|
مصر.. إلي أين؟ 3
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1740 - 2006 / 11 / 20 - 09:43
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
تبلورت إجابتان في الحوار الذي دار في أروقة المؤتمر الثاني والاربعين لجماعة الإدارة العليا، الذي اختتم أعماله امس في الاسكندرية، والذي اجتهدت خلاله كوكبة من المفكرين والمثقفين والنشطاء المصريين من شتي المدارس الفكرية والسياسية للاجابة عن السؤال المحوري: مصر.. إلي أين؟! خلاصة الاجتهاد الاول هي ان مصر الرسمية تمتلك »رؤية« استراتيجية مدروسة ومحكمة »لا تخر منها المياه« للتحولات الدراماتيكية الاقليمية والدولية وتنتهج - بالفعل - سياسات تكفل تعظيم »الدور« المصري إقليميا ودوليا، فضلا عن الحفاظ علي الامن القومي المصري وسط هذه الانواء العاتية وان المرحلة القادمة »يبرز فيها الدور المصري« وستتحول مصر من »الدفاع إلي الهجوم«. وان هذا يسير بالتوازي مع قطع مصر شوطا كبيرا علي طريق »الاصلاح« الاقتصادي يؤهلها للتطلع الان للتقدم نحو »النهضة«. هذا الاجتهاد الذي عبر عنه أساسا الخبير والمفكر الاستراتيجي الدكتور أحمد عبدالحليم والدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية، ناطحه بالرأس اجتهاد آخر مناقض تماما علي طول الخط. وعلي سبيل المثال فان المفكر المبدع جميل مطر رسم صورة مغايرة تماما، واقل احساسا بالارتياح لوضع مصر في ساحة اقليمية ودولية تمثل الخطوط العريضة التالية أهم ملامحها: * دخول العصر الامريكي نهاياته عالميا. * في الشرق الاوسط: استمرار النموذج الأمريكي.. لكن مع تراجعه المطرد. * تململ حلفاء أمريكا وتعاظم مخاوفهم من عواقب التورط في الوحل الامريكي بالشرق الأوسط. * تعاظم قوة إيران التي تبدي مهارة دبلوماسية غريبة الشأن في بناء التحالفات. * استمرار قوة إسرائيل »لكن مع اتجاه للتراجع علي عكس إيران«. * استمرار تصفية القضية الفلسطينية بمشاركة أمريكية وأوروبية واسرائيلية، والجديد ربما بمشاركة عربية ايضا للاسف.. وقد بدأت بالفعل بوادر مواقف تقف فيها بعض البلاد العربية الي جانب اسرائيل ضد ايران.. وليس من المستبعد إذا ما استمر هذا الاتجاه ان تقف بلاد عربية مع إسرائيل ضد الفلسطينيين. * تزايد احتمالات تقسيم العراق وانفصال الاكراد. * استمرار ضعف وتهافت جامعة الدول العربية. وفي ظل هذه الصورة المشحونة بالمخاطر يتمني جميل مطر ان تتوقف الحكومة المصرية عن انتهاج »سياسة الحد الأدني« التي لا تليق بمكانة مصر ولا تخدم مصالحها، ويتساءل عن قدرة الحكومة المصرية بأوضاعها الحالية علي حشد طاقات المجتمع من أجل حماية الامن القومي، وهل يمكن ان تكرر تجربة اكتوبر 1973، ويطرح في هذا السياق سؤالا محددا: هل تملك الحكومة تحريك القطاع الخاص الان وحشده في اطار توجه استراتيجي محدد؟ وقبل أن أجيب أنا أو أنت علي هذا السؤال الذي يبدو لأول وهلة خارج السياق - وهو ليس كذلك بأي حال من الأحوال - فإن جميل مطر يحيلك إلي حادثة إعصار كاترينا الذي هب علي السواحل الامريكية واغرق لويزيانا. عندئذ فشل الرئيس الامريكي جورج بوش وإدارته في تحريك القطاع الخاص للتفاعل مع هذه الكارثة.. وربما كان تصويت غالبية الامريكيين في انتخابات التجديد النصفي الاخيرة عقابا له علي هذا العجز. ودلالة المثال واضحة.. إذا وضعنا في الاعتبار ان قطاعات مهمة، وربما استراتيجية ايضا، من الاقتصاد المصري تخرج بصورة متزايدة من السيادة المصرية الي الهيمنة الأجنبية، ومنها قطاع الأسمنت علي سبيل المثال وليس الحصر. وهذا التخوف من الاحتمالات المتزايدة والعواقب الوخيمة، السياسية والاقتصادية، للسيطرة الأجنبية علي الاقتصاد المصري تردد في ثنايا كلمات آخرين غير جميل مطر، منهم المهندس شريف دولار عضو امانة السياسات بالحزب الوطني الذي قدم تحليلا رصينا وعميقا للسياسات الاقتصادية المعتمدة حاليا، وارتباطها بـ»توافق واشنطن« الذي يعبر عن »الأصولية الاقتصادية« في اكثر صورها تطرفا، والذي ثبت فشله في العالم بأسره، كما اكد الدكتور جودة عبدالخالق »ان الدولة المصرية لا تملك السيطرة علي مقدرات الاقتصاد«. وأكد الدكتور حسن نافعة كذلك ان قدرة مصر الخارجية أصبحت شبه معدومة وان استعادة دور مصر علي الصعيدين الاقليمي والدولي تحتاج إلي إعادة النظر في أسس عملية السلام وأمور أخري كثيرة. وغني عن البيان ان هذا التحليل يتناقض تماما مع الصورة الاولي التي تقول باختصار ان الدور المصري الاقليمي والدولي يتعزز وان الامن القومي المصري اذا كان يواجه تحديات فان هذه التحديات لا تبعث علي القلق.. وان »مراجعة مصر موقفها من الملف النووي نقلة نوعية ليس فقط علي صعيد الطاقة وانما علي جميع المستويات«. أما علي صعيد التنمية.. فانه يبدو ايضا ان نظرية الدكتور عثمان محمد عثمان القائلة باننا نتجاوز مرحلة »الاصلاح« الان لنتطلع الي الوصول الي تحقيق »النهضة« ليست فوق مستوي الجدال. فقد ظهرت في مقابلها موجة عاتية من النقد لمسيرة »الاصلاح« التي تتبناها الحكومة في السنوات الاخيرة، فقال الدكتور يحيي الجمل: ان »حالة عدم الرضا تكاد تكون حالة مصرية شاملة.. حتي المسئولين واعضاء الحزب الحاكم يرددون نفس الشكاوي عندما يتحدثون بعيدا عن الميكروفونات«.. والدكتور جودة عبدالخالق استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية قال: »لا توجد تنمية في مصر.. بكل المعايير ليس لدينا تنمية.. كل المؤشرات تعني انه ليس هناك تنمية«. أما الدكتور إبراهيم سعدالدين فقد شاء ألا يكتفي بتصريحات أو تعليقات سريعة علي حالة التنمية الاقتصادية، فقدم صورة بانورامية لمسار الاقتصاد المصري في السنوات من 1974 حتي 2004، اعتمادا علي دراسة متكاملة للدكتور ابراهيم العيسوي، يتبين منها ان مصر منذ بدأت التنمية الي الان لم تفلح في احداث تنمية تراكمية مستمرة فهي تشهد نموا سريعا في بعض الفترات يعقبها انخفاض. وأسباب ذلك في رأيه: 1- انخفاض معدل الادخار، وبالتالي انخفاض معدل التراكم الرأسمالي.. حيث لم يتجاوز معدل الادخار 14% بينما معدل الادخار في الدول الآسيوية التي احدثت نهضة تنموية تجاوزت الـ30% ووصلت في الصين الي 40%. 