|
جماليات اللغة الشعرية في تجلياتها التركيبية والدلالية.وعمق المبنى والمعنى في قصائد الشاعر التونسي د-طاهر مشي-قصيدته -دموع الليل نموذجا-
محمد المحسن
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 7791 - 2023 / 11 / 10 - 19:10
المحور:
الادب والفن
اللغة هي قنديل الإبداع المضيء الذي يضيء التجربة بقنديل من نور،ويبعث فيها شعاعها البهي الطهور..إنها أداة المبدع الطيعة التي يشكلها ببوح الخيال،وسحر الجمال.. باختصار إنها حياة النص،وقلبه النابض. واللغة الشعرية-في قصائد الشاعر التونسي الفذ د-طاهر مشي تحقق منتظمها الفني الجمالي من حيث توليف الكلمات والجمل برشاقة،وإيقاعية جمالية مفعمة بالشعور،والإحساس والشاعري.وهنا نحنُ،إزاء نصّ"دموع الليل" منظم نسقياً تقوده حركة الأنساق اللُّغويّة التقفوية المتوازنة،محققة درجة إيقاعيَّة مثلى تنبعث من صدى الإيقاع الداخلي،لحركة الأنساق اللغويّة المتوازنة بين الأنساق المضافة،والأنساق الوصفية،والأنساق التقفويّة. يستعمل الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي الكلمة فيبعث فيها قدرته الروحية والنفسية وطاقته الإبداعية من أجل ن تصير أكثر قوة وجمالية وأكثر وضوحا في معناها ودلالاتها المتعددة،فتختلف عن غيرها من الكلمات التي يمكنها أن تحضر في فنون أدبية أخرى،فالشعر عنده يسعى إلى تحقيق وظيفته الإبلاغية والتواصلية،إذ تختلف هذه الوظيفة في الشعر عن الوظيفة نفسها في الآداب والفنون الأخرى. يسخِّر الشاعر إمكانياته اللغوية من خلال تلاعبه بالتركيبات المعجمية التي تمنح شعره خصوصية شعرية تجعله يتميّز عن غيره من النصوص الشعرية لباقي الشعراء. هنا تتجلى جمالية اللغة الشعرية في تجلياتها التركيبية والدلالية من خلال التأكيد على بعض الصور الشعرية المبدعة والقادرة على إثارة اهتمام القارئ وإعجابه. إن القصيدة عند د-طاهر مشي تتسيَّد عليه وتصبح مالكة له،فيخلص لها-ويدخل بيت طاعتها-وتدفعه بالتالي إلى العفة وكبح شهواته الأخرى،والإبقاء على علاقته بها دون غيرها.فهي الملهمة،والملِكة،والمملكة،والعشق الدائم،والسلام النفسي،والدافع إلى البقاء ومعاركة الحياة بكل مشاكلها وأسرارها.. إنها تتأسس على ما تحمله من تناقضات،حيث تكون قادرة على بلوغ مرحلة الإبداع الدرامي في جميع القصيدة،يقول الشاعر في قصيدة “دموع الليل" يلف الظلام الأكوان فتنشد العاصفة أنشودتها بصوت الخذلان وبراكين الوجد تثور معلنة بدء وهج الحنين فينهمر الدمع كسيل مطر يسري في سراديب الظلام تخمد النار المنصهرة في الوجدان وتكون بردا وسلاما وشفاء من الأحزان ويبرق في داخلي بصيص أمل وصدق إيمان وتستقر في قعر النفس درة من حنين وحنان وسبات في الصميم استكان يخفق النبض معلنا بدء فجر جديد في الابان وبشرى يزفها القدر إلي محب الحياة النشوان بين سهد الروح ونبرات انكسار الفنان فأسرج مهري وأسابق صبحي وأحط رحلي على شاطئ الحنين وكأني أعود من حيث بدأت في الحين تغادرني الافراح وتسكنني الأشجان وتبقى الذكرى ودموع الليالي تمسحها وسادتي والبنان جمالية التناص في القصيدة: إن ما يلفت النظر في تناص الشاعر التونسي القدير د-طاهر مشي مع أفكار ومواقف وثقافات وأشياء،ليس ذلك الكم الهائل من التناصات،واستدعاؤها في جل قصائده بل ما يلفت حقيقة هو طريقة استخدام التناص،وجعله عنصرًا مهمًا وأساسيًا في بناء القصيدة وفي بناء معناها العام والخاص.