أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مدن فاتنة وهواء طائش/ أيوا البحث عن إيقاع ما















المزيد.....


مدن فاتنة وهواء طائش/ أيوا البحث عن إيقاع ما


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 7735 - 2023 / 9 / 15 - 12:56
المحور: الادب والفن
    


الأيام الأولى

1

ها أنذا في نصف الكرة الغربي.
بعد خمس سنوات من عودتي إلى الوطن، أسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
أجلس في مطار جون كنيدي في نيويورك، في انتظار الطائرة المغادرة إلى سانت لويس.
لو عُرضت عليّ هذه الرحلة في زمن سابق، زمن المبالغة في الحماس لكل ما هو إيديولوجي، لرفضتها! ها أنذا أقبل دعوة من منظمة أمريكية تقع على النقيض من قناعاتي! فهل يعني هذا أنني تغيرت!
أجلس ساكناً في المطار، أتأمل ما حولي بنوع من الهدوء، فأنا قادم من منطقة لا تعرف الهدوء. تصعد في السماء ببطء، شمس مجللة بقطع متناثرة من الغيوم. ثمة برودة غير محببة، وأشعة الشمس التي تخترق الواجهة الزجاجية العريضة لا تشي بأنها قادرة على تبديد البرودة. أجلس مرهقاً من ساعات الطيران التي قاربت إحدى عشرة ساعة، وأبدو متبلّد الأحاسيس، لا أرى شيئاً مفاجئاً حتى هذه اللحظة! (كأن المفروض أن أجد المفاجآت أينما اتجهت! أو كأن المفروض أنني كولومبوس جديد!)
أنا الآن في أمريكا. يروق لي هذا السفر، ثمة فرصة لمشاهدة مناطق جديدة في هذا العالم، للتعرف إلى أناس جدد. ثمة فرصة للتأمل في رحلتي الخاصة، للدخول إلى مجاهل نفسي، لعلني أستطيع التعرف إليّ. تتردد في ذهني نتف من أفكار وتصورات قديمة وجديدة، أقصيها لحظات وأنا أتابع امرأة فلسطينية في الأربعينيات، تضع على رأسها إيشارباً أبيض، تتحدث الانجليزية بطلاقة، تشع من عينيها علامات ذكاء وثقة بالنفس، من حولها خمسة أولاد وبنتان، تتراوح أعمارهم بين العاشرة والعشرين. يتحدثون الانجليزية بطلاقة، وفيهم من رشاقة أمهم وذكائها قدر ما. (أعجبت بالمرأة الواثقة من نفسها، ورحت أتذكر صادق جلال العظم وهو يعلق آمالاً على مسلمي أوربا وأمريكا، لعلهم يقدمون صورة جديدة حضارية عن الإسلام بسبب امتزاجهم بالحضارة الغربية وتشرب قيمها إضافة إلى قيمهم الأصلية) ثمة امرأة فلسطينية أخرى، في الثلاثينيات من عمرها، لا تفتأ بين الحين والآخر، تنادي طفلها الذي يتفلت من بين يديها مبتعداً: تعال يا عمّار! يتلفت بعض الإسرائيليين ممن كانوا على الطائرة نفسها، وها هم أؤلاء يجلسون في انتظار مواصلة الرحلة، يتلفتون نحو المرأة بفضول، لأن اسم ابنها كما يبدو يثير في نفوسهم هاجساً ما. والأم تواصل رفع صوتها منادية "عمّار"، طالبة منه عدم الابتعاد منها. كان قصدها بريئاً بطبيعة الحال.
تمتلئ الصالة بالمسافرين إلى سانت لويس.
خليط من البشر من مختلف الأعمار والألوان، وأنا لا أتوقف عن اجترار أفكار وتصورات غير مترابطة، والشمس ترسل أشعة فاترة من خلف الزجاج، ولا أعرف حتى هذه اللحظة ما الذي تفعله مدينة نيويورك في هذا الصباح المبكر. في أحد ممرات المطار، رأيت صورة لمبنى الأمم المتحدة. تحته تعليق لم يجتذبني: تعال إلى الأمم المتحدة لترى كيف يُصنع السلام! ذكّرني الإعلان بأن ثمة حروباً عديدة تندلع الآن في عالمنا، من بينها الحرب التي تدور ضد الشعب الفلسطيني، بشتى الوسائل والأشكال.
حتى الآن لم تتحرك في نفسي عناصر الدهشة، ربما لأنني لم أعد طفلاً ينبهر بالمدن والمطارات، وربما لأنني اعتدت كثرة السفر ودخول المطارات والخروج منها. لكنها أمريكا التي تأتي إليها الآن! أمريكا بكل ما في الذهن من تصورات عنها وأفكار.


