|
جزار قريتنا
نشأت المصري
الحوار المتمدن-العدد: 1737 - 2006 / 11 / 17 - 07:30
المحور:
كتابات ساخرة
عم جرجس منذ 35/40 سنة مضت كان اسمه جرجس السكاكيني نسبة إلى مهنته الذي كان يعتز بها كثيرا لان عم جرجس كان الجزار الوحيد في قريتنا الصغيرة . كان عم جرجس رجل أنيق في ملبسه ونظيف في عمله وأمين في كل شيء في ميزانه وفي سعر اللحمة عنده. إنني بالرغم عن المدة الطويلة أتذكر هذا الإنسان جيدا كنت أراه في دكانه الصغير في وسط القرية يلبس جلباب ابيض ناصع البياض لا تشوبه أي آثار من الذبائح وكان يضع على رأسه شاش ابيض ودكانه نظيف لأنه كان ينظف كل شيء بعناية فائقة وكان يضع حول اللحمة المعلقة شاش ابيض نظيف يغيره من آن إلى آخر. وكان له كلمات لا يمكن أنساها أبدا عندما يختار أبي قطعة معينة من اللحم كان يقول له ببساطة شديدة هو إلي حيأكلها أحسن منك يا عم حنا وكان يقول نفس الكلام لجميع الزبائن . لذلك كانت كل القرية تحب عم جرجس لأنه حكيم في صنعته وكان أيضا موضع ثقة لكل أهل القرية لأنه كان يتدخل بينهم في حل مشاكلهم وكان رأيه سديد وحكيم في كل ما يتكلم به أي ببساطة شديدة أفضال عم جرجس على جميع سكان القرية. كان أبي وأبو صديقي محمود الشيخ عواد وأبو صديقي احمد الأستاذ منصور كاتب الجمعية الزراعية الثلاثة كانوا أصدقاء لعم جرجس السكاكيني ويتبادلوا الزيارات في جميع المناسبات . فكانت القرية كلها مسيحيين ومسلمين يحتفلون سنوياَ بجميع الأعياد المسيحية منها والإسلامية وكنا نخرج أنا وأصدقائي لقضاء العيد في المدينة المجاورة لقريتنا . وكان بجوار قريتنا دير صغير يسكن فيه احد الرهبان وأنني أتذكر صوت جرس الدير مع مؤذن الجامع كل منهم يعلن ميعاد الصلاة وكنت اذهب مع أصدقائي في طريقنا للصلاة وعند أول الجسر نفترق فهم يذهبون إلى الجامع وأنا اذهب إلى الدير ولم أتذكر يوما تم نقاش بيننا حول الدين أو المعتقدات. كبرنا سويا وأخذنا على عاتقنا الجد في الدراسة ونجحنا في الثانوية العامة وقدمنا الأوراق في مكتب التنسيق ودخلنا جميعا التعليم الجامعي وسافرنا إلى القاهرة حيث دراستي أنا وصديقي احمد في كلية الطب وسكنا سويا في حجرة واحدة أما صديقنا محمود فقد اختار التعليم بالأزهر. تخرجنا من الكليات وكل واحد منا شق طريقه في الكسب وبناء المستقبل والتحقنا سويا بالمستشفى التي بالمدينة وأما صديقنا محمود فقد أنزوا عنا تدريجيا حتى إننا فقدنا أخباره. وفي يوم اشتاق صديقي احمد للصلاة في مسجد القرية ففوجئ عندما وجد صديقنا محمود يلقي خطبة الصلاة والذي آثار صديقي احمد إن محمود كان يتكلم على الذبح طبقا للشريعة وكان يحرض أهل القرية بعدم شراء اللحم من دكان عم جرجس النصراني فانقبض قلب احمد مما جرى فإن محمود يضع بذور التفرقة بين أهل القرية فاتصل بي صديقي احمد حتى نتشارك في رد الاستقرار لقريتنا الصغيرة فذهبنا سويا إلى منزل الشيخ عواد فقال لنا عقلوه يا أولادي ابني أتخبل في مخه ومش فاهم هو بيعمل كدة ليه ولحساب مين. فذهبنا سويا إلى منزل عم جرجس وطلبنا منه لترضية الموقف إن يذبح وفق الشريعة فقال لنا : وأنا لما باذبح بأفول باسم الله القوي يبقى أزاي ضد الشريعة أليس هذا اسم الله فقال صديقي احمد : عداك العيب يا عم جرجس أنت كدة في السليم فقال عم جرجس بعد إيه يا أبني بعد ما خربت وأنا فلست وتراكمت علي الديون لان سكان القرية اجبروني علي غلق الدكان وهناك جزار آخر مسلم فتح دكان في طرف القرية من قبلي . ومن اجل حب الاستطلاع ذهبنا لنرى دكان الجزار الجديد فوجدنا شخص ذو ثياب رثة من دماء الذبيحة واللحمة مكشوفة وعليها كم كبير من الذباب ومجموعة لا حسر لها من الكلاب الضالة والمشترين منه يبكتونه على سوء اللحمة وكبر سن الذبيحة . وأثناء تجولنا في القرية وجدنا شباب القرية يلبسون ملابس بيضاء أشبه بملابس الشعب الأفغاني والفتيات يرتدين الخمار والحجاب ويتلون الصلوات خارج الجامع وفي الشوارع فأيقنا أن وراء كل هذا صديقنا محمود فذهنا إليه لنغير من فكره ولكنه لم يوافق على مقابلتنا وفي أخر المطاف نظر لنا من شرفة المنزل وقال ابعد من هنا يا كافر وأنت يا أحمد أنت كافر أيضا لأنك تصاحب الكفرة . فخرجنا مسرعين وقصدنا طريقنا خارج القرية ولم نتكلم في شيء إلى أن أتانا خبر من القرية أن عم جرجس مع بعض المسيحيين قتلوا وهم في طريقهم للدير وعم الشيخ عواد الرجل المحب عندما سمع ما فعله ابنه لم يتحمل الصدمة فوقع ميتا وهكذا كل شيء جميل وكل إنسان حكيم مات من قريتنا . فخرجت أنا وصديقي احمد للعزاء وعند مشارف القرية توقفنا في وقت واحد وبصوت واحد : سنؤدي العزاء لمن ورحنا نتأمل أين قريتنا الجميلة الآمنة دلوني يا إخوتي أين مصر
#نشأت_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|