو تميل إلى زيادة إجمالي السعادة تعتبر مضيعة كلية. إذا اتفقنا على أن الله يرغب، قبل كل شيء، في سعادة مخلوقاته، وكان هذا هو هدفه في خلقهم، فإن النفعية تكون بالتالي أكثر ملائمة للدين من أي عقيدة أخلاقية أخرى. أيًا كان ما يعتقد الله أنه من المناسب الكشف عنه في موضوع الأخلاق، يجب على المبدأ الأخلاقي أن يفي بمتطلبات المنفعة بدرجة عليا.

مبدأ المنفعة مبدأ فني و عقلي، أي أنه في تحسن وتطور مستمرين. في كل مركباته، يرى هذا المبدأ أن السعادة هي غاية الأخلاق وهدفها. جوهر الضمير البشري، ذلك الشعور الذاتي في أذهاننا، هو المصدر الأساسي أو المبدأ الأول الذي يمكن الاعتماد عليه و الرجوع اليه قبل كل شيء. البشر، طالما أنهم يتعاونون مع بعضهم البعض، فإن غاياتهم متطابقة، وهناك يتبادر على الأقل شعور مؤقت بأن مصالح الفرد هي مصالح الجماعة.

السعادة ليست فكرة مجردة، بل هي كلٌ ملموس. الفضيلة، و العدالة، و الكرامة، و المال، والشهرة، هي أجزاء و مكونات تشكل الغاية المثلى للسعادة. قد لا يحتاج الشخص إلى مزايا و عطف الآخرين، لكنه يحتاج دائمًا ألا يؤذوه. يعطي هذا الطرح أرضية ملموسة و تأويلا للتاريخ باعتباره سلسلة اجتماعية من التحولات، و التراكمات، والتحسينات. تاريخ يغير من خلاله معتقد أو مؤسسة ما الضرورة أو الوجود الاجتماعي، فقط لتلبية احتياجات الإنسان- أي المبدأ النفعي.

لم يؤمن مل بإله لامتناه، و قادر على كل شيء، و محب للخير تماما. فثمة نقائص شتى و شرور كبيرة موجودة في العالم. و لا يوجد دليل فعلي على أن الله خلق المادة، أو القوة، أو على قوته هو و علمه اللامتناهيين. الإله، في نظر مل، يرغب و يهتم بسعادة مخلوقاته التي يجب عليها أن تتعاون معه بمجهوداتها لجعل العالم مكانا أصلحا و أفضلا للعيش.

#إلياس_شتواني (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات