أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أسيل عبيد - تلخيص كتاب (المرأة في العالم العربي) للكاتبة جولييت مينس















المزيد.....



تلخيص كتاب (المرأة في العالم العربي) للكاتبة جولييت مينس


أسيل عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 7715 - 2023 / 8 / 26 - 19:42
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


صَدَرَ هذا الكتاب دار الحقيقة في بيروت عام 1981. هذا الكتاب هو نتاج ملاحظات ميدانية اجريت في شبه القارة الهندية وإيران وتركيا وافريقيا السوداء والمغرب، خلال أربع سنوات.

تلخيص: أسيل عبيد

قامت الكاتبة باستعراض مثالين تعتقد أنهما أوضح برهان استقتهما من الجزائر ومصر.
خيارات الجزائر السياسية والاجتماعية، بالنسبة لها، ثورية. أما بخصوص مصر فهي البلد الأكثر سكانا في العالم العربي، وتميل نخبة المدينة فيها إلى الغرب في حين يظل الفلاحون مجذرون في التقاليد العربية. وهنا يتعايش عالمان منفصلان عن بعضهما البعض.
وفي تقديم المؤلفة للكتاب رأت أن الحركة النسوية في الغرب تميل بشدّة إلى وضع حالة جميع نساء العالم على مستوى واحد من الاضطهاد بصرف النظر عن العوامل التاريخية ودرجة استغلال النساء حسب الطبقات والمجتمع.

تلاحظ مينس أن المناضلات النسويات الغربيات الأكثر شراسة في الدفاع عن حقوق المرأة هنّ من يملك وسائل الاستقلال الذاتي ووعي درجة استلابه، وهذا برأيها متعلق كذلك بنساء العالم الثالث اللواتي يحملن تحصيلا عاليا في بلادهن أو في أوروبا أو شمال أمريكا. فبالرغم من أنهنّ يحرصن على النضال، إلا أن أفكارهنّ تظل في إطار النسوية الغربية وبالتالي لا تتسق مطالبهن مع ظروف النساء العربيات.

إن استغلال المرأة العربية ليس استثناء بالنسبة إلى وضع المرأة في العالم، فدور النساء كان على هذا الحال في ثقافات ومجتمعات أخرى طيلة قرون.

إن المرأة في المجتمعات العربية الاسلامية لا تزال خاضعة للاستغلال في خطوطه الكبرى رغم تطوّر حاصل في بعض المجتمعات ورغم محاولات بعض الحكومات الثورية منحها حقوقا أكثر. وتتحدث الكاتبة عن البنى التقليدية الراسخة جدا بالرغم من "تقلبات التاريخ". ويتعمق هذا الرسوخ بفعل القواعد والشرائع والتقاليد المُشتقة من القرآن. وتلعب هذه البُنى التقليدية دور عامل أمن كبير على أساس العائلة والعشيرة مع كل التضامنات ورابط التبعية المُتبادلة التي تقتضيها. لا أحد يعيش بنفسه، فالقرابة تلعب دور التكافل الاجتماعي الذي تؤديه الدول الحديثة حيال مواطنيها. البُنى التقليدية تضمن، من خلال الشرع القرآني، ان تكون المرأة تحت جناحيّ والديها مهما حصل، شريطة أن تلتزم الحشمة، حتى وان تلاشت هذه الضمانة على أرض الواقع شيئاً فشيئاً.



تقارن الكاتبة بين وضعية النساء قبل الاسلام وبعد انتصاره في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع م، حيث أنه كان حركة إصلاحات اجتماعية أكثر من كونه دينا جديدا فحسب، وتطرح هنا قضية تسليع النساء (شراؤها وبيعها وورثها)، تعدد الزوجات غير المحدود، وأد البنات الرضّع. جاء الاسلام مانحا المرأة حقوقا وواجبات، أصبح الزواج عقدا بين الزوج والمرأة بدلا من الوصي وبذلك اصبح المهر ملكا لها وحدها، فضلا عن احتفاظها باسم أبيها بعد الزواج، وأدخل على سلطة الطلاق التي ظلت بيد الزوج فترة انتظار مدتها ثلاثة أشهر. ونالت حقها وحريتها في الميراث والتملّك ومزاولة التجارة وامتهان الحرف والملاحقة في القضاء دون إذن الوصي أو الزوج، واستطاعت أن تكون وصية على أولاد قاصرين. واقتصر التعدّد على أربع زوجات فقط، على أن يكون نية العدل بينهم شرطا، وإذا لم يكن قادرا على ذلك ينبغي عليه أن يتخد زوجة واحدة. بالمقابل، يستطيع أن يتخذ من من الجواري بقدر ما يتمنى إذا كانت وسائله تمكنه من ذلك والأولاد معترف بهم جميعا.

حمل القرآن عناصر إصلاحية كثيرة، ولكن مع امتداد الاسلام انطبع بتقاليد سابقة له (محلية) عاشت حتى أيامنا هذه مثل ارتداء الحجاب، أو ختان البنات، في بعض البلدان العربية. لم يمنع الاسلام (في عصره الذهبي) من مشاركة النساء في الحياة العامة والاجتماعية، وكان لهن حق التعليم مثل الرجال.

لقد أدخل الاسلام قانون للعائلة يحدد حقوق وواجبات الرجال والنساء، وهو بمثابة أساس للقانون المدني والجزائي الساري حاليا في البلدان العربية. حيث تتفق هذه القوانين مع مجتمع ما قبل اربعة عشر قرنا، مع قيمه البطريركية أو القبلية، فالرجل كان يضطلع بالسلطة ويتمتع بامتيازات توازي المسؤوليات المنوطة به حيال عائلته.

على حسب الحاجات والمصالح المحلية، اختلفت المذاهب والتأويلات للقرآن، إلا أنها بقيت متشابهة فيما يخص دور المرأة والتفت في حالات كثيرة ضد مصلحتها، وهكذا، قلّما تطور وضع المرأة الشرعي، ظلّ تصور العائلة ذاته ثابتا.

بعد أن قررت المؤلفة أن القرآن هو مرجعية مهمة للمجتمعات العربية، رفضت أن تصدر أي حكم قيمي على القرآن، سواء كان عادلا أم غير عادل بخصوص المرأة. انها فقط تريد أن تقول أن القرآن هو مرجعية تجد الممارسات تجاه النساء فيه إطارها، وهذه المرجعية يصعب تعديلها لأنها ذات طابع ديني، وهي مختلطة بالأعراف والتقاليد الإجتماعية.



تتحدث منس عن علاقة تنظيم القرابة بوضعية المرأة في المجتمع الاسلامي من ناحيتين.
أولا: انتماء المرأة أصلاً إلى القبيلة التي تعتمد على الخط الأبوي. وهذا يعني أن الذكر هو مسؤول عن الأقارب اقتصاديا وشرعيا ومعنويا. ثانيا: ما يتعلق بالبناء الثقافي للعائلة والذي يرتكز إلى حد كبير على "شرف الرجل". يتطلب الحفاظ على هذا الشرف، المُحافظة على السلوك الأخلاقي لنساء العائلة. وهذا السلوك يقف بمثابة ضابط للعلاقات الاجتماعية في إطار القبيلة. ويتعزز هذا السلوك بدعم مؤسساتي ديني وقضائي، ويصبح هذا السلوك فعالاً حينما يكون إعالة النساء مشروطًا بالالتزام بقيم العائلة القبلية ولا سيما منها القيم الجنسية. كل هذا يسمح بدوام التبعية الاقتصادية للمرأة.
بالرغم من هجرة الريف من فلاحين أو بدو إلى المدن وانخراطهم في التنظيم المديني وتحوّل العائلة هناك من عائلة ممتدة إلى عائلة نووية، إلا أن ذهنية العائلة الممتدة، المستمدة من العلاقات القبلية، ظلت حاضرة بقوة. وهذا يتجلى على سبيل المثال في سلوك الضيافة وإنجاب أولاد كثر كعامل هيبة وتأمين للمستقبل، على الرغم من أن مبررات إنجاب الأطفال للعمل في الحقول قد تضائل كثيرًا.

تتغلغل الروابط العشائرية التي يحكمها التشريع الاسلامي في العالم العربي، باستثناء المثقفين أو الكوادر الغربية. عادةً ما يفضّل الزواج الداخلي (بين أبناء العمومة) على الزواج الخارجي من أجل تأمين نقاء الخط السلالي وعدم بعثرة الملكية. وهكذا، يجب أن تكون الخطيبة عذراء والزواج يجب أن يكون مبكرًا. تربى الفتيات ليقمن بدور الزوجة والأم ويخضعن لرقابة شديدة ما أن يصبحن بالغات، أما بالنسبة لفتيات العائلات البرجوازية اللواتي يعشن حياة حرة نسبيًا، فإنهن يسترجعن بكورتهن عن طريق الجراحة الطبية. الخصوبة أو إنجاب الذكور عند الزواج مهمة جدًا، وغير ذلك سيكون مبررًا للطلاق أو إدخال زوجة جديدة إلى البيت. وإذا أنجبت المرأة الذكور وطعنت في السن، فبالرغم من بقاءها قاصرًا أمام زوجها، إلا أنها تتمتع باحترام ونفوذ قويّين في ميدانها، أي البيت المغلق على ذاته، وذلك، بأنها فقدت القدرة على ممارسة الجنس، أي لم تعد موضوعاً للجنس الذي يُسيء الى شرف البيت أو الذي قد يطعن في فحولة زوجها. هذا الاحترام الذي تلقاه المرأة الكبيرة في السن هو امتداد لسُلطة الرجال، وتقوم باعادة انتاج التقاليد ذاتها عند أبناءها والجيل اللاحق. هذا الدور الذي تقوم به، هو حافز لها لكي تُحافظ على هذا النظام القائم.