فالشاعر يعيد صياغة هذه التناصات ويمزجها بلغته،فيمنحها خاصية جديدة ومعنىً مختلفًا ليس فيه من المعنى الأول إلا ما يظهر في قراءته السطحية،حيث لا يمكن فهم الفكرة الجدية إلا من خلال القراءة العميقة والمتمعنة في العبارة الشعرية،ومن ثم القصيدة ككل.. تتميز قصيدة "دموع الليل" بايقاع موسيقاها العالي جدا الظاهر للسمع وهو ما تمتاز به تجربة الشاعر د-طاهر مشي في كتابة القصيدة: وتمتاز كذلك بكثرة الانزياحات التي تبعد لغة الشاعر من النثرية التقريرية التي تقع فيها قصيدة النثر التي يكتبها بعض الشعراء في هذه الايام،وهذا ما يجعل قصيدة "الطاهر"خارجة عن المألوف الشعري العام. التناص عبارة عن حدوث علاقة تفاعلية بين نص سابق ونص حاضر لإنتاج نص لاحق،إذ كل نص هو تشريب وتحويل لنصوص أخرى.ومن شأن التناص أن يسعى إلى تخصيب النصوص وتلميحها بثقافات ورموز وإشارات تنشلها من حومة السطحية والغنائية لتبدو قادرة على التحليق بالقارئ إلى آفاق جديدة. لا يعد التناص محاكاة تهدف إلى إعادة الإنتاج أو المطابقة،ولكنه إبدال transposition كما تراه كريستيفا،بمعنى أنه إبدال لنسق من العلامات بنسق آخر،ويرى رولان بارت أن النص الجديد يلتهم القديم،ويتحول به إلى إمكان لغوي آخر ينذر بقراءة تلتهم هي الأخرى جديد النص المتحول لتتحول به بدورها وهكذا دواليك. وقد منح التناص في العديد من قصائد-الطاهر-الروح الشعري،مضافاً لما منحته لغتها وصورها وايقاعها الداخلي من شعرية بينة وواضحة للسامع والقارئ. على سبيل الخاتمة : اللغة الشعريَّة-من منظور أُدونيس- ليست فقط عملية ولادة،وإنما عملية خلق وإبداع دائمين، وضرورة وجوديَّة كذلك،إذْ يقول: "إذا لم أكتبْ،فأنا أشعرُ بأنَّني غير موجود.بالكتابةِ أكتشفُ من أكون،أتعوَّدُ اكتشاف ذاتي،والإفصاح عنها..تتيح لي الكتابةِ أيضاً معرفة الآخر.ومعرفة العالم بالتأكيد. يراودني إحساسٌ بأنَّ الحياة بأكملها حركة اكتشاف متواصلة.وهذه الحركة تتيح للإنسان أن يشعر بأنَّه موجود،وأنَّه يساهم في خلق العالم،وفي تغييره...وما يمكن أن يقال عن الشعر،يمكن أن يقال على جميع أشكال الخلق والفن والفلسفة...إلخ" إنَّ رؤية د-طاهر مشي للغة الشعريَّة لا تقل قيمة أو أهمية عن رؤية أُدونيس،فالشاعر "الطاهر"يُعَدَّ اللغة الشعريّة لغة الحس الشعوريّ المصوَّر بأسلوب جمالي وبحساسيّة فنية عالية،وهذه الحساسيّة هي التي تميِّز الشاعر الجيد عن الشاعر الردِيء،لهذا عمد الشاعر د-طاهر مشيإلى تحفيز قصائده بتشكيلات لغويَّة جديدة،تعتمد لغة الابتكا،من خلال هندسة الجمل، وهندسة إيقاعها الخارجي والداخلي.. وهذا؛ ليس بغريب على شاعر حسّاسّ،شاعر أعطى للقصيدة مناخاً شعوريًّا جديداً،وأفقاً تشكيليًّا متميّزاً في سماء الفن والحداثة الشعريَّة.. وقد جاءت قصيدته "دموع الليل"منظمة نسقيًّا،يإيقاعات متضافرة،منها إيقاعات بصريَّة،ومنها إيقاعات لغوية،ومنها إيقاعات صوتية تتبدّى أكثر ما تتبدَّى في حركة الأنساق الّلغويَّة المتضافرة،وتنظيمها النسقي المتوازن،الذي يخلق هندسة إيقاعيَّة تستثيرها حركة نصه،بإيقاع داخلي يحفِّز العبارة الشعريَّة من الداخل،قبل تحفيزها من الخارج بالأنساق الّلغويَّة المتضافرة. ختاما أقول : إنَّ هندسة المعنى في المقاطع الشعريَّة،وتحفيزها للقارئ،بالانسجام،والتفاعل، والتضافر،يجعلها ذات سيرورة نسقية منظمة،تبهج القارئ بتفاعلها؛ وإنْ كان ثمَّة إغراقاً في متاهات سرديَّة،وتفاصيل يوميَّة،فإنَّ هذا لا يضعفها أو يُّمَزِّق وحدتها،مما يجعلها ذات خصوصيَّة صوتيَّة إيقاعيَّة،وجرس صوتي موسيقى متناغم على مستوى الألفاظ،والحروف، والقوافي المتآلفة،أو المتناغمة،لخلق الدهشة في المستويين التصويريَّ والإيقاعيَّ في آن معاً. وهذا ما يدفعني إلى رفع-قبعتي عاليا-إجلالا وإكبارا لشاعرنا التونسي الفذ د-طاهر مشي-
#محمد_المحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاعرة التونسية السامقة أ-نعيمة المديوني..تضيء ذاكرة الوطن.
...
-
قراءة جمالية في قصيدة الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي -قصيد
...
-
قراءة متأنية في-قصة قصيرة-جدا منبجسة من ثقوب الوَجَع..-حدث ذ
...
-
غزة-مدينة أسطورية-تروي لنا بطولات الأجداد وملاحم الأحفاد..وت
...
-
على هامش ملحمة العزة بقطاع غزة-غزة-مدينة أسطورية-تروي لنا بط
...
-
-أليس بإمكان الشاعر الآن..وهنا..تطريز المشهد الشعري بزلازل م
...
-
تحايا مفعمَة بعطر الزهور..إلى مربية فاضلة
-
(صلوات..في محراب العشق) قصائد الشاعر التونسي الكبير د-طاهر م
...
-
جمالية الخطاب الشعري التقدمي..قصائد نخبة من الشعراء العرب (ب
...
-
تَمَثُّلات الوَجَعِ في قصيدة الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مش
...
-
اطلالة سريعة على قصيدة الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي -حدي
...
-
إشراقات المشاعر الوطنية في قصيدة الشاعر التونسي الكبير د-طاه
...
-
مواجع الحرف..وأوجاع الكلمة..في ابداعات القاصة/الشاعرة التونس
...
-
قراءة متعجلة في قصيدة-أنا العاشقة-للشاعرة التونسية السامقة أ
...
-
قصيدة الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي الموسومة ب-لنحْمِي ال
...
-
تجليات فلسطين في النص الشعري عند الشاعرة التونسية السامقة فا
...
-
عندما يستدرج الشاعر التونسي القدير د. طاهر مشي الشعرَ إلى جم
...
-
تجليات العشق والإنعتاق..في قصيدة الشاعرة التونسية السامقة أ-
...
-
من لا يعرف الشاعر التونسي القدير جلال باباي..أقول..
-
قراءة تأملية-متعجلة-في قصة قصيرة جدا للكاتب والشاعر التونسي
...
المزيد.....
-
تركيا تقضي باعتقال مديرة أعمال فنانين مشهورة بتهمة محاولة ال
...
-
-من هو النمبر وان؟-.. الفنان المصري محمد رمضان يسأل والذكاء
...
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|