|
الوعي بالذات ،نحو فهم أعمق
محمد انعيسى
الحوار المتمدن-العدد: 1731 - 2006 / 11 / 11 - 07:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مقدمة: الوعي ظاهرة انسانية ، وهو قيمة من القيم ، اذ أن الانسان لا يمكن وضعه خارج اطار الوعي وذلك لأن الوعي شديد الارتباط بالعقل ،فلا وعي بدون عقل ،لكن يمكن أن نقول أن الوعي يعرف مستويات وهو يختلف من حقل الى آخر ،فقد يعني الفهم والادراك والاستيعاب لبعض الأمور ، وقد يعني ادراكا للامعقول ، وعموما فان الوعي يكتسي أهمية بالغة اذا ما نظر اليه من زاوية العلوم الانسانية خاصة فيما يتعلق بعلاقة الأنا والآخر ، الذات و الموضوع، اي على مستوى نظرية المعرفة بمفهوم أدق. 1ـ الوعي : الانسان ـ التاريخ ـ الوعي ظاهرة انسانية (الوعي ـ العقل) لا يمكن أ ن نبرهن علميا على أن الوعي ظاهرة انسانية ، لكن التجربة والواقع يؤكدان صحة ما ندعيه ، فالوعي بما هو ادراك واستيعاب للأمور يرتبط جوهريا بالعقل الذي هو أساس ارتقائنا على الحيوانات، وهناك من عرف الانسان على أنه حيوان عاقل ، وبالمقابل يمكن أن نعرف الانسان كذلك بالحيوان الواعي ، اذ ان العقل وحده لا يكفي لتعريف الانسان لان تقدم العلم اثبت أن الالة يمكن أن تكون عاقلة كما هو شأن الحاسوب .لكن ما دمنا نتحدث عن العقل والوعي فلابد أن نعطي ولو تعريفا بسيطا للعقل الذي نقصده هنافما هو العقل؟يقول ادغار موران : (أسمي عقلا كل منهج في المعرفة قائم على الحساب والمنطق.ـ .كلمة عقل تعني في الاصل حساب ـ كل منهج مستعمل لحل المشاكل المطروحة على الفكر ، بدلالة معطيات تميز وضعية ما أو ظاهرة ما ،والعقلنة هي اقامة معادلة بين نوع من التناسق المنطقي ـ الوصفي أو التفسيري ـ وواقع تجريبي)فالعاقل اذن هو الذي يميز بين الأمور ويدرك ما عليه أن يقوم به ،ولأجل من يقوم به،فبالرغم أن ه قد يبدوا أن الحيوان يشترك مع الانسان في قيمة التمييز ، فاننا نؤكد أن التمييز عند الحيوان هو تمييز عير واعي أو غير تاريخي اذ انه لا يخضع للتطور والرقي، وهو ثابت منذ وجود الحيوان على هذه الأرض أو مئات السنين على أقل تقدير .وهكذا فالوعي هو فضاء العقل وشساعة هذا الفضاء مرتبطة بمستويات معينة سنتعرف عليها لاحقا ، يقول هيجل:(العقل هو الوحدة الأسمى بين الوعي والوعي بالذات ،أي بين معرفة موضوع ما ومعرفة الذات ) ـ الوعي ظاهرة تاريخية(الوعي ـ التطور) هذا يعني أن الوعي في تطور واستمرار دائم ، اذ أن ارتباط الوعي بالعقل يستلزم بالضرورة ارتباط الاثنين بالتاريخ ،فالتاريخ ما هو الا تفاعل الانسان بمعطيات الزمان والمكان ، ولتوضيح الفكرة أكثر نعطي مثالا حول تاريخية الوعي : لقد كان الناس يعتقدون في أوروبا أن الارض هي مركز الكون وأن الشمس هي التي تدور حول الأرض ،طبعا لان الناس في تلك المرحلة كانوا يرون يوميا ان الشمس تشرق وتغيب وهي التي تتحرك ، وحتى ارسطوا لم يسلم من هذا الاعتقاد،وهكذا أصبحت هذه الفكرة فكرة مطلقة وقد استمرت هذه الفكرة قرونا من الزمن نظرا لأنها كانت تحل مشكلة للانسان ، لكن مع تطورالفكر العلمي وتقدم علم الفيزياء اثبت غاليليوأن فكرة دوران الأرض حول الشمس هي الصحيحة وقلب ما كان يعتقد به الناس رأسا على عقب، لكن لم يصدقه أحد وقد اتهم بالالحاد لا لشيء الا لأنه قد عارض فكرة الكنيسة عن الكون وأبدى برأيه بكل جرأة،وهكذا أعدم غاليليو بسبب معارضته لفكرة شائعة لدى الناس تجد لنفسها (أي الفكرة) تعزيزا دينيا.