ان العائلة في الريف هي انعكاس للتقاليد الزراعية. فالزواج ضرورة اقتصادية، ويُعقد الزواج بالتالي في أبكر وقتٍ مُمكن. تذهب العروس لتعيش في عائلة زوجها، وتصير خادمةً لحماتها في مهامها المنزلية العديدة. ويُوضع الأولاد باكراً جداً في العمل، وخاصةً منهم الفتيات، وتعيش مُختلف الأجيال معاً، ولا تكون المُشاجرات العديدة بين الكنّات والحموات استهدافاً لتوازن العائلة الأساسي. العائلة هي مركز مُعظم الوظائف الاجتماعية والاقتصادية والدينية والتربوية، وهي مصالح تفوق مصالح الفرد. وان كانت أهمية العائلة هكذا، فإن اختيار الزوجين أمر شديد الخطورة بحيث لا يُترَك الى صاحبي العلاقة. انه في النهاية شأن العشيرة. والزواج المبني على الحب غير موجود سوى في بعض العائلات المدينية فقط.

المرأة العاشقة في موضع عدم ثقة. فهي يجب أن لا تعرف رجالًا آخرين غير إخوتها أو أبيها، ويجب كذلك أن تخفص عينيها أمام الغرباء، وأن تتحجب عند حضورهم الاضطراري. وهذه حشمة تمتد لتصل إلى خضوعها الجنسي للزوج، فيجب عليها أن لا تبدي أي اهتمامًا بالجنس في بداية الزواج.

ترى مينس أن وضع المرأة في الدول العربية مجتمعة متماثل تقريبا من حيث الجوهر، بسبب تماثل البنى الاجتماعية القبلية. ولكن في الوقت نفسه يوجد تباين في التوجه السياسي للأنظمة الحاكمة في الاقطار العربية، فالعراق وسوريا قد حفّزا مشاركة المرأة السياسية في المناطق المدينية، في حين لم تستطع الجزائر -وهي الأكثر ثورية- أن تُغيّر البنى القبلية في المجتمع. إن تغيّر الأذهان في ما يخص المرأة ومكانها في المجتمع لم يتحقق إلا في بطئ شديد، لأن الضرورات الاقتصادية والاجتماعية كانت تفرضه.

قامت بعض المجتمعات مثل إيران وتركيا بمحاكاة المجتمعات الغربية في طريقها للتحديث، وكانت هذه التحديثات فيما يخص المرأة سطحية للغاية. وعند بروز الثورة الايرانية، تُرجم العداء للغرب والاستعمار بالعودة إلى الأصول والبحث عن الهوية الاسلامية. كانت هذه العودة بالنسبة للنساء عودةً إلى المظاهر التقليدية للعائلة ولكن ليس بشكلها القديم. أدى تحديث الجتمعات إلى سحب الأمن المرتبط بالعائلة الممتدة، ولم يستطع التحديث نفسه هو الآخر أن يضمن لهنّ الأمن.

بالرغم من أن توسع قاعدة الانتاج قد أتاح المجال للنساء الانخراط في سوق العمل وبالتالي، تقليص تبعيتهن الاقتصادية قليلًا، إلا أن الشرط النسائي في جوهره لم يعرف تحوّلاتٍ جوهرية.

وتسأل مينس، أليس اتخاذ وضع النساء الغربيات كنموذج ديمقراطي وحيد هو مركزية أوروبية؟ وتجيب المؤلفة على ذلك بالنفي، فالمطالب النسوية الغربية تبدو لها تقدمًا في طريق انعتاق المرأة كشخص. نظريا، قد تكون الحقوق التي حصّلتها النساء الغربيات تقع في إطار حقوق الإنسان، ولكن على الصعيد الفعلي، الأمر أكثر تعقيداً بكثير، فالمجتمعات العربية غير جاهزة بعد، لتعيش انعتاقاً يضع تحت الشك توازناً مؤسساً على الدين عُمره قرون.






الجزء الأول: أشكال الاضطهاد اليومية
تقول المؤلفة أن العالم العربي يعجّ بجرائم الشرف والزواج القسري والعنف الأسري والطلاق التعسفي والحرمان من الحضانة والتحرش بالكلام أو باليد. حتى النساء اللواتي يعشن في بلدان يمنحنّ قانون أحيانا نفس الحقوق المدنية التي للرجال، يمكن أن يكنّ إلى حد ما موضع احتقار وحرمان من تقرير مصيرهن الخاص بهن. إن النساء المتعلمات في هذه البلدان قلّة وينتمي أغلبهنّ إلى عائلات برجوازية عصرية، وهذا ليس إلا استثناء للقاعدة، وإن لم يخضعن للمعايير الجندرية فإن ذلك يكون بسبب المزايا التي يأتين بها إلى الوسط التقليدي بوصفهنّ معلمات أو ممرضات أو طبيبات، ولكن يبقى أنهنّ يظللن خاضعات للقانون العام الذي يحكم هذه المجتمعات؛ أي الزواج وإنجاب الأطفال.

أ‌- مجتمع للرجال
يواصل الخط الذكوري سلطةً مطلقة على نساء وبنات العائلة، وإذا ما رفضت إحداهنّ هذه الوصاية فهي توضع في مجال الشكوك إن لم تُرغم بقوّة على الرضوخ. ويستتبع ذلك حياةً بائسةً ومعزولة ليس فقط عن عائلاتهنّ فحسب، بل وكذلك عن المجتمع بأكمله. يتم اعادة انتاج هذه التقاليد عبر الأجيال، مُنتجاً فتياتٍ طيّعات وعاقلاتٍ لا يرفعن صوتهن، ولا يُبدين فضولاً إزاء الخارج، ويكون سلوكها يتجه نحو الزواج والانجاب وطاعة والدها واخوتها حيث سيُدلل وسيكون موضعاً للتساهل والحريات، في الوقت الذي تقوم فيه اخواته بتحضير الطعام وغسل الثياب والعناية بالأولاد، الا أن الغلام سيلعب في الشارع او في المنزل ويصدر أوامر بتعاطف الأهل. يتعلم الطفل الذكر كيف يُصبح "حامياً" لأخواته وحارساً لفضيلتهن، مما يؤدي عنده الى امتلاك مشاعر عكرة ومُشوشة حول امتلاكهن. وعندما يُشارف على البلوغ، ينتقل من حضن امه الى صف أبوه، فيأخذه الى السوق والحقول ويُصبح فلاحاً أو حسب مهنته. وتكون نساء البيت في خدمته دائماً. يتم ضخ قِيَم الرجولة والقوة والمفاخر الزائفة في عالمه. القوة الرجولية مثلاً تظهر أمام النساء الغريبات عن العائلة والتي لا تحميهن قوانين الضيافة. وهذا ما يُعلل التحرش الكلامي أو البدني التي تتعرض لها النساء في الشارع، فماذا، برأيهم، تعمل امرأة شريفة في الشارع؟
ومع غياب النساء في الأماكن العامة (المؤلفة تتحدث على الأغلب عن دول المغرب العربي في الفترة التي كتبت فيها الكتاب)- ولكن هذا ينطبق كذلك، على النظرة الذكورية للنساء في يومنا هذا أيضاً- نقول، مع هذا الغياب، وهذه النظرة الذكورية، ومع ظهور الاعلانات المُختلفة والملصقات السينمائية، تصير موضع غيرة وحسد ولكن ايضاً موضع خشية.

ب‌- الرجل العربي
ظهرت عادات جديدة عند الطبقات التي تأثرت بالرأسمالية، ولكن هذه العادات لم تظهر عند الطبقات الاجتماعية التي لم يُصبها دخول الرأسمالية، مثل تُجّار الأسواق او حرفيي المدن والأرياف، والذي كان رفض الغرب يتصلب عندهم من خلال المزيد من العودة الى التقاليد القديمة.
يُربّى الطفل الذكر بتزويد قيمة ذكورته. وتتمظهر فحولته بأشكال كثيرة: على الصعيد الاقتصادي عليه أن يكون قادراً على اعالة عائلته، وعلى الصعيد الأخلاقي يجب عليه أن يضمن صون عفة نساء عائلته. النُخَب البرجوازية العصرية استطاعت ان تتخلص من مفهوم غسل العار، اما عند الطبقات الشعبية التقليدية لا يُمكن للرجل أن يتملص من هذا الأمر، فعليه أن ينتقم من أي امرأةٍ مشكوكٍ فيها.
تتمظهر هذه الذكورة على افضل وجهٍ لها في ميدان الجنس. الجنس في التقليد الاسلامي مُحرر من فكرة الخطيئة: الرجل الحقيقي له حياة جنسية مهمة، ويتفاخر بذلك. ومع امرأة لا تنتمي الى العائلة لا يُمكنه أن يتصور أي نوع من العلاقات معها سوى ان تكون موضوعاً لشهوته، انها فريسة. ويظهر عكس هذا الموقف كذلك، كون المرأة هي كائن غير طاهر بسبب طمثها ووجوب الوضوء بعد الجماع واستحالة الصلاة بدون طهارة والامتناع عن الاشتهاء اثناء الصوم. كل هذا يُعزز ذلك النفور.
ولكن الجذب الجنسي والتفاخر يغلبان النفور، ويظل الهاجس الجنسي حاضراً على الدوام. وبالرغم من أن الجنس في التقليد الاسلامي غير مشوب بفكرة الخطيئة، الا أنه موضوع سرّي يتم تداوله بين الأقرن الذكور.
المراهقة الجنسية تبدأ مُبكراً، يعقبها عقد من الاحباط المسعور، ينتظر الارتواء الجنسي، ويُحاول أن يُبرهن على ذكورته غير المُتحققة بعد. انه مُجتمع محكوم عليه بالاستمناء يبقى فيه التسلّط الجنسي مُزمناً.
هناك بالاضافة الى الكبت الجنسي، يوجد الكبت النفسي-البصري المتولّد من حبس النساء. لا يُمكن أن يكنّ سوى مُحجبات. الحجاب الذي يحميهن عند خروجهن من المنزل يُضاعف عند المُراهق والراشد خطورة الهاجس الجنسي. العلاقات خارج الزواج في الطبقات الشعبية صعبة، فالعاهرة تتطلب من الرجل التزاماً مالياً. العفة وعدم الارتواء الجنسي مع الزوجة اجبارية اذاً.
تنتمي المرأة الى عالمٍ غريبٍ عند الرجال، فالعلاقة مع النساء اما أن تكون أموية أو جنسية. العلاقات الاجتماعية الحقيقية تجري بين الشباب، فبينهم توضع الثقة ويمكن مشاركة النشاطات المتنوعة. من هنا ينتشر الميل الجنسي نحو الذكور (اللواط- حسب المُترجم). هناك نوعين من اللواط، اللواط الأرستقراطي حيث يُعتَبر الميل الى الغلمان ارهافاً في كل العالم الاسلامي والذي لا يستبعد "الحريم". يعجّ الأدب العربي والفارسي والعثماني بتلميحاتٍ من هذا النوع من الغرام بالغلمان. اللواط الآخر، هو واقع الطبقات الشعبية في المُدن والأرياف. يؤدي نقص النساء المتوفرات بالنسبة للرجال وصعوبة جمع مبلغ المهر الى ايجاد الحل في اللواط، وينتهي هذا عادةً عند الزواج. يُنظَر الى اللوطي "الايجابي" نظرة مُحايدة تقريباً، أما "السلبي" فهو في موقعٍ سيء، مثل المرأة. ولكن يُمكن للسلبي أن يثأر من كونه كذلك بأن يتزوج ويستعيد رجولته.

