|
الفياغرا في زمن البداوة
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1739 - 2006 / 11 / 19 - 10:32
المحور:
كتابات ساخرة
كم أستمتع وأحس بنكهة، وروح، وطعم الحياة، حين أتابع فيلماً من أيام زمان بالأبيض والأسود لنجوم السينما الكلاسيكيين الناطقين بالعربية، ولاسيماً حين كنت أرى تلك الممثلات الجميلات، وهن باسمات، ضاحكات، وشبه عاريات، مقبلات على الحياة، وبالمايو، والبكيني، والشورتات وهن يتراقصن كالغزالات الشاردات برشاقة، وحيوية، واندفاع، تبعث في النفس الحمية، والنخوة، والفحولة، والحياة. وكم هي جميلة تلك اللقطات التي كنا نتابعها لممثلين في البارات، والكباريهات وهم يرشفون ما تيسر من المنكر، والعياذ بالله، و"يكرعون" المشروبات الروحية بأنواعها، والجميع متحرر من كل التابوهات والعقد، والأوهام، ورزمة المحرمات التي رافقت صعود حقبة الوهابية المظلمة التي ألقت بظلالها على الشارع، وأنماط السلوك البشري العصري المتحضر وأعادته قروناً ضوئية إلى الكهوف والمغاور والوديان. وكم أشعر بالحنين إلى تلك الأيام الخوالي الجميلة، حين كنت أرى الممثلين من أيام زمان، وهم حليقي الذقن، ببذاتهم الأنيقة، والياقات البيضاء، والكرافاتات وهم ينضحون حماساً، وألقاً، وشباب، وحيث يندر أن ترى معمماً، أو داعية، أو فكراً ظلامياً يبث الحقد، والكراهية، والبغضاء، ويدعو لسفك الدماء، والحروب والاقتتال. وحين كنت تستقل تاكسي، أيام العز والفتوة والشباب، كان أول ما تراه هو السائق الباسم المنتشي الجذلان، وأول ما يتناهى إلى سمعك هو صوت فيروز وهي تغرد كبلبل سابح في فضاء لازوردي رومانسي آسر خلاب، أو عبد الحليم، وناظم الغزالي، ونجاة، وفريد الأطرش وأسمهان، وفي أسوأ الأحوال فهد بلان. أما اليوم، وفي هذه الأيام النكداء السوداء، وفور انحشارك في أية وسيطة نقل عام، فأول ما ستسمعه هو الأدعية وأصوات الدعاة، وهم يحرضون على الموت، والفتنة، واحتقار الحياة للفقراء، ويدعونهم للموت، بينما يفتون ويتمنون الخلود لشيوخ النفط، ويدعون في صلواتهم لطويلي العمر" أولي الأمر"، بالعيش المديد والبقاء إلى الأبد على كاهل وصدور الناس. وفورا سيلعلع صوت ابن باز وفتاويه المتخلفة عن العلم والحياة، أو حلقات لمحمد متولي الشعراوي بابتسامته الصفراء وقصصه المسلية عن التبسيط واستسهال الحلول و"تمشاية الحال"، ويندر أن تفوتك شذرات عطرة من أشرطة الشيخ كشك، أو فصول، غريبة من مسرحيات عمرو خالد.
ورغم أن تلك الأفلام كانت تعرض بالأبيض والأسود فإن في خلفيتها الفكرية، والدرامية، والقصصية من الألوان الزاهية، واللمحات القوس قزحية الجميلة، أكثر بكثير من كل التقنيات الحالية التي يستخدمها فنانو الأعراب الجدد من تفريخات زمن البترودولار الرخيص، وحقب القبائل، والعشائر، وسيادة ثقافة الجهل، والدجل، والجواري، والغلمان، والخصيان. لا شيء في خلفية المشهد سوى السواد، والقحط، والتصحر، والبداوة المنحطة التي رافقت تمدد السلفيين والمتزمتين، والمتاجرين بالأديان المتسلطين على عقول الناس، وفرضوها على أذواق وحياة الناس، والتي لا يزيل طابعها الأسود كل تقنيات التلوين المستخدمة اليوم في عالم الإنتاج.