2

استيقظت في الخامسة والنصف صباحاً.
نمت عشر ساعات متواصلة. نهضت مبكراً على غير عادتي في الصباح.
أزحت ستارة النافذة. الظلمة ما زالت تخيم على المكان. ثمة تلال خفيضة تحيط بالمبنى، تلال مليئة بأشجار حرجية متكاثفة، ونوافذ المبنى كلها سادرة في الظلمة والصمت. ليس ثمة سوى نافذة واحدة مضاءة لسبب ما. كان المشهد الصامت السابح في العتمة مثيراً لمشاعري. أنا الآن على بعد آلاف الأميال من بيتي. تذكرت الرحلة الطويلة المتعبة: أربع عشرة ساعة من السفر في ثلاث طائرات. لم أجد أحداً ينتظرني في مطار سيدار رابيدس، لم أتفاجأ، فمثل هذا الأمر يحدث أحياناً. اتجهت إلى موظفة الاستعلامات في المطار، أعلنت الموظفة في المايكروفون عن وصولي. جاءت امرأة تعمل سائقة تاكسي ومعها قائمة بأسماء الكتاب الضيوف. كان اسمي بين الأسماء، نقلتني في سيارتها إلى سكن الطلاب والطالبات التابع لجامعة أيوا. اسم البناية الضخمة ذات الطوابق الثمانية، التي يتشكل منها السكن، "مي فلور" (زهرة أيار). استغرقت الرحلة من المطار إلى السكن خمساً وعشرين دقيقة. على جانبي الشارع تمتد مساحات من الحقول الخضراء وجمهرات الشجر. الطقس صيفي حار إلى حد ما والمنطقة هادئة، كنت أردد في داخلي بين الحين والآخر: ها أنذا في أمريكا! ولم يكن ذلك أمراً سيئاً.
جاء الرجل المكلف بانتظاري في المطار. التقاني في الطابق الأرضي من سكن الطلبة، وجدني جالساً بالقرب من حشد من الطلبة والطالبات. تلبسني إحساس بأنني طالب في الجامعة، أبهجني هذا الشعور إلى أن جاء الرجل. قال إنه انتظرني هناك. لم أناقشه في الأمر، إذ يبدو أنه وصل متأخراً إلى المطار ولم يجدني. أخذني إلى الغرفة التي تحمل الرقم 829 في الطابق الثامن من المبنى. كان المبنى مثل خلية نحل. الطالبات والطلبة الذين عادوا إلى الجامعة بعد عطلة الصيف، ينقلون أمتعتهم إلى غرفهم من دون توقف، الطلبة يصخبون والطالبات يمضين إلى غرفهن بعفوية محببة. بدا المشهد ممتعاً.
تأملت الغرفة المخصصة لي، في الحقيقة هي أكثر من غرفة، يمكن القول غرفتين، أو غرفة ونصف ضمن شقة بمدخلين، إن أردنا الدقة: غرفة نوم وبجوارها غرفة أخرى صغيرة فيها مكتب مستطيل، من المتوقع أنني سأستخدمه للكتابة. في الغرفة سرير عادي، ذكرني بأيام الشباب حينما كنت أسكن وحيداً أثناء عملي مدرّساً في القرى والمدن البعيدة، ولم يكن الأمر سيئاً. ثمة فرصة لتجديد شبابي وأنا في السابعة والخمسين من العمر، وكنت راغباً في ذلك. في الغرفة أيضاً، كرسي متحرك، تلفاز ما زال محفوظاً في صندوق من الكرتون، بوفيه مكون من جوارير عديدة، وخزانة في الحائط للملابس. ثمة مطبخ وحمام من المفترض أن ضيفاً آخر يسكن في الجانب الآخر من الشقة سيشارك فيهما، ولم يرق لي أمر هذه الشراكة.