في النهاية، ان الجهد الدائب الذي يكون بمُحاولة تغيير هذه الأذهان قلما بوشِر، ربما عدا تونس-حتى ان كانت النتئاج غير واضحة-واليمن الثوري. اذ قلما تكون القضية تغيير وضعية المرأة جذرياً، فالزواج في شكله الراهن يبقى أحد أركان المنظومة. ان التحول الجذري للأدوار المُعطاة يقتضي ثورةً حقيقية وسياسية بضمنها.

جـ- حبس النساء
ان عالم النساء يتم بانحباسهن وخضوعهن. لا يُمكن للرجال أن يلجئوا الى هذا العالم، ولكن يُمكن للنساء، المُتحجبات ان ينسلّن الى عالم الرجال ويستمعوا الى احاديثهم دون أن يُعرفن.
النساء مُستعبدات من جميع القرارات. لكن يدور الحديث بين الجارات وأعضاء العائلة الواحدة ويتلاقين عند البئر او الجمامات العامة، يقمن بتقدير ووزن الفتيات الصغيرات ليكن مشروعاً للزواج. في السابق كانت الصداقات تنشأ بين نساء العائلة الواحدة، صارت الآن تنشأ خارج العائلة. تنعقد في المدارس حيث يُمكن للفتاة التعرف على بنات من خارج عائلتها بشكلٍ مُتواتر.
الزيارة الى المُستوصف هي طريقة أُخرى للخروج من المنزل، حيث تتبادل النساء هناك الأحاديث، ويتلقين هناك أدنى حد من المعلومات المُتصلة بالعناية بالأطفال وبالنفس.
النساء يستقبلن النساء، من خلال الزيارات بموافقات الزوج، ويُكونَّ مُجتمعاً حيث تنشأ هناك الصداقات العشقية بين النساء والممارسات الجنسية بينهن غير نادرة. يتبادلن النصائح حول العناية بالمنزل وتربية البنات والحمل والسيطرة على الزوج وتجنب أن يتزوج امرأة أُخرى. وتلعب الماطرونات، او الوسيطات وكاتبات الحجابات دوراً في هذا المُجتمع، حيث يحمين من وفيات الأطفال او صون نفوذٍ ما على الزوج من خلال مُمارسة السحر، وحفلات طرد الجن ليست نادرة.
كثيراً ما يكون انحباس النساء في المُدن أصعب. تأتي العروس لتعيش في بين عريسها الجديد حيث لا تعرف أحداً وليس لها امكان ان تُزاول روابط وثيقة مع ذويها. انها وحيدة امام نساء لسن في صالحها دوماً، ويُنتَظَر منها أن تُطيع حماتها، وأن تُنجِبَ الأولاد. الانجاب سيسمح لها بفترة راحة بحيث سيُعطيها المزيد من الهيبة عند زوجها ويُلطف نفوذ الحماة على ابنها. وفي حال وقوع خلاف بينها وبين الحماة، فسيقف زوجها مع امه، فلا يُمكنه أن يولي ثقته لإمرأةٍ جديدة. عندما تنجب الزوجة ستلح بقوةٍ على زوجها ليحصل على منزلها الخاص، فهي تريد أن تكون سيدةً لمنزلها أيضاً.
رغم اكراهات الذكور استطاعت النساء بسط استراتيجيات تسمح لهن بتلطيف هذه السيطرة. هناك مُجتمع مُوازٍ يكون بالغ القوة ويُمكنهن في داخله أن يُمارسن الدسائس والقيل والقال وأن يُراقبن شؤون الرجال.
تمارس المرأة سُلطة مُتصلة في منزلها، وان كانت خاضعةً للرجل. لها القرار في المهام المنزلية وعلى اعداد الطعام. وهي تُحرّك الشأن الجنسي عند الرجل وتعتني بهيئتها وتنظف شعرها وتثير اثاراتٍ حذقة ولكن مُحوّلة (لأنه لا يجب أن يبدو عليها أنها مهتمة بأُمور الجنس)، ويُمكنها، تحت ذرائع شتّى، أن تمتنع عنه، وهكذا تُعاقبه في رجولته.
هذا المجتمع أنتج ذهنية خاصة عند النساء، وهي الذهنية المرتبطة بالكائنات المضطهَدة، مثل الرياء والكذب والازدواجية، وهي في النهاية الأسلحة الوحيدة التي تمتلكها. يجب أن نضيف الكسل والغرور والوقاحة عند النساء الأكثر ثراءً. وهكذا يصنعن الصورة التي يحوزها المجتمع الذكري عنهن.
ترى الكاتبة أن النساء في افريقيا الشمالية أكثر صلابة، وتضيف إليها السعودية وإمارات الخليج بدون الكويت، حيث يسمح لها ثراء زوجها بأن لا تعمل بالخارج، وبالتالي يصير دورها تقليديا: موضوع جنسي، أم كثيرة النسل، ناقلة للتقاليد.

د- النساء في الهجرة
قد يبدو أن الضغط الاجتماعي سيكون خارج البلد أقل قوة، والحديث يدور هنا عن هجرة العمال والطبقات الشعبية. تتحدث الكاتبة هنا حول النساء المهاجرات من المغرب وتونس والجزائر، وترى أن الجزائريات هنّ أكثر محافظة على تقاليدهنّ الاجتماعية في أوروبا بسبب البنية المحافظة الموجودة في البلد الأصل.
يبدأ ضغط الحياة الاجتماعية في المهجر مفعوله حيث تضطر النساء للخروج لقضاء حاجات لا يستطيع الزوج القيام بها، ويبدأ ضغط التقاليد بالانحسار كلّما امتدت اقامتها في الخارج. وستكتسب مزيدًا من الاستقلال إذا كانت تعيش بعيدًا عن جماعتها في المهجر. تبقى الفتيات عند بلوغهن سن السادس عشرة تحت رقابة شديدة وقلّما يُسمح لهنّ بالخروج مع صديقاتهن الأوروبيات لأنهنّ ذوات سمعة سيئة، إذ يختلطون بالصبيان. ولا يتم التركيز على أداءها الدراسي لأنه غير مهم لمشروع كونها زوجة، وقد يكون خطرا لأنه قد يتسبب أداءها الدراسي الجيد في خروجها اللاحق عن التقاليد. إذا ما تعلّمت الفتاة المراهقة حرفة ما، فمن الشائع أن تكون حرفة منزلية. ولكن تُمنح الفتيات أكثر فأكثر حق العمل خارج المنزل لأسباب اقتصادية، وتظل رقابة الأهل عليهنّ ثقيلة.
النظرة إلى الزواج (المختلط) سيئة، وكثيرا ما يخفيها الشاب عن عائلته، أما الفتيات فلا يستطعن وفقا للشرع الديني الزواج من غير مسلم.
من الشائع أن يجمع الشاب المهاجر مهرًا ليعود إلى بلده ويتزوج الزيجة التي رتبتها له عائلته، وسيظل مع زوجته عدّة أسابيع من ثم يعود إلى المهجر مؤتمنًا عائلته على زوجته، ولا يريد أن يجلبها معه هناك إلا إذا هاجرت عائلته معه، وإذا ما أخذها معه فيجعلها ضغط الحياة تكتشف بدهشة قلّة السلطة التي يمتلكها زوجها في هذا المجتمع الغربي.
يتصارع عند المهاجرين إطاران اجتماعيان، فالأطر القديمة صارت بالية ولكن الأطر الجديدة لم تأخذ مكانها. يظل التعلّق بقانون العالم الاسلامي قائما، ويَحول احتقار نمط الحياة الغربي المتساهل والمتراخي، دون تبنّيه. ويظهر التناقض بين ما يطلبه التقليد وما يتمناه المرء وما يستطيعه.

