عمر أبو رصاع
الحوار المتمدن-العدد: 1731 - 2006 / 11 / 11 - 08:57
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(7) قوانين المادية الجدلية .....(3) قانون نفي النفي
The Negation of the Negation
استذكار ومراجعة :
ذكرنا فيما سبق أن المادية الديالكتيكية تنطلق من أن جوهر التطور نابع من قانون وحدة و صراع الاضداد
ان التطور هو صراع الاضداد(1)
وبينا مضمون القانون الثاني حيث أن صراع الاضداد وهي في حالة الوحدة يؤدي لتغيرات كمية مع استمرار الحالة المهيمنة طالما إلى أن تتراكم هذه التغيرات هذه التغيرات الكمية لتبلغ حد المعيار اللازم لحدوث التغير النوعي ، وأن هذه التغير النوعي الناجم عن بلوغ التغيرات الكمية المتراكمة لحد المعيار يحدث على شكل طفرة مفاجئة ، لكن ما لم يتوضح معنا حتى الآن هو كيف يكون شكل النتيجة ؛ أي كيف يكون شكل الظاهرة أو المادة بعد حدوث التغير النوعي كيف يتحدد هذا الشكل؟
إن التطور كحركة ليس حركة صاعدة رأسيا بشكل خطي ، هذا يجعل قراءة النماذج التطورية مسألة معقدة وهو تماما ما كان يجعل القدرة على قراءة التطور نفسه مسألة غير ممكنة لأن هذا التطور لا يأخذ شكل الحتميات المتسلسلة البسيطة بل المعقدة التركيب ، فإنجاز كل خطوة نحو الامام يتخلله أحيانا كثيرة خطوات جزئية معاكسة لا تجعل النمط المدروس قابل للخضوع لرؤية تطورية حتمية متسلسلة وبسيطة.
إن الأضداد التي هي محتوى الظاهرة تتواجد داخل الظاهرة بشكل معين ، إن الظاهرة هي الشكل الذي تتموضع فيه الاضداد بكيفية معينة، ما معنى هذا؟
معناه أن هذه الكيفية التي تتواجد فيها الأضداد معا هي التي تحدد شكل الظاهرة ، لننتبه "الكيفية" التي تتواجد فيها الأضداد معا ، نظريا نقول إذن ما يلي:
الظاهرة : هي مجموعة أضداد تتواجد معا بشكل معين يعطي الظاهرة معناها.
المدرسة هي عبارة عن مبان مقسمة لصفوف وإدارة فيها مواد تعليمية وتلاميذ وكنتين ومدرسين ولها مواعيد عمل ومواقيت للحصص............الخ هذه العناصر معا تتركب لتكون ظاهرة هي المدرسة .
ماذا لو تغير تركيب الأضداد الكونة للظاهرة أي ظاهرة ، إنها أشبه بأحجيات تراكيب الجزيئات الكيميائية H2O جزيء ماء لكنه ليس H3O ولا HO وهو أيضا ليس H2+Oولا H+H+O
جزيء الماء هو تماما H2O
قد نسأل وهنا يجب أن نسأل كيف ولماذا يتغيرمادام تركيب الظاهرة ثابت؟
سؤال منطقي وفي مكانه هذه الظاهرة الجزئية بدورها هي اضداد أيضا في تركيب ظواهر أكبر فجزيء الماء مثلا يدخل في كل شيء تقريبا ما من ظاهرة من جسم الانسان للماء ......الخ إلا وتجد فيها جزيء الماء. الوجود كله هو أكبر ظاهرة ثم نستطيع أن نواصل تتبع سلاسل الظواهر بدون توقف ، لكن ما نلحظه من دراستنا لهذه الظاهرة كليا وجزئيا أنها ليست ثابتة ليست في حالة سكون ، هذا ما هدى الانسان للتتبع القوانين واشتقاقها لأنه يريد فهم حركة وصيرورة المادة، لقد فهم الانسان إذن أن الظواهر الأصل فيها اللاسكون الحركة الدائمة ثم اكتشف أن هذه الحركة الدائمة ليست اعتباطا بل هي نتاج صراع داخلي لأضداد فبدأ عملية اكتشاف قوانين هذا الصراع على مستويات المادة المختلفة .
