أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عساسي عبدالحميد - نبش في الذاكرة اليهودية المغربية – 4-















المزيد.....

نبش في الذاكرة اليهودية المغربية – 4-


عساسي عبدالحميد

الحوار المتمدن-العدد: 1726 - 2006 / 11 / 6 - 10:22
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


سبق لنا و عبر ثلاث حلقات أن نبشنا بعض الشيء في الذاكرة اليهودية المغربية، وتجولنا بين أزقة ودروب الأحياء العتيقة " الملاحات " وشاركنا أسرا وعوائل أفراحها وأعراسها و حضرنا مواسم أولياء الله الصالحين فأشعلنا مع الزوار شموعا ورششنا زيتا ووضعنا حجرا وحملنا في قلوبنا أماني وأحلاما جميلة ...و رأينا كم كان هذا الوجود متجذرا لقرون عديدة ساهم خلالها اليهود المغاربة على صنع المشهد الحياتي وتنميقه بالغنى و الأصالة والجمال، إلا انه يجب التذكير أن تاريخ الوجود اليهودي بالمغرب لم يكن كله ذهبيا وزاهرا ...صحيح أن هذا الوجود اليهودي اتسم بالاستقرار و الأمن و الرخاء لفترات كثيرة إلا أنه مرت بعض الفترات العصيبة التي كادت أن تبيد هذا الرافد الثقافي الذي أثرى الحياة المغربية و هذا المكون الحضاري الضارب جذوره في التاريخ ....وقد نال اليهود كسائر البشر قسطا مهما من الظلم و الحيف...