رمزان لاضطهاد النساء
أ- الحجاب
الحجاب هو أحد رموز العالم الاسلامي. وهو موجود منذ العصور القديمة. لم تكن النساء العربيات، فيما عدا نساء الارستقراطية، يتحجبن. حافظت القرية أو القبيلة ببُنيتها القديمة، ولم يكن هناك حاجة الى حجاب. فضلاً عن أن الفصل الدقيق للنشاطات بين الرجال والنساء لم يكن يضطر الى اخفاء الوجه، فقط حين كن يُغادرن القرية الى المدينة يتحجبن حمايةً لهن من الغرباء. زادت صرامة الحجاب عندما تحول الاقتصاد القروي نتجَ عن ادخال المنتجات الغربية المصنوعة التي جعلت المُنتجات المحلية بالية أمامها. وأدّت هجرة السكان من الأرياف تدريجيا، وتقليد القرويين الأثرياء لـ"أكابر" المدن اللذين كانوا يحجبون نساءهم، إلى ازدياد ظاهرة الحجاب. في المدينة كان المجتمع التقليدي يشعر بنفسه مهددًا من غزو المظاهر الغربية، فكان الحجاب وسيلةُ لصونه. في الوقت ذاته، كانت نساء البرجوازية تتخلى عن الحجاب والحبس والمبادئ الأولية للشرع القرآني.
تلاحظ المؤلفة اختلاف درجة صرامة الحجاب في المناطق العربية المتنوعة، ففي مصر توضع لفحة محكمة تطوّق الوجه دون أن تخفيه، لكنها تخفي الشعر، والجبّة الطويلة التي تغطي الذراعين والرجلين دون أن تعيقها. بينما في أرياف العراق، العباية تخفي المرأة تمامًا. في الجزائر يوجد (الحيك) الابيض التي ترتديه النساء، وهو قماش طويل مشلوح على الشعر، ويغطّى أسفل الوجه بمنديل، لكن تفضّل بعض مناطق الجزائر الشرقية الحجاب الأسود، حيث تبقى العينين مكشوفة. في ظفار، تخبّئ النساء وجوهها وراء أقنعة جلدية مزيّنة، لكنها تعذيبية في ذلك المناخ الشديد الحرارة. في اليمن، االحجاب ما زال مستعملًا لكنه أخفّ.
تشهد الكاتبة ظاهرة مُتناقضة: من جهة تراجع الحجاب بنتيجة التعليم المدرسي والعمل ومُشاركة النساء الأوسع في الحياة العامة، ومن جهة أُخرى في البُلدان نفسها، عودة الحجاب الذي ترتديه النساء لأسباب سياسية، كمُطالبية بالتحويل "الأخلاقي" للحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حسب قِيَم الاسلام.

ب- ختان البنات
تذكر الكاتبة في هامش هذا الفصل، أن ختان البنات يمارس في مصر والسودان والسعودية واليمن والعراق والأردن وإلى حد ما سوريا، وهو واسع الانتشار أيضا في افريقيا حول الصحراء الكبرى وفي أثيوبيا والصومال. وتختلف نماذج هذه الظاهرة ومدى انتشارها حسب المكان المعني. فهي ممارسة متوحشة من منشأ سابق للإسلام، وتمارس في العديد من البلدان المسلمة بإسم الاسلام.
تذكر المؤلفة بشكلٍ مثير للإهتمام ثلاثة نماذج للختان. النموذج الأول قوامه الاستئصال الدائري للغلفة البظرية المشابه لختان الذكور، وهو "الأخف" تشويهًا. النموذج الثاني وهو الختان القطعي ويعني استئصال البظر كله، وهذا يحدث بشكل خاص في مصر ويضاف في أماكن أخرى استئصال الأجزاء الملاصقة للشفتين الصغيرتين إن لم يكن استئصالًا لهما بالكامل. النموذج الثالث يسمّى بـ"الختان الفرعوني" أو "التشبيك" المطبّق بشكل خاص في السودان وارتيريا والصومال. بالإضافة إلى استئصال البظر تتلقّى البنت استئصال الشفتين الصغيرتين وجزء كبير من الشفتين الكبيرتين، ثمّ يجري تخييط جزئي الفرج معا، فتبقى فتحة فرجية صغيرة تسمح بمرور البول ودم الطمث، ويُبقى على الفتحة بواسطة قطعة خشبية صغيرة أثناء اندمال الجرح. تُوسّع هذه الفتحة في ليلة العرس بواسطة "موس حلاقة"، ويُنزع تخييط المرأة عند كل ولادة، ثم يُعاد. يتسبب التشبيك في عواقب خطرة جدًا، فبالإضافة إلى البرود الجنسي الأبدي، يمكن أن يؤدي إلى اصابات بولية أو تناسلية تسبب الاجهاض أو االعقم، وإلى دورات طمثية بالغة الألم، وأكياس، وخرّاجات مهبلية، وسرطانات، وتعقيدات أثناء الولادة.
تدور التبريرات التي تستدعي هذه الممارسة حول تدارك فسق البنات، ما دام يفترض في الختان أنه يخفف عندهنّ الرغبة الجنسية.

الجزء الثاني: الوضعية الحقوقية للمرأة: الاصلاحات والثقل الاجتماعي
تذكر الكاتبة أن جزءً من الاصلاحات الشرعية (في إطار الاسلام) والتي تتصل جوهريا بالعائلة، يتمثل بتأويلٍ جديدٍ للشريعة يمسّ العائلة (السن الشرعية للزواج، منع الزواج القسري، التعليم الالزامي، دخول العمل المأجور، حضانة الأولاد، مشاركة النساء في الانتخابات، جرى تبنيها في الثلاثينيات)، لا سيما في المدن، بشكل خاص. أصبحت المرأة تحتل مكانًا أهم -بشكل خجول- بالرغم من بقاءها تحت الهيمنة. إن نمط الإنتاج أدى إلى تدمير الحرفة الصغيرة التي كانت تقوم بها بنات ونساء البيت، بعدما أدخل منتجات جديدة تزاحم هذه الانتاجات المنزلية، ومع هذا، تغيرت عادات الاستهلاك، وظهرت حاجات جديدة.
أدى النفوذ الغربي السياسي والاقتصادي الى تغيير النشاطات الاقتصادية لكلا الجنسين. وأدى دخول مُنتجات جديدة تُزاحم الانتاجات الصناعية المنزلية الى تدمير الحِرَف المنزلية الصغيرة التي كانت النساء تعمل بها، مما خلَقَ على نطاقٍ محدود تصنيعاً عدّلَ الأذهان شيئاً فشيئاً. تعدلت العادات الاستهلاكية تدريجياً وأُثيرت حاجاتٍ جديدة، وصار دخول الاناث الى المدارس ضرورة. وُلِدَت فئات اجتماعية جديدة مُرتبطة بالبزنس بالعالم الغربي.
كان النزوح من الريف عاملاً ساعد النساء في حالاتٍ كثيرة على اعتماد النساء على أنفسهن في هذا الوضع الجديد.
بالنسبة الى الدول التي انتشرت فيها الاصلاحات، فقد كانت تونس بالدرجة الأولى ثم العراق ثم سوريا ثم مصر. أما في أماكن أُخرى من ضمنها ايران، اثارت هذه الاصلاحات رد فعل عكسية عنيفة، بوصفها نوع من أنواع نبذ الاسلام وضياع الهوية. في الجزائر من ناحيةٍ أُخرى، تضافرَ عُنصران في ارجاع مشكلات المرأة الى المؤخرة: البحث عن الهوية بعد استعمارٍ طويل، والصراع الدائم من أجل السلطة فور نيل الاستقلال.

أ‌- اعادة الانتاج ومُراقبة الولادات
ان مُعدل الولادات (عدد الأطفال مُقابل كُل 1000 امرأة في سن الانجاب) في المناطق الاسلامية أعلى بكثير منها من المناطق غير المُسلمة حول العالم. يُلاحظ هذا الفرق في أوروبا والاتحاد السوفييتي بين السكان المُسلمين وغير المُسلمين (مثلاً الفرق بين اللبنانيين المُسلمين والموارنة في لبنان، والمسلمين والمسيحيين في مصر، الخ). ويَصعُب، من جهةٍ أُخرى، إقامة علاقة بين مستوى التطور الاقتصادي لمُختلف البُلدان المعنية ونسبة الأطفال للنساء القادرات على الانجاب. حيث يتعلق الأمر ليس بمُستوى تطور البلد الاقتصادي، بل بوضعية المرأة في كُلٍّ منها.
ترى المؤلفة أن الاسلام لا يُعارض مبدئياً مُراقبة الولادات، بالرغم من التوصيات القُرآنية بالتكاثر. أما فيما يخص منع الحمل، فسياسة البُلدان المُختلفة ليست على نمطٍ واحد، وكثيراً ما يكتفي المُشرعون بعدم التدخل. أنشأت البُلدان ذات النمو الديموغرافي المُرتفع جداً، مثل مصر والجزائر وتونس، مراكز تخطيطٍ عائلي، لكن جهودها غير مُثمرة، حيث تكبحها الذهنيات التقليدية للرجال والنساء وضعف مستوى تعليم السكان بشكلٍ عام. لذا نجد أن تقنيات منع الحمل الحديثة أكثر استعمالاً عن النساء البرجوازيات المُتعلمات. بالنسبة الى الاجهاض، فالاسلام، حسب المؤلفة، يسمح به شرط حصول التدخل قبل نهاية الشهر الرابع من الحمل، فيما عدا تونس حيث هو مشروع، فهو محظورٌ تشريعياً من جانب البُلدان الأُخرى.

ب‌- الزواج
ان موافقة العريسين، حتى الشكلية القطعية، يجب الحصول عليها من أجل الزواج نفسه، على الرغم من أن الفِرَق الاسلامية تعترف تقليدياً للأوصياء على الصبيان والبنات بحق الزامه في وعد زواج دون موافقته. الشرع التقليدي الحنفي والشيعي يُخوّل النساء اللواتي بلغن سن الرشد، أي البلوغ، أن يعقد زواجهن بدون وجوب أن يكون لهن وصيّ.
ان حالات زواج القاصرات لرجال كبار في السن هي كثيرة جداً، مع كل التشوهات النفسية والفسيولوجية التي يُمكن أن تنشأ عن ذلك. ينشأ عن تزويج فتيات في سن العاشرة والحادية عشر آثاراً بسبب الحمل، تتمثل في اجهاضات مُتكررة ووفيات أطفال مُرتفعة جداً، والعُطب الجسدي النسائي غير القابل للاصلاح في أحيانٍ كثيرة. بالنسبة الى الصبيان، فهذه الأعطاب غير واردة عند زواجه المُبكر.
منذ فترةٍ، أي في السبعينيات، تم تحديد السن الأدنى للزواج في مُعظم البُلدان الاسلامية، حيث 18 للشباب، والأمر يتفاوت بالنسبة للفتيات. في الواقع، السن الأدنى هي 15 في تونس والمغرب والجزائر، و16 في مصر، و17 في سوريا والأُردن.
عدد من العوائق يقف أمام التحديد القانوني لسن الزواج، ففي بعض الدول مثل سوريا، يتم التحايل على التحديد بأن تشترط أن يكون الزوجين "بالغين وسليمين". ولكن يقف تسجيل الزواج في السجل المدني كضمانة، في بعض الأحيان، ضد زواج القاصرات.