النتيجة تراكم المعارف الانسانية ، تراكم العلوم بالذات وعلى وجه الخصوص ، إلا أنه كان لدينا حصيلة علمية ضخمة من القوانين تفسر جزئيات الظواهر وصيرورتها ، أما في دراسة الظواهر الكلية المجتمع والتاريخ بقيت نظرية المعرفة تخضع التفاسير الفلسفية أو الدينية المنفصلة عن حركة العلوم.
من هنا تنبع أهمية المادية الجدلية إنها محاولة علمنة فهم الوجود وبالذات المجتمع وحركة التاريخ.
لاحظنا قانون وحدة وصراع الأضداد ، قانون يعمل في كل الظواهر إن حركة الظواهر هذه لا تفسر إلا بفهمنا لمكونات الظاهرة اي الأضداد الداخلة في التركيب ومن ثم فهمنا الجيد للكيفية التي تترتب بها الظواهر لتكون الظاهرة في هذا الشكل وبالتالي نستطيع أن نحدد التغيرات الكمية ومن ملاحظتنا لأن هذه التغيرات الكمية تتراكم تبعا لقوة الصراع وطبيعة الظاهرة عرفنا بأنها تنتج تحول كيفي – نوعي عند حد معين ، أي أن الظاهرة كلها تأخذ شكلا جديدا تماما تعود الأضداد لتتركب فيها بكيفيات جديدة وبالتالي فالظاهرة تأخذ شكلا جديدا فالغاز ليس هو الماء والماء ليس هو الجليد .
تبقى إذن حركة تطور الظاهرة ، ما المقصود بحركة تطور الظاهرة؟
هذا تماما ما يبين عنه قانون نفي النفي.
(3) قانون نفي النفي
يفيدنا قانون نفي النفي أولا بأن حركة التطور ليست حركة خطية بل حركة لولبية وإن كانت هذه الحركة اللولبية لها محور رأسي يتجه للأمام وأعلى دوما في سلم التطور
إن تصور حركة التطور الصحيح ليس كحركة خطية وإنما كحركة لوبية ؛ حيث الظاهرة في حركتها تعود إلى النقطة التي انطلقت منها لكن في مستوى أعلى(2)
من أين يأتي القول بالحركة اللولبية للتطور الظواهري؟
إن حركة التطور هي عبارة عن سلسلة تناقضات (series of contradictions)حيث يتم تجاوز المراحل إلى مراحل جديدة لكن المراحل مثل الحلقات تتداخل إن فصل كل حلقة على حدا مسألة شبه مستحيلة!
إن باستطاعتنا تميز الحلقة من خلال ذلك التركيب الذي تهيمن عليه تشكيلة معينة لكننا لا نسطيع الزعم أن الحلقة مستقلة تماما لا عن الحلقة التي تسبقها في السلسلة ولا عن الحلقة التي تليها ، مع ذلك هذا لا يمنع أنها هي حلقة لوحدها.
إننا لو ركزنا انتبهنا على إحدا الحلقات نجدها متداخلة مع حلقة سابقة وحلقة لاحقة ، هذا تماما هو شكل الظاهرة وهي تحوي في رحمها نقائضها ، من الصعب أن يتضح هذا أمامنا إذن ولو أردنا القياس على مثال عملي إجتماعي أخذنا أي تشكيلة إجتماعية إقتصادية الإقطاع كمثال:
في الحالة الإقطاعية النموذج السائد في الظاهرة الإجتماعية هو نموذج الإنتاج الإقطاعي طبقة أرستقراطية صغيرة مالكة للأرض الزراعية التي هي عصب عملية الانتاج مزارعين أقنان يمثلون الاغلبية لكن هناك أيضا عبيد من مخلفات مرحلة أسبق وهناك نشاط تجاري يتبرعم وبداية لصناعة المنيفاتورة لكن هذا لا يمنع أن الوصف الذي ينطبق على التشكيلة هو أنها الإقطاع لأن هذا هو النمط المهيمن على التشكيلة.
