أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله رحيل - ازدواجيَّةُ الحبِّ والتمرُّدِ في ديوان الشاعرة سعاد الصباح -في البدء كانت الأنثى















المزيد.....

ازدواجيَّةُ الحبِّ والتمرُّدِ في ديوان الشاعرة سعاد الصباح -في البدء كانت الأنثى


عبدالله رحيل

الحوار المتمدن-العدد: 7717 - 2023 / 8 / 28 - 12:22
المحور: الادب والفن
    


اللغة الوظيفية تتمثّل في طريقة التواصل بين البشر، وبين مكوّنات المجتمع القائم على التشاركيّة والتفاعليّة، لإظهار المشاعر؛ نظرا لوجود عنصر الخيال؛ لما له من قيمة مُثلى في الشعر؛ وفي تغيير بعضٍ من مفاهيم المجتمع؛ لذلك يجب أن يولي الشاعر أهميّة بالغة بالنصّ الشعريّ؛ كي ينجحَ في تأثيره على المتلقيّ، وبهذا المعنى يكون الجانب الوظيفيّ للغة، يقوم على ثلاثة عناصر،" المتكلّم، والمتلقيّ، ونصّ الخطاب"، وهذا الاتجاه النقديّ لوظيفة النص الشعري تبدى واضحا في نظرة الشاعرة سعاد الصباح في ديوانها الشعري" في البدء كانت الأنثى".
في المقاربة بين قصائد الديوان يظهر صوت الشاعرة المفنّد لرأي الرجل، ولهيمنته، بضمير المتكلم المُعمّم في الديوان، وهذا هو العنصر الأول من عناصر وظيفة اللغة، فيما يظهر المجتمع الذكوريّ، وإقصاؤه دور الأنثى في الحياة كاملة، هو المتلقي، أما نصّ الخطاب، هو القصائد الشعرية الانفعالية الرافضة لهذه الفكرة القائمة على إثبات روحانية الأنثى، ورفض ازدرائها، فيظهر تحدٍّ واضح في المعنى في الديوان.
في الديوان ازدواجية مرسلة بمعيارين، الأول رفض مطلق بتمرّد كثيف لمنطق الرجل الإقصائيّ، والثاني حبٌّ مهووس لرجل تعشقه، وتتفانى في الإخلاص إليه، فتهواه أن يزرعها بين الكلمات، ثم تسبح معه فوق الغيم، وتنسلُّ في الفضاء كقمر منير؛ تحمل عاشقها كأنثى الكنغارو، تقفز به من شجرة إلى أخرى، لكنها لا تسمح للقبيلة أن تتدخَّل بين القلب والقلم، وبين الكلمة، وبين الحبّ، هكذا أرادت تغيير وجه الجميع، وأن تثور على المنتقصين باستغراب واستهجان.
الصدقُ المميَّزُ بين طيّات حروفها، أثرى التواصل الخطابيّ بينها وبين المجتمع، بشحنات عاطفيّة، تميَّزت بالاستغراب والدهشة من الرفض، والنقص، اللذين يلحقهما الرجل بالأنثى، في مجال الكتابة، والشعر، وتمضي في رحلة لسانها مع الشّعر، وتلقي أقوال الرجل عن الأنثى عرض الحائط:
يقولــــــون، إنّ الكتابة إثــــمٌ عظيـــم ...فلا تكتبي!
وإن الصلاة أمام الحروف ... حرامٌ... فلا تقربي!
يقولــــــون؛ إن الكلام امتياز الرجــال ...فلا تنطقي!!
وإنّ التغزُّل فنُّ الرجــــال ...فلا تعشقي !!
وإن الكتابة بحرٌ عميق المياه...فلا تغرقي!!!
فترفد هذا الاستغراب المباشر، والدائم لدونية المرأة، ببرهان موثّق، في تحدٍ ظاهرٍ قاصدته في الميزان الشعري، وفي الكلام الرّصين، مفنَّدة حجج المجتمع الرجوليّ لانتقاص قيمة المرأة في مواطن الإبداع:
"وها أنـــــذا قد شـــربتُ كثيرا!
فلم أتسمّم بحبر الدواة على مكتبي!
وها أنـــــذا ... قد كتبتُ كثيــــرا!
فما غضب الله يوما عليّ!
ولا أســتاء مني النبيّ!"
وعكفت في هذا الرفض، وفرض القناعة، إلى السحر البلاغي لمكانة الأحرف، والتكرار، فتستخدم المؤكدات بالحرف" إنّ" للتشبيه والتأكيد على ثبات المعنى، وأسهم "هاء التنبيه" في تكريس نظرة الشاعرة لرفض ماهية التشويه.
يقولـــون؛ إن الأديبات نوعٌ غريبٌ من العشب ...
ترفضه الباديهْ...
وإنَّ التي تكتب الشعر... ليســت سوى غانيـــهْ!!
وأضحك من كلّ ما قيل عنّى!
وأرفض أفكار عصر التنك!
وأبقى أغنّى على قمتي العاليهْ
وأعرف أنّ الرعود ستمضي ...
وأنَّ الزوابع تمضي، وأنّ الخفافيش تمضي!!!
وأعرف، أنّهم زائلــــــــون، وأنّـــــى أنا الباقيـــــــــهْ.
هنا يظهر الأنا النفسي محورا عند الشاعرة، نحو القدرة في تبدّل المنطق، والثبوتيّات السلبيّة، ففي المقطع السالف تمكين ضمير المتكلم "أنا"، محاولة منها إثبات قدتها في التفوق، وتفنيد نظرية المجتمع الرجولي، ويتجلّى ضمير المتكلم "ي" والفعل المضارع الدال على الاستمرارية، والحضور، ما أعطاها امتلاكا للعواطف الذاتية، ووجدانية لتغيير الواقع المأساوي للأنثى في رسالتها الانفعالية لعامة الدونيين.
وبمنطق الرمزية في الوشاة، والجواسيس، الذين يراقبون المرأة ويوقعونها بالعثرات، وينفونها إلى الدونية والعار أمام السلطة الحاكمة، التي تصدر القوانين وتشرعها لتقويض دورها السامي، فوقفت مجاهرة برأيها، وتصدت للقهر والخنوع، وأنّها تزاول مهنتها بكلّ فخر واعتزاز، لكنّ طريقها إلى ذلك وعرٌ، وخطر.
يا هولاكو هذا العصر،
ارفعْ عني سيفَ القهرِ
إنك رجلٌ سوداويٌّ
مأساويٌّ... عدوانيٌّ.
هولاكو الزمان السحيق الموغل في القدم، اختارت الشاعرة هنا شخصية لا عربية، ولا إسلامية، شخصية تاريخية لتؤكِّد أن النظرة الدونيّة والعدوانيّة الشرسة نحو المرأة ملتصقة بها منذ الأزل.
يا هولاكو الأول...
يا هولاكو التاسع والتسعون... لن تدخلني بيت الطاعة!
فأنا امرأة تنفر من أفعال النهي!
وتنفر من أفعال الأمر!
لكنها، وإن سلّت سيف الرفض الذكوري، وفضحت طبيعته، هي لا تتواني أن تظلّ عاشقة محبّة، لا بل ومتفانية في هذا الحبّ الأبديّ، وهو موجَّه للرجل الزوج، أو الرجل الأب، وهذه المزاوجة بين رفض أمر الرجل، القائم على التهكُّم، والتهميش، والانتقاص، وبين حبه اللا منتهي، تقيم ميزان العدل في القيمة التعايشية بينها، وبينه في صورة الهيام، والوجد المطلق، وتقيم بذلك صفة العدل الإلهي، التي أوجدها الله للأنثى، فقد عاب، واستهجن الله تعالى نظرة الرجل البدويّ للأنثى، ومقتها مقتًّا شديدًا، "وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ".
قصيدة: إلى واحد لا يُسمَّى...
أسمّيكَ...رغم اقتناعي بأنك لست تُسمَّى-حبيبي.
أسمّيكَ: رغم احتجاج قريش-حبيبي-
وأعرف، أن قراءة عينيك
مثل قراءة علم الغيوب...
وهنا حب بذوبان الذات في الآخر الذي لا يماثله حبٌّ:
يا أكثر من حبيبي....
عادية...كلّ التعابير التي أقولها
عن حبك العظيم...يا حبيبي.
فهل هناك كلمة ثانية؟
لم يكتشفها أحد
تخرجني من ورطتي
يا ملك الملوك.