جـ- تعدد الزوجات
يُخوّل الشرع السُنّي أن يكون للزوج أربعة زوجات، وحسب المؤلفة، اذا كان مُنتمياً الى بعض الفِرَق الشيعية، فيُمكن أن يكون له ما يرغب من "الزوجات المؤقتة" و"المحظيات". والشرع لا يفرض على الرجل أن يحصل على اذنٍ خاص لكي يتزوج امرأة أُخرى، سواءً من المحكمة أو من زوجاته الأُخريات.
يستمر التعدد في الدول الاسلامية كحق للزوج يُبرره الشرع الديني ولا يُمكن الطعن فيه أو تعديله من قِبَل الأطراف المعنية حتى في عقد الزواج. ان القبول الرسمي بالتعدد، على الرغم من انحساره لأسباب اقتصادية- يُهدد الزوجة دائماً. يضغط هذا الخطر عليها لتكون "مثاليةً" أمام زوجها في كُل المجالات، وتقوم، كي يحتفظ بها زوجها بلا مُشاطرة، أن تلد أكبر عددٍ مُمكنٍ من الأبناء.
ان انحسار التعدد، يبدو نتيجةً مُباشرةً للظروف الاقتصادية أكثر منه نتيجةً لتشريعٍ اصلاحي مُصمم لهذا الغرض.
هكذا، سَعَت بلدان عديد، في السبعينيات، على تضييق هذه الممارسة. فقط الجزائر وتونس هي وحدها التي منعتها رسمياً. في سوريا والعراق، تطلب المحكمة من الزوج اذناً وأدلةً أنه قادر على إعالة أكثر من زوجة. أما في مصر والمغرب ولينان، تستطيع المرأة أن تجعل ذلك مُستحيلاً بالنص صراحةً على ذلك في عقد الزواج.
وفي النهاية، لم يختفي التعدد حيث مُنِع. يكفي عقد القَران أما شيخ مُتساهل، وعدم تسجيله في المحكمة المدنية، لكي يكون الزواج مُكرساً.

د- الطلاق
الطلاق هو حق للزوج ويُمكن عدم تبريره، أما المرأة ان طلبت الطلاق، فعليها أن تُبرهن على صلاح طلبها، وهذا يتطلب شجاعةً مُنقطعة النظير. حسب السُنّة، يحل الطلاق اما بنُطق الكلمة المعنية أمام أي شاهد، ولا تصبح الطلقة فعلية الا بعد فترة ثلاث دورات شهرية للزوجة أو اذا كانت حاملاً بعد وضعها. أو يُمكن نُطق هذه الصيغة ثلاث مران، في الأشهر الثلاث على التوالي. ويستطيع الزوج أن يتراجع عن قراره. يشيع كذلك استخدام "طلاق البدعة" وهو محرّم عند التقليد السُنّي، ولكنه قانوني. يكفي أن ينطق الزوج بالطلاق ثلاثة مرات أمام شاهدٍ حتى يُحلّ الزواج نهائياً، ولا يُمكن رجوع الزوجين معاً الا ان تزوجت المرأة رجلاً غيره، وتطلقت منه.
يحق للمرأة أن تُطالب بمؤخر المهر، وأن تُطالب به في المحكمة ان رفض الزوج ذلك. وعلى الزوج أن يُعيلها ما دامت "فترة الانتظار" قائمة.
ان الطلاق، لم يكن يستتبع عواقب اقتصاديةٍ خطيرة ما دام الأمر كان مُتصوراً ومُصمماً في حدوود العائلة الموسّعة أو العشيرة. كانت عائلة المرأة المُطلقة مُلزمة بعددٍ من الواجبات المعنوية والمادية نحوها. ان حق المرأة في الرجوع الى بيت ذويها فوق النقاش، وكذلك التكفل بها.
يتم تنظيم الأُمور في الدول الاسلامية كي تستطيع امرأة مُطلقة أن تتزوج من جديد بأسرع ما يُمكن، ويزيد الأمر سهولةً أن العديد من المُطلقات صغيراتٍ في السن. في المُقابل، لكي تكون حظوظها في الزواج الجديد كبيرة، تخضع المرأة المُطلقة لنفس الارغامات والمُراقبة الشديدة التي تخضع لها الفتاة العازبة. يكون الهدف المنصوب أمام عائلتها هو أن تتزوج بسرعة، وهي تنتقل من وصاية الأب أو الأُخوة الى وصاية أُخرى، أي الزوج، والعكس حين الطلاق. في أحيان كثيرة، تكون حظوظ المرأة المُطلقة لفي الزواج كبيرة، فتقدّم عمرها وحالتها كغير عذراء يجعلان العائلة أكثر تساهلاً فيما يتصل بالمهر المطلوب من الخاطب.
تقول المؤلفة، أنه بالرغم من الاحتياطات التي اتخذتها الشريعة لحماية المرأة المُطلقة الى حدٍّ ما، فإن اللامُساواة الأساسية في هذا الميدان، بين حقوق الرجل وحقوق المرأة، غير الموجودة تقريبا ساقت تشريعات كثير من الدُول العربية الى اصلاح حالة صارت لا تُطاق بالنسبة الى الكثيرين.
من بين أهم الاصلاحات التي أُدخِلَت منذ مَطلَع القرن، هو حق المرأة في الحصول على حلٍّ للزواج. تستطيع المرأة الآن، في قسمٍ كبيرٍ من العالم الاسلامي، أن تطلب وأن تنال فك الزواج، اذا ما أقامت الدليل على أن زوجها غير سليم العقل أو أنه مصاب بمرض يُعرض الحياة الزوجية للخطر أو أنه قاسٍ أن مُهمل. ولكن يَصعُبُ في أحيان كثيرة اثبات تلك القسوة. فالمرأة مسؤولةً من الرجل، ويستطيع إن لم يرضى عليها أن يُمارس ضدها "عقوباتٍ جسدية" لا تُعتَبر بالضرورة "دليلاً على القسوة". تضرب مينس، مثالاً مُثيراً للاهتمام. ففي مصر، تنال المرأة الطلاق، على أساس القسوة، حين تُعتَبَر المُعاملة التي تخضع لها "لا تُطاق بالنسبة لشخصٍ في وضعيتها الاجتماعية"، وهو أمر، يُدخِلٍ تمييزاً طبقياً واضحاً في مفهوم القسوة ذاته: كما يعلم كُل واحد، جرَت العادة في الأوساط الشعبية على أن النساء يَضرَبن!
كانت سوريا عام 1953 هو أول بلد اشترطَ اجراء تحقيق للتأكد من صواب حُجج رجل يرغب في الطلاق. كان القانون ينص على أن الزوج اذا ما طلّقَ بدون أسباب مشروعة فهو مُلزم بأن يدفع لزوجته تعويضاً يُعادل نفقة سنة. أصدرت تونس عام 1956 قانوناً مُشابهاً دون تحديد مبلغ التعويض. وتَبِعَها فيما بعد العراق واليمن الجنوبي.
في تونس والجزائر، جرى الاعتراف بحق المرأة في طلب الطلاق بدون أن تقدّم مُبرراتها على أن تكون مُستعدة لدفع تعويضٍ للزوج على قطع الزواج.
ما زال الأمر قائماً أنه يكفي للزوج أن ينطقَ بصيغة الطلاق، ثم يُبلغ السلطات بذلك، دون أن يكون مُلزماً بابلاغ زوجته، حتى تجد المرأة نفسها مُطلقة. أما الزوجة، فعليها أن تٌقدّم مسعاها وأن تُبرره أمام المحكمة.
تغيرت الظروف الاقتصادية والاجتماعية، بحيث لم يعد التضامن العائلي يلعب دوراً كبيراً، ما عدا وسط القبائل ووسط الفلاحين حينما لا يكونون فقراء جداً، في أن تكون المرأة عبئاً لا يُحتمل.
بالنسبة الى الأرملة، فحظوظها في الزواج أقل بكثير. اذ عليها أن تظل وفيةً لزوجها وأولادها، تحتضنهم، وتعيش حياة عفة وتنسّك.

هـ- حضانة الأولاد
الشرع التقليدي صارم فيما يتعلق بالأولاد. فالمُطلقة والأرملة ليس لهما الحق في الحضانة الا خلال فترة محدودة، بعدها ينتقل الأولاد تلقائياً الى الأب بالنسبة الى المُطلقة، والى أقرب قريب من جهة الأب من جهة الأرملة. وعلى الطفل الذكر أن يُسحَب من أُمه عند الفطام في الثانية من عمره، وتبقى البنت عند امها حتى السابعة.
المذهب المالكي وحده يُخوّل الأم حضانة الصبيان حتى سن البلوغ والبنات حتى سن الزواج. يكفي أن تُعتَبَر المرأة غير كفء مادياً أو معنوياً للعناية بالولد حتى يُسحب منها ذلك الحق القصير، ونفس الشيء اذا ما تزوجت رجلاً ليس له رابط مع الولد. يُمكن أن نتصور الآلام التي تُعانيها المرأة والأولاد في حالة الطلاق: لا يُسمح لها سوى بزيارتهم بعد انتهاء فترة حضانتها لهم. هذا أيضً أحد الأسباب التي تجعل النساء يمتنعن عن مُمارسة حقهن في فك الزواج.
في هذا الوقت تم تعديل هذه القواعد التقليدية المُتصلة بحضانة الأولاد باتجاه المرونة. في مصر منذ 1929 المحكمة هي التي تُقرر من ستكون له حضانة الأطفال الذكور الذين بلغوا السابعة والفتيات اللواتي بلغن التاسعة. وطُبّقَ نفس الشيء في سوريا وتونس والعراق.

