أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال حسن عبد الرحمن - رواية للفتيان بدر البدور طلال حسن















المزيد.....


رواية للفتيان بدر البدور طلال حسن


طلال حسن عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 7763 - 2023 / 10 / 13 - 20:48
المحور: الادب والفن
    


رواية للفتيان







بدر البدور






طلال حسن






" 1 "
ـــــــــــــــــــ

بعد يوم طويل متعب ، قضاه الملك في إدارة شؤون المملكة ، مع الوزير وقائد الجند وقاضي القضاة ، عاد متعباً إلى القصر .
وعلى غير العادة ، لم يرَ الملكة تسرع لاستقباله خارج جناحهما ، وخفق قلبه خشية أن تكون متعبة أو مريضة ، فهي منذ بضعة أيام ليست على ما يرام ، وكلما سألها : ما الأمر ؟
تطمئنه محاولة أن تبتسم : لا شيء ، يا مولاي .
وأقبلت عليه وصيفة الملكة ، عند باب الجناح ، وانحنت له ، وقالت : مولاي .
وتوقف الملك متسائلاً : أين الملكة ؟
فردت الوصيفة بصوت خافت : الملكة في جناحها ، يا مولاي .
وحدق الملك فيها ملياً ، ثم قال : كان عليك أن تكوني معها الآن .
فقالت الوصيفة بصوتها الخافت : الملكة صرفتني منذ قليل ، يا مولاي ، وأرادت أن تبقى وحدها .
وقبل أن تنتهي الوصيفة من كلامها ، مضى الملك عنها مسرعاً ، ودخل إلى الجناح ، واتجه مباشرة إلى غرفة الملكة .
وفوجىء الملك بالملكة تقف جامدة قرب النافذة ، تتطلع إلى حديقة القصر ، فأسرع إليه ، وهو يقول : لن أسألك ما الأمر ؟ لأني أعرف الردّ .
والتفتت الملكة إليه متنهدة ، دون أن تتفوه بكلم ، فقال الملك : من عادتك أن تستقبليني بباب القصر ، فتزيلي بحفاوتك وابتسامتك تعبي وهمومي .
وبدل أن تعتذر مازحة ، وتبتسم على عادتها ، قالت بصوت تخنقه الدموع : مولاي .
وسكتت مغالبة دموعها ، فأخذها بين ذراعيه ، وقال : حبيبتي ، أنت وحدك كلّ حياتي .
وانسلت برفق من بين ذراعيه ، وقالت : لن يكون لك مني .. ولي العهد .
ومال الملك عليها ، وقال : ولمَ العجلة ..؟
وقاطعته الملكة بصوت باكٍ : لقد مرّ على زواجنا حوالي خمس سنوات .
وقال الملك بصوت هادىء : لننتظر ، نحن مازلنا في مقتبل العمر .
وهزت الملكة رأسها ، وقالت : لقد حاولت كثيراً ، لكن لا فائدة ، مولاي ..
وقاطعها الملك قائلاً : هذا مستحيل .
وقالت الملكة من بين دموعها : لا ، يجب أن يكون لك ولي عهد ، ومادمت قد عجزت عن ..
ومرة أخرى ، أخذها الملك بين ذراعيه مربتاً على ظهرها ، فقالت الملكة بصوت تبلله الدموع : بل يجب أن .. تتزوج .