2- رأس المال الاجنبي الذي يمكن ان يعوض ذلك الانخفاض لا يتدفق الا الي دولة تنمو ويكون لها مستقبل يمكن للعالم ان يطمئن اليه. 3- لا نعاني فقط ضعف التراكم الرأسمالي، وانما ايضا ضعف مهارات قوة العمل المرتبطة باستمرار الامية واستمرار غياب التدريب الحقيقي، وارتباط ذلك في احوال كثيرة بضعف انتاجية العمل. 4- قطاعات مهمة من الرأسمالية المصرية التي نشأت في الداخل ينعدم لديها التوجه التنموي الحقيقي، فهي رأسمالية جديدة ساعية للربح السريع، بالاعتماد علي الاموال المقترضة بصفة اساسية من الجهاز المصرفي.. وجزء مهم مما تحصل عليه من أرباح يتم ترحيله الي الخارج ولا يعاد استثماره في الاقتصاد المصري.. قارن ذلك بالصين حيث الرأسمالية الصينية التي تعيش خارج وطنها قد قامت بتمويل العملية التنموية في الصين. 5- كما ان قطاعات من الرأسمالية المصرية تتصف بـ»العائلية« بصفة أساسية، وليس لديها بالتالي نظرة تنموية طويلة الامد، خاصة مع عدم وجود مشروع وطني مطروح للتنمية في الاطار المصري.. وفي ظل ذلك لا عجب في ان تسعي قطاعات من الرأسمالية الكبيرة المصرية الي المجالات التي تزداد فيها احتمالات ارتفاع معدلات الربح، وبالاعتماد علي الفساد في الجهاز الحكومي في كثير من الحالات. 6- الرأسمالية المصرية لا تميل للتخصص وانما تزاول اكثر من نشاط حيث يتواجد الربح، وبخاصة الربح السريع. 7- الرأسمالية المصرية ليست رأسمالية مبتكرة وانما تعتمد علي التقليد والارتباط بالخارج وعلي حماية الدولة لاحتكاراتها وعلي حمايتها بالارتباط بالمؤسسات الدولية في الخارج. هذا التحليل الذي قدمه الدكتور ابراهيم سعدالدين يقول اشياء كثيرة، من اهمها ان الضعف المزمن للتنمية ليس راجعا فقط الي سياسات خاطئة تنتهجها الحكومة وانما الي عيوب بنيوية وهيكلية، اي لاسباب موضوعية تضاف الي الاسباب الذاتية. اما القاسم المشترك الاعظم لكل اصحاب الرؤي المضادة للرؤية الحكومية فهو ان الاصلاح الاقتصادي المنشود لم يعد ممكن التحقيق دون اصلاح سياسي ودستوري جذري وشامل. والسؤال الذي يطرحه هذا الاستقطاب الحاد والتناقض المطلق في تشخيص احوالنا الراهنة وبالتالي سيناريوهات استشرافنا للمستقبل هو: كيف نفض هذا الاشتباك.. وما العمل؟! للحديث بقية.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين والسياسة
-
العرب وأمريكا.. وتراجيديا الحب من طرف واحد
-
إسماعيل صبرى عبدالله .. فارس الفكر والثورة
-
ذئاب .. وأغنام .. وكلاب
-
تعديل التعديل
-
-إبسن- .. و-دنقل-
-
فراشة »كفاية«.. تحلق في أجواء ملبدة بالغيوم.. والنيران الصدي
...
-
..إلاّ الماء والهواء يا حكومة
-
باقة ورد إلى محمد عوده
-
وادى دجلة .. فى خطر
-
شكوى الفلاح الفصيح من بنك الائتمان الزراعى
-
نوبل .. والفقراء
-
كابوس إقطاع العصور الوسطى يهدد الحلم الأمريكى
-
صحة الشعب أخطر من أن تترك للبيروقراط
-
كلام المصاطب.. وتقارير العسس
-
جرائد .. قبرصية
-
بلد .. شهادات
-
البحث عن البيزنس فى جزيرة افروديت - 1
-
البحث عن البيزنس في جزيرة أفروديت 2
-
البحث عن البيزنس في جزيرة أفروديت 3
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|