و- الارث
بشكل عام، للمرأة الحق في حصتها من التَرِكة وتستطيع من الناحية النظرية أن تُديرها لنفسها دون مُشاركة أحد. ولكن في الواقع، من الوارد جداً أن يُعهَد لها بحصتها من التَرِكة، اما لأنها تترك ادارتها لاخوتها أو لأن هذه الحُصّة لا تُسلّم لها. قبل الاسلام لم يكن يحق للمرأة أن تَرِث، ولكن الاسلام كَفِلَ لها هذا الحق. ولكن كما في الميادين الأُخرى، كانت اللامُساواة هي القاعدة، وذلك، كما يقول بعض الفُقهاء لأنها تحت الحماية والاعالة بفضل شرع العائلة القُرآني، فهي ليست بحاجة الى التصرف بأملاك أو أموال على قدم المُساواة مع الرجال. هكذا، حُصة المرأة من التَرِكة، هي في جميع الحالات نصف حصة الرجل. تذكر الكاتبة عدة حالات تختلف عما ذُكِرَ أعلاه.
سُنّت بعض الاصلاحات المتواضعة جداً هنا أيضاً في تونس والعراق ومصر والعراق، حيث يُمكن أن تُزاد حصة البنات اذا ما اتخذ الزوج أو الأب ترتيبات بوصيةٍ لصالحهما.

ز- التعليم في المدارس والعمالة
هذه الاصلاحات القانونية كانت تقدماً ايجابياً لوضع المرأة. ولكن هذه الاصلاحات مُتقدمة جداً على العقليات، وهي لا تملك قوةً آمرة بقدر ما لا يُعاقب من يُخالفها، والدعم العلني أو الخفي من جانب القُضاة والرأي العام مكسوب لصالحهم (لصالح مُخالفيها).
تقول مينس ان احدى الوسائل لتغيير الأذهان في اتجاه أكثر حداثة تبقى هي نمو التعليم المدرسي للأطفال من الجنسين. ولكنه لا يُساورها الشك بأن هذا التعليم نفسه، يتوقف على الايديولوجية التي ينقلها ذلك التعليم وعلى نقاط الاستناد (أحزاب سياسية، جمعيات، الخ) التي تستطيع الاعتماد عليها. ان تعليم الفتيات في المُجتمعات التقليدية العربية، مثل الجزائر وتونس والأردن ومصرهو خطوة كبيرة الى الأمام.
الفتيات اللواتي ينتمين الى الطبقات الاجتماعية الأكثر يُسراً هن اللواتي يستطعن مواصلة الدراسة حتى الحصول على شهادات جامعية، ويستجبن لحاجاتٍ اجتماعيةٍ اقتصادية، ويُمارسن مهناً قلما يتم التنافس بينهن وبين الرجال فيها، مثل المُحاماة والصحافة وطب الأطفال والنساء.
يعرف العالم الاسلامي في مُجمله، وخاصةً العالم العربي منه أدنى مُعدّل في تعليم النساء. حسب احصائيات اليونيسكو 85% من النساء أُميات عام 1970. وفي نفس السنة كانت 84% من الفتيات بين العاشرة والربعة عشر اميات في ليبيا. هناك أيضاً تباين واضح بين دراسة الفتيات ودراسة الصبيان، بالرغم من تلاشي الفرق تدريجياً ان كانت الفتيات يُمثلن ما مجموعه 50% من مجموع تعداد العُمر المدرسي، فهن 3% في اليمن الشمالي عام 1973، ويزداد الفرق بين تعليم الصبية والفتيان مع دخولنا المرحلة الثانوية.
ما زال شائعاً حبس البنات لتقييم عٌذرية البنت، وما زال شائعاً أيضاً اعتبار أن التعليم الطويل "يُقلل أُنوثة" البنات ويؤخر الزواج ويؤثر على خصوبة النساء. وتخشى العائلات التقليدية من التعليم خوفاً من مواقف الفتيات تجاههم، فقد تتداعى الطاعة والخضوع والتواضع، ومن شأن ارتياد المدرسة أن يُنمّي بشكلٍ خطر مطالبهن من الحياة ما دُمن يكتشفن في المدرسة إمكان وجود شيء آخر غير الذي يُكرّسنَ له. بالرغم من ذلك، يظل الزواج هو الهدف الذي يجب بلوغه. ولكن أصبَحَ الشُبّان أقل عداءً بكثير لفكرة الزواج من فتاة مُتعلمة، ان كانت في توافقٍ مع المعايير التقلبيدية. فحتى إن كُنّ يعملن، فإن أجرهن المادي والاعتراف الاجتماعي بسُلطة الرجل لا يُهددان وضعية سُلطته كزوج.
ان الضغوط الاقتصادية الناجمة في أحيان كثيرة عن التغيرات في عادات الاستهلاك تجعل الشُبّان يقبلون أن تعمل زوجاتهم بسبب المزايا التي يوفرها أجرٌ مُزدوج. وتُضيف الكاتبة، أن عمل النساء وأهميتهن الاقتصادية لا تحظى بالاعتراف، وتؤكّد ان النساء يعملن أكثر من الرجال. فبالاضافة الى عمل الحقول أو المصنع (منذ فترة وجيزة) تُضاف الأعمال المنزلية والعناية بالأولاد. يشتركن في الريف في كل النشاطات الزراعية ويُربين الحيوانات ويغزلن الصوف ويحكن البُسُط والخِيَم ويصنعن السِلال والأقمشة للثياب التي يخطنها ويرتقنها الخ. لكن هذه النشاطات كلها لا تؤخذ في الحساب ما دامت بدهية. أخيراً، يتقاضى النساء دائماً أجراً دون الحد، حتى ان كان القانون، كما في تونس أو العراق أو مصر، يُحرّم ذلك.