لم يحمل يهود المغرب على عاتقهم نقل إيمانهم و عقيدتهم إلى الآخرين بالقوة و لا هموم نشرها بتلك الحماسة التي كانت لدى المسيحيين "الكلمة" و المسلمين "السيف " الذين رأوا أنها جزأ من الواجب و الرسالة بل أن اﻹيمان بالعقيدة اليهودية جاء عن طريق اﻹحتكاك و المساكنة الطويلة وكان يتم ببطء و بمحض رغبة الأمازيغ أنفسهم ؛ و بقي ﺇشعاع اليهودية متواصلا إلى حين وصول فترة الموحدين واستفرادهم بسدة الحكم و هم الذين رفعوا شعار لا دين غير دين اﻹسلام ، فتم اعتناق الديانة الوافدة الجديدة من طرف الكثير من اليهود و غير اليهود الأمازيغ تحت التهديد و الوعيد حينا وتحت وطأة و ثقل الضرائب حينا آخر وإثقال كواهلهم بممارسات في غاية الجور والقسوة مما اضطر الكثير من اليهود إلى تغيير معتقدهم حقنا للدماء و حفاظا على بناتهم، و دفع بآخرين إلى مغادرة الأماكن التي تكثر فيها أشكال المضايقات و العداء و منهم من تكتم على معتقده و إيمانه بل منهم من غادر شمال إفريقية ليبدأ فصل جديد من تراجع اليهودية وانكماشها بالمغرب ؛ وفي كثير من الفترات آثر اليهود اﻹحتفاظ بدينهم مع حياة ظنكى أشبه بالعبودية الجائرة على تغيير العقيدة و دين الأسلاف الذين توارثوه كابر عن كابر فتكيفوا و تعايشوا تدريجيا و بشكل لا شعوري مع هذا الواقع مقابل السماح لهم بممارسة و تأدية شعائرهم و طقوسهم الدينية في حدود المسموح به واعتبارا و عرفانا لهم لمساهماتهم الكبيرة في تنشيط الحياة العامة و تحريك مرافقها المختلفة و لدرايتهم بفنون التجارة والحرف ولكون هاته الشريحة كانت تعتبر دائما ممولا هاما لخزينة السلاطين والدولة ومصدر هدايا و نفائس للحكام والقادة بل كان منهم من قربوا لدواوين و مجالس الملوك والسلاطين ﻹستشارتهم في أمور الدولة ؛ و كما نعلم فلقد عاصر الطبيب الفيلسوف و مجدد روح الشريعة" موسى ابن ميمون " 1135 م -1204 م بداية عهد الموحدين و قضى فترة من حياته بمدينة" فاس " بعد خروجه من " قرطبة " و قد سبق ﻹبن ميمون أن عالج أحد أمراء الموحدين من وعكة صحية ألمت به و هو بضواحي مكناس و كادت أن تودي بحياته ؛ و امتنانا لحسن صنيعه و عرفانا لجميله أعطاه الأمير كيسا مليئا بالمال غير أن ابن ميمون أبدى رفضه و طلب في المقابل من الأمير توفير الحماية لعائلته و منح الأمان ليهود فاس وضمان حقهم في ممارسة شعائرهم و أعمالهم بحرية تحت راية و حماية اﻹسلام كثمن لحسن الصنيع و ردا للجميل ؛ لكن الأمان شمل فقط وبالكاد أسرة ابن ميمون بينما طالت سيوف و رماح الموحدين يهود فاس و غير فاس فاستحلت الدماء و استبيحت الأعراض و قطعت الرقاب ...فقد أعدم الكثير من اليهود أعيانا و رجال دين و عامة تحت عدة ذرائع شتى كاﻹرتداد عن اﻹسلام ونشر المفسدة و إثارة البلبلة ...... ؛ في ظل هذا الترويع و الترهيب قرر ابن ميمون ترك مدينة فاس التي استقبله يهودها بعامتهم وأعيانهم بحرارة تفوق حد الوصف فتوجه صحبة أسرته نحو المشرق فحط الرحال بمصر حيث عمل كطبيب لأميرها " نور الدين " وللملك الناصر"صلاح الدين" الذي أصبحت بينه و بين ابن ميمون علاقة صداقة وطيدة فأعجب كل واحد بشخصية الآخر و فضلا عن كونه طبيبا فقد كان مستشارا أيضا لصلاح الدين و بعد وفاته أمر السلطان" الكامل " الذي خلف صلاح الدين بإعلان الحداد في عموم مصر و سوريا و بنقل جثمانه للأرض المقدسة ليوارى الثرى هناك عرفانا لمكانته كرجل كرس حياته و نذر وقته لخدمة اﻹنسانية بغض النظر عن الدين و العرق أو الحسب و المحتد ، ترك ابن ميمون للتراث اﻹنساني إنتاجات قيمة في ميدان الطب و الفلسفة و علوم الدين و لعل أشهرها مؤلفه " دلائل الحيارى " الذي ترجمه إلى العبرية الحاخام السوري " شيميول ابن طيبون " بعد استئذان ابن ميمون لكن هذا الأخير رحل إلى دار البقاء دون أن يتمكن من رؤية ترجمة لمؤلفه و لمكانة تراث و إسهامات ابن ميمون فقد حضي فكره و نتاجه بمكانة لدى يهود شمال إفريقية حيث يقال عند أحبار و حفظة التوراة بالمغرب مثلا باللهجة المغربية " ما بين موسى وموسى ....ما كاين حتا موسى " يعني موسى بن عمران واضع أسس الشريعة و موسى ابن ميمون مجدد روح الشريعة


