أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نضال نعيسة - الأمّة الافتراضية














المزيد.....

الأمّة الافتراضية


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1733 - 2006 / 11 / 13 - 09:50
المحور: كتابات ساخرة
    


ما إن يغضب الله عليك، وتستمع لمسؤول سياسي مدجن، أو تقع بين فكي فقيه مسمّن، أومعمم ديني مسعدن، يهرف بأي موضوع، ويتحدث عن أية قضية، ومهما كان هذا الموضوع تافهاً، والقضية متواضعة، والمسألة بسيطة، حتى تراه يتحدث باسم "الأمة" كلها، ونيابة عنها، ويستنهضها ، ويدعوها للإدلاء بدلوها به، ويطلب منها أن تشارك في هذه المعركة المصيرية الحاسمة. وأن هذه المعركة هي لـ"الأمة" كلها، ومن نتاج عبقريتها، وخلاصة لتضافر جهودها. وما إن يبدأ هذا المسؤول، أو ذاك المعمم بالكلام، حتى يفور، ويرغي، ويزبد، نيابة عن "الأمة" كلها مبشراً بالخير لـ"أمته" كلها من وراء مشروعه الصغير. هذه "الأمة" في حقيقة الأمر مغلوب على أمرها، والتي نكبت به، وبأمثاله، من المتفوهين الذين لا هم، ولا شغل لهم على الإطلاق سوى الصراخ، والزعيق، وشق الأثواب، وبيع الوعود والأوهام.

ومن يسمعهم، يتكلمون باسم "الأمة"، وينطقون باسمها، يعتقد أن هذه الأمة قد فرغت للتو من كل مشاريعها الحضارية، وانتهت من كل معاركها على صُعد محاربة الفقر، والمرض، والبطالة، والتخلف، والأمية، والفساد، وحرية المرأة، والصراع الطبقي، وهي واقفة على أهبة الاستعداد، لتسجيل مزيد من الانتصارات والانجازات الحضارية الكبرى. ولا عمل لها في هذه الأثناء سوى الاستعداد لتلقي المزيد من صيحات التكبير والتهليل، التي يطلقها، هو وسواه. ومن يصغي لهم يعتقد أن هذه "الأمة" التي يتحدثون عنها، هي كائن موجود بشحمه، ولحمه، متأهب للقيام بما توكل إليه من معارك مصيرية، ومهام طارئة جديدة، وأنها كل متجانس، وواحد متوافق فكرياً، وعقائدياً، وبنيوياً، ولا يوجد بينها أية خلافات، أو مشاكل، و صراعات، واقتتال على الحدود وقطع للعلاقات، وطرد للسفراء، وتبادل للشتائم والاتهامات، وأن حدودهم مفتوحة، وصدورهم مشروحة، والتجارة البينية سانحة، والضرائب ممنوعة، والكلفة مرفوعة، وأنها تعيش مع شعوبها، والأصح تابعيها، وسباياها، ورعاياها، حالة من الغزل البريء، وشهر العسل المستمر، منذ انقراض، وانتهاء دولة الخلافة العثمانية البائدة المنقرضة.

هذه الدولة، دولة الخلافة البائدة، التي يتغنون بها، ويحاولون إعادة إنتاجها، هي في الحقيقة تمثل حالة "الأمة" خير تمثيل. فساد، وتخلف، وفقر، وجهل، وجيوش انكشارية ضعيفة، وأمصار متباعدة، ودولة مريضة مقطعة الأوصال تنهش جسدها الصراعات، ويفتك بها الاحتراب. احتراب بين القبائل والقبائل، والعشائر والعشائر، والملل والملل، والنحلل والنحل، والطوائف والطوائف، والبطون، والأفخاذ، والأرجل، والسيقان. لدرجة أن شعوباً بأكملها، تاهت، وضاعت بين الأرجل، وراحت دهساً تحت السيقان. ويتأتي هذا الخطاب الشمولي التوتاليتاري من روح القطيع، و"الجماعة" التي سادت على مر قرون في هذه الأصقاع حيث أن الفرد ملغى، ولا كرامة، ولا اعتبار له على الإطلاق. وكم تمنيت في سري، وفي علني، وفي حلمي، وفي يقظتي، أن أسمع مسؤولاً، أو فقيهاً، أو داعية يخاطب الفرد، ويتمنى، أو يحاول أن يرفع من مستوى معيشته، ومن شأنه، أو أن يضع خطة خمسية للأفراد، والأشخاص، وليس للقطعان، والجماعات، والأفراد. وهذا الانتقاص، والتقليل من أهمية الفرد، وعدم تقدير مواهبه الشخصية، أوتقديس المبادرات الذاتية، هو وراء ما تعيشه "الأمة" من كوارث، ونكبات، وويلات.

وقبل أن يدعو هذا الفقيه، أو المسؤول، أو الداعية بمشاريع أكبر من قدرته، ويتصدى لمهام أكبر من إمكاناته، وطاقاته، عليه أولاً، ومن باب وعي الواقع والإحاطة العلمية بالقوة الذاتية والقدرات الكامنة، أن يحل مشاكله القطرية الصغيرة، لا بل حتى تلك التي توجد في قريته، ومجتمعه، وأسرته الصغيرة، والتي تبدو وكأنها مشاكل مزمنة، ولن تستطيع قوة في الأرض أن تحلها، أو أن تلحلحها قيد أنملة، قبل أن "يهز" بدنه، ويتنطح شوقاً، وعربدة لحل مشاكل "الأمة" كلها بلا استثناء. وعليه أن يوحد أسرته، ومجتمعه، وقبيلته على أبسط قضية، قبل يتفضل، مشكوراً، باجتياز الحدود وحل مشاكل الآخرين. أنها أمة افتراضية لا وجود لها سوى في خيالات، وأذهان هؤلاء، وإن أكثر ما ينطبق على هؤلاء هو المثل الشعبي القائل:" من كبّر الحجر ما ضرب".

وفي الختام، ألا يحق لنا أن نتساءل أين هي هذه الأمة؟ وكيف هو شكلها؟ ولم لا "تنتخي"، وتدب في أوصالها الحياة، وتنهض، وتعبر عن ذاتها، ووجودها، ولو مرة واحدة، وتستجيب لزعيق، وصراخ، ودعوات المسؤولين، والفقهاء؟



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيلاف وليبرالية الأعراب
- محاكمة صدام: فشل سياسة الجواكر البوشية
- حزب الله الفلسطيني: والخيارات الإلهية!!!
- الجريمة والنقاب
- هل هي قصة لحم مكشوف، أم فكر مكشوف؟
- جبهة الخلاص الوطنية الأمريكية وطريق الضلال
- مثلث برمودا الفكري: نقاب، وحجاب، وجلباب
- قناة الشام الفضائية: الكوميديا السورية السوداء مستمرة!!!
- كل ربع ساعة وأنتم بخير
- المزرعة الإخوانية
- الحوار المتمدن في دائرة الاستهداف
- رئيس مغتصب، و زير نساء
- لا، ........يا وفاء سلطان
- العرب بين فسطاطين
- الفبركة الأمنية، والأبواق السعودية، في محاولة تفجير السفارة ...
- وزارة الاتصالات السورية تكافح الإدمان
- هل ستصبح القومية إرثاً من الماضي؟
- قطر تمنع فضيحة عربية في الأمم المتحدة
- صعود التوتاليتاريات الدينية
- هل يصبح شافيز رائداً من رواد القومية العربية؟


المزيد.....




- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...
- -هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ ...
- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نضال نعيسة - الأمّة الافتراضية