|
موظفٌ عادي يموتُ في الاجتماع
أزهار أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1737 - 2006 / 11 / 17 - 11:06
المحور:
الادب والفن
لأنني موظفٌ عادي، فأنا مكلفٌ بتنفيذ المذكرات الداخلية التي يصدرها المدير بين حين وآخر، وكأي موظفٍ عادي أستهجن هذه المذكرات وأعاملها بازدراء، ما عدا مذكرة واحدة تأتي مرةً بالشهر، وتشبه دفني في الرمال الحارقة، كأنها حكمٌ دوريٌ بالعذاب، إنها مذكرة عقد الاجتماع الشهري للموظفين. هذا العذاب يستمر لساعةٍ ونصف معظم الأحيان، ولا أفعل شيئاً خلال هذه المدة سوى الاستماع، لأنني موظفٌ عادي، عليه حضور الاجتماع، ربما جَدَّ جديد في تعليمات العمل أو بخصوصي لدى المدير، أو ربما طرأت برأسي أفكار خطيرة ترفع من شأن الشركة، مع أنَّ هذه الأفكار لا تأتي على الإطلاق. جاء الإعلان عن الاجتماع السابق في وقت متأخر من الدوام، وهذا ما قالته المذكرة: "يجب على الموظفين أدناه حضور الاجتماع الذي سينعقد في تمام الساعة الواحدة في غرفة الاجتماعات". حين وصلتني المذكرة كانت الساعة الثانية عشرة والربع وكنت في قعر كآبتي وضيقي وتعبي، كان القلم جافاً، فاستبدلته بآخر ولم يكن فيه حبر بالمرة، فاضطررت للنهوض واقترضت قلماً من زميلتي ووقَّعت بشكل قبيح، وأنا أردد لِمَ عليَّ حضور هذا الاجتماع دائماً، ولماذا يُحضرون لنا المذكرات في نفس يوم الاجتماع، لِمَ يجعلوننا عرضةً للانصياع، لِمَ لا يحددون مواعيد اجتماعاتهم قبل يوم أو اثنين، ربما تمكنت من التسلل أو حتى عدم الحضور ذلك اليوم، وفكرت لحظتها كما كنت أفكر كل شهر بأنْ أدعي الصداع أو المرض أو الإسهال وترك الاجتماع، لكنني أتراجع وأترك ادعاءاتي لاجتماع آخر أكون فيه أكثر تعباً. كان أمامي 45 دقيقة قبل اقتيادي إلى قاعة الموت المؤقت حيث الاجتماع الشهري، فزاد ذلك من ارتباكي وتوتري، شربت شاياً بالحليب ولم ينفع في تخفيف التوتر، وشربت قهوة بالحليب لكنها لم تفد أيضاً، فقلت الحليب هو سبب المشكلة، فشربت مرة ثالثة شاياً بدون حليب ولا سكر، ولم يُجدِ شيئاً سوى انزلاق رأسي في برميل من الطحالب. دخلت القاعة وأنا أجر أقدامي جراً، ورأيت مديري مُتصدراً طاولة الاجتماعات، جلست في مكاني كجبلٍ سقط على بحر مرةً واحدة، كانوا يبتسمون ويتحدثون وهم ينتظرون اكتمال العدد، نقلت نظري ما بين قدمي وقدم مديري وقدم زميلتي وبين السقف الأبيض اللامع وبين اللوحات الست الجميلة المرصوصة بشكلٍ متوازٍ على الجدار المقابل، وهذا ما أفعله تقريباً في كل اجتماع من هذه الاجتماعات. مرت دقيقتان و53 ثانية ولم يكتمل العدد، أمر المدير بإغلاق الباب وظهر آخر موظف في اللحظة ذاتها وجلس بابتسامة واسعة على وجهه. بدأ المدير حكاياته وتفاصيله وووو، رفعت رأسي إلى الساعة المعلقة فوق الباب على الجدار المحاذي للطاولة، كانت