" 2 "
ــــــــــــــــــــ

في صباح اليوم التالي ، وبعد انصراف الملك إلى شؤون المُلك ، أرسلت الملكة الوصيفة إلى أختها ، لتذهبا معاً إلى الساحرة العجوز ، التي تعيش وحيدة ، في كوخ منعزل ، وسط الغابة .
وعادت الوصيفة وحدها بعد قليل ، وقبل أن تنطق بكلمة ، قالت الملكة متضايقة : يبدو أن أختي لا تريد أن تأتي معنا .
فقالت الوصيفة : مولاتي تعتذر ، وتقول إنها متعبة .
واتجهت الملكة إلى الخارج ، وهي تقول : هذا شأنها ، لنذهب أنا وأنت هيا .
وسارت الوصيفة في أثر الملكة ، وقالت : لقد أعدّ السائس لنا حصانين قويين ، وهو يقف الآن بانتظارنا بباب القصر .
وما إن رأى السائس الملكة مقبلة ، ومن ورائها الوصيفة ، تقدم بالحصانين ، وقال مخاطباً الملكة : مولاتي ، سأرافقكما إذا أردت .
وامتطت الملك الحصان ، وقالت : لا ، أشكرك ، سترافقني وصيفتي .
وانطلقت الملكة على حصانها ، والوصيفة على حصانها تنطلق في أثرها ، حتى عبرتا بوابة المدينة ، وانطلقتا بشيء من السرعة نحو الغابة .
وتباطأتا على حصانيها ، حين دخلتا الغابة ، وتوغلتا بين الأشجار المتكاثفة ، وأخيراً لاح لهما كوخ الساحرة العجوز ، يربض وسط أجمة كثيفة الأشجار .
وتوقفت الملكة أما باب الكوخ ، وترجلت عن الحصان ، وقالت لوصيفتها : أطرقي الباب .
وترجلت الوصيفة عن حصانها مسرعة ، وهي تقول : أم مولاتي .
وتقدمت من الكوخ ، وطرقت الباب ، و وقفت جانبا ، وهي تنصت ، ثم قالت : إنها قادمة .
وفتح باب الكوخ بهدوء ، وأطلت الساحرة العجوز ، أشبه بهيكل عظمي ، محنية الظهر ، تتوكأ على عكاز غريب الشكل ، فمالت عليها الوصيفة ، وقالت : أيتها الجدة ..
وأشارت لها الساحرة العجوز أن تسكت ، دون أن تنظر إليها ، فسكتت على الفور ، وتطلعت الساحرة العجوز إلى الملكة ، وقالت : عرفت أنك ستأتين .
وتنحت قليلاً ، وقالت : تفضلي ، يا جلالة الملكة .
ودخلت الملكة الكوخ متخوفة ، وهي تقول : أردت أن تأتي أختي معي ، لكنها ..
وقاطعتها الساحرة العجوز : أختك مثلك ، لكنها ليست مثلك ، إنها لا تصدق قدراتي .
ودخلت الوصيفة في أثر الملكة ، فأغلقت الساحرة العجوز الباب ، وقالت : الكوخ مظلم ، وهذا لا يهمني كثيراً ، فأنا أكاد لا أرى .
ونظرت الملكة إلى الساحرة العجوز ، وقالت : أيتها الجدة ، جئتك لأمر هام ، وأتمنى ..
وقاطعتها الساحرة العجوز ، وهي تغمض عينيها الكليلتين ، وقالت : أعرف لماذا جئتِ .. ورفعت رأسها ، دون أن تفتح عينيها ، وأضافت بصوت مرتعش : أختك .. التي لم تأتِ ..
وقالت الملكة : إنها مثلي .
وتابعت الساحرة العجوز قائلة بنفس الصوت المرتعش : سيكون لها طفل .
وقالت الملكة بصوت مضطرب : وأنا ؟
وأطرقت الساحرة العجوز رأسها ، وقالت : صبراً .. أيتها الملكة .. صبراً .. صبراً .. لن تبقي محرومة من الطفل .
وصاحت الملكة بنفاد صبر : متى .. متى ؟
وارتعشت الساحرة العجوز ، كأنه شجرة نفضية ، تضربها عاصفة ثلجية عنيفة ، ثم تراجعت ، وارتمت فوق سريرها ، كأنها جثة هامدة .
وانحت الملكة عليها ، وقالت : أيتها الجدة .
وردت الساحرة العجوز بصوت شبه ميت ، دون أن تتحرك : اذهبي أيتها الملكة ، أريد أن أنام .


