أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - هشام الصميعي - آلام الحلاج















المزيد.....

آلام الحلاج


هشام الصميعي

الحوار المتمدن-العدد: 1733 - 2006 / 11 / 13 - 01:48
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


رغم قلة المصادر التاريخية و الأدبية التي تطرقت الى حياة و فكر الحلاج فان هدا المتصوف الدي صلب ببغداد في دي الحجة من سنة922 بعد اتهامه بالزندقة. لا يلبت أن ينبعت مجددا في التقافة المعاصرة كطائر الفينيق ينفض رماده عن جناحاته ليحلق في سماء رحبة. وبالتزام أدبي قل نظيره يجسد الحلاج نمودجا للمتقف الحر الدي لا يقبل انصاف الحلول في مواجهته للظلامية و التحجر. ومن خلال محنته أعطى الحلاج للفكرة و الكلمة جدواها ومضمونها الحقيقي الى أبعد الحدود. ولو تعلق الأمر في دلك التضحية بالجسد الفاني على حد سيف الاستبداد ومواجهة شرنقة التزمت الكريهة في سبيل الاحتفاض بحرية الفكر والايمان كمبدا تابت لايقبل المساومة.


كان الحسين ابن منصور الحلاج يصلي بسورة البقرة ويتمها في ركعتين و يصوم الدهر ، ماهرا في الفقه ، عالما بالحديت و السنن. و كان يناجي الله في الصحو و عند البيات أن يعيد له نفسه لأنها هامة في حب الخالق الى درجة التماهي. كان الحلاج يبكي المجامع في الأسواق ، و الجوامع ادا حدت، و كان أحب القول الى نفسه هو قوله : ما وحد الله غير الله و ما عرف حقيقة التوحيد غير رسول الله و ليس على و جه الدنيا كفر الا تحته ايمان .

و مع كل هدا و داك قتل بتعصب متعصبين استباحوا دمه بشكل سافر في فصول من الاجرام و التفنن في سفك الدم يروي لنا تفاصيلها الأخيرة أبي بكر الشبلي قال: قصدتُ الحلاج وقد قُطعت يداه ورجلاه وصلب على جذع فقلت له: ما التصوف. فقال: أهون مرقاة منه ما ترى. فقلت له: ما أعلاه. فقال: ليس لك به سبيل، ولكن سترى غداً، فإنّ في الغيب ما شهدته وغاب عنك.

فلما كان وقت العشاء جاء الإذن من الخليفة أن تضرب رقبته. فقال الحرس: قد أمسينا: نؤخّر إلى الغد. فلما كان من الغد أُنزل من الجذع وقُدّم لتُضرب عنقه فقال بأعلى صوته: حسب الواحد إفراد الواحد له. ثم قرأ (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق).

وقيل هذا آخر شيء سُمع من الحلاج . ثم ضربت عنقه ولفّ في بارية وصُبّ عليه النفط وأُحرق جسده وحمل رماده على رأس منارة لتنسفه الريح. بهده الطريقة البشعة قتل الحلاج و لم يصلنا من افكاره التي استشهد لأجلها سوى الندر من ما درته الرياح و هي تنتر رماد جسده الدبيح عبر أرجاء الزمن المغدور. و لو نصبت محكمة اليوم لادانة قاتلي الحلاج و لو فتحت صفحة للمصالحة في تاريخنا العربي المملوء بجرائم المتطرفين واضطهاد المتقفين لأمر الادعاء باعدام الخليفة المدعو أبو الفضل الجعفر الدي اعدم في عصره الحلاج سنة308 هجرية.

دلك ان المؤرخ ابن الطقطقي يخبرنا عن درجة التراء الفاحش و الفسق الدي كان يعيش في ظله خليفة المسلمين هدا والدي يقول عنه الطقطقي انه كان في قصوره أحد عشرة خادم مخصي من السودان و الروم و كانت خزانته مترعة بالجواهر النفيسة ، و من جملتها الفص الياقوت التي اشتراها بتلتمائة ألف دينار أي ما يعادل اليوم مليون دولار فيما كان الدراويش من الرعية يتلوون جوعا في البقاع .

و لطالب الادعاء بالبرائة للحلاج من تهمة الزندقة التي برر بها الظلاميون في تحالفهم مع الاستبداد اعدام الحلاج لقوله المأتور : من ظنّ أن الالهيّة تمتزج بالبشريّة أو البشرية بالإلهية فقد كفر. فإن الله تعالى تفرّد بذاته وصفاته عن ذوات الخلق وصفاتهم، فلا يشبههم بوجه من الوجوه، ولا يشبهونه بشيء من الأشياء. وكيف يُتصوَّر الشبه بين القديم والمحدَث. و لو كان الحلاج حيا لما قبض حقه في التعويض و لصفح عن جلاديه لتسامحه المتعالي الدي ميزه عن قاتليه و هو القائل

حبيبي غير مـنـسـوبٍ إلى شيء من الـحـيف
سقاني مثـلـمـا يشـر ب فعل الضيف بالضيف
فلـمـا دارت الـكـأس دعا بالنطع والـسـيف
كذا من يشـرب الـراح مع التنين في الصـيف