فالعقل قد يخدعنا أحيانا و وينعكس على الوعي بالضرورة وهذا ما سماه ماركس بالوعي الزائف أو ما سماه هيجل بمكر العقل . وعلى هذا الأساس فان الوعي في تطور دائم مادام العقل في تطور كذلك ويمكن أن نصوغ معادلة تقريبية لما نقصده بتاريخية الوعي : الطبيعة+ الانسان+الوعي= التاريخ 2ـ مستويات الوعي الوعي مستويات وهو يرتبط بالذات والموضوع معا ، فمتى يرتقي الوعي لقمته ومتى ينحط لادنى المستويات؟ لا بد في البداية أن نشير الى أن الوعي ظاهرة نسبية وهو يرتبط بالشروط الذاتية والموضوعية ، فالاستلاب هو أدنى مستويات الوعي ،في حين أن الوعي بالذات هو ارقى مستويات الوعي ،تتوسطهما المعرفة الموضوعية أو ما يمكن أن نسميه بوعي الموضوع. ـ الوعي بالذات والصراع من أجل الاستعراف يقول ألكسندر كوجيف:(الانسان وعي بالذات ،انه واع بذاته ،وواع بحقيقته وبكرامته الانسانيتين،وهو بهذا يختلف اختلافا جوهريا عن الحيوان الذي لا يتخطى مستوى مجرد الاحساس بالذات.والانسان يعي ذاته في اللحظة التي يقول فيها لاول مرة أنا.وان فهم الانسان بفهم أصله يعني فهم أصل الانا ا لذي يكشف عنه الكلام) الوعي بالذات ظاهرة انسانية ،وهو قمة الاحساس بالذات فالحيوانات نفسها تحس بذاتها ،فالبحث عن الأكل مثلا ما هو الا استجابة للاحساس بالجوع ،لكن الاحساس بالذات عند الانسان يتخطى حدود الاحساس عند الحيوان ليصبح وعيا بالذات ،والوعي بالذات هو أرقى مستويات الوعي ويصل الانسان اليه عندما يجعل هذا الأخير ذاته كموضوع للنقد والدراسة ولقد عبر هيجل عن نفس الفكرة حين قال أن: الأنا هي المثال المباشر على الوجود لذاته.فأنا لست واعيا بالموضوعات الخارجية وفقط ،وانما على وعي بذاتي أيضا ،فأنا ذات تتخذ من نفسها موضوعا ،فأنا في هذه الحالة من أجل ذاتي أي انني موجود لذاتي فالأنا اذن وجود لذاته. الوعي بالذات قد يكون وعيا بالذات الفردية وقديكون وعيا بالذات الجماعية ،لكن يمكن أن نقول أن الوعي بالذات الجماعية يلزمه بالضرورة وعيا بالذات الفردية،وقد يسبق الوعي بالذات الجماعية الوعي بالذات الفردية ليصبح استلابا للذات .لكن متى ينكشف الوعي بالذات ويتمظهر؟ لقد أجاب هيجل عن هذا السؤال عندما أكد على أن الوعي بالذات يرتبط بالصراع من أجل الاستعراف أو بعبارة أخرى قد يخاطر الانسان بحياته الحيوانية من أجل اعتراف الأخرين به كقيمة وكانسان له كرامته ومكانته بينهم.وفي هذه الميألة بالذات يقول ألكسندر كوجيف:(الانسان لا يكون انسانا الا اذا خاطر بحياته الحيوانية من أجل رغبته الانسانية ،ففي هذه المخاطرة وبفعلها ينشأ الواقع البشري وينكشف كواقع ، في هذه المخاطرة وبفعلها يكون على الواقع البشري أن يظهر ويثبت ذاته ويتأكد من حقيقته ويقدم دلائله كواقع يخالف الواقع الحيواني الطبيعي ويتميز عنه ،لذا فان الحديث عن أصل الوعي بالذات لا بد وأن يرتبط بالحديث عن المخاطرة