محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 7703 - 2023 / 8 / 14 - 12:10
المحور:
كتابات ساخرة
المذاهب والمواهب
عندما نتحدث عن المذاهب ، لا نقصد المذاهب بالمعنى اللغوي وإنما بالمعنى المجازي. فالمذاهب في الدول الطائفية تقع في أدنى درك في جحيم دانتي وهي عدوة للإنسانية والإنسان . والمذاهب السياسية ليست أقل سوءا من المذاهب العقائدية ، بل هي لون من ألوانها.
ماذا يعني أن تبدع في أي مكان خارج تحكم المذاهب العقائدية والسياسية؟ ماذا يعني أن تكون خارج سطوة ثلة عفنة من الناس يتحكمون بمستقبل ومصائر الوطن والبشر؟ ماذا يعني أن تكون المذاهب سببا مباشرا لنمو مواهب واندثار مواهب؟ ماذا يعني أن تحولك المذاهب شحاذا على أرض الدول وأرض الدول؟ وكيف تكون سجين الجغرافية وأنت بين ملايين الناس كلهم يلهثون وراء تأمين لقمة العيش يوما بعد يوم طبقا للمقولة الشهيرة " خبزنا كفاف يومنا" ؟ أنت وأنا سجناء خارج السجن . أنت وأنا سجناء المذاهب التي تغتال المواهب.
لن تكون سطوة المذاهب إلا لعنة على من سببها وساعد في انتشارها ، وما هجرة الأدمغة والعقول إلا سيدة اللعنات لأنها تستنزف عصارة تعب الأيام وعرق جبين الوطن وهي أقسى أنواع الهجرة. وما يتعرض له جيل كامل من غياب للرقابة والتوجيه والمسؤولية الشخصية والمجتمعية إلا لعنة كبيرة تمتد لأجيال لترتد في يوما ما على صانعيها ومسببي بؤسها الفاجع وعاقدي الصفقات الكبيرة. البؤس لا يولد إلا البؤس ، والفقر لا يولد إلا الفقر، ومن يفقر وطنا كمن يقتله في الصميم ، ويدهور مستقبله.
المذاهب صنعت جيلا بلا هوية ، جيلا بلا أحلام ، جيلا بلا طموحات ، جيلا يذهب نحو اللامكان واللازمان ، جيلا ليس أمامه إلا تغير القواعد والأصول والتوجه نحو بدائل رخيصة لا تقدم شيئا خيّرا له شخصيا أو مجتمعيا. صناع المواهب ، عندما يسدون طريقا يحضرون البديل مسبقا ، بينما صناع المذاهب يسكّرون الطريق ولا يفكرون بأي مسرب بديل. بناء المجتمعات لم يكن يوما على يد صناع المذاهب بل كان على يد صناع المواهب. المذاهب تَهْجُر فتهجّر والمواهب تحفظ الوطن وتحميه من الضياع.
صناع المذاهب هلاؤون سويعاتيون ، بينما صناع المواهب دائمون. وما حرقتنا على الوطن إلا لهفة بنوية تريد له أن يبقى ويستمر بعيدا عن شيطنات المصالح الشخصية والمذهبية. المواهب تعطي فرصة ، وترتد متى فشل صاحب الفرصة بينما المذاهب تكرر الفرص وتبني لنفسا سلسلة متصلة من المعايير الفاشلة والمصطلحات التي لا يفهما إلا اصحابها .
للأسف دول المذاهب تفرط بالمواهب لتتلقفها دول المواهب التي لا تعترف بالمذاهب ، ديدنها الكفاءة الحقيقية المرتبطة بالشخص لا بانتمائه لمذهب من المذاهب.
الطريف في الأمر أن صناع المذاهب لا تنقصهم المواهب في تكريس مفاهيمهم ومعاييرهم لاختيار ما يناسبهم من الأكفاء التي تخدم مصالحهم ورؤاهم المستقبلية.
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