الجزء الثالث: مثالان
- من المغرب الكبير: الجزائر
تحررت الجزائر بعد مئة وثلاثين سنة من الاستعمار الفرنسي عام 1962، بعد نضال دامٍ استمر ثماني سنوات. شاركت النساء الجزائريات من كل الأصناف الاجتماعية في النضال، خدمن كعاملات ارتباط، حاملات قنابل، ممرضات، خبأن رجال المقاومة، أطعمنهم، حمينهم. اعتقلن، وعذّبن في أحيانٍ كثيرة، كالرجال. هذا ما ترك حينها في الأذهان، أن استقلال الجزائر سيرافقه حتما تحرر النساء.
تقول مينس، أن فرانز فانون كان يعتقد أن أمثلة التفاني والنضج السياسي التي أعطينها النساء في النضال المسلّح ضد الاستعمار، من شأنه أن يُحدث تبدلات ثورية، وتغييرا للأذهان لا رجوع عنه فيما يخصّ وضعية النساء.
كان هدف جبهة التحرير الوطنية الجزائرية، وهي حركة قوموية التحقت بها مُختلف الاتجاهات القوموية الأُخرى، استرجاع استقلال الجزائر. ولكن كانت الجبهة غير قادرة على تحديد مُحتوى هذا الاستقلال. بالاضافة الى ذلك كان مطلوباً من الجبهة كسب مُساندة الجماهير التي بقيت مُتمسكة بالتقاليد الاسلامية الدينية، لا سيما وأنها كانت الشكل الرئيسي لمُقاومة الايديولوجيا الاستعمارية، مما أدى الى فرض الممارسات الدينية في بعض الأحيان وجَعَلَ بعض دُعاة "الجزائر فرنسية" يقولون أن فرنسا تُواجه "حرباً مُقدسة". وكان يُنظَر الى الحُقبة السابقة للاستعمار، التي قلما يعرف المُسلمون عنها شيئاً، وكأنها حُقبة ذهبية يجب العودة اليها. فلم يكن وارداً أن يُعاد النظر في بُنى هذا المُجتمع، بل يجب العثور عليه مرةً أُخرى.
الجزائر كانت مُحافظة فرنسية يسكنها مُواطنين من الدرجة الثانية، وكان يُنكر عليهم أي تمثيل سياسي وأي هوية وأي تعليم للغة العربية. وكانت المدارس مُصممة للسكان الأوروبيين فقط وتُعلّم باللغة الفرنسية. أما الكتاتيب فقد كانت قُرآنية، وانحدرت منذ العشرينيات كماً وكيفياً. المدارس العامة كانت مفتوحةً للأولاد الجزائريين، وقلما يدخلونها، فسُكّان الأرياف كانوا فقراء وبعيدين جداً عن المراكز المدينية. أما في المُدن، فكان الأولاد يُرسَلون الى العمل بأسرع ما يُمكن.
بين السنوات 1959-1962، وهي سنة الاستقلال، ارتفعَ عدد التلاميذ في المدارس الابتدائية والثانوية. وكان على النساء أن ينقلن هذا التعليم. ولكن النساء أنفسهن لم تدخل المدارس. لقد كان تعليماً مُرتكزاً على التقاليد والعُرف والتعاليم السحرية الدينية.
من وجهة النظر الاقتصادية، سيطر المُستعمرون على 3 ملايين هكتار من الأراضي الزراعية الخصبة، وكانوا يزرعونها محاصيل لا ستهلكها السكان الجزائريون، مثل العنب. كانت البطالة مُنتشرة بين السكان الجزائريين لدرجة اضطر العديد من العائلات اما الى الالتحاق بالمُدن أو الهجرة الى فرنسا.
حين انفجرت الانتفاضة عام 1954، انضم اليها الفلاحين الذين نَفِذَت اليهم الشعارات القومية. ولكن حتى شعار الاصلاح الزراعي لم يُؤخذ في الحساب ليصير احدى نقاط القوة في أهداف جبهة التحرير.
التَحَقَ مُختَلَف الكوادر القومية البرجوازية الصغيرة الى الجبهة منذ عام 1956، مما عزز طابعها الاجتماعي المُحافظ. وبعد ذلك بسنة، وباشتداد المعارك، اضطر العديد من رجال المُقاومة الى الالتجاء في الأرياف، وقام الجيش الفرنسي بحلول عام 1959 بسحق مناطق القتال، وتم تجميع مليون جزائري في مُعسكرات واضطر مئات الألوف الى اللجوء الى تونس أو المغرب. نظراً لما جرى في المُدن، انتقل عبئ الحرب بالكامل الى الفلاحين منذ عام 1957. وعندما فتكت عمليات "التهدئة" و"اعادة تجميع السكان" بالريف، توقف عن القتال، وتابعت المُدن القتال من جديد، رُغم فقدان الاتصال مع القيادة الموجودة في الخارج.
خلال هذه الفترة، كانت النساء يُشاركن في الحرب. ولكن هذا لم يُغيّر شيئاً من وضعيتهن، ولم يُغيّر واقع مُشاركتهن في الكفاح، من النير البطريركي. أولاً لأن التغيير الاجتماعي لم يكن هدفاً على قائمة المناضلين، بل استرجاع نمط الحياة القديم ما قبل الاستعمار. بالرغم من كونهن مُضطهدات من الرجال، كان هذا الاضطهاد يبدو لمُعظمهن أقل ثِقَلاً من اضطهاد الاستعمار، ولم يكن لدى مُعظمهن وعي بالاستلاب المُزدوج الذي يخضعن له.
حين أصبَحَ القمع اشد قسوة، كلف المناضلون النساء بمُتابعة المهام التي لم يعد باستطاعتهم مُتابعتها. لم يكن يُستند بهن الا لأنه لم يعد ثمة سبيل. بعبارةٍ أُخرى، استُخدِمنَ لأنهن نساء. كانت بعض النساء يُرسَلن، بموافقة ذويهم أو اخوتهم، الى مناطق الثورة كمُمرضات أو عاملات ارتباط هرباً من الجيش الفرنسي الذي لم يكن دائماً يحرم نفسه من اغتصاب النساء عند احتلال القُرى. لقد كُن "أخواتٍ" للثوار، أي لا يمسهن أحد.
حين لم يكن يُشاركن مُشاركةً نشيطةً في الكفاح، كان يُطلَب منهن أن يُشكلن جماعات ضغط على ادارات السجون لمعرفة في أي مُعسكرٍ أو سجنٍ بوجد أقاربهن. في المُدن، كانت النساء، اللواتي يحميهن الحجاب، والذين تعتبرهن السلطات الفرنسية مُتمسكة بالتقاليد من أن تتعاطى نشاطاتٍ تخريبية، يتسللن حيثما لا يُمكن للرجال أن يفعلوا، لتمرير القنابل. لم يكن التفتيش يُصيب النساء، حيث لم تكن السُلطة الفرنسية تُريد إغضاب "المُسلمين" بأن تمد يدها على نسائهم.
تصرفت النساء تحت التعذيب بشجاعةٍ لا تقل عن شجاعة الرجال، واتخذ بعضهن وجه "بطلات قوميات" ابرزته جبهة التحرير لأسباب الدعاية، لكي تُبيّن للرأي العام الدولي والفرنسي أن النضال الذي تقوده "تقدمي".
ان اشتراك النساء في النضال، كان يجب في رأيهن، أن يُسرّع العودة الى الأصول والتقاليد. ما أن تنتهي هذه المهمة حتى يَعُدن الى بيوتهن حيث مكانهن الحقيقي. حافَظَ الاسلام على تأثيره، وكان وسيلةً لمُقاومة الاستعمار. ومما كان يزيده صلابةً أنه ينبغي أيضاً مُجابهة الاغراءات "الليبرالية" التي يُحسها المُهاجرون الذين يعيشون في فرنسا والجزائريون المدينيون الذين يتعلمون الثقافة الفرنسية. لم يكن النساء، فيما عدا الطالبات، مُستعدات للاضطلاع بالتغيرات العميقة التي يقتضيها بناء مُجتمع جديد: أُمية عميقة، عدم مشاركة في حياة مهنية ذات دخل، تربية بطريركية.
عندما حلّ الاستقلال عام 1962، أُعيدت النساء الى بيوتهن. منحهن الاستقلال حق التصويت، ونص القانون على أن الحد الأدنى لزواج الفتاة 16 عاماً، لكن لم تكن موافقتها الشخصية مطلوبة. حُرِّمَ الزواج القسري والزواج المُبكر وتعدد الزوجات. لكن رُغم هذه الاصلاحات قلما تغيّر وضع المرأة ودورها.
في الصراع السياسي على السُلطة في القمة، استُخدِمَ الاسلام لتقوية ركائز أطراف الصراع. أُعلِنَت مثلاً المُحافظة على صيام رمضان معياراً للصفة الجزائرية. واقترَن الانضباط الديني والقومية. تمأسسَ هذا الأمر وصار الضغط الاجتماعي قوياً بحيث أن غير المؤمنين أنفسهم مضطرين الى التوافق مع الدين. لم تُحاول جبهة التحرير، ثم الدولة الجزائرية أن تتبع سياسة انعتاق المرأة. وما زاد الطين بلّة، الانقلاب الذي رَفَع هواري بومدين الى السًلطة عام 1965، حيث كان ذلك بالنسبة الى النساء خطوةً الى الوراء بالنسبة الى الفترة التي سبقتها.
ظلت التحريمات المُتصلة بالزيجات القسرية أو المبُكرة لا تلقى الاحترام، وغلَبَ الشرع الديني القانون المدني. كانت حماية المرأة المُطلقة ضعيفة في التشريع الجزائري، وحتى لو اعتُرِفَ بحق العمل للنساء، الا أنهن لم يُمثلن سوى 6% من سًكّان المُدن الذين لهم عمل. كان يُعتَبَر طلب عمل المرأة، في بلدٍ تعج بها البطالة، وقاحة شديدة. بين 1965-1975 تم استحداث حوالي 60 ألف وظيفة عمل فقط، وفي عام 1978 كان يوجد حوالي 800 ألف عاطل عن العمل مُسجلين ومليون شغيل في الخارج. على الصعيد السياسي كانت الجماعات التقليدية ذات تأثير واسع لا سِيَما أنها مكنت الحكومات الثلاث التي تعاقبت منذ الاستقلال بالاستناد المرجعي الى التقاليد الأكثر تخلفاً، وتم بفضلها كسر كل مُعارضة أو حركة نقابية.
الهجرة الريفية لم تنقطع رغم الاصلاح الزراعي الذي تعتبره مينس فشلاً. تضخمت المُدن التي أُحيطت بمُدن الصفيح، وتفاقم الفقر والبطالة والبغاء.
بالرغم من سيادة العائلة النووية على العائلة الموسعة في المدينة، الا أنها اصطدمت بمراقبة الصون الدقيق للمبادئ الدينية فيما يخص النساء. وحلّت الاذاعة الحزب والسُلطة والمدارس محل العائلة الموسعة في ممارسة المُناداة بالقِيَم الاسلامية.
ان التعليم في المدارس، ورغبة الشبّان في عيش نمط حياة حديث على مثال اوروبا يُشكّل خطراً على القِيَم التقليدية. فوُلِدَت كرد فعل على ذلك جماعة الاخوان المُسلمين التي تستند على قاعدة الوعي الجماهيري التقليدي، بالرغم من أنها لا تُلائم المشاريع الاقتصادية للجزائر. وفي الوقت نفسه، لا تزال السُلطة الحاكمة تتمسك بنزعتها القوموية التي ترد نفسها الى الاسلام، حتى ولو كانت تنشد مُجتمعاً "اشتراكياً".
النساء في الأرياف أو المُدن الصغيرة واقعاتٍ تحت ضغط القواعد. انتشَرَ الحجاب في المدينة، وعزّزَ مجيء الفلاحين الى المدينة الضغط المُمارس عليهن. وبالرغم من أن الاستقلال قد مَنَحَ النساء كل الحقوق المدنية-السياسية، الا أنها لكي تُشارك في نشاطاتٍ عامة ما زالت في الغالب بحاجةٍ الى اذنٍ من الأب أو الزوج، حتى من الناحية القانونية.
لا يوجد في الجزائر تنظيم للنساء. الاتحاد الوطني للنساء ليس سوى شريط نقل وايصال من جبهة التحرير الى النساء. ان دوره هو المُسايرة والتأجيل أكثر منه تعبئة النساء بشعاراتٍ نسوية.
ان نسبة الفتيات في التعليم تزداد، ولكن الفارق بين نسبة الفتيات في المدارس في المُدن والأرياف لا تزال كبيرة. يتظاهر الارغام الجنسي في المدرسة والجامعة. حتى في المدارس المُختلطة، الفصل بين جنسي الأطفال يقوم "بشكلٍ طبيعي". أما في الجامعة فقد يُفرَض على طالبات أن يُقدمن شهادة عُذرية من جانب مُديرٍ يشتبه بسوء سلوكهن، وهذا ماحَدَثَ سنة 1972 في العاصمة.
صحيح أن المرأة المتزوجة التي تخرج من اطار والديها وتتزوج تشعر بحريةٍ أكثر. ولكن يبقى أن القيود على النساء المُتزوجات لم تخف كثيراً، ذهابهن الى العمل أو المدرسة ينتسب الى ضرورة ليس مُستطاعاً ضدها شيءٌ كثير. تتنقل النساء المتزوجات شرط ارتدائهن الحجاب.

- من الشرق الأدنى: مصر
بعكس الجزائر، مصر أُمة قديمة لم تُوضع هويتها موضع التساؤل. لهذا السبب على الأرجح كان لها منذ أواخر القرن التاسع عشر انتلجنسيا مُتسنيرة تستند الى الفكر الغربي، انفصلت عن جامعة الأزهر. كانت النساء منذ عام 1920 عاملات انتظَمن وفرضن القوانين الأولى الضابطة لاستخدام النساء في المصانع والمُنشآت التجارية، وكان عملهن طويلاً جداً، كان يصل الى 16 ساعة عمل مُقابل أجر زهيد، وحَصَلن، بفضل نضالهن تدريجياً على تحسينٍ لشروط عملهن واجورهن.

