|
عن الكتابة أثناء وبعد المجزرة
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 7794 - 2023 / 11 / 13 - 16:13
المحور:
القضية الفلسطينية
١ - عندما يرى أي إنسان ما يحدث في غزة، في هذه الحرب النازية على شعب فلسطين، من تدمير وقتل وتشريد وإرهاب وتهجير، لا يمكنه إلا أن يتسائل بجدية قاتلة : ما فائدة الكتابة وما فائدة الفكر والأدب والفلسفة، ولا يمكنه إلا إن يسخر من كل هذه الآلاف والملايين من الكلمات التي تملأ الكتب والصحف والمجلات وصفحات الويب بكل أشكالها وألوانها، ولا يمكنه إلا أن يتخذ موقف ديوجين بخصوص إفلاطون الذي كان يسخر منه سخرية لاذعة متسائلا عن فائدة رجل قضى حياته كلها في ممارسة الفلسفة، دون أن يزعج أي أحد. وهذا التساؤل عن عبثية الكتابة أشار إليه أحد المفكرين اليهود، ثيودور أدورنو، في منتصف القرن الماضي بخصوص إستحالة كتابة الشعر بعد المحرقة النازية ومحاولتهم لإبادة اليهود. ونطرح نفس الؤال اليوم، هل هناك ما يمكن أن يقال، علما بأنه أثناء كل كلمة أو جملة تكتب يموت فيها فلسطيني أو فلسطينية تحت القنابل ؟
٢ - كان ثيودور أدورنو - Theodor W. Adorno عضواً بارزاً في مدرسة فرانكفورت النقدية، وارتبطت أعماله بالعديد من المُفكرين البارزين مثل إرنست بلوخ Ernst Bloch، والتر بينجامين W-alter-Benjamin، ماكس هوركهايمر Max Horkheimer، هيربرت ماركوس Herbert Marcuse، إيريك فروم Erich Fromm وغيرهم من مدرسة فرانكفورت، ويعتبر على نطاق واسع أحد أهم المُفكِّرين في القرن العشرين في الفلسفة وعلم الجمال. بالإضافة لمقالاته الكثيرة ومحاضراته، نشر العديد من الكتب التي انتقد فيها الفاشية وأثَّر من خلالها بشكلٍ كبير في اليسار الأوربي الجديد مثل كتاب الديالكتيك في عصر التنوير سنة Dialectic of Enlightenment ،1947، الديالكتيك السلبي، سنة Negative Dialectics-1966. بعد وصول هتلر إلى السلطة في ألمانيا، هاجر أدورنو‘ بإعتباره يهوديا، مع العديد من الأساتذه التابعين للجامعات الألمانية بعد منعهم من التدريس إلى بريطانيا ثم إلى أمريكا. وبعد خمسة عشرة عاما من المنفى، في سنة ١٩٤٩، عاد أدورنو إلى ألمانيا بعد نهاية الحرب وهزيمة النظام النازي حيث ألتحق بجامعة فرانكفورت. في ذلك الوقت كانت ألمانيا محطمة ومهزومة، تحاول نسيان الفترة النازية وإلقاء غطاء يخفي الحرب المجنونة ومخلفاتها المادية والنفسية على المجتمع الألماني، وبذل كل الجهود المادية والثقافية للنهوض بألمانيا بعد الهزيمة والإلتحاق بالأنظمة الأوروبية. وفي محاضرة ألقاها سنة ١٩٤٩ بعنوان " نقد الثقافة والمجتمع" والتي نشرت في سنة ١٩٥١، كتب أدورنو : "حتى الوعي الأكثر حدة بالكارثة قد يتحول إلى ثرثرة. نقد الثقافة نفسه يتحول في نهاية الأمر إلى جدلية بين الثقافة والهمجية : كتابة قصيدة بعد أوشفيتز Auschwitz هي عمل همجي "To write poetry after Auschwitz is barbaric"، وهذه الحقيقة تؤثر حتى على المعرفة التي تفسر لماذا أصبح من المستحيل كتابة الشعر اليوم."