كنت الضيف الأول الذي يصل إلى هذا المكان. أخبرني الرجل إياه أن عدد المدعوين هذا العام تسعة عشر كاتباً وكاتبة. (في سنوات سابقة كان العدد أكبر من هذا بكثير) دلني الرجل على سوبر ماركت في الطابق الأرضي من المبنى، ذهبت إليه. السوبرماركت خاص بصندوق الطلبة وهم الذين يديرون شؤونه. ثمة طالبات وطلاب يقومون بعمليات البيع. وجدت الأمر مسلياً، وها أنذا أبدأ علاقات جديدة، بسيطة. اشتريت جبناً وخبزاً، اشتريت بسكويتاً وسكراً وموزاً، وعدت إلى الغرفة. رتبت ملابسي في الخزانة، أكلت شيئاً من الخبز والجبن، ثم جلست لكي أستريح. هبطتُ مرة أخرى إلى السوبرماركت، اشتريت محارم ورقية ومياهاً معدنية وصابوناً. سأعيش في هذا المكان ثلاثة أشهر، شعرت بسرور ممزوج بشيء من الأسى الغامض، (قيل لي فيما بعد، إن أحد أقاربي توقع أن أعود إلى البلاد ومعي زوجة ثانية، شقراء أمريكية!) قلت في نفسي: ليس ثمة سرور مكتمل! أو على الأقل، هذا ما يحدث لي غالباً.
سمعت طرقات خفيفة على الباب. ثمة شاب ضخم الجثة يحمل أوراقاً في يده، اعتقدتُ أنها أوراق يانصيب. تحدث الانجليزية بلكنة لم أفهم منها شيئاً، تظاهرت بأنني فهمت ما قاله، قلت له إنني لا أريد شيئاً. اعتذر ومضى. أغلقت الباب وشعرت بالقلق: كيف يستطيع شخص لا علاقة له بهذا المبنى أن يدخله بمثل هذه البساطة، ويصعد إلى الطابق الثامن من دون أن يعترض سبيله أحد؟ طافت بذهني الأخبار التي سمعتها من قبل عن لصوص المدن الأمريكية. أقنعت نفسي بأن لا ضرورة للقلق، لأن النهب في مثل هذا المكان غير واقعي. (أو على الأقل هذا ما ينبغي أن يكون)
ابتعدت عن النافذة، ولم أشأ الاستمرار في استعراض الوقائع الصغيرة التي صادفتني منذ وصولي يوم أمس إلى هذا المكان. أخذ الفجر يشق طريقه بسهولة فوق التلة المجاورة. حلقت ذقني واغتسلت، غليت ماء في الإبريق، جهزت لنفسي كأساً من البابونج. (أحضرت معي كمية من البابونج والنعناع والميرمية) لم أجد ملعقة صغيرة في المطبخ، سأستكمل مثل هذه الأشياء فيما بعد، ولم أكترث كثيراً للأمر، فأنا ساكن جديد. تناولت فطوراً بسيطاً: جبناً وخبزاً وبضع قطع من البسكويت.
الساعة تقترب من السابعة والنصف صباحاً. سأقرأ قصة قصيرة باللغة الانجليزية في كتاب اشتريته أمس من مطار سانت لويس، يتضمن عشرين قصة قصيرة أمريكية، ثم أخرج لمقابلة المرأة المسؤولة عن برنامج الكتابة الدولي، الذي جئت إلى هنا للمشاركة فيه.