إن الانتقال الذي يتم من مرحلة لأخرى هو عملية نفي للمرحلة السابقة لكنه نفي ديالكتيكي (نفي جدلي) إن ظاهرة التحول من نمط الانتاج الإقطاعي لنمط الإنتاج الرأسمالي هي عملية نفي ديالكتيكي لأن التغيرات التي راحت تتكرس ببروز النمط التجاري وتراكم الرأسمال التجاري وبداية الصناعة راح يحول معه النمط تدريجيا لصالح الانتاج الرأسمالي ضد النمط الانتاج الاقطاعي إنه وهو يهيمن – أي النمط الرأسمالي- يقوم بعملية نفي للنمط السابق وهو الإقطاعي ، وما أن يدخل المجتمع النمط الرأسمالي حتى يتحول شكل الظاهرة التي هي التشكيلة الاجتماعية الإقتصادية هنا ويسود الشكل الانتاج الرأسمالي إلا أن هذا لا يمنع أن نجد على ضفافه نمط إنتاج إقطاعي هو من مخلفات أسلوب الإنتاج السابق لكنه لا يمثل ظاهرة مهيمنة.
لماذا نقول نفي جدلي؟
نقول نفي جدلي لأن الحالة المهيمنة السابقة تتحول إلى ضد سلبي في شكل الظاهرة الجديد والضد الإيجابي في الظاهرة السابقة صار حالة مهيمنة وولد ضد إيجابي جديد من رحم شكل الظاهرة الجديدة.
لنحاول تطبيق ذلك على النمط الذي اخترناه
حسب المخطط (أ)إقطاع -(ب) رأسمالية -(ج) شيوعية
كل منها يحتوي لو اردنا تبسيط الأضداد:
(1) ضد سلبي (2) حالة مهيمنة (3) ضد إيجابي
الحلقات كما في الترتيب السابق من خلال النقائض التي في داخلها:
(أ)(1) شكل انتاجي عبودي (2) طبقة ارستقراطية تملك الأرض الزراعية المنتجة (3) ولادة الصناعة
(ب)(1)بقايا طبقة استقراطية تملك مساحات ارض واسعة(2) طبقة برجوازية تملك رأس المال الصناعي المنتج الرئيسي (3)خميرة ثورية بروليتارية ونقابات مناضلة
(ج)(2) الملكية العامة لوسائل الانتاج
لاحظ التحولات التي تحدث بالانتقال من حلقة لأخرى ، كلما كان التوجه تطوريا من حلقة لأخرى خرج النقيض السلبي الذي يشد للخلف أي يختفي من الوجود تماما ، الحالة المهيمنة في الحلقة الأولى تصبح ضد سلبي في الثانية والضد الإيجابي في الحلقة الاولى يصبح حالة مهيمنة في الحلقة الثانية ومن طبيعته هو ينتج ضده الإيجابي وهكذا دواليك هذا طبعا تبسيط شديد للمسألة لكنه يعطي تصورا أوليا جيدا.
يركز إنجلز كثيرا على قانون نفي النفي في رده على دوهرين من خلال الأمثلة الطبيعية ربما من اوضحها ما سرده في عالم الحشرات عن الفراش :
إن عملية خروج الشرنقة من البويضة هي عملية نفي لمرحلة البويضة ، ثم تبدأ مرحلة تراكم كمي جديدة إلى ان تنضج الفراشة جنسيا وتصبح مؤهلة للتزاوج فيتم التزاوج لتضع البيض وتموت نافية النفي(3)
هكذا فعملية التطور هي سلسلة لامتناهية من نفي النفي ، الذي ليس رجوعا للوراء وإنما نفي إيجابي لأن إتجاه المحصلة له دوما للأمام وأعلى أي إتجاه تطوري.
(يتبع)
ملحوظة : الحلقات الكاملة للمدخل إلى الفلسفة المادية بشقيها موجودة على موقعي في الحوار المتمدن http://www.rezgar.com/m.asp?i=479
================================================================
(1) لينين، فلاديمير إيليتش ، مختارات، الطبعة الانجليزية، م 11 ص 81 - 82.
(2)Sewell, Rob, 2002, What is dialectical materialism? - A study guide with questions, extracts and suggested reading
(3) إنجلز، فريدريك ، ضد دوهرين ، سبق ذكره
#عمر_أبو_رصاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