خالد العلوي
الحوار المتمدن-العدد: 7753 - 2023 / 10 / 3 - 18:11
المحور:
الادب والفن
لم تكن حياتي مغرية ومسلية، قال لي بعض الميتين: لك أن تهرب منها. قمت بذلك فعلاً . لكن موتي مثل حياتي لم يكن مغرياً ومسليا.
هذا هو سري: لقد فهمت السماء باكراً . فهمت أنها تظلل أرضي بموتٍ محتوم وقدرٍ مأزوم وأنها لن تُمطر قمحاً أو ذهباً . لن تُمطر أكثر من تفاحةٍ محرمةٍ أكلها آدم في موسم الحصاد .
وقد كان. لقد أمطرت تفاحها المحرّم بسخاءٍٍ شديد! امطرته مِن قبل أن أسألها : تُرى أي تفاحة أكلت لأحصد كل هذا الحرام؟ أي تفاحة أكلت لأعيش يتيماً ومشرداً ومقهوراً ومذعوراً لا فراش تحتي سوى الضنك ولا سقف فوقي سوى الشقاء ولا جدران حولي سوى جدران اليأس والحرمان؟ أي تفاحة أكلت لتتحول أحلامي إلى طائراتٍ من ورق وأمنياتي إلى سفنٍ مآلها الغرق؟ أي تفاحة أكلت لتنبح الكلاب قافلتي ولتأكل الأمراض عافيتي؟ أي تفاحة أكلت لأعيش بأحداقٍ صغيرة لا تبصر إلا القليل من الضوء والكثير من العتمة؟
أي تفاحة أكلت ليموت أبي حينما كنت صغيراً مثل مخلوقات الليل وكأنه خرافة كبيرة وليموت ابني حينما أصبحت كبيراً مثل مخلوقات الجبل وكأنه ثغرة صغيرة؟ أي تفاحة أكلت ليتواتر الموت في حياتي وكأنه فرض أو شعيرة ؟
أي تفاحة أكلت أنا الهزيل الصغير الضعيف الحقير ليعاملني وطني في البداية كمهاجر ولتعاملني الغربة في النهاية كمواطن؟ أي تفاحة أكلت وأنا الجائع العاجز عن هضم أحلامي؟ أي تفاحة أكلت لاستحق كل هذا الفراغ في قلبي وكل هذا الليل في عيني وكل هذا الحزن في جيبي وكل هذه المرارة في فمي ؟ أي تفاحة أكلت ليغطيني كل هذا الموج ولتقتلني كل هذه الملوحة وليشربني كل هذا البحر؟ أي تفاحة أكلت لينتشر الموت في حياتي بهذه الكثافة ولتهاجمني الكآبة بهذه الشراسة؟
ترى أي تفاحة أكلت يا آدم؟
كاتب عماني مقيم في دولة الكويت
30-9-2023
#خالد_العلوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