3
عدت إلى غرفتي في الثانية والنصف بعد الظهر، تناولت وجبة خفيفة. حاولت أن أطبخ صحناً من الشوربة، كنت اشتريت كيساً فيه قطع صغيرة يابسة من الخبز، حينما وضعتها في الماء الساخن، تحولت إلى ما يشبه العجين، فلم تعجبني، تناولت منها بضع لقيمات ثم قذفت بالباقي في سلة المهملات.
غفوت قليلاً في السرير. سمعت طرقات على الباب، كانت ماري نازاريث المشرفة الإدارية لبرنامج الكتابة، تحمل بين يديها ملفات خاصة بالكتاب الضيوف، أعطتني الملف الخاص بي. قلت لها: أحب أن أكون وحدي في هذا السكن. قلت: لن أتمكن من الكتابة طالما كان هنالك شخص آخر في المكان. أبدت تجاوباً مع طلبي، نزعت اسم الكاتب القادم من غانا عن الباب، وثبتته على باب آخر في المكان الفسيح الذي يتسع لعدد كبير من الكتاب.
قبيل المساء، خرجت للتمشي في الشارع وفي متنزه الطاحونة المحاذي للسكن الجامعي. كانت حرارة الشمس قوية لاذعة. ثمة مجموعة من الطالبات والطلبة يشوون لحماً على النار، يلتهمونه بشهية، ويشربون البيبسي كولا ابتهاجاً ببدء العام الدراسي الجديد (أو هذا ما اعتقدته). دعوني لتناول الطعام معهم، أكلت ساندويشاً وأنا أستمع إلى أحاديثهم وأتبادل معهم حديثاً مقتضباً، لم يكن لديهم فضول زائد لكي يسألوني أية أسئلة، ربما شعروا بشيء من التحفظ لأنني لست مجايلاً لهم. شكرتهم على حسن الضيافة، ثم مضيت مبتعداً وأنا موقن أن للعمر أحكاماً لا يمكن التملص منها.
عدت إلى غرفتي. شاهدت التلفاز، برامج خفيفة ومقابلات. ثمة تعليقات على قصف الطائرات الأمريكية لمواقع في السودان وأفغانستان رداً على عمليات التفجير التي طالت السفارة الأمريكية في كل من نيروبي ودار السلام. تبدو قضايا العالم باهتة على شاشة التلفاز. ثمة الكثير من الدعاية والكثير من الكلام الخفيف الذي لا يرسخ في الأذهان.