" 3 "
ـــــــــــــــــــ

في أعماقها ، شعرت الملكة ببذرة صغيرة تتخلق ، لكن في أعمق أعماقها ، التي جففها اليأس ، لم تشعر بتلك البذرة بتاتاً .
أما أختها ، الأميرة نور الزمان ، ورغم فتور مشاعرها تجاه الساحرة العجوز ، وما تتنبأ به ، شعرت بفرحة تدغدغ قلبها ، وتمنت من كلّ قلبها ، أن تتحقق نبوءة الساحرة العجوز .
ومرت أيام وأسابيع وشهور ، وكاد اليأس يستبد بالملكة وأختها نور الزمان ، وإذا بالأمل ينبثق فجأة ، فقد أفاقت الأميرة نور الزمان مبكرة ، ذات صباح ، وقالت لزوجها الأمير : إنني حامل .
وقهقه الأمير ضاحكاً من لهجتها ، وقال : يبدو أنك رأيتِ هذا في المنام .
فقالت الأميرة نور الزمان : لقد جاءتني في المنام .. الساحرة العجوز .
وكفّ الأمير عن الضحك ، وقال : أنتِ لم تري هذه الساحرة من قبل .
وردت الأميرة نور الزمان قائلة : هذا صحيح ، لكن حين جاءتني في المنام عرفتها على الفور .
ثم نظرت إلى الأمير ، وقالت : إنني حامل ، يا عزيزي ، وسترى .
وقد رأى الأمير ذلك ، وتأكد منه ، خلال أيام ، بعد أن زارت عدة نساء خبيرات بالحمل والولادة ، الأميرة نور الزمان وأكدن لها ، بأنها حامل فعلاً .
وبقدر ما فرحت الأميرة نور الزمان وزوجها الأمير بهذا الأمر ، فرح الملك والملكة ، فقد راود الملكة الأمل في أن تتحقق نبوءة الساحرة العجوز ، وتحمل الملكة كما حملت أختها نور الزمان .
ومرت الأيام والأسابيع والأشهر ، رخاء هذه المرة ، والنفوس مفعمة بالأمل ، وفي الموعد المحدد ، عمت الفرحة الجميع ، وفي مقدمتهم الملك والملكة ، فقد وضعت الأميرة نور الزمان طفلاً جميلاً ، أسموه .. محمد .
ولم تدم الفرحة طويلاً ، فقد ذهب الأمير ، على رأس جيش من الفرسان الشجعان ، لصد عدوان قام به الأعداء على إحدى الثغور ، ودحرهم وألحق بهم شرّ هزيمة ، لكن يد الغدر والانتقام طالته بسهم مسموم ، لم يمهله طويلاً ، فرحل دون أن يهنأ بطفله الصغير .. محمد .
وعمّ الحزن المملكة هذه المرة ، رغم ما تحقق من انتصار ساحق على الأعداء ، فقد كان ثمن هذا الانتصار غالياً جداً .
وانكب الملك والملكة على الأميرة نور الزمان وابنها الأمير الصغير .. محمد ، وراحا يرعيانه كما لو كان ابنهما فعلاً ، مما خفف من هموم وأحزان الأميرة نور الزمان



