|
الجراد يحب البطيخ، إبحار في حياة المنتفضين
رجا غنطوس
الحوار المتمدن-العدد: 7731 - 2023 / 9 / 11 - 20:07
المحور:
الادب والفن
هذه ملحمة، تغريبة فلسطينيّة، شدتني وآلمتني جدا بالرّغم من معايشتي آلام الشّعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال . لولا معرفتي بكاتبها وبمكان سكناه لكنت على قناعة بأنّه من سكان المخيمات، وأنّه عايش بشاعة الاحتلال وغطرسته. إنّه يدخل في أعماق الحياة اليوميّة لأهل المخيم، ويصف قدسيّة الاستشهاد ومَيْل الشباب في الاستشهاد في سبيل الوطن، وأنّ نيل الشّهادة، وتقديم النفس قربانا وفداءً للوطن، هو هدف منشود. إنّ الكاتب يأخذ القارئ ويعيش أحداث المقاومة واصفاً ايّاها بدقّة الحاضر عن قرب، مسلّطاً الضوء على الأطفال والشّيوخ والنّساء، فلا أروع أن تقرأ عن "عَذْبا" التي تجسّد دورها مع غيرها من النّساء وبطولاتهنّ في مقاومة الاحتلال . لا يترك الكاتب ناحية من حياة المخيمات إلّا ويأخذك مشدوهاً، فيصفُ الحياة في النّهار والليل والسّهرات وحكايا الحكواتي والضّحك الـمُوجع في ظلّ تفنّن الضّابط "أبو الهول" في تعذيب شباب المخيم ومحاولة تركيعهم. يصف لنا كيف أنّ الأم عذبا الثّاكلة بعد استشهاد ابنها "نصّور" في سبيل الحرية، وبعد أن تزفّه بصحبة شباب المخيم الى مثواه الأخير، تتحول الى منزلة الأمّ الشّجاعة النّاطقة باسم الشهداء، وبأم كلّ أطفال وشباب المخيم. يعيدنا الكاتب لذكريات قصّها عَليّ والدي رحمه الله مع "أبو زقم" و"كيس الخيش" القميء اللعين، وكيف استُعمل لقمع وقتل خيرة شبابنا، وكل ذلك عن طريق عميل رخيص وما هي نهاية كل عميل رخيص يموت ميتة الكلاب الضّالة. لم يترك الكاتب رُكناً إلا وسَلّط الضّوء عليه واصفاً ايّاه وصف ابن البلد ابن الحاره ابن المخيم .
إنها حقّاً ملحمة فلسطينية أخرى كُتبت بأسلوب ماتِع يُبحر بها القارئ، فيتماثل ويتمازج مع الـمحاصرين في مخيمات الصّفيح القابعين تحت نير الاحتلال . يصف لنا الكاتب بدقّة متناهية من خلال أحداث روايته، وكأنه عايش الطّرق السّادية التي يتّبعها الجنود في التّحقيق مع شباب المخيمات، يصفها وصف الـمُجرّب لهذه التّحقيقات الهمجيّة التي يصعب قراءتها، فكيف من يجرّبها. كثرٌ منهم قد صمدوا بعناد تحت التعذيب، وشخصيّة "بركات" خير مثال على الجبروت والصمود . قام الكاتب بمزج فقرات من كتاب "العهد القديم" مع السّيرة، بفقرات جميلة تختصر الملحمة التي يعيشها الشّعب الـمُحاصر في المخيّمات، لا بل يزيد على ذلك فقد زيّن الفصول بأغانٍ وأهازيج وأشعار، لا أعرف أهي من صنع خيال الكاتب ام كان قد دونها على لسان اهالي المخيمات؟ تشعر خلال قراءتك للرواية وكانك تجلس في مسرح محمول على نصّ يجعلك الكاتب تعيش مع فصولها وأحداثها وشكلها الجمالي الإبداعي، بدقّة الـمُخرج الـمُتمرّس في الإخراج المسرحي .إنّه يتفنّن وكأنه يُدروش في آخر صفحات الكتاب، فيجعلك تشعر بأنّه متمرس في فنون الدّروشة، وكأنّه مغمض العينين، فيضعك أمام صور ذهنيّة متشابكة تعبّر عن كُرْهٍ مَقيت للاحتلال وللتعذيب الذي يقع تحت وطأته شباب المخيم العُزّل ذوي القدرات الأصلب من الفولاذ، فيسقطون كل أحابيل الـمـُحققين مهما تفننوا فيها. يتماهى مع حب الوطن، ولا تسقط فتاة او شاب تحت صلف وقسوة العذاب، فينتصر الجراد بتكاثره. نعم هكذا تكاثر أطفال المخيمات وأطفال فلسطين ردّاً على تعذيب المحتل وقتله لخيرة الشباب، فكلما ارتقى أحدهم ولد العشرات من أطفال الحجاره وأطفال الصمود . تعطينا ملحمة المبدع "راضي شحادة" هذا الشّعور الخفي الخجل بأنّه لا احتلال يدوم، ولا جور يستديم، فإنه ما بعد الصبر الّا الفَرج، بالرغم من احباطي العميق من تجاهل سياسات العالم لحقوق هذا الشعب القابع تحت نير الاحتلال. "الجراد يحب البطيخ" للروائي والمسرحي الفلسطيني الجليليّ "راضي شحادة"، المستوحاة من الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي سُمّيتْ "انتفاضة الحجارة"، بطبعتها الثانية عن "دار الرّعاة وجسور".
#رجا_غنطوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحكومة الأوكرانية تلزم ضباط الجيش والمخابرات بالتحدث باللغة
...
-
تناغمٌ بدائيٌّ بوحشيتِه
-
روائية -تقسيم الهند- البريطانية.. وفاة الكاتبة الباكستانية ب
...
-
-مهرج قتل نصف الشعب-.. غضب وسخرية واسعة بعد ظهور جونسون في
...
-
الجزائر تعلن العفو عن 2471 محبوسا بينهم فنانات
-
أفلام كوميدية تستحق المشاهدة قبل نهاية 2024
-
-صُنع في السعودية-.. أحلام تروج لألبومها الجديد وتدعم نوال
-
فنان مصري يرحب بتقديم شخصية الجولاني.. ويعترف بانضمامه للإخو
...
-
منها لوحة -شيطانية- للملك تشارلز.. إليك أعمال ومواقف هزّت عا
...
-
لافروف: 25 دولة تعرب عن اهتمامها بالمشاركة في مسابقة -إنترفي
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|