|
الناس يصعدون إلي السماء
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 1739 - 2006 / 11 / 19 - 10:32
المحور:
كتابات ساخرة
منذ شهر تقريبا ، حكي لي ابن خالتي وهو محاسب شاب كيف شاهد النيران وهي تشتعل في عربة أتوبيس قبل مزلقان إمبابة ، ولم تترك العربة إلا وهي مجرد هيكل محترق . أحسست بالقلق . ألم يكن هناك احتمال لتواجدي داخل العربة ؟ . لم ينقض أسبوع إلا وطالعت تقريرا بمجلة البحوث البيئية يفيد أن عدد حوادث المرور في مصر يصل إلي نصف مليون حادثة سنويا تخلف ستة آلاف قتيل ، واثنين وعشرين ألف مصاب ! قلت لنفسي " لن أركب الآتوبيس بعد ذلك أبدا . مترو الأنفاق وسيلة آمنة وسأعتمد عليها بالكامل في مشاويري " . وحين دعاني أحد أقاربي إلي عرس ابنته في الزقازيق نصحني جاري المخلص وأنا أهبط على سلم العمارة ألا أركب القطار . قال لي : احذر القطار . ألا تذكر حادثة قطار قليوب في أغسطس هذا العام ؟ مات فيها 56 مواطن غير المصابين ! ثم لا تنسى صدام القطارين في شبين القناطر بعد قليوب بشهر واحد ! نصحك واجب علي .أنت جاري وصاحب عيال ! شكرت الرجل ، فأضاءت السعادة وجهه لأنه عمل خيرا وله عليه ثواب ، وواصل صعوده على السلم . قلت لنفسي " لن أحضر العرس ، البركة في برقيات التهنئة " . وكنت في عيادة طبيب أنتظر دوري حين قرأت في مجلة مقالا جاء فيه إحصاء رسمي أن مصر شهدت ستين حادثة قطار من عام ألفين إلي يومنا . قلت لنفسي لن أركب القطار بعد ذلك أبدا . بعد ذلك بأيام زارتنا حماتي ومعها كيلو موز ، وقالت لنا أثناء العشاء إنها تعتزم الحج في أقرب فرصة . باركنا قرارها ، وخطر لزوجتي أن تسأل جارنا بالتليفون عن أسعار بطاقات السفر ، لأنه ممن يتابعون أسعار كل شئ . لكن الرجل الشؤم قال لها إن الحديث لا يصلح بالتليفون ، فالمسألة أخطر من ذلك ، وجاء إلينا بنفسه وجلس وهو يحكم عباءته على جسمه . وقال لي موبخا : يا راجل ، عاوز الست الكبيرة تسافر بطيارة ؟ . قلت : ليه لاء ؟ . سحب رقبته للخلف وزام بلوم العارفين : يعني يا أخويا لحقت تنسى الطائرة التي تحطمت من سنتين أول ما طلعت من مطار شرم الشيخ ؟ ده كلام ده ؟ تخلي الست الكبيرة تسافر بالطيارة ؟ يعني لو أنت اللي مسافر ح تسافر بطيارة ؟! . دقت حماتي على صدرها فزعة وقالت : بلاش الطيارة . أسافر في البحر . هز جاري الواعي رأسه بدهاء قائلا : بحر ؟ طب والعبارة يا ست الكل ؟ عبارة السلام 98 التي غرقت في فبراير السنة دي ومات فيها أكثر من ألف مواطن؟ . ونظر إلي نظرة اتهام : يعني لو أنت اللي مسافر ح تسافر بعبارة ؟ . شهقت زوجتي مذعورة : بلاش يا ماما والنبي . سألته محتدا : إمال تسافر إزاي ؟ . قال وهو ينهض : ده مش شغلي . وغادرنا وقد أضاءت السعادة وجهه لأنه قدم خيرا وله عليه ثواب . قلت لنفسي : جار الشؤم عنده حق . وقررت ألا أركب الطيارات والعبارات إضافة إلي الأتوبيسات ، والقطارات . الحمد لله أن مترو الأنفاق موجود ، وجدير بكل احترام . لكنني بالأمس فقط سمعت وأنا جالس في المقهى أن المترو تعطل داخل نفق محطة السيدة زينب ! المترو ؟! وأن الركاب ظلوا محبوسين كالقطط داخل العربات في عتمة النفق ساعة يصرخون من نقص الهواء إلي أن نصحهم السائق بتحطيم زجاج النوافذ والخروج ، ففعلوا ، لكن بعضهم جرح خلال التدافع ، وصدم البعض من تخبطه فوق القضبان المكهربة . ووقعت في قبضة يأس عميق متسائلا : ماذا أركب الآن ؟ . لاحظ أحد الرجال الطيبين في المقهى أن وجهي قد تغير ، فهمس لي وهو يسحب نفسا من النرجيلة : لا تحزن . قلت : كيف ؟ أجابني : في الشارع المجاور قرب محل العصير يبيع عمك فرغلي أجنحة ! صحت فيه مندهشا وأنا أنظر إلي النرجيلة المتوهجة : أية أجنحة ؟ قال مبتسما : وكيف يذهب الناس الآن إلي أعمالهم ؟ سحبت نفسين من النرجيلة فامتلأ صدري بعطرها الفواح ، ونهض الرجل الطيب وسار أمامي بهدوء ، وأنا أتبعه ، إلي أن وصلنا لعم فرغلي . كان الرجل العجوز جالسا على الأرض وبجواره قفص . سألني عم فرغلي عن المقاس المطلوب . ثم ناولني جناحين . وأعطاني كتيبا صغيرا وهو يقول : احفظه عن ظهر قلب ، به تعليمات النجاة . وضعت الكتيب في جيبي ، وجربت الجناحين ، ثم استفسرت من الرجل الطيب : لكن الطيران سهل ؟ . طمأنني : كلنا كنا خائفين مثلك أول مرة ، في البدء ستجد حركتك مضطربة ، لكنك سرعان ما تتحكم في جناحيك ، وتشق طريقك وسط السرب . صباح اليوم التالي ، كنت أطير إلي عملي في العباسية ، وفوجئت بالكثيرين يحلقون بين السحب عن يميني ويساري ، وأخذت أنظر للأرض المزدحمة تحتي بدهشة ، الأكثر من ذلك أنني وجدت إشارات مرور ، تصادف أننا توقفنا عند واحدة منها ، لكن رجلا بجناحين فاخرين اقترب من الشاويش وغمزه بجنيه ففتح لنا السكة ، وآمنت أننا شعب من الملائكة ، وواصلت الطيران بمزاج رائق . عدت من عملي بعد الظهر ، فهبطت على سطح المنزل ، وقبل أن أخلع أحزمة جناحي ، وجدت جار الشؤم يضرب الهواء بجناحيه ليهبط بجواري وقبل أن تستقر قدماه على سطح المنزل سألني : الأجنحة اللي عندك دي صيني ؟!
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بلاغ ضد الشعب
-
الإمبراطورية الأمريكية تحكم الرقابة على العالم
-
د. رشاد الشامي .. رحيل عالم كبير
-
المسلسلات المصرية
-
غزة تفطر على مدافع الاحتلال
-
قوات الديمقراطية الأمريكية والصحافة العراقية
-
إسرائيل عدو الثقافة الأول
-
نجيب محفوظ لحظة وداع
-
حجر وورد .. وجوه لبنانية
-
تحرير الانتصار اللبناني من الكذب القادم
-
المقاومة اللبنانية وتفكيك الشخصية الصهيونية
-
لن نغفر ولن ننسى
-
المقاومة اللبنانية وفلاسفة الهزيمة
-
الليل طويل والطيارات مش نايمة
-
لم يبق في غزة سوى الهواء
-
نبيل الهلالي . سحابة العدل
-
انطفاء أحمد عبد الله .. قمر على جيل السبعينات
-
جينا لندن ترصد أدق الرغبات
-
ساندوا الشاعرة الفلسطينية سارة رشاد
-
سولجينتسين يواجه الحصار الأمريكي
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|