على خلاف ما أسلفت من ندية الشاعرة للرجل، والانفعال ضد أفكاره، نرى جانبا مختلفا عند الشاعرة، فهل الشاعرة تبدّل آراءها المعارضة؟ وهل توجد ازدواجية في المعايير بشخصيتها؟ والحق يُقال هنا، هي أصدق ما تكون، فحين يتطلب الأمر رفض رأي سوداويٍّ للمرأة، ولقيمتها في الحياة، ترفض هذه النظرة والميزة من الرجل، لكنها هي أنثى، تشارك الرجل الحياة في الحب، ويبنيانها سويا، فهي عارفة سر العلاقة الزوجية، والحب الجنوني للرجل، لكن دون ازدراء، أو تهميش لها، فهي محبة له ومطيعة لأوامره؛ لأنها زوجة وحبيبة، وهذا دورها المنطقي في الحياة، لكنها ترفض الاستكانة والدونية، وهذا هو العدل في المعاملة، وهي رسالة واضحة لكل بنات جنسها، أن يَحْذَوْنَ حذوها في المعاملة الراقية الهادفة البناءة، وهذا الحب الديمومي مستمر، منذ أن كانت طفلة، فهي العاشقة للرجل، وهذا مثار الإيجاب في شخصيتها، ونظرتها إلى الرجل العادل في تقييم وجودها تقول:
عندما كنتُ طفلة...
كنتُ أتصور أن الشجرة
هي أعلى مكان في العالم...
وعندما أصبحتُ امرأة
وتسلقتُ على كتفيكَ
عرفتُ، أنك أكثر ارتفاعا من كل الشجر...
وأن النوم بين زراعيك...
كالنوم تحت ضوء القمر...
في قصيدة يوميات قطة يصبح الرجل عندها نعمة، لا تدانيها نعمة، فهو مانحها الهدوء والراحة، فهي رسالة الشاعرة إلى محيطها الاجتماعي؛ لأنها المرأة العفيفة الطاهرة المحبة، وهذه هي فطرتها، التي جُبلت عليها، وفطرة النساء لسيرورة الحياة التشاركية مع الرجل تقول في قصيدة رائحة:
عندما أودعك في المطار
ويغيب وجهك في المجهول
تنتشر رائحة حنيني إليك
ويشم الناس في قاعة المسافرين رائحة غريبة
رائحة امرأة تحترق...
هذه الروح السامية بالغرام، وهذا التمرد المفضي إلى وجود امرأة ثائرة لحقها المنطقي في الحياة، أرادت تدوينه في أسفار مكتبة الرجل، تسعفها ذلك بساطة الكلمة، ودقة التعبير، والبعد الرمزي العميق، وغرفها الجمُّ من بحور الصور البيانية، والغوص العميق في الصنعة الأدبية، ما يلاحظه قارئ الديوان أن القصيدة عند الشاعرة، هي قصيدة توثيق، ودفاع أكثر من قصيدة الشعر، وهذا ما أعطاها قوة في القبول بين الأوساط المجتمعية، تسعفها الرّصانة اللغويّة، والأسلوب الشعريّ القويّ المتين البعيد عن التكلُّف، والرمزية الغامضة.