" 4 "
ـــــــــــــــــــ
لم يكد عمر الأمير الصغير محمد ، يقترب من السنوات الثلاث بشهر أو شهرين ، حتى شعرت الملكة بحياة جديدة تتخلق في أعماقها .
ورغم فرحها الغامر ، لم تخبر الملك بشعورها ذاك ، حتى أرسلت سراً ، إلى العديد من النساء الخبيرات المجربات ، أكدن لها جميعاً أن شعورها له ما يبرره ، وأن طفلها المنتظر لن يتأخر طويلاً .
وغمر الفرح الجميع ، وفي مقدمتهم الملك ، وكذلك أختها الأميرة نور الزمان ، وطالما همست لأختها الملكة : أريد ابن عم لابني الأمير محمد .
فكانت الملكة تجيبها فرحة : هذا ما أريده أنا أيضاً .
لكن بدل ابن العم ، جاء للأمير محمد ، بعد أشهر تسعة ، ابنة عم ، ففي ليلة ربيع دافئة ، القمر فيها سطع بدراً وسط السماء ، ولدت الملكة طفلة جميلة ، وما إن رأتها الأميرة نور ، حتى هتفت فرحة : يا لله ، إنها كالبدر .
وأقبل الملك فرحاً ، وأخذ الطفلة بين يديه ، وراح يتأملها ، وقال : حقاً إنها كالبدر .
فقالت الملكة : لنسمها إذن .. بدر البدور .
وضحك الملك فرحاً وقال : بدر البدور ، اسم جميل يليق بها ، هذا اسمها منذ الآن .
وبمجيء بدر البدور ، راحت الأيام والأسابيع والأشهر تمر رخاء ، لا يكاد أحد يشعر بمرورها ، وكما الزهرة ، أخذت بدر البدور تنمو ، وتتفتح ، وتنشر عطرها وجمالها على من حولها .
وبقدر تعلقها بأمها الملكة ، وأبيها الملك ، تعلقت بخالتها الأميرة نور الزمان ، وكذلك بابن عمها ، الأمير محمد ، الذي غدت مع الأيام لا تكاد تفارقه .
وكبر الأمير محمد ، وإلى جانبه كبرت الأميرة بدر البدور ، وبدل أن تنصرف الأميرة إلى اللعب مع الفتيات اللواتي في عمرها تقريباً ، راحت تلعب مع ابن عمها وحده ، الأمير محمد .
وحين كان الأمير محمد ، يتدرب وحده ، أو تحت إشراف مدرب متمرس ، على ركوب الخيل ، أو استعمال السيف أو القوس والسهام ، كانت الأميرة بدر البدور ترافقه ، بل وأحياناً تتدرب معه ، حتى تعلمت بعض ما كان يتدرب عليه .
بل ، وعلى سبيل المزاح ، كانت تتحداه ، فيبارزها ضاحكاً ، أو يسابقها باستخدام القوس والسهم ، أو ركوب الخيل ، داخل المدينة ، وأحياناً قليلة ، كانا يتجاوزان الأسوار ، عبر إحدى البوابات ، لكنهما كانا دائماً يتوقفان عند حد معين ، ولا يمضيان بعيداً عن أسوار المدينة .
وذات يوما ، خرجا بحصانيهما بعيداً عن أسوار المدينة ، حتى لاحت الغابة من بعيد ، وبدت للأمير محمد ، عالماً غامضاً مخيفاً ، وخاصة لأن الأميرة بدر البدور معه ، فتوقف بحصانه ، وقال : بدر البدور .
وتوقفت بدر البدور ، وعيناها متعلقتان بالغابة ، وقالت : محمد ، لنذهب إلى الغابة .
وردّ الأمير محمد قائلاً : لا يا بدر البدور ، لقد تأخر الوقت ، لنعد إلى المدينة .
ونظرت الأميرة بدر البدور إلى الأمير محمد ، وقالت : عدني أن تأخذني مرة إلى الغابة .
ولاذ الأمير محمد بالصمت ، فقالت الأميرة بدر البدور : لم نعد صغيرين ، يا محمد .
واستدار الأمير محمد بحصان ، وسار به نحو المدينة ، وهو يقول : أنا لم أعد صغيراً .
واستدارت الأميرة بحصانها أيضاً ، ولحقت بالأمير محمد ، وقالت : أنا أيضاً لم أعد صغيرة ، لقد تجاوزت الرابعة عشرة من عمري