تحكي لنا نصوص أسرة آل " ابن الدنان " اليهودية التي عاصرت بداية دولة العلويين عن تجاوزات كثيرة كانت تلحق باليهود من بعض رجال الدولة والنافذين والأعيان و العسكر، و هذا نموذج من نصوص آل الدنان " في أول شهر تموز من سنة 5465 لبدء الخليقة حل عيد الفطر و صادف يوم السبت المقدس، غضب الملك مولاي إسماعيل على الحبر الأجل الرابي" ابراهام مايمران " نجيد اليهود" لأنه لم يتلق منه الهدية التي دأب على منحها له في كل عيد يصادف سبتا و فرض على كل الطوائف التابعة لحكمه ككارا من الذهب أي ما قيمته عشرة ككارات من فضة مولاي إسماعيل سمت جلالته وأعطت طائفة فاس ربع القيمة المفروض للقائد محمد مصباح و أعطوه " سخرة " و مصروفا له و لعبيده و خدمه وأبنائه و بني بيته ما مجمله ثمانية آلاف أوقية عدا الهدايا و الرشاوي التي أعطاه إياه وجهاء الطائفة ثم أعطى الحاخامات و حفظة التوراة ما لا يقدر و ذهبوا مع القائد المذكور ﺇلى مكناس حفظها الله و ذهب الحبر الجليل "ابراهام بن شميول" مع اليهود ممتطيا بغلة و فاضت روحه و هو ذاهب مع الطائفة حفظها ربها و أبقاها فحمل إلى " الجيسة " وواروه الثرى هناك.
و منذ سنة 5461 لبدء الخليقة لم يكن لدينا يوما أخف من الذي سبقه و لم أقدر كتابة و تدوين الأحزان و المصائب التي عانيناها طيلة خمس سنوات فلم نعرف فرحا و لا طمأنينة و لم نسترح .
ففي كثير من الأحيان كانت هفوة واحدة صغيرة تصدر من يهودي كافية لتتحمل الطائفة تبعاتها و تدفع ثمنها أضعافا مضاعفة كأن يفرض عليهم تقديم ككارات الذهب والفضة أو بصنع الخيام لجيش السلطان وتقديم فاخر الثياب وأرفع الهدايا تكفيرا لزلة يرتكبها فرد من الطائفة...فما بالك ﺇن كان عملا طائشا من فرد واحد فتكون فرصة سانحة ﻹستباحة الملاح أو ما كان يسمى عند اليهود ب " الرزية " و نهب ما في الدور و المتاجر من مال وممتلكات .......تحكي لنا نصوص ابن الدنان كذالك ما يلي.... " حل العبيد و خدام ابن السلطان مولاي ﺇسماعيل بالملاح هذا يؤنب و هذا يعاقب و هذا يتعمد اﻹسائة و لم يكن لهم رادع و لا مانع فواحد يسأل خمرا و واحد يريد ماء متقدا (ما حيا ) و واحد يريد تبغا و واحد يريد ﺇبزارا و واحد يريد كسوة و آخر خنجرا و آخر يريد غشاء لتميمة و جعلوا حياتنا مرة بالضرائب طيلة تواجدهم بالملاح و لا أحد منا خرج من بيته ﺇلى السوق و كل واحد من اليهود كان يأخذ أمتعته و أبنائه و يهرب من سطح ﺇلى سطح و من ركن ﺇلى ركن و كانوا يختبئون في العليات و السوطانوسSotanos" "السراديب الموجودة تحت البيوت , و كان العبيد و الخدام يقتحمون بيوت اليهود و يكسرون الأبواب و الصناديق ويأخذون كل ما يجدون و يعطوننه لأسيادهم و جباة الضرائب و ليت كل ما يأخذونه ضريبة اليوم والليلة بل تعدى ذالك ﺇلى سرقة الطيور و البيض و اليمام و فراخ الحمام.
و كان يكفي كما أسلفنا أن يصادف عيد يوم سبت ليقدم اليهود هدايا قيمة للحكام و القادة و أن تدفع الطائفة ثمن هفوات سخيفة وذلك حفاظا على هيبة الحكام.... و حماية لبيضة اﻹسلام .....



#عساسي_عبدالحميد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب الإستباقية على الإرهاب.....المعلن فيها والمستور
- ومضات من وحي الإيمان
- الجهالة باقية ما دام الصنم الأعظم حيا
- أعياد و عادات في الذاكرة اليهودية المغربية
- الحي اليهودي أو -الملاح- في الذاكرة اليهودية المغربية


المزيد.....




- مصر: الدولار يسجل أعلى مستوى أمام الجنيه منذ التعويم.. ومصرف ...
- مدينة أمريكية تستقبل 2025 بنسف فندق.. ما علاقة صدام حسين وإي ...
- الطيران الروسي يشن غارة قوية على تجمع للقوات الأوكرانية في ز ...
- استراتيجية جديدة لتكوين عادات جيدة والتخلص من السيئة
- كتائب القسام تعلن عن إيقاع جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح به ...
- الجيشان المصري والسعودي يختتمان تدريبات -السهم الثاقب- برماي ...
- -التلغراف-: طلب لزيلينسكي يثير غضب البريطانيين وسخريتهم
- أنور قرقاش: ستبقى الإمارات دار الأمان وواحة الاستقرار
- سابقة تاريخية.. الشيوخ المصري يرفع الحصانة عن رئيس رابطة الأ ...
- منذ الصباح.. -حزب الله- يشن هجمات صاروخية متواصلة وغير مسبوق ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عساسي عبدالحميد - نبش في الذاكرة اليهودية المغربية – 4-