4

وصلت كاتبة شقراء من روسيا، اسمها أولغا موخينا. سكنت في الشقة المجاورة لي مع كاتبة روسية أخرى. أولغا لا تعرف من اللغة الانجليزية سوى بضع كلمات. جرى تعارف سريع بيننا ثم افترقنا.
ذهبتُ إلى مبنى كلية اللغة الانجليزية، مشيت حوالي كيلومترين، شعرت بمتعة المشي وأنا أجيل النظر في البيوت المغتبطة بهدوئها، المحاطة بالأشجار وبالحدائق. قابلت الدكتورة كارولين براون، (تجاوزت الخمسين من عمرها كما قدرت) وجدتها غاطسة في مكتبها المليء بالأوراق والملفات، أخبرتني أنها قرأت القصتين المترجمتين إلى اللغة الانجليزية، اللتين أرسلتُهما من قبل إلى الجامعة. قالت إنها أعجبت بالقصتين، ولم أجزم أنها لم تكن تجاملني. (عادت إلى ذهني أجواء جامعة دمشق وأنا طالب فيها، في العشرين من العمر، وكان هذا أمراً ممتعاً) التقيت هناك بإحدى المشرفات على البرنامج، اسمها رووينا نوريفالس، وكذلك بزوجها، وهما من الفيليبين، لكنهما مواطنان أمريكيان الآن. تبادلنا بضع كلمات وافترقنا. (أتعرف إلى أناس كثيرين في وقت قصير! هذا مرهق للذاكرة، مثير للفضول في الوقت نفسه)
اتجهتُ إلى مكتبة بريري لايتس، أهم مكتبة في أيوا. اشتريت مجموعتين من القصص القصيرة جداً. اغتبطت بذلك لأنني أكتب القصة القصيرة جداً منذ سنوات، وما زلت أصطدم ببعض النقاد الذين لا يعترفون بهذا اللون من الكتابة القصصية. صعدت إلى مقهى تابع للمكتبة في الطابق الثاني. جلست هناك أكثر من ساعة، شربت علبة بيبسي كولا، وقرأت شيئاً حول القصة القصيرة جداً. مقدمة أحد الكتابين تتحدث عن مواصفات للقصة القصيرة جداً، تنطبق بشكل أو بآخر على القصص التي كتبتها. أفرحني ذلك.
غادرت المقهى وتمشيت في شوارع المدينة. غالبية الذين يمشون في الشوارع هم طلاب وطالبات، نصف عدد سكان المدينة تقريباً هم من الطلبة الذين يأتون إلى جامعة أيوا من مختلف المدن الأمريكية ومن بعض بلدان العالم. اشتريت بعض احتياجاتي من سوبرماركت، في الطابق الأول من مجمع تجاري في مركز المدينة. صعدت إلى الطابق الثاني من المجمع، وجدت ثلاث قاعات للعروض السينمائية. اشتريت تذكرة ودخلت للتفرج على فيلم "شيء ما عن ماري"، ويبدو أنني دخلت خطأ إلى فيلم آخر، فيلم بوليسي يعتمد على المؤثرات الضوئية والحركة الصاخبة والغموض. لم ألمس أي مضمون جدي في الفيلم. مع ذلك، ثمة إشارة إلى احتمال توجيه التهمة لشخص فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة، بإطلاق النار على ملاكم. حتى في هذا الميدان يُلاحَقُ الفلسطيني بالتهم!