" 5 "
ـــــــــــــــــــ
تحير الأمير محمد ..
ما العمل ؟
الأميرة بدر البدور تريده أن يأخذها إلى الغابة ، ويتجول بها في شتى أرجائها ، لكنه يخاف عليها من مجاهل تلك الغابة ووحوشها الخطرة .
ولم يمر عليهما يوم ، خرجا يلعبان فيه ، أو يمتطيان حصانيهما ، وينطلقان بهما متضاحكين ، داخل المدينة أو خارجها ، إلا وذكرته برغبتها في الذهاب إلى الغابة ، والتعرف على مجاهلها .
وذات يوم ، اجتازا بوابة المدينة بحصانيهما ، وانطلقت الأميرة بدر البدور بحصانها ، وكأنها تريد أن تصل إلى الغابة ، فانطلق الأمير محمد في أثرها ، حتى أدركها ، وقال لها ، وهو يحاول أن يعترض حصانها بحصانه : كفى ، يا بدر البدور ، توقفي .
وتوقفت الأميرة بدر البدور بحصانها ، وعيناها المسحورتان مازالتا متعلقتين بالغابة البعيدة ، وقالت : محمد ، خذني إلى الغابة .
فتوقف الأمير محمد بحصانه قرب حصانها ، وقال : لم أجنّ بعد .
فقالت الأميرة بدر البدور بنبرة تهديد مازحة : محمد .
واستدار الأمير محمد بحصانه ، وقال : هيا نعد من حيث أتينا .
واستدارت الأميرة بدر البدور بحصانها ، وسارت به إلى جانب حصانه ، وقالت : عِدني .
وانطلق الأمير محمد خبباً ، وهو يقول : سأجن ، ولكن ليس اليوم .
ولحقت الأميرة بدر البدور به ، وقالت : محمد ، لا تنسَ ، هذا وعد .
ويبدو أن الأمير محمد ، لم " يجن " بالسرعة التي تمنتها الأميرة بدر البدور ، فقالت له ، وهي تقف معه خارج المدينة ، وعيناها مسمرتان بالغابة البعيدة : محمد ، لقد وعدتني .
ونظر إليها الأمير محمد صامتاً ، فقالت : إذا لم تأخذني إلى الغابة ، سأذهب إليها وحدي .
وفكر الأمير محمد ، أن بدر البدور هذه قد تقدم على ما تصرّ عليه ، وتمضي وحدها فعلاً إلى الغابة ، وقد يحدث ما لا تحمد عقباه ، فقرر أن يذهب هو أولاً إلى الغابة ، ويتجول فيها ، ويطمئن إلى خلوها من أي خطر ، قبل أن يأخذ بدر البدور ، ويحقق رغبتها فيخول الغابة ، والتجول فيها .
وذات أمسية ، وكانت الأميرة بدر البدور تتجول كالعادة مع الأمير محمد ، في حديقة القصر ، توقفت في مواجهته فجأة ، وقالت : إنذار أخير .
وتوقف الأمير محمد ، دون أن يتفوه بكلمة ، فقالت الأميرة بدر البدور : حسن ، سأذهب وحدي .
ونظر إليها الأمير محمد ، وقال : ستراك الدامية أو الديو أو ..
فقاطعته الأميرة بدر البدور قائلة : ليكن ..
وقال الأمير محمد : بدر البدور ..
وقالت بدر البدور : لن يخسرني أحد غيرك .
وصمت الأمير محمد ، فأضافت الأميرة بدر البدور : وهذا ما لن تتحمله .
فقال الأمير محمد : أمهليني يوم واحد فقط .
ونظرت الأميرة بدر البدور إليه مفكرة ، دون أن ترد عليه بكلمة واحدة .