بالحياة من أجل هدف غير حيوي). لكن يجب أن لا يفهم من هذا أننا نربط الصراع من أجل الاستعراف بالصراع الدموي ،فالوعي بالذات بما هو وعي يلازمه وعي بالذوات الأخرى التي تتواصل مع الذات في أطار تعايش واعتراف متبادل وهكذا تنشأ ثنائية الأناـ الآخر، وربما قد تتوتر العلاقة بين الأنا والأخر ليصبح الآخر شرا مطلقا بالنسبة للذات، كما هو الشأن للذات الطبقية عند ماركس فالبروليتاريا هي الذات عند ماركس والطبقة البرجوازية هي الآخر الشرير وهكذا ينشأ الصراع من أجل التحرر الذي ليس في آخر المطاف ما هو الا وجه من أوجه الصراع من أجل الاستعراف. والصراع من أجل الاستعراف قد يتخذ أشكالا حسب الذات طبعا ،فالاستعراف قد يكون من أجل مصالح مادية أو معنوية .الصراع من أجل الاستعراف هو محرك التاريخ عند هيجل ،فالمجتمع لن يتقدم ويتحرك الى الامام الا بوجود ذوات متناقضة ومتصارعةمن أجل الاستعراف،والصراع صفة أساسية للمجتمع البشري ولولا صراع الذوات لما كانت هناك حضارة ولما كانت هناك ثقافة،ويمكن أن نقول أن وعي الصراع هو الكفيل لتقدم البشرية فالمجتمعات الانسانية لا تخلوا من الصراع وسبب ذلك أن الانسان دائما في صراع من أجل الاستعراف ،فالاضراب عن الطعام والاعتصامات والمظاهرات ماهي الا شكل من أشكال الصراع من أجل الاستعراف ،حتى المخاطرة بالحياة ما هو الا شكل من أشكال الصراع من أجل الاستعراف . وعموما يمكن القول أن الوعي بالذات يرتبط جدليا بالصراع من أجل الاستعراف ،لكن احيانا قد تبالغ الذات في تقدير نفسها ليصبح الوعي المفرط بالذات مرضا نفسيا وجب علاجه . ـ الوعي المفرط بالذات أو الأنوية المفرطة (الأنا الذات ،الآخر الموضوع) يقول مصطفى حجازي(يعني هذا المصطلح حرفيا التركز حول الذات ويقصد به باختصار ،رد كل الأمور الى الأنا ،الانطلاق من وجهة نظر فردية،العجز عن رؤية أو اعتبار وجهة نظر أو رغبة خارجا عن الذات وبالتالي فالأنوية هي ضد الغيرية = الاعتراف بالآخرين .في الأنوية يتركز كل الاعتبار وكل المحبة في الذات التي تتضخم على حساب العالم الخارجي الذي تنحسر قيمته بالقدر نفسه .الأنوية ظاهرة طفلية أساسا ،لانها تشكل احدى مراحل النمو .وهي تكون عقبة جدية أمام التعاطف مع الآخرين والتفاعل معهمواعتبار مصالحهم .هؤلاء يتحولون عند الأنوي الى مجرد أفلاك تدور في عالمه ،وكأن الكون قد وجد لخدمة مصالحه وتحقيق أغراضه .يستجيب الشخص الانوي عادة بعدوانية شديدة تجاه رغباته .يشعر بالحقد والغبن اذا لم تسخرله كل الأمور )(5) من خلال هذا النص نجد أن الأنوية ظاهرة طفلية وهي ترتبط أساسا بمراحل نمو الطفل وبالتالي عقله وادراكه للواقع ،فالطفل طبيعي حسب علم النفس ان يكون انويا ،لأنه يعتقد أن العالم وجد لخدمة مصالحه ،لكن الأنوية عند الطفل لا ترقى لأن تكون وعيا بالذات ،لأن الطفل لايكون في مراحله الاولى من النمو واعيا حتى بالمواضيع الخارجية،لكن الأنوية قد تكون صفة لانسان واع بذاته وبالعالم الموضوعي الخارجي وقد يبالغ هذا الانسان في الوعي بذاته وهذا ما نقصد به الأنوية المفرطة،اذ أن التركز حول الذات يعيق التواصل مع الذوات الأخرى لأن كل الأمور عند الأنوي ترجع