نشأت في مصر بداية القرن العشرين (1923) حركة نسوية بقيادة هُدى شعراوي. رأت هذه الحركة أن الوضع السيء للمُجتمع المصري ناجم عن حبس النساء. أسست هُدى شعراوي في مطلع الأربعينات الاتحاد الوطني للنساء العرب.
دَفَعَت الحركة النسائية الى انشاء مدارس لتعليم البنات، ومنذ عام 1928 فَتَحَت الجامعة أبوابها للشابات. وسيتم تحريم الزيجات المُبكرة والقسرية وسيستطيع الزوجان عقد قران دونما حاجة الى موافقة ولي أمر. بكلمات أُخرى، مصر متقدمة على مُعظم البلاد العربية فيما يتعلق بحقوق المرأة. وقَوِيَ اتجاه الاصلاحات بهذا الخصوص بوصول جمال عبد الناصر الى الحُكم عام 1956، حيث أُعلِنَت مجانية المدرسة للذكور والاناث وصار الاختلاط الناجم عن قلة الغرف الصفية سياسةً لوزارة التربية والتعليم. قَويَ هذا اللاصلاح كذلك منذ عام 1979 رغم ضغوط الاخوان المُسلمين. تم وضع المزيد من العوائق أمام تطليق الرجل لزوجته، وصار مُلزماً أن يُبلغ زوجته بالطلاق، وبأنه اتخذ زوجةً ثانية، ويستطيع القانون بالارغامات الاقتصادية أن يضع عوائق جدية أمام الزوج الراغب في تطليق زوجته او اتخاذ زوجة ثانية. وتم تمديد فترة حضانة المرأة لأولادها، بالرغم انه، مُقارنةً بالجزائر ظل تعدد الزوجات مسموحاً.
على الرغم من كل هذا، هناك تفاوت كبير بين التشريع والواقع. فكثيراً جداً ما كان يتم الالتفاف على القانون.
في ظروف بيئة المُدن، يظل وضع النساء أسوأ من وضع الرجال، لا سيما النساء العاملات. في هذه البيئة المُبلترة، تبدو العلاقات بين الرجال والنساء حرةً بشكلٍ مُدهش. النساء لا يختبئن لدى وصول رجل، والمحادثات بينهم ليس أمراً شاذاً، وكانت النساء المُثقفات تبرر ذلك بأن المدرسة وحق العمل ومُمارسة العمل المأجور سمَحَ للنساء باكتساب مزيدٍ من الثقة الذاتية.
في الأرياف لم تتغير الظروف رغم جهود الدولة. لا زال الحجاب مسيطراً، ويسود العزل في حالة لم تكن النساء تعمل في الحقول، وجرائم الشرف، وهي تابعة اقتصادياً، وتتم الزيجات بين أولاد العم بقرارٍ من الآباء، والزواج المُبكر. راهنت الأنظمة المُختلفة التي تعاقبت منذ العشرينات على المراسيم أو القوانين لتحديث الأذهان، ولكن في كثيرٍ من الأحيان لم تكن النساء يعرفن حقوقهن. الحركة النسوية كانت في بدايتها تُخاطب نساء الطبقات الأكثر يُسراً متأثرين بالغرب. ان حضور الأبقاط والجاليات الأجنبية ساعَدَ في ادخال الأفكار الآتية من الغرب.
لم يكن الاسلام هو المرجع الوحيد لهذه الانتلجنسيا، حتى انتلجنسيا السُلطة. لقد كانت انتلجنسيا كوسموبوليتية، فقد كانت مُنفتحةً على كل التأثيرات. ان الهوية التي ترجع لها هذه الانتلجنسيا هي هوية المصري. المثير للاهتمام فيما يتعلق بمصر، هو أسبقية الاصلاحات نسبةً الى بُلدان العالم العربي الأُخرى، فهي أسبق لكنها لا تذهب أبعد في مصر منها في غيرها. المرأة ليست من الناحية القانونة أكثر انعتاقاً في مصر من المُدن العراقية أو السورية أو التونسية، لكن مفاعيل هذه الأسبقية ظهرت في الحياة العادية بشكلٍ أكيد. المرأة المُتحررة مقبولة أكثر، والعازبة مقبولة بلا تحفظ، ويُسمح لها بحياة شخصية وجنسية، على الأقل في المُدن. هناك فقط حقد طبقي ورد فعل حاد على الطبقات شديدة التمغرب، والتي نهبت البلاد، ليست لأنها لا تتوافق مع الاسلام، بل لأنها استولت على ثروات بلدٍ فيه الطبقات الشعبية والفلاحية فقيرة بشكلٍ مُرعب. ان حركة الاخوان المسلمين، القوية جداً في مصر، تستطيع أن تنتقد هذه الطبقات الحاكمة بوصفها ابتعدت عن الاسلام، وهذا ما أدى، بنظر تلك الحركة، الى ظهور الصعوبات الاقتصادية التي يُعاني منها البلد. وهكذا نرى، بالرغم من أن التيار العام يذهب باتجاه تحرر النساء، نرى نساء شابات مُثقفات يعُدن الى التقاليد. هذا السلوك الجديد ذو تضمين أخلاقوي وسياسي ويلتحق بموقف الاخوان المُسلمين الذين ليست هذه النساء مُناوئة لهم.
بالرغم من أن ختان البنات ممنوع منذ سنة 1959 الا أنه يُمارس على نطاقٍ واسع، حتى في العائلات المُثقفة. هذا الموضوع مسكوت عنه. يُمكن أن يُطرَح هُناك موضوع تأخر الأرياف ذهنياً والزواج والطلاق وحضانة الأولاد، ولكن ليس الختان، وقليلٌ جداً من النساء المثقفات يفضحن هذه العملية، ولا توجد أي حملة تتوجه الى العائلات التقليدية للتوعية ضد هذه المُمارسة.
أُنشِئَت في الأرياف مؤسسات طبية للاستشارة وتحديد النسل. تؤثر هذه المراكز تأثيراً كبيراً في مواقف الكثير من نساء الأرياف، وتحصل من خلالها على مانعات العمل. ورغم الداعية النشيطة من المُمثلين الحكوميين المحليين والممرضات، فما زالت الأذهان متخلفة حتى تذهب بهذا الاتجاه، حيث الجهل وزن مساجد القُرى وغياب عقاب مُخالفة القانون.
بعكس الجزائر، يوجد في مصر مكان لحركة نسوية تستطيع، وان كانت تنطلق من الفئات النسائية الأكثر امتيازاً، أن تُصيب النساء الأكثر حرماناً وأن تُعلمها عن الامكانات التي يُمكن أن تُوفرها الاصلاحات الجديدة.

- خاتمة الكتاب: في الساعة الراهنة أين وصلت الأُمور
صحيح أن بُلداناً عديدة "حدّثت" تشريعها، الا أن الحياة اليومية لغالبية النساء لم تتحسن تقريباً. التحديث أصاب بعض نساء المُدن التي تنتمي الى المراتب الاجتماعية العُليا. لئن كان في وسع هؤلاء النساء أن يُمارسن كل النشاطات المهنية وأن تعيش حياةً هانئة، فإن الغالبية العُظمى من النساء من الطبقات الفقيرة ما زالت ترزحُ تحت وطئ التقاليد. من جهة أُخرى، ان نفس المعرفة بالعالم الخارجي وغياب الخيال الذي يُتيح لها تصور أنماط علاقات أُخرى لا يقودها الى الكفاح من أجل تغيير شروطها.
ان النسبة المئوية للنساء العاملات بأجر هي أدنى نسبة في العالم، ومعدل الولادات هو الأعلى.
ان الاصلاحات كانت دائماً تتم، في كل مكان، في اطار الاسلام. وان أُعلِنَ عن مساواتهن في الحقوق السياسية الى حدٍ ما للرجل، فقد ظلّت في كل الميادين الأُخرى غير مُتساوية. في البُلدان التي أولت الدولة فيها اهتماماً خاصاً، فقد حصل ذلك في مُعظم الحالات لأن الديموغرافيا صارت مُعضلة مركزية، وبالتالي مُعضلة اقتصادية، ولم تكن ارادة تحرير النساء هي الدافع. وكان الاعتقاد ولا زال قائماً بأن تغيير الأذهان يجري من تمدرس البنات وانخراطهن في العمل المأجور ان السيرورة التي يُمكن أن تُتيح للنساء التحرر بالعمل بأجر، بطيئةً جداً، وهي، كما هو الحال في الغرب، ارغاماً اضافياً تكون الصعوبات الاقتصادية وحدها هي التي تُجبرهن على قبوله، أكثر من كونه تحريراً.
تُلاحظ المؤلفة أن عديداً من النساء المُنتميات الى النُخَب والمُتعلمات اللواتي لهن امكانية عيش حياة مُستقلة، يُحققن رجوعاً قوياً نحو التقاليد، كما هو الحال في مصر. ان "رجوعاً الى الأُصول" كهذا يُمثل في الواقع تأكيد قِيَم الاسلام في وجه القِيَم الغربية المُعتَبَرة غير مُطابقة لهذه المُجتمعات. انه موقف سياسي هدفه اقامة دليل على أن الاسلام هو خيار بديل عن الغرب. ترى المؤلفة، أن نمو وزن البلدان البترولية على المسرح الدولي كان أحد الأسباب المُقررة لهذا الرجوع نحو "الأصالية".



#أسيل_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلخيص كتاب (المرأة في العالم العربي) للكاتبة جولييت مينس


المزيد.....




- الأولى من نوعها..دراسة تكشف التغيرات بدماغ المرأة خلال الحمل ...
- “التسجيل مفتوح” سجلي الآن بسهولة في منحة المرأة الماكثة في ا ...
- وزارة المالية: تحديـــد سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024 تب ...
- لأول مرة.. دراسة ترصد التغيرات التي تطرأ على دماغ المرأة أثن ...
- قدم من هنا .. لينك التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت الج ...
- الهند.. زعيمة محلية وأنصارها يضربون رجلا هددها بالاغتصاب (في ...
- وزارة المالية الجزائرية.. توضيح هام بشأن سن التقاعد للنساء ف ...
- طالبان تحظر على المرأة رفع صوتها أو الضحك علنا.. تعرفوا على ...
- “قدمي الآن” رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت لعا ...
- للمتقاعدين الجزائريين.. السن القانوني للتقاعد للرجال وللنساء ...


المزيد.....

- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أسيل عبيد - تلخيص كتاب (المرأة في العالم العربي) للكاتبة جولييت مينس