|
بصقة فى وجه العالم
صفوت فوزى
الحوار المتمدن-العدد: 7795 - 2023 / 11 / 14 - 14:22
المحور:
الادب والفن
فنظرت وإذا أنا أعدو لاهث الأنفاس حافى القدمين ، شاحب الوجه زائغ النظرات وسط خرائب مهدمة . تلاحقنى الصيحات المستغيثة ، تطاردنى أنات تخرج من حناجر مردومة بالأنقاض . أرى رجال يستخرجون من بين الردم جثث أطفالهم ، بالأمس كانت العصافير تنام بين أيديهم . صبايا فى عمر الزهور كن يحلمن بيوم العرس وإنجاب الأطفال يتحولن إلى دمى مشوهة مذعورة . ورود بيضاء حولتها الدماء المسفوكة إلى ورود حمراء قانية . اصوات القصف تتعالى ، تصم الآذان ، والبيوت التى كانت عامرة بالونس وأنفاس الحياة ، تحولت إلى غبار يملأ الآفاق . رجال هدهم التعب والعجز وقلة الحيلة يوارون جثث احباءهم فى أكياس القمامة بعد أن نفذت الأكفان ولم يتبقى منها شيء . امرأة الجار الحسناء ، كانت حاملأ فى شهرها الثامن ، ممددة وسط الركام تعانقها طفلتها الصغيرة مشدوهة النظرة يطل الرعب من عينيها النجلاوين الميتتين ، وبجوارهما يرقد الزوج الصريع . طيور مرعوبة تحلق فى الآفاق متخبطة وكأنها نسيت كيف تطير . جرذان قميئة منتفخة تطارد قططا تجرى بأقصى سرعتها وهى تموء باحثة عن مأوى وحماية . حمامات الدور طارت فزعة . مدينتنا التى كانت هادئة ، تنتحب طوال الليل ، وتمسح دموعها بأكفان الموتى ، وقمر يبزغ على مدن ليس فيها سوى رائحة الموت ، وصخور تبكى على الراحلين المغدورين . لاماء ، لاكهرباء ، لاغذاء ، لا شيء سوى موت قاهر يعربد فى الحارات والأزقة ، وأطفال صغار لم يعرفوا الضحك يوما ، بل ولدوا فى قبور ، وهاهم يموتون فى قبور . العالم معصوبة عيونه ، يتلذذ برؤية الموت والدمار ، ماض فى غيه ، يدير وجهه بعيدا عن القتلة ، ويدين القتلى الضحايا . الجحيم الذى وصفوه لنا فى الكتب المقدسة ، هانحن نعيشه ونراه بأعيننا ، نشم رائحته ، وتتلمسه أيادينا . امرأة وحيدة تعانى آلام المخاض حولها أطفال يأكلون خبزا يابسا ، فيما تدوى اصوات الانفجارات حولهم وتتحول البيوت إلى اكوام من رديم . اختفى النور الطالع من المآذن ساعة العشاء وتسيد الظلام . رحل الونس الذى كان مبدورا فى البيوت والشوارع . أم مكلومة ، تقف وسط اطلال بيتها المتهدم ، تقشر ما تبقى لديها من ثمرات البطاطس ، لتعدها غذاء لمن تبقى من أفراد عائلتها ، وعلى البعد جثة مشوهة لطفل رضيع تعجز أمه عن التعرف إليها . يئن الشجر ، يئن التراب ، يئن الحجر ، تئن الشوارع ، الجدران المتداعية ، تئن الأرصفة ، وتئن الطيور . رجل مقطوع الأنفاس ، وجعه يشلب دم فى صوته ، معفرا بالتراب والرمال والغبار ، يبحث عن أولاده بين الأنقاض آملا أن يكونوا مازالوا أحياء . أغمضت عينى متعبا ، وغفوت . عندما انتبهت ، كانت المذيعة المتأنقة فى التلفاز ، بشعرها المصبوغ المستعار ، ووجهها ناصع البياض ، نحيل ، يزيد من نحوله عيناها الكبيرتان السوداوان ، تنوه عن فيلم رسوم متحركة يعلم الآطفال والكبار أهمية الحفاظ على السلام والبيئة النظيفة . أدرت المؤشر غاضبا . كانت المحطة التالية تستضيف رجلا يرتدى بدلة رمادية وربطة عنق زرقاء تتدلى على صدره بلا معنى ولا وظيفة . كان يستعرض نصوص الاعلان العالمى لحقوق الانسان . لشد ما أنا مهان وعاجز ، مربوط اليدين والقدمين . كأننى كبرت مائة عام . بدت لى ملامحى شبيهة برجل أوغل فى العمر . محنى الظهر ، تطل من عينى نظرات بلهاء ، ابيض شعر رأسى ، وهزل جسمى . أبصق على الشاشة وعلى الاعلان وعلى العالم المغيب المضلل الذى يتشدق بالحريات وحقوق الانسان وكثير من الرطانة الفارغة ، ويغمض عينيه عامدا متعمدا عن المجازر التى تبيد شعوبا بأكملها دون أن يطرف له جفن . ___________________
#صفوت_فوزى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وكان مساء
-
لما أنت ناوى تغيب على طول
-
انتظار
-
طائر فى الملكوت
-
الذين مروا من هنا
-
للموتى أجنحة بيضاء
-
سفر
-
والصبح إذا تنفس
-
يوم آخر
-
أم الغريب
-
تخطى العتبة
-
الآن أبصر
-
قشر البطاطا
-
الغريب
-
عزف منفرد
-
أول الفقد أول الوجع
-
همس الحيطان
-
فى حضرة الغياب
-
امرأة
-
عبور الممر الضيق
المزيد.....
-
المزيد من الـ -Minions- قادمون في فيلم جديد
-
موسم أصيلة الثقافي يعيد قراءة تاريخ المغرب من خلال نقوشه الص
...
-
شائعة حول اختطاف فنانة مصرية شهيرة تثير جدلا (صور)
-
اللغة العربية ضيفة الشرف في مهرجان أفينيون الفرنسي العام الم
...
-
تراث عربي عريق.. النجف موطن صناعة العقال العراقي
-
الاحتفاء بذكرى أم كلثوم الـ50 في مهرجاني نوتردام وأسوان لسين
...
-
رجع أيام زمان.. استقبل قناة روتانا سينما 2024 وعيش فن زمان ا
...
-
الرواية الصهيونية وتداعيات كذب الإحتلال باغتيال-محمد الضيف-
...
-
الجزائر.. تحرك سريع بعد ضجة كبرى على واقعة نشر عمل روائي -إب
...
-
كيف تناول الشعراء أحداث الهجرة النبوية في قصائدهم؟
المزيد.....
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
المزيد.....
|