تشير إلى الواحدة والثامنة عشرة، فرحت وقلت قريباً ننتهي، فجأة اصطدمت عيناي بساعة يد نائب المدير لأراها تشير إلى الواحدة واثنتي عشرة دقيقة، قلت غبيٌ كعادته. لكن خطر ببالي أنْ أتفحص ساعات الآخرين، بما أنْ معظمهم يستند بمرفقيه على الطاولة، ساعة حسن تشير إلى الواحدة والنصف تماماً، توقعت عدم انضباط ساعته لأنه متأخر دائماً في كل شيء، واصلت مراقبتي على نفس الخط لأفاجأ بأنَّ ساعة أحمد تشير إلى الواحدة والربع تماماً، هدأت وقلت لعلها الأضبط، نقلت عين المراقبة إلى ناحية المدير، لم أتمكن من رؤية الوقت، كان بعيداً قليلاً، إضافة إلى أنه يرتدي الساعة في معصمه الأيسر ومكاني إلى جانبه الأيمن، أدرت رأسي، حركت الكرسي، ملت إلى الأمام أكثر لكن هيهات، إنه عصيٌ في كل شيء، قلت سأعود إليك، ونقلت عيوني إلى أمل لم أتبين شيئاً، كان كُمْ قميصها طويلاً جداً، وسعاد لم تكن ترتدي ساعة شأنها شأن بعض النساء، التفت إلى جو الإنجليزي، كانت ساعته تشير إلى التاسعة تماماً، كتمت قهقهة ساخرة من إنجليزي يحتفظ بتوقيت بلاده وهو في بلدٍ آخر، بقي ثلاثة أشخاص يجلسون في جهتي، كيف سأتلصص على هؤلاء؟ حسناً، مِلتُ أكثر وكأني أحك رأسي، واستطعت اختلاس الوقت من ساعة ماجد التي تشير إلى الواحدة وعشرين دقيقة، الوقت مبكر جداً، ما بال ساعاتهم مُعاقة. انتقلت مشاعري من الفضول إلى العتمة والفوضى والكآبة، زفرت زفرة قوية شدت انتباههم، فأصدرت كحة مغلوبٍ على أمره، وشربت من كأس الماء الذي بجانبي وأنا التفت إلى ساعة خالد ، كانت تشير إلى الواحدة وأربعين دقيقة، تشوشتُ تماماً، وبقي المدير أملي الوحيد، يجب أنْ أعرف الوقت الدقيق من ساعته، فلا يمكن لغيره أنْ يصيب في ضبط الوقت، تعرقت من كثرة التحديق وسحب رأسي للأمام وثني كتفي إلى الجنب، حاولت التركيز إلى حديثهم وتقاريرهم والوقت يمر ثقيلاً وادعاءاتي بالتركيز تزيد من كدري. فجأة رأينا المدير يقع وصوتُ ارتطامٍ عنيف يهز القاعة، لقد وقع عن الكرسي الذي انزلق أحد مساميره وأسقط مديرنا، هبُّوا جميعا لرفعه من على الأرض وهببت أنا لمعصمه: كانت الساعة الواحدة و 4 دقائق و30 ثانية ... شكراً لكم قال المدير، هيا نكمل الاجتماع، واستبدل كرسيه بآخر سليم.
#أزهار_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سرينادا
-
يومٌ ليس كمثلهِ يوم
-
قانصاتُ اللحظة، مُباغتاتُ المنازل، واهياتُ القلوب
-
إمَّا أنا أو أنتِ .. تلك هي المهمة
-
سائق النساء
-
أنا ويوكي في يورك
-
صخب الصور
-
أنا والبقرة والتلفزيون
-
حَدَّقتُ في الظلام فرأيتُك .. وحَدَّقتُ فيك فرأيتني
-
طلبنا طعاماً صينياً
-
يوكي والجمل
-
غادة وابن جني
-
العدُّ حتى تسع جَميلامات
-
نبيُ قلبي
-
كائنٌ كائنْ .. يا أنت
المزيد.....
-
الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|