#عبدالله_رحيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صَعيدُ مصرَ في وجهِ حافظٍ ولألاءُ القصرِ في عَيْنَيِّ شَوقي
- الليل والنساء
- حب مجيد غائر في النفس
- فيروز لثغة ناي المراعي و تغريدة شحرور الشرق
- الزي العربي تنوع الثقافة بروح الأصالة
- البحث عن الله في قصة حي بن يثظان
- تزاحم الأفكار
- أهمية التدريب عند الإنسان
- العيد بشرى الخلائق وناموس نور الخالق
- حديث القلب والعقل في التذكُّر والانفعال
- نحن نقرأ... إذا نحن موجودون
- التفكك الأسري وسلبيته في المجتمع
- مدفع الإفطار إعلان التوقيت في رمضان
- هدية عيد المعلم
- ترنيمة هجرة الذهب الأبيض
- التأثّرات الفنيّة بين روايتي- في المنفى- لجورج سالم، و-المحا ...
- استرسال الذاكرة
- نـزهة المشـتاق إلى رحـاب مكـة المكـرمـة
- القاعدة النحوية بين الجدلية والخلاف
- - في المنفى- لجورج سالم، و-المحاكمة- لفرانز كافكا. أوجه الشب ...


المزيد.....




- لم تحضر ولم تعتذر.. منة شلبي تربك مهرجان الإسكندرية السينمائ ...
- بقفزات على المسرح.. ماسك يظهر بتجمع انتخابي لترامب في -موقع ...
- مسرحان في موسكو يقدمان مسرحية وطنية عن العملية العسكرية الخا ...
- مصر.. النائب العام يكلف لجنة من الأزهر بفحص عبارات ديوان شعر ...
- عام من حرب إسرائيل على غزة.. المحتوى الرقمي الفلسطيني يكسر ا ...
- قصيدة عاميةمصرية (بلحة نخيلنا طرق)الشاعر مصطفى الطحان.مصر.
- بيت المدى ومعهد -غوته- يستذكران الفنان سامي نسيم
- وفاة الممثلة المغربية الشهيرة نعيمة المشرقي عن 81 عاما
- فنانون لبنانيون ردا على جرائم الاحتلال..‏إما أن نَنتَصر أو ن ...
- مخرج يعلن مقاضاة مصر للطيران بسبب فيلم سينمائي


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله رحيل - ازدواجيَّةُ الحبِّ والتمرُّدِ في ديوان الشاعرة سعاد الصباح -في البدء كانت الأنثى