أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فهد راشد المطيري - التفكير النقدي: طريق الخلاص














المزيد.....


التفكير النقدي: طريق الخلاص


فهد راشد المطيري

الحوار المتمدن-العدد: 1735 - 2006 / 11 / 15 - 11:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المؤرخ الإغريقي الشهير "هيرودوتس" كتب يقول: "عليّ أن أنقل ما قيل لي، لكن لا أراني ملزما بتصديق كل ما قيل لي". ليس من المستغرب أن تصدر هذه الروح النقدية من كاتب اغريقي ينتمي إلى القرن الخامس قبل الميلاد، ففي ذلك العصر، عصر سقراط و تلميذه أفلاطون، كانت مخاطبة العقول هي السمة البارزة لتلك النزاعات الفكرية التي لا احتكام فيها إلا للعقل الإنساني وحده. في دفاعه عن نفسه أمام قضاته، يقول سقراط: "إن الحياة التي لا نضعها قيد الاختبار لا تستحق أن نعيشها"، و لم يكن ذلك الاختبار سوى التفكير النقدي. كان للإغريق آلهة بعدد حبات الرمال، و كان لكل إله ميدان يقع ضمن اختصاصه، فهذا إله الحرب، و ذاك إله التجارة، و الآخر إله الزراعة، و هذه التشكيلة الإلهية تشترك في وظيفة واحدة: تقديم تفسير للظواهر الطبيعية و الأحداث التاريخية. مع بداية القرن الخامس قبل الميلاد، برز جيل جديد يبشر بعهد جديد، فهو و إن لم يهاجم معتقدات المجتمع الأثيني من حيث الإيمان بوجود آلهة، إلا أنه قلّص من فكرة الإعتماد على الآلهة لتقديم تفسير لكل شيء، و ساهم في إرساء قواعد التفكير المنظم الذي أدى لاحقا إلى وضع أسس علم المنطق على يد أرسطو. لكن ماذا نعني تحديدا بمفهوم "التفكير النقدي"؟ و هل نحن في حاجة إليه؟

التفكير النقدي هو نشاط عقلي يتصف بالتنظيم و تحكمه قوانين مجردة مثل قوانين الاستدلال و الاستنتاج، و الهدف منه هو اختبار صحة أية معلومة يستقيها الفرد من محيطه الخارجي، و في حالة اجتياز هذا الاختبار تنتقل هذه المعلومة لتكوّن جزءا من نظرة الفرد للعالم من حوله. لهذا السبب بالذات فإن التفكير النقدي هو المسؤول عن تكوين نظرة متناسقة و متماسكة للعالم الخارجي من حولنا. ليس المقصود بطبيعة الحال تطبيق الشك الديكارتي بطريقة حرفية، فهذا المذهب في الشك مستحيل من الناحية العملية و ذلك بإعتراف ديكارت نفسه، و هو أيضا مستحيل من الناحية النظرية، ذلك أن الشك في أية معرفة مكتسبة يتضمن وجود مسبق لمعيار من المعرفة الأولية نستطيع من خلاله تقييم هذا الشك. إنما المقصود هو محاولة إخضاع أكبر قدر من المعلومات المكتسبة لاختبار التفكير النقدي، و على الأخص تلك التي لها علاقة بقرار مصيري أو آثر بالغ على حياة الفرد.

إن تكوين نظرة للعالم من حولنا يعتمد في الأساس على تلقي معلومات أولية عن هذا العالم و تخزينها في الذاكرة، و عملية التلقي هذه اتخذت أشكالا مختلفة حسب مراحل تطور العنصر البشري. في مرحلة أولية، كان الإنسان البدائي يعتمد على حواسه الخمس في جمع المعلومات الأولية حول المحيط الخارجي الذي هو جزء منه، و مع نشوء اللغة في مرحلة لاحقة، أصبح الإنسان قادرا على التعبير عن هذه الصورة الذهنية للعالم الخارجي و نقلها أيضا لبني جنسه. لاحظ أن عملية نقل الصورة من إنسان إلى إنسان تتضمن أيضا فكرة أننا لم نعد نعتمد فقط على حواسنا الخمس في تكوين نظرتنا الخاصة للعالم من حولنا، فاللغة ذاتها أصبحت أداة إضافية لتكوين هذه الصورة. نشوء اللغة كأداة اتصال، عن طريق التخاطب أولا، ثم عن طريق الكتابة و القراءة لاحقا، ساهم في توسيع مدى نظرة الإنسان لصورة العالم من حوله، لكن الإنسان لم يكن ليكتفي بعطايا الطبيعة و هباتها، فحاول أن يبحث عن طرق أخرى لفهم هذه الطبيعة و تكوين صورة أكثر وضوحا عنها، و كانت أولى الطرق الجادة للوصول إلى هذا الهدف هي معالجة القصور الطبيعي في حواسه الخمس، فأنتج المجهر، و الهاتف، وصولا إلى أحدث المخترعات التقنية في عصرنا الحاضر. من هنا نستنتج أن هناك علاقة تناسب طردي بين مقدار الأدوات التي نعتمد عليها في تكوين نظرتنا للعالم من حولنا، و بين حجم هذه الصورة ذاتها و مدى اتساعها. لكن ما مدى أهمية التفكير النقدي في تشكيل نظرتنا للعالم المحيط بنا؟

