أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين محمود التلاوي - قبل أن يتلاشى الدخان (قصة قصيرة)














المزيد.....

قبل أن يتلاشى الدخان (قصة قصيرة)


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 7804 - 2023 / 11 / 23 - 04:51
المحور: الادب والفن
    


لَكَمْ أَحَبَّ صخب المقاهي في تلك الليلة!
عندما لاحت لعينيه أضواء المقهى، وحمل الهواء صخب رواده إلى أذنيه، شعر بقدميه تجذبانه إلى الداخل ليمضي بعض الوقت. طاوع قدميه، ودخل المقهى، على الرغم مما كان يتوقعه من صخب وضجيج؛ هما آخر ما يحتاج إليه في تلك الليلة.
لكنه عندما دخل، وجلس قريبًا من بابه الرئيسي إلى مائدة صغيرة ذات مقعدين، أدرك خطأ توقعاته؛ فعلى الرغم من أن الساعة لم تكن قد تجاوزت التاسعة ليلًا، كان عدد الجالسين قليلًا؛ فكان الصخب هادئًا، إن جاز التعبير. كان ذلك الصخب الذي يأخذك من نفسك، لكن دون أن يجهز على خلاياك العصبية. ربما حالت برودة الجو دون زيادة الرواد إلى المستوى المعهود.
امتنان بالغ شعر به إزاء المقهى، ورواده، وبرودة الجو.
طلب الشاي، وراح يتشاغل بالتجوال بعينيه في أرجاء المقهى متحاشيًا تركيز النظر على منضدة بعينها، قبل أن يطلق في الهواء زفرة ساخنة فاقت سخونة المشروبات الدافئة التي تراصت فوق الموائد القليلة المشغولة. زفرة بدا من الواضح أنها كانت على درجة من القوة جذبت معها انتباه عدد من رواد المقهى؛ فراحوا ينظرون إليه في دهشة امتزجت في أعين بعضهم بشيء من الارتياب، قبل أن يعود كل منهم إلى ما كان يفعل، على وعد أكيد بالاندهاش والارتياب مجددًا، إن تكررت فعلته.
جاء الشاي؛ فأخذ يتأمل لونه الأحمر المائل إلى السواد، وقد راحت ألسنة الدخان تتصاعد من سطحه. ومع تأمله لكوب الشاي، ابتسم في حنين حزين؛ إذا تذكرها؛ وهي تسأله في دلال: "أتحبني؟!". سهم حارق اخترق قلبه؛ وهو يتذكر ضحكات عينيها، عندما اندفع مجيبًا: "أحبك جدًّا"، قبل أن يضيف في عفوية صادقة: "أحبك، بشدة حتى أنني أحبك أكثر من كوب الشاي!".
أغمض عينيه بشدة، ربما ليتوارى في ظلمتهما من سهام الذكريات، وقد راح الحنين يعتصره حتى أنه تمنى لو كانت بجواره في تلك اللحظة ليحتويها بين ذراعيه، ويطبع على شفتيها قبلة طويلة حارة، قبل أن يترك رأسه يسكن في أحضانها ملتحفًا ليل شعرها الطويل، ولتزأر العاصفة بعدها.
أفاق من ذكرياته على صوت شاب يسأله هل يستطيع أن يأخذ المقعد الآخر . لأجزاء من الثانية حدّق إلى وجه الشاب غير فاهم ما الأمر، قبل أن يستوعب السؤال، ويشير له أن تفضل.
وبينما أخذ الشاب المقعد، واستدار إلى مائدة قريبة ليجلس من عدد من أصحابه تعالى ضجيجهم، احتسى هو الشاي على عجل؛ وهو يشعر بالامتنان إلى الشاب على الرغم مما منحه إياه من مفاجأة؛ إذ أدرك أن البقاء في المقهى وسط بحر ذكرياته هذا سوف يقتله.
لماذا لم يكن المقهى أكثر ضوضاءً وجلبة؟!
نهض من مكانه، وسار نحو النادل لينقده ثمن كوب الشاي مع شيء من البقشيش، ثم حانت منه التفاتة إلى داخل المقهى ليخيَّل إليه أنه يرى دخان المشروبات الساخنة، وقد تجمَّع في فضاء المقهى طيفًا لطيفًا منحه ابتسامتها العذبة.
راح ينظر إلى الطيف في حب، وخُيِّل إليه أن الطيف ينظر إليه في حنان إلى أن بدأت خيوطه في التحرك، مع نسيم الهواء البارد، وحركة الرواد، نحو النافذة القريبة ليخرج منها صاعدًا نحو السماء.
وفي طريقه، راح يلتفت بين فترة وأخرى؛ لينظر في ألم إلى السحابة الرقيقة الآخذة في الصعود، قبل أن تلاشى الدخان.



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاقات الثقافية العربية الروسية: تاريخ وتطور
- روسيا من الداخل (5): الأدب الروسي — أخماتوفا.. التي لم تترك ...
- روسيا من الداخل (4): الأدب الروسي — نظرة عامة (أ)
- روسيا من الداخل (3): مجتمع الروما
- روسيا من الداخل (2): سيبيريا — الجماعات العرقية (ب)
- أدب الثورة الجزائرية: موجز مختصر
- دينو بوزاتي.. حياة وكتابات وسمات وانتقادات
- أدب المرأة في الجزائر.. إضاءة نقدية سريعة
- نظرة في أصل المفاهيم: الحتمية التاريخية
- الماركسية: نظرة سريعة وموجز مختصر
- نيكولاي بوخارين: حقبة الأعمال العظمى (مقال مترجَم)
- روسيا من الداخل (1): سيبيريا — نظرة عامة (أ)
- صحراء التتار لبوتزاتي.. إيطاليا العجوز تخسر حربها
- مراجعات أدبية من الشرق والغرب..
- نظرة في أصل المفاهيم: هيرودوت وكتاب التواريخ
- من الأدب الشعبي الروسي
- نظرة في أصل المفاهيم... الثورة الصناعية
- في أصول الحضارات: حضارة بلاد الرافدين
- في أصول الحضارات: الحضارة الفرعونية
- في أصول الحضارات: الكِلتيون (السِلتيون)


المزيد.....




- “تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية ...
- -مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر ...
- رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر ...
- بعد ساعات من حضوره عزاء.. وفاة سليمان عيد تفجع الوسط الفني ا ...
- انهيار فنان مصري خلال جنازة سليمان عيد
- زمن النهاية.. كيف يتنبأ العلم التجريبي بانهيار المجتمعات؟
- كفن المسيح: هل حسم العلماء لغز -أقدس- قطعة قماش عرفها التاري ...
- الإعلان عن سبب وفاة الفنان المصري سليمان عيد
- الموت يغيب النجم المصري الشهير سليمان عيد
- افتتاح الدورة السابعة والأربعين لمهرجان موسكو السينمائي الدو ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين محمود التلاوي - قبل أن يتلاشى الدخان (قصة قصيرة)