محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 7768 - 2023 / 10 / 18 - 14:24
المحور:
الادب والفن
درس
قلت لها: إنهم بحاجة إلى درس في الحساب.
سألتني: ماذا تقصد؟
قلت: إنهم ينسون الرقم واحد حين يعدّون حتى العشرة.
قالت: نعم، يبدأ الواحد منهم بالعدّ من الرقم اثنين.
قلت: رقم واحد يعني وجود الاحتلال منذ 75 عامًا، وهو سبب كلّ المآسي التي نشهدها الآن.
قالت: نعم، نعم.
خيَّمَ علينا الصمت، وبعد لحظات حلّقت إحدى طائراتهم في السماء، وكان علينا أن نلوذ بردهة المستشفى لعلَّنا ننجو من القصف لهذا اليوم أو لليوم الذي يليه.
***
عيون
للقاتل أن يوزع دمنا على الأماكن مثلما يشاء.
له أن يرسلنا للموت فرادى أو جماعات، وله أن يغسل يديه من دمنا في ساعات ما بعد المساء، ثم يذهب إلى بيته، الذي كان بيتنا، وينام.
وله أن يصحو من نومه بعد منتصف الليل بقليل، يتأملنا واحداً واحداً، ونحن نحتشد في غرفة نومه الصغيرة، فلا يتذكّر في أي شارع أطلق علينا الرصاص. يتقلب في فراشه متأرقاً، ونحن نجلس من حوله على كراسي بسيطة من القش، أحضرناها معنا بالصدفة، ونظل نحدق في عينيه طوال الوقت، ولا نبادله أي كلام.
***
الأم
تجلس بالأسود الرصين أمام كاميرات التلفاز.
تغبطها مقدمة البرنامج الرشيقة لأنها أم الشهيد، وتطرح عليها الكثير من الأسئلة، وهي تتحدث بتهيب وبإيجاز شديد، لأن تلك هي المرة الأولى، وربما كانت الأخيرة، التي تجلس فيها أمام الكاميرات. وهي، علاوة على ذلك، لا تجيد الكلام المنمق من على شاشة التلفاز.
تصمت شاردة الذهن، ومقدمة البرنامج تمعن في وصف لحظات العذاب التي عاشها الطفل، كما شاهدتها على شاشة التلفاز، والرصاص يئز من حول جسده الصغير، وتمعن في الحديث عن جسده الصغير بعد أن مزقه الرصاص، ثم تعطي الفرصة لبعض السادة المشاهدين الذين هاتفوها، كي يعبروا عن مشاعرهم تجاه أم الشهيد، والأم تصغي، وهي تكتم ألماً يفيض من تقاطيع الوجه البهي، ومن مساحة العينين الواسعتين.
والكلام الحزين يمتد وقتاً، والأم تؤنب نفسها في قرارة نفسها، لأنها لن تتمكن هذا المساء، من زيارة قبره، مثلما اعتادت أن تفعل، ولا بد أنه يفتقدها في هذه اللحظة بالذات.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