اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7716 - 2023 / 8 / 27 - 20:49
المحور:
الادب والفن
في الماضي كان هو يتسلل من خلف الكوخ الطيني ليجلس تحت شجرة الرمان الزاهية ويناديها ، وتسرع هي اليه بقبقابها الخشبي ذي الصوت المكتوم على ارضية الحديقة المتربة ..
الآن هي مَن يناديه ، لكن ليس من تحت شجرة الرمان الزاهية : انما من تحت سقف مطبخٍ اسمنتي ، وهي تفتح حنفية صغيرة لتغسل الكوب الذي رفعته من قاع حوض غسيل الاواني ..
هو يكره ان يشرب الشاي في الداخل ، يحب ان يشرب شايهُ كما كان : تحت السماء الماطرة ،
او تحت اصوات اصطفاق اجنحة الطيور ، وعراك مناقير صغارها فوقه ..
ووقتها كانا يشعان بالحب والمرح والحبور ، وهما يتزاوران سراً ، ويجلسان تحت عناقيد العنب التي تخفي عن الآخرين : رعشة جسديهما ، وحفيف ملابسهما التي تتساقط عن قامتيهما حين يتوسطان الظل الظليل وسط تشابك اغصان الرمان واوراق العنب والبرتقال ، وتهدل سعف النخيل ، فتتسلل كفاه الى رمانتي نهديها ، وتسللها هي بكامل انوثتها ، كما لو كانت تسقط من شاهق ، الى بحر فحولته ، وهيجان الحياة في جسده ..
يسري التخشبُ في جسده الآنَ ، وتتهدلُ ذاكرته كتويج وردة جف نسغها الصاعد :
وبدأَ النسيان يغلفها من الداخل ويجفف كل ذكرياتها :
فنسي لون عيني محبوبته التي كان يعشق التحليق فوقهما والتدلي : " كجلمود صخر حطه السيلُ من علٍ " فوقيهما
ونسي كفيها الراعشتين بحرارة الفصول ،
وتقلص قوس حاجبيها
والتماعة العشق والهيام فوق رموشها ..
وهي تجلسُ الآنَ تحت السقف الاسمنتي ، وقد نسيت كوب الشاي بين يديها ، اذ غزتها فجأةً : رائحته الأخاذة ، صوت تدفق دورته الدموية ، عناق كفيه اللتين تعصف فيهما الاعاصير ، ومذاق انهمار فحولته الهمجية ..
وقبل ان تهبط الشمس ، وقبل ان يتدلى شيء : لا يعرفان ما هو ، ولا يقويان على توصيفه : لا هو ذكرى سعيدة ، ولا هو ذكرى حزينة ، لا هو من الماضي ، ولا هو من الحاضر او من المستقبل : شيء يذوب امام عيونهما كالشمع ، دون ان تتمكن كف اي منهما من اعتقاله وايقاف تسلله وهروبه بعيداً عنهما ، بعيدا جداً ..
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