الى الذات ،وهكذا فالآخر عند الأنوي لا أهمية له بل قد خلق من أجل خدمة مصالحه وكل انتقاد أو اختلاف للأنوي يعني محاولة تدبير مؤامرة تريد النيل منه ،والأنوية بماهي صفة غير طبيعية للانسان قد تتمظهر في أشكال عديدة في الحياة اليومية للبشرفالعلاقات العاطفية مثلا بين الجل والمرأة لا تخلو من الأنوية أحيانا،فغالبا ما تشتكي المرأة من الرجل بسبب عدم تقدير الرجل لها، او انه يريد أن يمتلكها ويجعلها سلعة بين يديه .فالتقدير الذي تقصده المرأة هنا هو نوع من الاعتراف بها كذات، لها احساس مماثل للرجل، وهذا يعني أن الرجل يعتقد أن المراة قد خلقت لاشباع شهواته وخدمة مصالحه، وهكذا يكون الرجل أنويا في علاقته مع المرأة ويقدر ذاته على حساب ذات المرأة التي يعتبرها موضوعا،لكن هذا لايعني أن المرأة قد لاتكون أنوية فقد يكون الرجل يقدرها أحسن تقدير، لكن بالرغم من ذلك تحس المرأة أنها جديرة بتقدير أكثر، وهذا يقع أحيانا لدى مجموعة من النساء. والأنوية المفرطة قد ترتقي وتصبح ايديولوجية لجماعة معينة كما هو حال الايديولوجية النازية التي تبناها هيتلر على اساس اعتقاده أن الشعب أو الخنس الآري هو الأحق بالبقاء بل ان الأجناس الأخرى قد وجدت لخدمة مصالح هذا الجنس المتفوق.وهناك أمثلة عديدة تعززانتقال الأنوية من اعتقاد فردي الى اعتقاد جماعي مثل السلفية الوهابية مثلا التي تعتقد أنها مالكة الدين الصحيح وان الجماعات الاسلاموية الأخرى ماهي الا جماعات خارجة عن الدين الصحيح وبالتالي فان منهج السلفية الوهابية هو الأحق بالاتباع .ويمكن ان نخلص بالقول الى أن الأنوي غالبا ما يشرعن العنف ويجعله مصدرا للحفاظ على ذاته التي تدبر ضدها مؤامرات .فالمهم من كل هذا هو أن الوعي المفرط بالذات يحول دون تواصل الذوات في اطار التعايش والاحترام والتقدير المتبادل . ـ الوعي بالذات والاعتراف بالآخر(الأنا الذات ـ الآخر الذات) قلنا ان الوعي بالذات يلزمه بالضرورة وعيا بالذوات الأخرى ،وهذا ما نقصد به بالوعي بالذات والاعتراف بالآخر،والاعتراف بالآخر بما هو وعي قد يتخذ أشكالا عديدة فالوعي بالذات عند الأنوي ليس وعيا طبيعا لأنه (اي الانوي) يعترف بالأخر في حدود الموضوعية وفقط (اي يعترف به كموضوع فقط لا كذات)،لكن الوعي بالآخر يلزمه تقدير طبيعي لذات الآخر وهكذا ينشأ التعايش والاحترام المتبادل أي أن الذات تتعرف على ذوات أخرى مشابهة لها من حيث البنية التحتية ومخالفة لها من حيث البنية الفوقية (نقصد هنا بالبنية التحتية الذات كوجود والبنية الفوقية ما يترتب عن وجود هذه الذات من طريقة في التفكير والاعتقاد واللغة ..) يقول هيجل في حديثه عن الحب من حيث هو تعرف لذات على ذات اخرى وتعرف للذات في الذات الأخرى (كل واحد مماثل للأخر من حيث انه يعارضه .هذا الاختلاف مع الأخر هو لذلك مساواته معه.ولهذا يكمن التعرف (..) ذلك ان معارضة تنقلب الى التماثل بالنسبة اليه ذاته أو انه مثلما يعاين نفسه في الآخر ،يعرف نفسه على أنه ذاته ) . وهكذا فتفاعل الذوات وتواصلها رهين باعتراف الذوات بعضها ببعض التي تتماهى مع الذات من حيث الوعي وتختلف معها من حيث الانفصال فالوعي ةفق هذا هو المركز الذي تتصل فيه الذوات كما يقول هيجل. وتواصل الذوات هو ما يقلص عملية التبخيس عند ذات لذات أخرى وهنا تتمثل عملية التشيء فما المقصود بالتشيء؟ يقول مصطفى حجازي: (يتعلق هذا المصطلح بعمليات التبخيس التي تصيب قيمة الانسان ،كآخر شبيه بنا ومعادل لنا في علاقة تكافؤ ،فيحل محل الاعتراف بانسانيته انهيار لقيمته في نظرنا .. الأخر يفقد صفته الانسانية ويتحول شيء،الى رمز الشر الذي يجب ابادته .. التشيء اذا على صلة بانهيار العلاقة الانسانية التي تقوم على الاعتراف بغيرية الأخر ) اذن فتشيىء الآخر هو ما يجعل الذوات تعرف تواصلا عدوانيا وهذا ما يجعل الآخر الشيء فس نظر الذات يقوم بردود فعل قد تكون عنيفة أحيانا ، فظاهرة التبخيس والازدراء ما هي الا شكل من اشكال التشيئ الذي يلحقه عنف بالضرورة اذ أن العنف هو رد فعل على تواصل غير طبيعي بين الذوات. وعلاقة الرجل بالمرأة في بعض المجتمعات لخير دليل على تشيء المرأة ،فالرجل هو الذات هو الأنا ،في حين أن المرأة هي الأخر الشرير ،الشيطان، ولهذا وجب على الرجل ان يهيمن على المرأة على كل حال حسب الاعتقادات السائدة حتى لا تنال منه.وهذا هو حال مجتمعنا للأسف الشديد فالمرأة فيه مشيئة الى درجة أن أصبحت تقبل بالوضع القائم بل انها تدافع أحيانا على تشيئها بالاستناد الى منطق ديني مغلوط تروج له بعض العقول المتحجرة والماضوية.وهكذا أصبحت المرأة دمية في يد الرجل المتخلف يفعل بها ما شاء أي أنها اصبحت موضوعا في وعي الرجل،لكن بما أن المرأة على كل حال ذاتا واعية فانها في اغلب الأحيان تقوم بردود فعل ازاء الرجل وتلتجىء الى عنف مضاد فاذا كان العنف الذي يمارسه الرجل على المرأة عنفا ماديا مباشرا فان المرأة تمارس عنفا مضادا على الرجل لكن هذا العنف يتخذ شكل عنف رمزي فتجد المرأة في الشعوذة والسحر خير وسيلة للنيل من الرجل أو تلتجىء الى الحيلة أو الى أشكال أخرى .يقول علي الوردي في هذا الصدد بالذات:(أما اليوم فقد بطل فعل السيف ،وذهب زمن العضلات المفتولة والانف الشامخ ،اذ حل محله زمان الذكاء والرأب وبراعة اليد واللسان .وبهذا خرجت المرأة تنافس الرجل في عمله ،وشعرت بانها قادرة على منافسته،فلا سيف هناك ولا مصارعة ..فهي تستطيع أن تعمل كما يعمل وأن تدرس كما يدرس أن تتحذلق كما يتحذلق ،وهي فوق ذلك تملك من سلاح العيون والنهود ما يجعله راكعا بين يديها لينشد قصائد الحب والغرام) . فالمرأة تستطيع أن تجابه الرجل في كل الميادين وأن تثبت ذاتها. فالمجتمعات التي تعرف اعترافا متبادلا بين الذوات هي التي دخلت الرقي والازدهار من بابه الواسع ،اذ أن وضعية المجتمع رهينة بنوع العلاقات السائدة والقيم السائدة، فيه ووضعية المرأة في مجتمعنا لخير دليل على ذلك . ـ الوعي بالذات الجماعية (من الوعي الفردي الى الوعي الجماعي ) نقصد بالذات الجماعية مجموعة من الأفراد يعيشون في نفس الوضعية ،وتربطهم نفس الظروف والمصالح المشتركة ونفس المصير... وهكذا فان الذات الجماعية يمكن ان تكون فئة،طبقة،شعب،أمة والمهم ان الذات الجماعية ماهي الا اتحاد مجموعة من الذوات في أطار معين. ووفق هذا المنظور فانه بالضرورة كي يكون هناك وعي بالذات الجماعية لابد ان يسبقه وعي بالذات عند كل فرد . فالوعي النقابي لم يكن في الأصل الا اتحاد لوعي كل عامل على حدة ،اذ أن كل عامل وصل الى أن النضال الفردي لا يكون له جدوى اذا ما أراد تحسين ظروف عمله ،لهذا اتحدت الارادات الفردية لتؤسس نقابة عمالية لها هدف جماعي وهذا الهدف الجماعي ينعكس على كل فرد ليحقق مصالحه المادية والمعنوية.