" 6 "
ـــــــــــــــــــ
قبل شروق شمس اليوم التالي ، تسلل الأمير محمد من غرفه ، ثم اجتاز ممرات القصر ، على رؤوس أصابعه ، ومضى مسرعاً إلى الإسطبل .
وبهدوء هيأ حصانه ، وقاده إلى خارج الإسطبل ، وهو يربت برفق على عنقه ، ويداعب معرفته الجميلة ، ثم امتطاه ، وانطلق به نحو بوابة المدينة ، دون أن ينتبه ، إلى أن السائس العجوز ، كان يراقبه خفية .
واجتاز الأمير محمد شوارع المدينة ، شبه الخالية على حصانه ، ثم عبر بوابة المدينة ، وانطلق مسرعاً نحو الغابة ، وقد بدأت الشمس تطل بأشعتها الذهبية الدافئة ، من فوق أشجار الغابة .
وتوقف الأمير محمد بحصانه ، عند مشارف الغابة ، وتلفت حوله متيقظاً ، وكأنما يتوقع فعلاً أن يرى الدامية أو الديو أو الغول ، أو أي وحش آخر ، يمكن أن يشكل خطراً على بدر البدور .
وتقدم الأمير محمد بحذر شديد ، متوغلاً شيئاً فشيئاً في أعماق الغابة ، وتوقف بين الأشجار الكثيفة الأغصان ، فقد خيل إليه أنه سمع ما يشبه وقع أقدام حصان ، أم أنه غزال أو .. من يدري .
وتلفت حوله منصتاً ، لا شيء ، لعل حواسه المستوفزة خدعته ، نعم ، فهو متوتر بعض الشيء ، أم أنه خائف ؟ وهزّ رأسه ، إنه حذر ، وهذا أمر طبيعي ، لكنه ليس خائفاً ، فهو .. الأمير محمد .
وفكر الأمير محمد أن يعود من حيث أتى ، لكنه بدل أن يستدير بحصانه ، مضى به قدماً ، وراح يسير ببطء وحذر ، وعيناه اليقظتان تركضان أمامه ، مستطلعة الطريق ، متهيئة لكل طارىء .
وتوقف بحصانه فجأة ، حين وقعت عيناه على كوخ صغير ، بدا وكأنه مختبىء ، بين أجمة كثيفة من الأشجار ، وقبل أن يقرر ما ينبغي أن يفعله ، فتح باب الكوخ ببطء ، وأطلت منه الساحرة العجوز .
لم تبدر حركة من الأمير محمد ، فتطلعت الساحرة العجوز إليه ، ثم قالت : أهلاً بالأمير محمد .
وردّ الأمير محمد ، دون أن يتحرك بحصانه خطوة واحدة : أنت على ما يبدو تعرفينني .
فقالت الساحرة العجوز : وأعرف أمك نور الزمان ، وخالتك الملكة .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : وأنا من تنبأ بمولدك ومولد ابنة عمك بدر البدور ..
وهزت رأسها ، وقالت بصوت متشنج : آه من .. بدر البدور .
ومن بعيد ، ارتفع صت مختنق ، خائف ، مستغيث ، يصيح : محمد .
واشتعلت أعماق الأمير محمد ، بنيران كحمم البركان ، وقال : إنها بدر البدور .
واستدار بحصانه ، وانطلق بأقصى سرعته ، صوب مصدر الصوت ، وهو يصيح بأعلى صوته : بدر البدور .. بدر البدور .
لكن لا من مجيب ، وتوقف منهكاً منهاراً ، وسط أشجار الغابة ، أهي بدر البدور من صاحت باسمه ؟ عجباً ، وما الذي يمكن أن يأتي بها إلى الغابة .
وعند غروب الشمس ، عاد الأمير محمد إلى القصر في المدينة ، وكله أمل أن يكون ما سمعه في الغابة مجرد وهم ، أوحت له به تلك المرأة العجوز .