5

نمت حتى التاسعة والنصف صباحاً.
في الليل، حلمت أنني أقف في الساحة الواقعة أمام دارنا العتيقة، التي يقيم فيها أبي الطاعن في السن ومعه أمي. حلمت أن الحفيد "محمود" البالغ من العمر ست سنوات، يقف على السور المحاذي لمخزننا الشرقي، فتحت ذراعيّ لكي أتلقفه وهو يقفز من على السور في اتجاهي، فلم أتمكن من الإمساك به قبل أن يسقط على الأرض. صحوت من نومي متكدراً، أصابني الأرق بسبب خشيتي من حدوث مكروه لأحد أفراد العائلة، ما سيضطرني إلى قطع الرحلة والعودة إلى البيت. رحت أستعرض مرة أخرى حلمي المزعج، لاحظت أن أحلامي الليلية تتخذ من الوطن مصدراً لها. (فيما بعد ستقول لي كانغ هان الكورية إن أحلامها تتخذ من موطنها، من مدينة سيؤول بالذات، مسرحاً لأحلامها التي يتم التعبير عنها باللغة الكورية! أولغا الشقراء التي يفصلني عنها حائط، لم تذكر شيئاً عن أحلامها) بعد ساعة تقريباً عدت إلى النوم.
استيقظت على صوت دقات خفيفة على الباب.
أخبرتني ماري نازاريث أن الحافلة ستتحرك بعد عشرين دقيقة نحو الجامعة.
اغتسلت بسرعة، ولم أحلق ذقني. ارتديت ملابسي، ولم أتناول أي طعام.
لأول مرة، منذ جئنا إلى أيوا، نلتقي في إحدى قاعات الجامعة. كان ذلك بعد أيام قليلة من وصولي إلى هنا. تحدث عدد من العاملين في برنامج الكتابة الدولي، رحبوا بنا بأسلوب بسيط حميم، ثم جاء دور الكاتبات والكتاب لكي يقدموا أنفسهم بكلمات قليلة. كنت المتحدث الأول، ربما لأنني أكبر الكتاب سناً. تحدثت عن نفسي قليلاً، ثم انتقدت تغييب اسم فلسطين من البطاقة التي سُلِّمتْ لي ووضعتها على صدري. فقد كتب في البطاقة تحت اسمي: الضفة الغربية، وبدا الأمر كما لو أنه مقصود. بعد ذلك، أخذ اسمي يظهر مع اسم فلسطين.
تناولنا طعام الغداء في مطعم بالجامعة، هناك أكملنا النقاش حول أنشطتنا اللاحقة. ثمة كاتب اسرائيلي مدعو للمشاركة في البرنامج اسمه ييغآل سارنا، تبادلت وإياه بعد الغداء بضع كلمات ثم افترقنا. ربما لاحظ أنني اختصرت الكلام معه أكثر مما ينبغي، لكنني لم أقصد ذلك، لم أفكر بأن أتخذ منه موقفاً سلبياً، وقد بدا معنياً بأن يتحدث معي من دون تحفظ. ذهبت إلى مكتبة الجامعة، انبهرت وأنا أرى مئات آلاف الكتب على الأرفف في القاعات الفسيحة.(فيما بعد قالت لي إحدى العاملات في المكتبة إنها تشتمل على ثلاثة ملايين كتاب) بقيت فيها حوالي ساعتين، قرأت شيئاً عن أدب الأطفال، عن القصة القصيرة، قرأت نصاً مسرحياً فكاهياً، ثم غادرت المكتبة وأنا واقع تحت تأثير موجة مفاجئة من الإحباط لا أدري كيف تسللت إلى صدري. (ربما أسهمت في ذلك، كثرة الكتب التي أحتاج إلى مائة سنة لقراءة جزء يسير منها) سرت على رصيف الشارع المؤدي إلى السكن الجامعي، تابعت السيارات الفاخرة وهي تجتاز الشارع وفي داخلها نساء ورجال، قدرت أنهم يكسبون عيشهم بسهولة ويسر، وأنهم مرتاحون في حياتهم، مطمئنون في بلادهم. عدت إلى غرفتي.
يتبع...



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدن فاتنة وهواء طائش/ يوم الورود في أمستردام
- مدن فاتنة وهواء طائش/ أيام هادئة في مولدي
- مدن فاتنة وهواء طائش/ رام الله التي هناك
- قالت لنا القدس/ شهادة: أنا والمدينة18
- قالت لنا القدس/ شهادة: أنا والمدينة17
- قالت لنا القدس/ شهادة16
- قالت لنا القدس/ عن القدس وبرلين15
- قالت لنا القدس/ عن بيت السكاكيني14
- قالت لنا القدس/ عن الفنان عادل الترتير
- قالت لنا القدس/ عن الفنان المسرحي فرنسوا أبو سالم12
- قالت لنا القدس/ عن المدينة والثقافة والتراتب الاجتماعي11
- قالت لنا القدس/ عن شارع صلاح الدين10
- قالت لنا القدس/ عن الحياة الثقافية في المدينة9
- قالت لنا القدس/ شارع الزهراء8
- قالت لنا القدس/ عن العمران وضواحي المدينة الآن7
- قالت لنا القدس/ عن مقاهي المدينة6
- قالت لنا القدس/ عن القدس ونزعة الترييف5
- قالت لنا القدس/ عن الشبابيك4
- قالت لنا القدس/ عن نساء القدس3
- قالت لنا القدس2


المزيد.....




- الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
- فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف ...
- تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
- دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة ...
- Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق ...
- الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف ...
- نقط تحت الصفر
- غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
- يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
- انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مدن فاتنة وهواء طائش/ أيوا البحث عن إيقاع ما