كي نجيب عن هذا السؤال بطريقة مرضية، يكفي فقط أن نتخيل غياب ملكة التفكير النقدي و أثر هذا الغياب على حياة الفرد و نظرته للعالم من حوله. أدق تشبيه كوصف لهذه الحالة سمعته من زميل دراسة حين قال: "العقل المحروم من التفكير النقدي أشبه بجهاز كمبيوتر ليس فيه برنامج مضاد للفيروسات، فهو عندئذ يصبح معرضا لاستقبال كم هائل من المعلومات دون أدنى اختبار لسلامة هذه المعلومات!". إن أقوالنا و أفعالنا و القرارات التي نتخذها في حياتنا تعتمد كلها على الصورة التي في أذهاننا للمحيط الخارجي، لذا فإن التأكد من سلامة هذه الصورة هي عملية في غاية الأهمية، و ليس هناك سلاح أكثر فعالية من سلاح التفكير النقدي لتحقيق هذا الغرض.

غياب العقل يؤدي إلى سلسلة طويلة من ألوان الاستعباد: أنت عبد للشهوات لأنك لا تملك عقلا يمكنك من السيطرة عليها، و أنت عبد للنظام السياسي لأنك لا تمتلك الأدوات النقدية التي تختبر من خلالها مشروعية هذا النظام، و أنت عبد للنظام الاجتماعي لأنك تفتقر إلى طريقة منطقية لتحليل العادات و التقاليد التي اكتسبتها بالوراثة، و أنت عبد لنظام أيدولوجي لأنك لا تملك الجرأة على وضع هذا النظام تحت مجهر التفكير النقدي، و أنت عبد للاستهلاك و جشع التجار لأنك تفتقد معيارا منطقيا تحدد من خلاله احتياجاتك الضرورية!

كن أسيرا للعقل، فهو الوحيد إن استعبدك حرّرك!



#فهد_راشد_المطيري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأفكار الجديدة و التقاليد الموروثة
- المثقف بين الطموح و تسويق الذات
- ماذا أقول له؟
- شعوب تحدق في السماء
- لا حاجة إلى حوار بين الأديان
- أسطورة بابا نويل
- زمن ولىّ و أثر باقٍ
- قراءة في محاضرة بابا الفاتيكان


المزيد.....




- بيان من مجلس سوريا الديمقراطية بعد الإعلان الدستوري
- لأول مرة.. السعودية تتفوق على مصر وإسرائيل في المقاتلات العس ...
- اجتماع بين إيران وروسيا والصين في بكين لمناقشة البرنامج النو ...
- بي بي سي تدخل قاعدة حميميم في سوريا التي تؤوي عائلات علوية ...
- متى يعتبر نقص الحديد في الجسم مشكلة؟ وما أفضل طرق العلاج؟
- الصين وروسيا تدعمان إيران مع ضغط ترامب لإجراء محادثات نووية ...
- البرتغال تشكك في شرائها مقاتلات -إف-35- خشية من موقف ترامب
- اكتشاف ينهي جدلا علميا واسعا حول المومياء المصرية -الحامل-
- أوربان يعارض القرض المشترك للاتحاد الأوروبي لدعم أوكرانيا وي ...
- لوكاشينكو: منظومة صواريخ -أوريشنيك- الروسية ستدخل في الخدمة ...


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فهد راشد المطيري - التفكير النقدي: طريق الخلاص