|
لماذا نحن مغفلون ؟ !
عمرو إمام عمر
الحوار المتمدن-العدد: 7714 - 2023 / 8 / 25 - 10:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خلال السنوات الماضية تعرض كوكب الأرض إلى وباء غريب لا احد يعرف أسبابه ، اطلقوا عليه ”كوفيد“ ، خلال فترة الوباء ، تذكر لنا بيانات المؤسسات المالية العالمية أن أغنى عشرة أشخاص ضاعفوا ثروتهم ، بينما فى المقابل 99% من سكان هذا الكوكب المتعوس انخفضت دخولهم بحجم قدرته المؤسسات الدولية بـ 700 مليار دولار ، التى تحولت إلى خزائن هؤلاء العشرة الكبار لتصل إلى 1.5 تريليون دولار خلال العامين الأوائل من عمر الوباء ، أى انهم خلال عامين كان كل منهم يحقق 1.3 مليار دولار يوميا ، أى حوالى 15 ألف دولار فى الثانية الواحدة ، هؤلاء العشرة يملكون أكثر مما يملكه أفقر 4 مليار إنسان على ظهر الكوكب ؛ لا أحد ينكر مدى الكارثة التى تسبب فيها هذا الوباء ، فقد خسر ملايين العاملين وظائفهم بدون أى سابق إنذار ، الغالبية العظمى من سكان هذا الكوكب تأثروا بأشكال مختلفة بسبب هذا الوباء و بسبب الأزمة الاقتصادية المواكبة له ، فى المقابل عدد قليل من الأشخاص اللذين يتمتعون بقوة و سلطة لا يمكن فهمها ، استطاعوا الاستفادة من فوضى الوباء لاكتناز مليارات الدولارات ، التى كان من الممكن أن تغير حياة البشر على ظهر هذا الكوكب ، لا تجذع عزيزى المغفل ، فـ 1.5 تريليون دولار يمكن أن يقضوا على الفقر فى العالم كله …
هل تعلم عزيزى المغفل أن هؤلاء العشرة لو خسروا 99.99% من ثروتهم اليوم سيظلون أغنى من 99% من سكان كوكب الأرض ، إن ما أظهره هذا الوباء المخيف مدى الغفلة التى نحن نعيش فيها ، أن هذا النظام الذى يعمل على تركيز الثروة فى يد حفنة صغيرة من الناس ، و فى المقابل يعانى مليارات البشر من الفقر و المرض و الجوع ليس بنظام ، بل هى عملية خطف و سرقة تحدث فى كل لحظة من حياتنا يجب الخلاص منها ، و لقد عرف بعض البشر مدى الكارثة التى نعيش فيها و حاولوا تحذيرنا ، ففى سنة 1949 كتب البرت آينشتين مقالة نشرت فى مجلة Monthly Review بعنوان ”لماذا الاشتراكية ؟“ فى عددها الافتتاحى قائلا : ”يميل رأس المال الخاص إلى أن يصبح مركّزاً فى أيدى قلة ، و يرجع ذلك جزئياً إلى المنافسة بين الرأسماليين ، و على الجانب الآخر التطور التكنولوجى و التقسيم المتزايد للعمل يشجعان على تكوين وحدات إنتاج أكبر على حساب الوحدات الأصغر ؛ و نتيجة لهذه التطورات هى حكم الأقلية لرأس المال الخاص الذى لا يمكن لجم قوته الهائلة بشكل فعال حتى من قبل مجتمع سياسى منظم ديمقراطياً ...“
و قال أيضا ”… أنا مقتنع بأن هناك طريقة واحدة فقط للقضاء على هذه الشرور الجسيمة ، أى من خلال إنشاء اقتصاد اشتراكى مصحوب بنظام تعليمى موجه نحو أهداف اجتماعية ، فى مثل هذا الاقتصاد ، يمتلك المجتمع نفسه وسائل الإنتاج و يتم استخدامها بطريقة مخططة ، إن الاقتصاد المخطط الذى يكيّف الإنتاج مع احتياجات المجتمع ، من شأنه أن يوزع العمل الذى يتعين القيام به بين جميع القادرين على العمل ويضمن سبل العيش لكل رجل و امرأة و طفل ؛ إن تعليم الفرد ، بالإضافة إلى تعزيز قدراته الفطرية ، سيطور فيه إحساساً بالمسؤولية تجاه زملائه بدلاً من تمجيد القوة و النجاح الفردانية المنتشرة فى مجتمعنا الحالى …“ أننا اليوم نعيش حقبة زمنية يمكننا بسهولة أن نطلق عليها ”مجتمع المغفلين“ ، نعيش على كوكب ينتج ما يكفى و يزيد عن حاجة سكانه ، لكن للأسف أغلبهم فى فقر و مرض و جهل و فى حالة من التغيب المستمر ، و فى المقابل 45% مما ينتجه هذا الكوكب يدخل خزائن شريحة صغيرة لا تمثل حتى 1% من سكانه ، أصحاب رؤس الأموال يربحون 350 ضعف ما يربحه العاملين فى تلك الشركات ، و الغريب أن أجور هؤلاء العاملين باتت أقل مما كانت عليه من 50 عاما عندما نحسب معدلات التضخم السنوية ، الحقيقة التى لا يقولها لك مجموعات المخادعين اللذين يملؤون شبكات التواصل الاجتماعى بالإعلانات و تستقبلهم شاشات التلفزيون يوميا يتحدثون عن ما يطلقوا عليه ”التنمية البشرية و تطوير الذات“ ، ما هو إلا جزء من الخدعة الكبيرة التى تنسج خيوطها طبقة رأس المال ، لتبقى مغيبا و مغفلا ، فلا أحد يعمل 350 مرة ضعف أى شخص آخر ليحقق تلك الأرباح …
