|
موجة طلب اعتذارات من الغرب
عادل صوما
الحوار المتمدن-العدد: 7788 - 2023 / 11 / 7 - 10:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أينما حل رئيس غربي زائراً في السنوات الأخيرة، سبقت زيارته طلبات اعتذار من البلد المُضيف عن الفترة الاستعمارية لبلده، وقد طالت طلبات الاعتذار حتى البابا فرنسيس الأول قبل زيارته لكندا عن تجاوزات بعثات الكنيسة الكاثوليكية ضد المواطنين الأصليين، لكن من الكنديين الليبراليين واليساريين. أخطاء الماضي طلبات الاعتذار غير مبررة قانونياً أو اخلاقياً لأنها عن شيء لم يفعله الرئيس الزائر شخصياً، وقد تجاهلها رؤساء أو رفضوها، وبعضهم قدموا اعترافاً بأخطاء فعلتها بلادهم في فترتها الاستعمارية، كما فعل الرئيس الفرنسي ماكرون مع طلبات الجزائر المتكررة بالاعتذار. في نطاق موجة طلب الاعتذارات المُستحدثة غير المبررة، دعت اللجنة الكينية لحقون الانسان الملك تشارلز الثالث إلى تقديم "اعتذارات علنية لا لبس فيها" عن انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبتها بريطانيا خلال فترتها الاستعمارية في كينيا ما بين سنة 1895 و1963. الاعتذار المطلوب بسبب قمع ثورة قبائل "ماو ماو" ضد القوة البريطانية الاستعمارية، الذي خلف أكثر من عشرة آلاف قتيل بين عامي 1952 و1960، معظمهم من إثنية كيكويو، والطلب جاء بعد سنوات من الإجراءات القانونية التي وافقت لندن بموجبها في سنة 2013 على دفع تعويضات لأكثر من خمسة آلاف كيني، وهو أمر حضاري لم تفعله أي دولة من دول العالم الثالث اليوم عن غزو أو استعمار مارسته، عندما كان لديها القوة وكان محاربوها غزاة خلال التاريخ! ورغم ذلك، طالبت اللجنة إياها بتعويضات "عن كل الفظائع التي ارتكبت بحق المجموعات المختلفة في البلاد". قصر باكنغهام أكد قبل الزيارة بديبلوماسية رفيعة أنها تشكل فرصة لمناقشة "الجوانب الأكثر إيلاما" في التاريخ بين البلدين، وسيأخذ الملك تشارلز "الوقت لتعميق فهمه للأخطاء التي تعرض لها الشعب الكيني خلال هذه الفترة". أسباب الاستهداف لماذا الغرب وحده مستهدفاً بالاعتذار؟ الأمر مريب فعلا خصوصاً إذا سألنا على المستوى الأفريقي: هل قبائل أفريقيا التي أبادت بعضها بعضاً، بدون أو مع تدخل خارجي، اعتذر أحد منها أو قدم تعويضات؟ هل اعتذر الرئيس السوداني السابق عمر البشير عن المذابح التي كان مسؤولا عنها وأدت إلى بتر جنوبي السودان عن شماله؟ هل طالبت إحدى جمعيات حقوق الإنسان هذا الرئيس بأي تعويضات أو اعتذارات؟ طالبوا الغرب بالاعتذار عن فترة بيع العبيد، رغم أن الاستعباد كان معروفاً عند كل الشعوب والأمم، لكن لم يزل الغرب خصوصاً أميركا تُجلد بسببه، وبعدما انتُخب حسين أوباما رئيس أسوّد لأول مرة في تاريخها، وعوضاً عن تمهيد الاجواء ليصبح إنتخاب رجل غير أبيض أمراً مألوفا في أميركا كما توقعت كل الأقليات خصوصاً أهالي أميركا اللاتينية، رفع شعار"Black lives matter"، وهو شعار يهين الأفارقة الأميركيين، فحروب أهلية أميركية طاحنة بين السكان البيض اندلعت لتحرير العبيد وحمايتهم بواسطة أبراهام لينكولن منذ أكثر من قرن ونصف. من ناحية أخرى، هل اعتذر الأفارقة الخبثاء الخونة الذين اشتركوا بالتواطؤ في تسهيل وتجارة العبيد أو دفعوا تعويضات؟ الغرب الصامت يُطالب الغرب فقط بالاعتذار عن فترة استعماره، لكن لم تطالب قبرص، أو صقلية أو مالطا أو إسبانيا أو فرنسا أي بلد إسلامي بالاعتذار عن فترة الحروب والاستعمار الاستيطاني الإسلامي وطلبت تعويضات؟ أوضح مثال على سرقة أجزاء من بلاد بل جزء من قارة هي تركيا، التي لم تكن موجودة أساساً وقامت على سرقة أراضي وأسست دولتها، ثم سرقت لواء الإسكندرونة من سورية عندمت أصبحت إمبراطورية، ولاحقاً جزءا من قبرص واستعمرت استعماراً استيطانياً جزءا من أوروبا هو القسطنطينية وجوارها وغيرت دين السكان ولغتهم، ناهيك عن تحويل أكبر كنيسة في العالم إلى جامع، ومع ذلك لم يطالب أحد أي رئيس تركي بالاعتذار أو تعويضات أو رد الحقوق لأصحابها، ولم تعتبر جمعيات حقوق الإنسان تركيا دولة احتلال مثل إسرائيل، أو رَفَعَ رئيس يوناني شعاراً مثل lives matter Europeans، بل بلغت الوقاحة بتركيا أن تطلب الانضمام للاتحاد الأوروبي لأن القسطنطينية المسروقة، التي أصبحت اسطنبول، وجوارها أراض أوروبية، والأدهى أن أوروبا لم تزل تدرس طلب العضوية، والخليفة أردوغان يؤنّب ويهدد أوروبا على تلكؤها! الوجه الآخر وجه العملة الآخر لطلبات الاعتذار هو التحريض على الكراهية والحض على استباحة أوروبا من الدعاة الراديكاليين، بالحجة نفسها وهي أن بعض دول أوروبا استعمرت دولاً إسلامية ونهبت ثرواتها، ويحق للمسلم عمل الشيء نفسه مع الغرب لكن بالقنبلة السكانية، لأن الغرب اليوم أقوى عسكرياً، ما جعل مسلمي الغرب يعيشون حالة نفسية لا توصف هي عدم قبول الآخر أو الاندماج معه واعتباره مُشركاً. التحريض مريب فعلا خصوصاً أن القرآن يقول صراحة "لا تذر وازرة وزر أخرى" و"كلهم آتيه يوم القيامة فرداً، و"كل نفس بما كسبت رهينة" و"نرثه ما يقول ويأتينا فرداً". هذه العبارت وغيرها تعني أن محاسبة الناس على ما فعله أجدادهم أو اسلافهم غير مقبولة، فما هي أسانيد الدعاة المسلمين في ما يقولون؟ أسباب التحالف ما هو سبب تحالف اليساريين والليبراليين والاسلاميين وجمعيات حقوق الإنسان الذين يقفون وراء كل طلبات الاعتذار والتحريض وما يهز القيم الغربية ويحاول اسقاطها؟ لا جواب على هذا السؤال سوى بسؤال آخر قد يبدو غير منطقي من القراءة الأولى: هل استعمل الروس الذين لم يغفروا أو ينسوا سقوط الاتحاد السوڤياتي الراديكالية الإسلامية والليبراليين واليسار لنخر المجتمعات الغربية؟ يبدو السؤال مقنعاً إذا تأملنا اليسار الوسط وما يفعله في الغرب من محاولات لهدم قيم الرأسمالية خصوصاً في كندا وأميركا.
#عادل_صوما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيكات عربية بدون رصيد
-
لماذا لم يفز زغلول النجار بنوبل؟
-
تعقيب على كشف المستور في -الفكر الحر-
-
بانوراما مختصرة لنكبة لبنان
-
بروڤة انفصال عن الجمهورية
-
الولايات المتحدة الإخوانية
-
ضائع بين القانون والشريعة
-
الفضاء بعد المونديال
-
سيد مكاوي يؤخر نشرة الأخبار
-
قرار السيسي للطفل شنوده
-
نيّرة رمز الانعتاق من البداوة
-
هل تصالح الفاتيكان مع لاهوت التحرير؟
-
البطريرك يتحدث إلى دُمى
-
اغتصبوهن لكي لا يدخلن الجنة !
-
سمعنا بوتشيللي فتنصرّنا
-
مزيد من ليبرالية الفوضى
-
رئيس على قد الجمهورية الإسلامية الكبرى
-
أنا الفوضى
-
جمعيات حقوق المجرمين
-
كوميديا محاكم السودان
المزيد.....
-
إسرائيل تجري مشاورة أمنية لاستئناف الحرب على غزة وترامب واثق
...
-
هجوم أوكراني بـ49 مسيرة على روسيا يشعل النار في مصفاة نفط فو
...
-
-نفعل الكثير من أجلهم وسيفعلون ذلك-.. ترامب أكيد من قبول عما
...
-
إتمام ثالث عملية تبادل بين حماس وإسرائيل في إطار الهدنة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على أهداف لـ-حزب الله- في الب
...
-
بعد تهديد ترامب.. الصين تؤكد تمسكها بشراكة -بريكس-
-
وزير الخارجية المصري يتوجه إلى لبنان
-
الرئيس اللبناني يوجه قائد الجيش بتفقد الجنوب
-
ترامب يهاجم صحفية بعد -سؤال غير ذكي- عن تحطم طائرة واشنطن (ف
...
-
زاخاروفا: 90% من وسائل الإعلام الأوكرانية تعيش على المنح الأ
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|