أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - أَمَّا أَنَا، فَالْأَتَانُ أَفْضَلُ مِنِّي














المزيد.....

أَمَّا أَنَا، فَالْأَتَانُ أَفْضَلُ مِنِّي


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7803 - 2023 / 11 / 22 - 10:32
المحور: الادب والفن
    


رُحْنَا نَخُبُّهَا أنا وعمتي خُطوات في الطريق غير المستوية التي تصل وهدة (اللَّمْلامَـا) ببلدة (الفحص) .. كنتُ مَزهوا بالانتصار الذي حققتُه على تلك الأعين الجاحظة المَحَدِّجة الساكنة مَغاوري .. لقد طمسْتُ لهُنَيْهَات وَميضَها الثاقبَ عَفّرْتُهُ بالرّغام والقَتَام وبقايا الرماد أسدلتُ الحُجُبَ في وجه آلحُجُبِ أمعنتُ إغلاق النوافذ والأبواب كي لا يعود زُعافُها ثانيةً يبثُّ سُمومَهُ في الباه والمَسام .. لقد قهرتُ الظلام بالظلام، انتقمتُ لنفسي بنفسي، أعدتُ شيئا من الاعتبار لها .. أثخنتُ سُدَفَ المَخاوف ضربا وفتكا ... هكذا رأيتُ الأمورَ، هكذا تصورتُ أشيائي الصغيرة التي تعتمل في عوالمي التي تسكنني تنبس تهمس لبعضها البعض في خفية عني عن الآخرين .. لم أكُ أجرؤُ يوما أَنْ أُظْهِرَ وساوسي للعلن وأصرح بهواجسي الثائرة المضطرمة دوما .. كنتُ راضيا بقناع الهدوء والرصانة وثبات الهمة في الشدائد والملمات مادام هذا القناع يرضي الناس ويبعد عني فضولهم وتَدَخلهم في شؤوني الخاصة، كنتُ ألقي لهم بمَا يريدونه مني ليتركونني وشأني في دَعَةٍ وسلام دون ينغصوا عليّ حياتي الصغيرة .. لكن رغم كل المجهودات التي كنتُ أبذلها من أجل تحقيق هذه الغاية البسيطة، ومن أجل أن أكون في مستوى رضى أمي ووالدي وجميع الأهل والأحباب، لم أنجحْ في مسعاي في كثير من المرات ممّا كان يسبب لي قلقا وإحراجا يُنفرني من الناس المزعجين الذين لا يتركونكَ تعيش كما تريد أن تعيشَ ...
وفكرتُ في خالتي (مريم) ويديْها وعينيْها ورجليْها وشعرَها الممسوحَ المُمَسّـدَ اللاصقَ بفروة رأسها المدثر بخرقة كتان بالية على شكل كفن حائل اللون مزموم بعقدة في مؤخرة قفاها وراء عنقها، وبدنها الضامر يتمرغ كفَرَاشات الأضواء كعصفوري القشيب دون رغبة دون إرادة يتمرمر في كومة الرماد الراقد أبدا في الفرن الرحب العتيق الذي يبتلع الحياة والممات ويقهر زفير الشهقات .. شهقاتها وهي تصرخ في فتور وأنين .. "آيَمّا يْنُو آيَمّا يْنُو..!!.." .. دون يجيبها مجيب أو يناجي لواعجَها أخٌ أو حبيب .. كانت لوحدها في مراقدها في مناحيها الخاصة، في مجالاتها ومسالكها .. لا مسالكَ لها سوى مزيد من المعازل يطوقها الحصارُ وعثيرُ الإقصاء والبوار ... كنتُ أسهو وأفكر وأنا أهيلُ بعصية من فنن زيتون (أزمور) على ما صادفت يداي من نباتات وعواسج وحصوات تعرقل مسير الطريق ...

_غَراشْ آحْنِيني أتَسِّيغَتْ إخْفَنّشْ سُوكَشُّوطَنْ .. (إياكَ عزيزي أن تصيب نفسك بتلك العُصَية)

_ ما تخافيشْ آعمتي ... (لا تخافي عمتي)

_ لالِـي سُومَا ... (يا عزيزي يا أخي)

تقولها عمتي وهي تسير بآطمئنان وراء أتان راضية مرضية مستسلمة طائعة بعد أن آبتعد طيف الراعي عبدالسلام عن عينيْها المتوجستيْن.. كانت الدابة تخبُّ تسبقنا بخطوات متقاربة خفيفة سريعة تدق حوافرُها كبير الحصوات ودقيق أمْـزاز فنسمع لصدى آنكسارها طقطقةً ترددها الأودية الغائرة العميقة والبطاح الفارغة التي تحيطنا من كل مكان .. وعبثا كررَتْ عمتي طلباتها في آمتطاء أتانها الأثيرة ...

