يسري حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1739 - 2006 / 11 / 19 - 10:12
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
استغلت إسرائيل انشغال العالم بالانتخابات الأمريكية لاختيار أعضاء الكونجرس ومجلس النواب وشنت حملة وحشية على سكان بيت حانون في مجزرة جديدة تُعبر عن فلسفة كيان قام على الاغتصاب والعنف . وتجد إسرائيل دائماً الدعم من القوى الدولية التي تعطيها الضوء الأخضر لمواصلة عدوانها وإبادة الشعوب العربية سواء في غزة أو لبنان .
ولا تصف الدول المهيمنة على العالم أفعال إسرائيل بالإرهاب , ولا تسعى بإدانة هذا الخلق الدائم لأبسط حقوق الإنسان , وهي أن ينام بين أبنائه آمناً مطمئناً , وهذا عكس ما جرى في مجزرة بيت حانون , التي راح ضحيتها 19 شخصاً دفعة واحدة قتلتهم إسرائيل وهم نيام مسالمين في منازلهم .
وأغلب ضحايا مجزرة بيت حانون من الأطفال والنساء والشيوخ . ولم يكن من بينهم من يرتدي الأحزمة الناسفة أو من يخطط لاطلاق الصواريخ على مستوطنات إسرائيلية مقامة على الأراضي العربية المغتصبة في الضفة الغربية .
لقد دانت الخارجية البريطانية مجزرة بيت حانون , وعبٌرَ التصريح عن قلق بالغ من الأفعال الإسرائيلية . لكن لم تصدر الخارجية ادانة واضحة ومحددة تطالب بوقف هذه المجازر . وتحدثت وزيرة الخارجية البريطانية مارجريت بيكيت في لندن عن الإرهاب الإسلامي والتعصب وتنظيم القاعدة ووجود القوات البريطانية في أفغانستان والعراق لمواجهة هذا الخطر الذي يوجه نيرانه كما قالت نحو الغرب .
ولا تدرك بيكيت أن الموقف من إسرائيل هو وراء كل هذه الفوضى في العالم . وقد عبأ المحافظون الجدد في واشنطن المناخ الدولي ضد العراق وقاموا بإحتلاله . ولم تكن بغداد تناصر تنظيم القاعدة , ولم يكن نظامها يستند على أصولية يتحالف معها , لكن المحافظون الأمريكيون كان هدفهم التوجه إلى العالم العربي لضمان المزيد من الحماية لإسرائيل وفتح عاصمة كبرى مثل بغداد أمامها . واهتمت الدول التي احتلت العراق باستقبال الإسرائيليين الذين اعترفوا هم أنفسهم بوجودهم في الشمال وتغلغلهم في مناطق أخرى والعلاقة مع عناصر في الحكومة العراقية .
غزو العراق , خطة وضعها بوش ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي , الذي اُقيل مؤخراً , واشترك في هذه المؤامرة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني والمهيمن على الرئيس الحالي وتحالفاته مع إسرائيل ومحاولة هدم العالم العربي كله وتخريبه حتى تعيش الدولة العبرية وتتوسع وتتعملق في المنطقة .
مجزرة بيت حانون علامة على سياسة مستمرة لتخويف العرب وإرهابهم منذ مجزرة دير ياسين وكفر قاسم في عام 1948. ولم تكن هناك أيام هذه المجازر منظمة حماس أو الجهاد , ولم يكن هناك أيضاً اسماعيل هنية , لكن إسرائيل اعتمدت منذ اليوم الأول لقيامها على هذا الإرهاب البشع والقتل العمد , وزادت من سياسة العنف مع ما يسمى بالحملة على الإرهاب التي بدأت بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 والتي أعلن تنظيم القاعدة المسئولية عنها .
وكان الحزب الليبرالي البريطاني اتهم حكومة لندن بالتواطؤ خلال الحرب اللبنانية الإسرائيلية في يوليو الماضي , والتي سمحت لإسرائيل بتدمير الجنوب وقصف الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية . وكانت طائرات أمريكية هبطت في مطارات لندن حاملة للقنابل العنقودية والفسفورية التي استخدمتها إسرائيل ضد المدنيين اللبنانيين . هذا السيناريو الذي ادانته القوى التقدمية البريطانية , لم يؤثر في أداء الحكومة التي يتزعمها توني بلير والمؤيدة لإسرائيل دائماً , والمناهضة لحماس والجهاد وحزب الله , والداعمة لإيهود أولمرت , الذي يقصف المدنيين في غزة وهم نيام ويقتلهم دون سطر ادانة واحد من حكومات تتحدث ليل نهار عن الإرهاب ورفضه . لكن الإرهاب الذي تتحدث عنه هذه الحكومات هو الناتج من غضب وتوتر في العالم الإسلامي , لما تقوم به إسرائيل وما ينفذه رامسفيلد في العراق وأفغانستان .
وخرجت صحيفة الإندبندنت البريطانية بصور عن غزة تكشف حجم المآساة التي جرت والعالم مشغول بالديمقراطية الأمريكية والانتخابات التي حدثت في ولاية فيرجينيا . صحيح أن هذه الانتخابات انتهت بإخراج الوحش رامسفيلد من موقعه في وزارة الدفاع , لكنها تركت ديك تشيني كما هو , وكونداليزا رايس تهدد الدول في الشرق الأوسط الرافضة للوجود الإسرائيلي . وتستخدم وزيرة الخارجية الأمريكية التلويح بما يسمى مجموعة دول الاعتدال لضرب المثل على الفوائد التي حصلوا عليها نتيجة دعمهم لإسرائيل في حربها على لبنان وعدم احتجاجهم على جرائم تل أبيب ضد المدنيين في غزة .
