دينا سليم حنحن
الحوار المتمدن-العدد: 7782 - 2023 / 11 / 1 - 12:21
المحور:
الادب والفن
ظلّت حكايتها مخبوءة في ظل القمر، سنة تلو السنة، وكلما داهمها المطر في يوم ربيعي صاف، تكتئب وترتعد، تنظر إلى المرآة وتسأل نفسها: ( هل أبوح بالسرّ وأنتهي من هذا التردد)؟
وضعت نفسها وسط النيران عندما أخبرت زوجها عما حدث معها في غرفة العمليات.
لصنع الحدث يجب أن يكون هناك شخصيات تحرّك، وتؤلم، وتشجّع على فقدان الثقة بالآخرين، وهناك شخصيات ساذجة أيضا، بريئة تسقط في شرك الاتهامات.
كان يوما ماطرا، دخلت فيه المشفى حتى تستأصل كيس المرارة، نامت عارية يكسوها شرشف أبيض على سرير التخدير المسطح، تذكر الوجوه التي اجتمعت فوقها، ممرضات مبتسمات خففن عنها خوفها وقلقها، خرج طبيب التخدير بعد أن أنهى عمله، وخرج معه كادره المكون من ممرضتين، طلبتا منها العد للعشرة، استسلمت للنوم قبل أن تنهي العد، فجأة فتحت عيناها، وإذ بأحد الرجال، ممرض تعرفه سابقا، كشف الغطاء عن جسدها، كل ما استطاعت أن تفعله، أن تحفظ قسمات وجهه، حاولت أن تنهيه لكنها لم تستطع، هي ثوان أحدثت تصدعا لازمها طوال حياتها، تأمل جسدها، نظر بتمعن، أرادت أن تقاوم، رفعت يدها تحاول إعادة الغطاء، لكن أخذها النوم إلى معترك الأحلام غير الصافية، راحت في سبات لم تستفق منه إلا بعد ثلاث ساعات، وجدت نفسها داخل سرير في غرفة مليئة بالنساء اللواتي عبرن عمليات جراحية.
خجلت من نفسها، ومن الحدث، ومن الرجل الذي اغتصب عزتها، أكيد لم يستطع أن يفعل أكثر من النظر، لكنه كان وحده هناك، تذكر المشهد جيدا، جميعهم خرجوا، ظنوا إنها غرقت في سبات التخدير، لكنها عندما فتحت عيناها، وجدته وهو يتلصص على جسدها الغض، هل مكث طويلا مع جثة ميتة، وماذا فعل، هل فعل فعلته، وكيف؟ كيف لها أن تعلم، وماذا حصل حينها بينها وبين ذلك الشرس، النيكروفيلي (1) ؟ وتفاقمت الأسئلة.
حملت آهاتها داخلها عشر سنوات، لم ترتح فيها نهائيا، خاصة عند المجامعة بزوجها، نفور، وخوف، شعور بالإهانة، ألم وتشنجات، ( كأنني أجامع جثة!) قال لها زوجها.
وأصبحت بقايا امرأة، أخبرته عما يؤرقها ويقلقها، حدّثته عن الحقيقة وما تحمله داخلها منذ سنوات، طعنها بشرفها، اتهمها بالتواطؤ، ونعتها بأقذر النعوت، لكنها لم تستسلم هذه المرة، خرجت من سرير الزوجية لتعلن الحرب عليه، وعلى الممرض الذي استباح شرفها في يوم كئيب ومعتم، على سرير أبيض.
...
(1) النيكروفيليا: ممارسة الجنس مع الموتى.
#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