_لا .. مَاعْييتْشْ .. (لا .. لست تعبا)

كنتُ أقول كل مرة :

_نَمْشي على رجلي حْسَنْ .. (أنْ أترَجلَ أفضل لي)

_ مِيغْ آوْمَا تَشْلِيتْ دَكْمُودَالَدْ وَحْدَشْ وَتجي تُوكْدَتْ ؟؟؟ (وهل ظللتَ النهار كله في هذه الربوع دون توجس أو خوف)

_ تُوغِيِّي آكْدْ عبدالسلام .. (كنتُ بمعية عبدالسلام)

قلتُها وأنا أترقب أن تفاتحني في أي لحظة عن سبب وجودي في هذه المفازات الخالية، سيما وأنهم لم يألفوا مني نزوعا إلى تجوال من هذا القبيل، فقد كنتُ معروفا عند العائلة في صورة الطفل الهادئ القليل الحركات الذي يسمع لما يُقالُ له ينفذ الأوامرَ يمتثل للتعليمات دون نقاش أو عصيان أو رُدود فعل نزقة جرت العادة أن يتصف بها الأطفال في سن الغرارة .. لقد كنتُ أرسم لهم شكل طفل تطمئن لمعايشته النفوس ترتاح لمعاشرته الخواطر والقلوب، وكان كل ذلك يأخذ مني جهدا كبيرا أبذله لأمتثل لهذا التمثل الذي أسديتُه للآخرين على حساب رغباتي وميولاتي وحريتي في التصرف كما أشاء .. كنتُ أفترضُ دائما ما ينتظرونه مني فأقدمه دون يطلبَه أحد، كنتُ مطواعا لينا سلسا مع الجميع أكثر من اللازم لذلك كنت أستفيد من ثناء يجزلونه كمديح يشكرون فيه حُسن سلوكي يثمنونه ويعتمدونه مقياسا حاسما في آختيارهم لي لمرافقة الكبار في حفلاتهم وأسفارهم وجلساتهم، فأرتاح للأمر لحظات ثم أؤوبُ لنفسي أؤنبها على تخاذلها وآنهيارها الدائم بمناسبة أو دون مناسبة .. هاته الدابة التي تتعثر في خَببها أفضل مني، كنت أناجي نفسي، رغم هوانها وضعفها وقلة شأنها فإنها تظل ثابتة لا تنصاع لأي أحد، تقول بطريقتها الخاصة .." لا .. !! .. " لكل مَنْ يَرُومُ تطويعها أو إجبارها على أمر لا يساير مزاج طبيعتها .. إنها بحق مخلوق فريد بإرادة كالصلب كالحجر كالحديد .. أما أنا .. آه .. تبا ..!!..



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آغْرُومْ
- كَدَمَاتُ آلْحَرِيق
- أَلْفُ يَدٍ وَيَد
- اَلْغَزَالَةُ وَآلثَّوْرُ
- فصاحَ الجَميعُ ... هَااااااا...
- صَوْتُ آلْخَفَاء
- اَلسِّرُّ آلدَّفِينُ
- ثُقْبٌ أَسْوَدُ أَوْ شَيْءٌ مِثْلُ ذَلِكَ
- أَبْصَرْتُ هَضَباتِ آلْأَحْلَامِ فَعَاوَدْتُ آلْمَنَام
- مَا وَرَاءَ أَجَمَةِ آبُّوكَالِيبْسْ أَمِيرِكَا
- هَذا حَبْ الرَّمَّانْ وَتْسَاسْ فْ لَخْرِيفْ
- اقْتُلُوا آلْمُعَلِّمَ وَفَرِّقُوا دَمَهُ بَيْنَ آلْمَدَارِس
- عَنَاقِيدُ مَفْقُوءَة
- اَلْمُفَقَّرُون
- بخصوص(جحيم بارد) لخليل حاوي
- غَبَشٌ
- الخطاطة السردية حسب المقاربة المدرسية
- ذَاكَ آلدَّمُ آلْفَائِرُ الَّذِي يَسْرِي فِي آلْعُرُوقِ
- صيغ التفضيل غير الرافعة
- ثآليلُ آلغَضَبِ


المزيد.....




- رشاد أبو شاور.. رحيل رائد بارز في سرديات الالتزام وأدب المقا ...
- فيلم -وحشتيني-.. سيرة ذاتية تحمل بصمة يوسف شاهين
- قهوة مجانية على رصيف الحمراء.. لبنانيون نازحون يجتمعون في بي ...
- يشبهونني -بويل سميث-.. ما حقيقة دخول نجم الزمالك المصري عالم ...
- المسألة الشرقية والغارة على العالم الإسلامي
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة إنسانية
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة انسانية
- دار الكتب والوثائق تستذكر المُلهمة (سماء الأمير) في معرضٍ لل ...
- قسم الإعلام التطبيقي بكليات التقنية العليا الإماراتية والمدر ...
- نص من ديوان (ياعادل) تحت الطبع للشاعر( عادل جلال) مصر.


المزيد.....

- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - أَمَّا أَنَا، فَالْأَتَانُ أَفْضَلُ مِنِّي