لمادا صلب الحلاج وباي دنب قتل؟ اختلف المفكرون في سبب محنة الحلاج فمنهم من قال أنه لقي حتفه لمجرد كلمة لقوله أنا الحق او لمجرد جملة جائت بها وشاية أبي يزيد البسطامي من أنه سمع الحلاج يقول: سبحاني سبحاني ما أعظم شاني أي لتشبته بمدهب الحرية الباطنية في التصوف والدي يتعارض جملة مع نظام الاستبداد بالرأي الدي بصم الانظمة الاسلامية في كل عصورها .
ويبدو في وجهة أخرى أن هدا التبرير كان يشكل ظاهر التهمة فقط أما باطنها فهو ما يورده ابن الساعي في كتابه أخبار الحلاج وهو يتضمن تفاصيل آخر الأيام التي عاش فصولها الحلاج في محنته بين السجن و التنكيل قال الحلاج لأحد مريديه : يا بنيّ إنّ بعض الناس يشهدون لي بالكفر ويريدون قتلي، وبعضهم يشهدون لي بالولاية بحسن الظن بي . مما لا يدع مجالاللشك من كون محاكمة الحلاج كانت سياسية محضة و لم تكن مجرد محاكمة فكرية نجمت عن الاشتباه في القول و التجديف أو الكهنوتية التي اتهمه بها خصومه السياسيون .

وفي هدا الاتجاه يرى بعض الباحتين المعاصرين بأن الحلاج دلك المتصوف الكبير يبدو في مرآة أخرى كناقد مناوء لتحجير المقولات الفقهية وفرض الوصاية الدينية على ظروف الحياة الاجتماعية و السياسية في عصره . بينما رآى آخرون في الحلاج شخصية حكيمة وساخرة في عصره وخطرة على النظام العام قد تهدم ايديولوجية الحكم التي كانت سائدة شخصية تورية كالحلاج استاء منها خصومه السياسيون ورأوا في أفكارها خطة مرسومة لاصلاح الضرائب .

و بدى الحسين ابن منصور لرجال الدين في فكرته حول إسقاط الفرائض تعبيراً عن كفره ودليلا على إلحاده لكن بالمقابل يجمع جل المتصوفة و المفكرين ورجالادين على اعجابهم الشديد بحب الحلاج لله عز وجل ورسوله الكريم الدي الف تعلقا به الحلاج اجمل انشودة في مدحه من خلال كتاب الطواسين .

و في أدب العصر الوسيط نجد خطاً يزداد وضوحاً في العصر الحديث: إذ يُعتبر هدا الرأي الحلاج ثائراً في وجه ضيق الأفق الفكري لدى المتحجرين من رجال الدين في عصره ، من خلال ما راكمته تجربته الشخصية في الاتصال بالله عبر حلقات التصوف ، تلك التجربة الروحية الحية التي لا تجعل بينالله و العبد اية وسائط وهي النظرة التي تاتر بها الإمام الغزالي نفسه فيما بعد، عندما هجر وظيفته التعليمية في المدرسة النظامية ببغداد، بسبب ما وجد عليه حال زملاءه من رجال الدين حيت كانوا منغمسين في نزاعات وخلافات لا طائل من ورائها حول مسائل فقهية سطحية، دون أن يتوفروا على الإيمان الحي المتجدد . أما في الشعرالايراني و الأدب الهندي خاصة ما بعد العصرالوسيط فان الحلاج يظهر في تلاوينه كمنتفض أراد زحزحت النظرة المتحجرة للايمان والتمتل التسطيحي عن حقيقة الوجود والخالق وبدلك يصبح الحلاج أول مجدد ديني حاول زعزعة المفهوم التقليدي للايمان في عالمنا الاسلامي . لكنه لم يسلم من نير الاستبداد و التعصب أخوات الظلامية و اللاتسامح .
وادا الحلاج سئل بأي دنب قتل؟



#هشام_الصميعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قريبا على شاشتكم تمثيلية برلمانية
- هل يبوس العتماني الواوااا؟
- عزوف المغاربة عن الانتخابات أم عن السياسة؟
- ديموقراطية الأمريكان رجس من عمل الشيطان
- حزب الله انتصر آه ...حزب الله انهزم و نص
- حشيش بجميع الأصناف و الرتب في الأمن المغربي
- دموع الصبايا تغشى أوجه الهجن
- باسم الله المجيد تنهب الأموال باليمن السعيد
- وزير الجحش
- بيان من الشعوب العاشبة
- مدخل لدراسة النظرية البوشاوية
- ذكريات الشقاوة عندما ختنت و عندما أحببت1/2
- مادا يعني أن تكون شابا بالمغرب؟؟
- ميلاد جبهة المعارضة السعودية الديمقراطية
- ما قل و دل من سياسة الرباط
- التلف..زة المغربية في العهد الجديد
- كابوس مرعب
- حكومة عيانة
- أمم متحدة ضد من؟؟
- أخبار غير عادية من المغرب


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - هشام الصميعي - آلام الحلاج