نشرت صحيفة الإندبندنت صور مذبحة بيت حانون من دون استخدام كلمات غليظة لوصف المآساة ووقائع جرت خلال القصف . وتحدث فلسطينيون عن وقائع هذا الجحيم وشهادتهم على ما ارتكبته المدافع الإسرائيلية من قصف وتدمير وقتل بهذه الدرجة البشعة .
وجاء التبرير الإسرائيلي بالحديث عن خطأ فني هو المسئول عن توجيه النيران والقذائف إلى النيام في منازلهم من دون انذار على الإطلاق . إنه ذبح بالإصرار والعمد ,ثم محاولة التهرب من المسئولية بالحديث عن خطأ فني , مثلما حدث من قبل بقتل جنود الأمم المتحدة داخل معسكرهم في جنوب لبنان , وقتل المدنيين في مذبحة قانا اللبنانية , مرة منذ سنوات وأخرى في يوليو الماضي .
وقد التقى بريطانيون وعرب للتنديد بهذه المجزرة الجديدة التي حدثت أمام أنظار العالم والذي كان مشغولاً بالديمقراطية الأمريكية التي تقف وراء إسرائيل . فحتى الحزب الديمقراطي والمعارض لجورج بوش يؤيد حكومة أولمرت , لأنها كما يقول منتخبة وشرعية وديمقراطية ! . وهذه التبريرات تضمن لرئيس الوزراء الإسرائيلي القتل بحرية لأنه في يده البطاقة الديمقراطية التي تسمح بقتل العرب وهم نيام .
ولم يكن أمام هذا التجمع الذي التقى بقاعة كبرى وسط لندن , سوى التنديد بإسرائيل وتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني وجورج بوش الرئيس الأمريكي . إن انصار السلام والحرية في بريطانيا ليس لديهم الحكم والسلطة أو الأدوات التي تمنع هذا العدوان , لكنهم على الأقل استجابوا لنداء الضمير الإنساني وهاجموا حكومات العنف والإرهاب التي تدعي أنها ديمقراطية وتحترم حقوق الإنسان ! .
وفي مكان آخر في لندن , جاءت وزيرة الخارجية البريطانية مارجريت بيكيت وتحدثت بكلام معاد ومكرر عن الإرهاب الإسلامي , لكنها لم تشر لأسبابه وهو احتلال جاثم وسياسات خارقة تحاول تفكيك العالم العربي وفرض العملاء على قيادته واجبارهم على التعامل مع إسرائيل والصلح والتهادن معها والاستسلام لمخطط يقتل أطفال ونساء وشبان هذه الأمة .
كان هذا المؤتمر يحضره الكبار من دبلوماسيين وسياسيين وعسكريين سابقين , تحدثوا عن خطر الإرهاب والتطرف , ونادوا بالتسامح والحوار . لكن كيف يستطيع أهالي بيت حانون الذين يُذبحون وهم نيام التحاور مع عدو يطلق نيران دباباته بشكل عشوائي على البيوت النائمة في حضن الليل ؟ .
إن لندن التي بها قوى محبة للسلام وحقوق الإنسان والداعية لانهاء الحروب , فيها أيضاً من يدعو لتأييد إسرائيل ومعاداة العرب , طالما أن هؤلاء العرب يصرون على استقلال بلادهم ويرفضون التعامل مع هذا الكيان الصهيوني الشرس والقارح .
وعكست صحيفة الإندبندنت , التي يكتب فيها روربرت فيسك وغيره من الكُتاب الصادقين , صورة حقيقية لواقع الضمير البريطاني الذي ينشر صور المذبحة ويحتج عليها , وإن كان ذلك من خلال الصمت وهو اضعف الإيمان . موقف هذه القوى البريطانية على الرغم من سلبيته الشديدة , أكثر شرفاً من هؤلاء الذين التقوا بالقرب من البرلمان ووزارة الدفاع وتحدثوا عن الإرهاب الإسلامي , ولم يذكروا بكلمة واحدة مذبحة بيت حانون , كأن ماجرى ليس إرهاباً ولا جريمة ضد الإنسانية ! .
وسيظل هذا العالم يعيش في دائرة الصراع بين أقوياء يقفون وراء الظلم والمذابح والانتهاكات ضد الإنسانية , وقوى أخرى تتحدث عن العدل والسلام وحماية الحقوق , لكن صوتها خافت وضعيف وغير مؤثر على سلطة الأقوياء . وعبرت عن هذه الصورة الصفحة الأولى من جريدة الإندبندنت البريطانية التي اكتفت فقط بذكر كلمة من دون كلام وتركت لقطات المذبحة تتحدث عن نفسها , لعلها تحرك النيام واصحاب الضمائر الغائبة في بريطانيا وفي جميع ارجاء العالم الذي شهد وسمع عن قتل النيام الفلسطينيين بسبب خطأ فني كما قال رئيس وزراء إسرائيل السفاح أولمرت .
#يسري_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