أكاذيب ليبرالية على الجانب الآخر يخرج علينا من يطلقون على أنفسهم ”ليبراليون“ ، تسمعهم دائما يتحدثون عن الديمقراطية ، فهم يختزلون كل شىء فى تلك الكلمة الغامضة ، كأنها تعويذة سحرية فور أطلاقها ستحل كل المشكلات التى نعانى منها ، و عندما تحاول معرفة ما هى الحلول المطروحة للأزمة الاقتصادية و التنمية و العدالة الاجتماعية ، لا ترى منهم إجابات واضحة ، فقط ثرثرات عن الترتيبات المؤسسية و حرية الفرد ، و ضمانها فى الإطار القانونى ، و الالتزامات التعاقدية ، و حرية السوق ، و بالتأكيد حرمة المساس بالملكية الفردية ، لكن لا يوجد أى آلية واضحة لتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية ، فهذا المبدأ غائب تماما أمام الحرية الفردية ، و حرية السوق و اكتناز الثروة على حساب الآخرين ... سأضرب لكم مثالا صغيرا فى دولة عظمى كبيرة هى الولايات المتحدة ، زعيمة العالم الحر ، قبلة الرأسمالية ، هل تعلم إن 28 مليون أمريكى لا يحصلون على أجازات ، هذا لأنهم يعملون فى أكثر من وظيفة فى نفس الوقت حتى يستطيعوا تغطية مصاريفهم الأساسية ، على الرغم انهم لا يحصلون على أجور كافية بل يعملون على إثراء من هم على قمة الهرم الاجتماعى طبقة ألـ 1% ، و من الغريب إننا فعليا نعيش فى أكثر فترات التاريخ إنتاجا نظرا للتطور التكنولوجى الكبير الذى وصل إليه الجنس البشرى ، فمن المفترض أن يعمل الناس أقل و أن يحصلوا على أجور اكثر ، لكن الواقع عكس المأمول ، هذا هو ما نجنيه من هذا النموذج الاقتصادى العبثى المسمى بالرأسمالية …
عزيزى القارئ هل علمت الآن ”لماذا نحن مغفلون ؟ !“
#عمرو_إمام_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خديعة الاشتراكية الديمقراطية
-
الثورة العالمية الجديدة فى القرن الواحد و العشرين
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (4)
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (3)
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (2)
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (1)
-
الأزمة التونسية و خديعة لعبة الديمقراطية !
-
النيل و التطور الحضارى فى مصر (2)
-
النيل و التطور الحضارى فى مصر (1)
-
خطوات فى عالم الفلسفة
-
مغامرة الإبحار فى عالم محمود أمين العَالِمْ و ”فلسفة المصادف
...
-
الأخلاق بين الاغتراب و الدين و الرأسمالية
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الثالثة عشر)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الثانية عشر)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الحادية عشر)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة العاشرة)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة التاسعة)
-
الإمبريالية الإستعمارية و حركات التحرر الوطنى (الحلقة الثامن
...
-
الإمبريالية الإستعمارية و حركات التحرر الوطنى (الحلقة السابع
...
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الإستعمارى (الحلقة السادسة)
المزيد.....
-
على ارتفاع 90 مترًا.. عُماني يغسل سيارته مجانًا أسفل شلال -ا
...
-
في إسطنبول نوعان من القاطنين: القطط والبشر في علاقة حب تاريخ
...
-
بينها مرسيدس تُقدّر بـ70 مليون دولار.. سيارات سباق أسطورية ل
...
-
هل فقد الشباب في الصين الرغبة بدفع ضريبة الحب؟
-
مصدر دبلوماسي لـCNN: حماس لن تحضر محادثات الدوحة حول غزة الخ
...
-
مقاتلتان من طراز -رافال- تصطدمان في أجواء فرنسا
-
حافلة تقتحم منزلا في بيتسبرغ الأمريكية
-
دبابات ومروحيات أمريكية وكورية جنوبية تجري تدريبات مشتركة با
...
-
كاميرا ترصد الاعتداء على ضابط شرطة أثناء المظاهرات في فيرجسو
...
-
طلاب بنغلاديش من المظاهرات إلى تنظيم حركة السير فإدارة الوزا
...
المزيد.....
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
المزيد.....
|