٣ - بطبيعة الحال، هذا الحكم لم يكن نهائيا ولم يكن الغرض منه القضاء على الشعر أو الأدب والفن، وإنما التعبير عن رفضه لنسيان الشعب الألماني للجرائم التي أرتكبها النظام النازي بإسمه. ولكن اليوم تغير الموقف تغيرا جذريا، وأصبحت محرقة اليهود رمزا عالميا وإنسانيا ضد الأنظمة الشمولية والعنصرية يدرس في كل مدارس أوروبا ويحيي ذكراها في كل أنحاء الدول الغربية، وأصبح الشعب اليهودي، ممثلا في دولة إسرائيل يمثل "المسيح المصلوب" في ديانة عالمية جديدة تقودها إسرائيل وأمريكا وفرنسا وبريطانيا. وأصبح إنتقاد دولة إسرائيل يمثل نوعا من الكفر والزندقة يعاقب بأقصى العقوبات التي تسمح بها هذه الأنظمة التي تدعي الديموقراطية والإنسانية والدفاع عن حقوق الإنسان. أما بخصوص الشعب الفلسطيني فإنه يمثل بالنسبة لإسرائيل الخطر الوحيد الذي قد يهدد هيمنتها وسيطرتها على كل منطقة الشرق الأوسط. ورغم أن ياسر عرفات قد قضى على فكرة المقاومة واستسلم في أوسلو للديانة الإسرائيلية مقابل رئاسة دولة وهمية، إلا أن إسرائيل تعتبر كل من يقاوم الإحتلال إرهابيا ومعاديا للسامية ويمكن القبض عليه وتعذيبه وسجنه وإغتياله في أي بقعة من العالم. وعليه ماذا يمكن أن يفعل الفلسطيني في مواجهة هذه الآلة الجهنمية المقدسة ؟ كيف يمكنه الحياة وهو محاصر ومكبل اليدين والقدمين ؟ وقد وجد الشعب الفلسطيني في غزة جوابا على هذه التساؤلات ممثلا في حركة حماس الإسلامية، لأن كل الحركات التقدمية تفسخت الواحدة بعد الأخرى، بمساعدة الكيان الصهيوني الذي كان من مصلحته وجود حماس في غزة، لخلق الإنشقاق بين الفلسطينيين من ناحية، ومن ناحية أخرى محاولة تَضْليل وخِداع العَالم بخلق صدام مفتعل بين الإسلام واليهودية وصَرْف اِنْتِباهه عن الإحتلال والتهجير بإفتعال حرب دينية، أو حرب بين الديموقراطية والإرهاب.
٤ - للأسف الشديد، كل هذا الكلام مجرد ثرثرة، فالموقف الذي يتواجد فيه اليوم الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى الكلام وإنما إلى الفعل الفوري، وقد قلنا هذا الكلام منذ اليوم الأول، غير أنه لا يمكن للجثت أن تتحرك ولا للأموات أن تقوم بأي شيء سوى أن تضل مستلقية على الأرض يأكلها العار والدود والذباب. وقد اعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، السبت ١١ نوفمبر في أعقاب إعلان البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية المنعقدة في الرياض، أن قرارات القمة العربية الإسلامية المشتركة " "قرارات القمة جيدة وقوتها تكمن في صدورها عن 57 دولة عربية وإسلامية، وهي تبرز موقفها الضاغط على مؤيدي إسرائيل"، علما بأن هذه القرارات - ٣١ قرارا، لا تخرج عن الثرثرة الركيكة التي تعود عليها العرب منذ عشرات السنين : نرفض، ندين وندد ونشجب، نطالب، نستنكر، ندعم، نؤكد، إعادة التأكيد وإعادة التنديد، التشديد على ..، الدعوة إلى ..، إلى آخر قائمة هذه الأماني التقليدية والتي لا تعبر سوى عن الفقر الفكري والسياسي الذي تعاني منه هذه الطبقة المزرية من الرؤساء والملوك والسلاطين والشيوخ، والذين لا يخجلون من إخراج مثل هذه البيانات الطفولية، وهم الذين يمثلون قوة عالمية تضم أكثر من ٥٧ دولة، وأكثر من ملياري نسمة، لا يجرأون على إتخاذ أي قرار عملي حقيقي ضد إسرائيل وأمريكا والغرب عموما، مثل قطع العلاقات الدبلوماسية أو إيقاف ضخ النفط لإيقاف المجزرة الدموية في غزة.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإرهاب والعدمية
-
تِك تاك تِك تاك بوم
-
أبجدية الزلازل
-
الكوابيس الملونة
-
الإنعتاق
-
أوقفوا ضخ النفط لإنقاذ ما تبقى من غزة
-
لماذا مشايخ العرب لم يوقفوا ضخ النفط ؟
-
عن حماس والإخوان والمقاومة
-
قلق ونوستالجيا
-
الصرخة
-
براءة النوم في شراشف النكبة
-
الميت الحي
-
المقاومة المسلحة والطرق المسدود
-
باريس، عاصمة إسرائيل
-
طير الليل أو النعوشة
-
العبور من الجحيم للجحيم
-
أصول ليليث
-
ليليث أو الطائر الليلي
-
نزيف الورود
-
وتمطر الأرض أسماكا
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|