وهناك أمثلة عديدة لانتقال الوعي بالذات الفردية الى الذات الجماعية فالنقابات الطلابية والجمعيات الثقافية والنسائية ماهي أدلة واضحة لانتقال هذا الوعي،وكذلك فالمقاومة المسلحة ما هي الا نوع من الوعي بالذات الجماعية. كيف تنشأالمقاومة ،وكيف ينتظم المقاومون في اطار جيش للتحرير أو مقاومة مسلحة؟ في البداية لا بد ان نشير الى ان أي استعمار لشعب معين عبر التاريخ الا وقد عرف مقاومة وهذه المقاومة ما هي الا نوع من الوعي بالذات(مصالح، استغلال..)وغالبا ما تبدأهذه المقاومة من أفراد معينين يكون لهم دور القيادة والكاريزمية لينشأ تنظيم مسلح يعلن عن نفسه لغرض التحاق الآخرين بنفس التنظيم ومقاومة اهل الريفيين للاستعمار الاسباني مثلا بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي لخير دليل على هذا. والخلاصة أن المقاومة ما هي الا تكافل جهود مجموعة من الأفراد الواعون بذاتهم وبمصلحتهم الجماعية ،اذ ان الذات المقاومة تشعرأن المستعمر يعتبر شعبها موضوعا وجد من أجل خدمة مصالحه وهكذا يكون رد الفعل ازاء هذا الاحتقار والازدراء ،اذن فالوعي بالذات الجماعية ما هو الا انعكاس للوعي بالذات الفردية. الوعي بالذات هو المعبر الحقيقي عن انسانية الانسان، وقد صدق ديكارت عندما قال ان الوعي بالذات هو عماد كل معرفة اذ أن المعرفة تنشأ بوعي الذات الذي يلحقه وعي بالذوات الأخرى وبالمواضيع الخارجية .
المراجع المعتمدة في هذا البحث: ـ تساؤلات الفكر المعاصر:ترجمة محمد سبيلا ـ مصطفى حجازي :التخلف الاجتماعي ،مدخل لدراسة سيكولوجية الانسان المقهور ـ العلم والتقنية كايديولوجيا:يورغن هابرماس ـ علي الوردي: مهزلة العقل البشري ـ الفلسفة الحديثة: محمد سبيلا وعبد السلام بن عبد العالي
#محمد_انعيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبد الله بن سبأ في شمال افريقيا دراسة تحليلية لنظرية المؤامر
...
-
العلمانية
المزيد.....
-
بوتين يكشف عن معلومات جديدة بخصوص الصاروخ -أوريشنيك-
-
هجوم روسي على سومي يسفر عن مقتل شخصين وإصابة 12 آخرين
-
طالب نرويجي خلف القضبان بتهمة التجسس على أمريكا لصالح روسيا
...
-
-حزب الله-: اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية مع ال
...
-
لبنان.. مقتل مدير مستشفى -دار الأمل- الجامعي وعدد من الأشخاص
...
-
بعد 4 أشهر من الفضيحة.. وزيرة الخارجية الألمانية تعلن طلاقها
...
-
مدفيديف حول استخدام الأسلحة النووية: لا يوجد أشخاص مجانين في
...
-
-نيويورك تايمز- عن مسؤولين: شروط وقف إطلاق النار المقترح بين
...
-
بايدن وماكرون يبحثان جهود وقف إطلاق النار في لبنان
-
الكويت.. الداخلية تنفي شائعات بشأن الجنسية
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|