" 7 "
ـــــــــــــــــــ
عرف الأمير محمد ، حين عاد إلى القصر ، بعد غروب الشمس ، بأن الأميرة بدر البدور ، ليست في القصر ، وهذا ما أفقده رشده .
وسرعان ما عرف ، من أمه هذه المرة ، أن السائس العجوز ، اعترف للملك بأن الأميرة بدر البدور ، قد امتطت حصانها ، قبل شروق الشمس بقليل ، وانطلقت خارج القصر .
وعلى الفور ، انطلق الأمير محمد ، نحو الإسطبل ، وأمه تركض في أثره قائلة : بنيّ محمد ، إلى أين ؟ تمهل ، وأخبرني بما تريد أن تفعله .
لم يتمهل الأمير محمد ، ولم يخبرها شيئاً عما يريد أن يفعله ، ودخل الإسطبل ، وأمه الأميرة نور الزمان وراءه ، وصاح : أيها السائس .
وأقبل السائس العجوز لاهثاً ، وانحنى للأمير محمد ، وقال : مولاي .
وقال الأمير محمد للسائس العجوز : علمت أن الأميرة خرجت ممتطية حصانها .
فقال السائس العجوز : نعم ، يا مولاي ..
وسكت لحظة ، وقال بصوت مرتعش مذنب : بعد خروجك ، يا مولاي ، بنصف ساعة تقريباً .
وحدق الأمير محمد فيه مفكراً منفعلاً ، لكنه قبل أن يقول له أي شيء ، أقبل الملك والملكة مسرعين ، وقد استبد بهما الخوف والقلق .
والتفتت الأميرة نور الزمان ، وقالت : بنيً ، جاء الملك والملكة .
وقال الملك منفعلاً : أين بدر البدور ؟
ونظر الأمير محمد إليه متحيراً ، وقال : مولاي ، لم أرَ الأميرة اليوم ، ولا أعرف أين هي .
وقال الملك : لكنك ذهبت إلى الغابة .
وقال الأمير محمد : ذهبت وحدي ، يا مولاي .
وقالت الملكة بصوت تبلله الدموع : إنها معك دائماً ، طوال الوقت .
ونظر الأمير محمد إليها ، وقال : لم تأتٍ معي إلى الغابة ، والسائس يشهد بذلك .
ونظرت الملكة إلى السائس العجوز ، فتململ محرجاً ، ثم قال : نعم ، مولاتي بدر البدور لم تذهب مع الأمير محمد ، لكنها على ما يبدو لحقت به ، بعد حوالي نصف ساعة .
ونظرت الملكة والملك إلى الأمير محمد ، فلاذ بالصمت برهة ، ورمق أمه نور الزمان بنظرة سريعة ، ثم قال : لم أرَ بدر البدور في الغابة ، لكن ..
وصمت الأمير محمد ، فقال الملك : لكن .. لكن ماذا ؟
فقال الأمير محمد ، وهو يقلب النظر بين الملك والملكة وأمه : عندما كنت مع الساحرة ، تناهى إليّ صوت من بعيد ، كأنه صوت الأميرة بدر البدور ..
وصمت لحظة ، وعيون الجميع متعلقة به ، فقل بصوت مرتعش : تصيح .. كأنها تستغيث .. محمد .
وعلى الفور ، استدار الملك ، ومضى خارج الإسطبل ، والجميع يسرعون وراءه ، وصاح : ادعوا قائد الحرس ، وجميع الحرس ، لنذهب إلى الغابة ، ونبحث عن بدر البدور .. الآن . 2012



#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة للأطفال اليمامة البيضاء والجرافة قصة ...
- دموع رينيت كتاب جديد للفتيان
- رواية للفتيان الرحلة الثامنة ...
- رواية للفتيان المعجزة ...
- رواية للفتيان الغيوم السوداء طلال ...
- رواية للفتيان صخرة آي طلال حسن
- مسرحية للفتيان اورنينا ...
- رواية للفتيان الغزالة ...
- رواية للفتيان السندباد البحري طلال ...
- رواية للفتيان دروفا ـ نارانا ...
- رواية للفتيان سامو وسومو ...
- رواية للفتيان النمر ...
- رواية للفتيان البديل طلال حسن
- رواية للفتيان الزواج المقدس ...
- رواية للفتيان رجل النار ...
- شجرة الزيتون
- رواية للفتيان فتاة الحلم طلال حسن
- رواية للفتيان طيف الاهوار
- اللبوة الجريحة
- رواية للأطفال حي ابن الإنسان ...


المزيد.....




- فصل سلاف فواخرجي من نقابة فناني سوريا
- -بيت مال القدس- تقارب موضوع ترسيخ المعرفة بعناصر الثقافة الم ...
- الكوميدي الأميركي نيت بارغاتزي يقدم حفل توزيع جوائز إيمي
- نقابة الفنانين السوريين تشطب سلاف فواخرجي بسبب بشار الاسد!! ...
- -قصص تروى وتروى-.. مهرجان -أفلام السعودية- بدورته الـ11
- مناظرة افتراضية تكشف ما يحرّك حياتنا... الطباعة أم GPS؟
- معرض مسقط للكتاب يراهن على شغف القراءة في مواجهة ارتفاع الحر ...
- علاء مبارك يهاجم ممارسات فنانين مصريين
- وزير الثقافة التركي: يجب تحويل غوبكلي تبه الأثرية إلى علامة ...
- فيلم -استنساخ-.. غياب المنطق والهلع من الذكاء الاصطناعي


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال حسن عبد الرحمن - رواية للفتيان بدر البدور طلال حسن