لقد غابت الجميلات، والشورتات، والمايوهات، والبكيني والويسكي، والبيرة، والجن، والكباريهات، والبارات، والنبيذ الفرنسي الفاخر من على الشاشات، وحل محلها النقاب، والجلباب، واللحى، والأثواب القصيرة، ودور العبادة، وزمزم كولا، و العرقسوس، و"الشربات" المصرية وعصير البرتقال، وعم السواد والبلاء، وساد الجهل، وفسد الذوق العام، وصار الديكور الديني، والتمسح بالوهابية لكي يتم تسويق الأعمال الفنية تجارياً، وليس لوجه الله طبعاً، هو السائد والمعيار والأساس في الفن الهابط الناطق بلغة الضاد. كما صار الممثلون، والممثلات، وبمناسبة وبدون مناسبة، يتسابقون لإبداء مظاهر التقوى، والورع، والإيمان، وكأنهم مدفوعون لنفي شيء ما، أو أنهم دعاة أزهريون في مهمة دعوية بين مجموعات من الوثنيين، والجاهليين، والكفار، ولا يكاد ينطق أحدهم ببضع كلمات إلا ويحشر فيها عشرات العبارات ذات الدلائل الغيبية، والإيمانية الميتافيزيقية، و"التحمدات والتشكرات"، وكأنه يستعد لإقامة الصلاة والتعبئة لإحدى الغزوات، وليس للقيام بدور فني خالص فيه رسالة توعوية للناس. كما ترى الممثلة المنقبة ذات العشرين ربيعاً وقد تحولت لعجوز مخرفة شمطاء وقد ماتت فيها الحيوية والشباب وهي في عز الشباب، وتتساءل في سرك لماذا تختفي شابة بهذا القدر من الجمال وراء ذاك الكم الهائل من الشراشف، والقماش، والبطانيات؟ وما الذي يرعبها؟ ومم تخاف؟ ولماذا هي مكشرة، ومتوترة، و"مزنبرة" ومتشائمة إلى هذا الحد من التوتر والرجفان؟
وأصبحت تلك الصور الكلاسيكية الجميلة، التي كنا نراها، من محرمات ومحظورات فنية تتعرض لمقص الرقيب، وفتاوى الفقهاء، وكل يدلو بدلوه فيها على هواه، وصارت مدرسة النقد اللاهوتي والسلفي الوهابي هو السائد في هذه الديار، وينزل على المنتج والمخرج كل غضب الله فيما لو انحرف عن الخط العام، وذلك خشية أن تمر هذه الأعمال على مجتمعات التصحر، والانغلاق وتعكر الصفو العام، أو تخرق التابوهات و"تضل" الناس، إضافة لسطحية القصص، وضعف منطقها، واستسهال الحلول فيها، وصممت وكأنها تتوجه إلى أولئك المخدرين من المحجبات والمنقبات وأصحاب اللحى والعمائم والجلباب، وليس لبشر يعيشون في الألفية الثالثة التي أماطت اللثام عن كثير من الخزعبلات والترهات، وأدخلت البشرية في طور جديد من المنطق، والعلم والوعي العام. وكم تبحث في ثنايا الأعمال الفنية المعاصرة عن قصة إنسانية، أو مشهد فيه منظر يريح القلب والنفس، كوجه ضاحك سافر باش، أو منظر يحرك في النفس مكامن الحلم والاسترسال، ويفتح الآفاق، أو أية رقعة زاهية خضراء تبشر بوجود أحياء وحياة. فلا ترى، ولشدة الأسف، سوى البدو، وقوافل الجمال، والنوق، والحمير، والبعير، والسيوف المشرعة، والنفوس المحتدة، والسباب، والتهديد والوعيد والثأر والانتقام، والوجوه الكالحة المكشرة العبساء التي ترعب الأطفال، وتجهض الأجنة في بطون النساء. وأدركت على الفور، السر الكامن وراء ازدياد حالات العجز الجنسي، ورواج الفياغرا والمقويات الجسنية، والكسل، واليأس العام، وعزوف الناس الكلي عن الحياة.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يعود السفير الأمريكي إلى دمشق؟
-
الأمّة الافتراضية
-
إيلاف وليبرالية الأعراب
-
محاكمة صدام: فشل سياسة الجواكر البوشية
-
حزب الله الفلسطيني: والخيارات الإلهية!!!
-
الجريمة والنقاب
-
هل هي قصة لحم مكشوف، أم فكر مكشوف؟
-
جبهة الخلاص الوطنية الأمريكية وطريق الضلال
-
مثلث برمودا الفكري: نقاب، وحجاب، وجلباب
-
قناة الشام الفضائية: الكوميديا السورية السوداء مستمرة!!!
-
كل ربع ساعة وأنتم بخير
-
المزرعة الإخوانية
-
الحوار المتمدن في دائرة الاستهداف
-
رئيس مغتصب، و زير نساء
-
لا، ........يا وفاء سلطان
-
العرب بين فسطاطين
-
الفبركة الأمنية، والأبواق السعودية، في محاولة تفجير السفارة
...
-
وزارة الاتصالات السورية تكافح الإدمان
-
هل ستصبح القومية إرثاً من الماضي؟
-
قطر تمنع فضيحة عربية في الأمم المتحدة
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|