|
التشظي
رياض ممدوح جمال
الحوار المتمدن-العدد: 7694 - 2023 / 8 / 5 - 16:17
المحور:
الادب والفن
مسرحية من فصل واحد تاليف : رياض ممدوح جمال
الشخصيات : هو : في الاربعين من العمر، يرتدي بدلة عصرية، مرتب القيافة والهندام. تبدو عليه الرزانة والوقار. هي : في الثلاثين من العمر، تبدو اكثر نشاطا وحيوية منه، متأنقة وجميلة . النادل : في العشرين من العمر، وسيم، ونشيط.
المكان : كوفي شوب عصري، خافت الانارة. الزمان : يبدو الغروب من خلال النافذة. المنظر : “هي” جالسة على احدى الارائك الوثيرة، وتكتب في اوراق امامها على المنضدة، وعليها كوب من القهوة وقدح ماء، وشمعة تشتعل. والإنارة خافته. وصوت ام كلثوم .. اين ذاك الحب امسى خبرا... وحديثا من احاديث الهوى... (يتقدم النادل منها)
النادل : سيدتي، لقد حضر السيد يوم أمس، وسأل ان كنت حضرتك مواظبة على الحضور هنا كل خميس، كالعادة. هي : وماذا قلت له؟ النادل : قلت له نعم، وبانك حضرت الى هنا طوال السنة الفائتة وبمفردك، والى الان. هي : حسنا فعلت. وشكرا لك. النادل : اعتقد انه بحكم خدمتي الطويلة لكما، والتي تتجاوز الخمس سنوات، انه لي الحق بتجاوز الحدود بين النادل والزبون. هي : انت اخ صغير وابن لنا، ولست نادل. ويحق لك ان تقول لنا كل ما يخطر في ذهنك، تفضل ما الذي تريد ان تقوله؟ النادل : انت انسانة محتــــرمة وهو انسان لطــــــيف، يحز في نفسي ان اراكما منفصلين طوال السنة الفائتة، بعد ان كنت اسعد برؤيتكما معا كل يوم خميس طوال الخمس سنوات التي قبلها. والان اتمنى ان تعود المياه الى مجاريها ثانية. هي : اشكر لك مشاعرك اللطيفة. واتمنى ان استطيع تحقيق امنيتك هذه (تبتسم ابتسامة عريضة). وبالمناسبة، اننا كنا طوال عشر سنوات نأتي الى هنا كل يوم خميس، وهذا عهد كان بيننا منذ أيام خطوبتنا. النادل : اي قبل ان ابدا انا العمل هنا بخمس سنوات اخرى! هي : نعم، تماما. النادل : واي صدفة غريبة ان تنطبق كلمات هذه الاغنية عليكما! (يرتفع صوت ام كلثوم قليلا). اين ذاك الحب أمسى خبرا ... (يحني النادل راسه قليلا، ويبتعد عائدا الى عمله) هي : اذن، محتمل أن يأتي اليوم، او الخميس القادم. فقد علمت ان خطبته قد فشلت. (تنكب على اوراقها فوق المنضدة وتنهمك بالكتابة. يدخل "هو" ويتقدم نحوها ويقف عندها) هو : مرحبا. هل تسمحين لي بالجلوس؟ هي : تفضل. اهلا بك. هو : يجب ان اعترف لك، بانك اكثر مني وفاء للعهد الذي بيننا، بالتزامك الحضور كل خميس إلى هنا، العهد الذي قطعناه على أنفسنا منذ أيام خطوبتنا. هي : في البداية كان وفاء لعهد مقدس، ولكن بمرور الايام، شحبت صفة القدسية عنه، واصبح وفاء للذات وليس للعهد. هو : ومتى شحبت صفة القدسية عن علاقتنا، اليس بعد الطلاق، في السنة الاخيرة؟ هي : كلا، انت واهم، فقد سبقها طلاق روحي. وان الطلاق الروحي يقع قبل فترة طويلة من الطلاق القانوني. هو : لكن كانت علاقتنا على ما يرام في اغلب الاوقات، الا فيما ندر. هي : انت تعتقد ذلك. فقد كنا نحتفظ بعلاقات غير سعيدة. ربما لان ذلك اسهل من الهجر، او لأننا لا نريد ان نتسبب في خيبة أمل لأي شخص، أو أننا كنا نريد الامان المادي والعاطفي. اي ان السبب كان لا رضاء حاجة، اكثر مما يتعلق بحب واحترام متبادلين. اما الروح السعيدة للحالة الثنائية فهي غائبة. هو : لم نكن متباعدين روحيا الى هذه الدرجة. اني احببتك ولم ازل. ولكن التعبير عن الحب يتخذ اشكال عديدة ومختلفة. انا ربما غير بليغ في عبارات الحب والغزل، ولكن كنت انت تعترفين، باني لم انس طلبا لك مهما صغر، حتى بعد ان تكوني قد نسيته انت نفسك. الم يكن هذا حبا ام لا! كنت البي جميع رغباتك، وهي مقدسة عندي. هي : انا امرأة. والمرأة تحتاج للكلمات اللطيفة، كحاجة الزهرة للندى. لم تكن تكلمني في اليوم أكثر من عشر كلمات جافة. حتى الحديث اليومي بيننا كنت تريده ان يكون ممنهجا ومنطقيا ودقيقا، كانه بحث اكاديميا او حوار مسرحي. كل ما قلته صحيح، ولكن كنت تكلمني كجارية لديك، لا تكف عن الصراخ على كل كبيرة وصغيرة. كنت احسد قطتك، لأنك كنت تداعبها وتلاطفها وتهملني. حتى في جلساتنا الاكثر حميمية، كنت وحدك رغم اني جالسة معك. كنت تسمع الاغاني الرتيبة وتتأمل وحدك ما يخصك وحدك من ماضيك وحاضر ومستقبلك، ولا تشركني فيها بشيء وكانه لا وجود لي امامك الا كجارية عليها تلبية رغباتك لا اكثر. كنت اتحرق شوقا في تلك الجلسات، أن تجمعنا موسيقى أو اغاني تهز مشاعرنا الخامدة وتدفعنا حتى للرقص. ولكن كنت كابي الهول تتأمل بشرود وحدك. ففي تلك الجلسات كنت ارغب ان ارقص لك على انغام اغاني خفيفة راقصة، بينما انت كنت تفضل الاغاني الحزينة والحديث عن ماضي كئيب. حتى عندما كنت ادعى إلى حفلات الاعراس تنطلق روحي طارحة اغلالها تريد الرقص، ولكن جسمي يبقى في مكانه لا يتحرك. ففي داخلي بالون من البهجة يدفعني للطيران، ولكنك انت الصخرة التي تشدني نحو اعماق كابتك. كنت في اعماقي ابكي على أمنيات بسيطة، ولكنها هي الحياة عندي. احب الحياة ولكنك دفنتني وانا حية. هو : لكل انسان جوانب سيئة واخرى جيدة. لا يمكن للإنسان ان يكون تمثال مصنوع من حجر واحد. كنت اعتقد ان ما يطلبه كل منا في الاخر، يتناقص بتقادم الزمن. كثير من الصفات المطلوبة في المرأة الكاملة في خيالي، قد تنازلت عنها، ولم اعد ابحث عنها. هي : لم تعد تبحث عنها عندي انا، لأني لا املكها، ولكنك تبحث عن تلك الصفات عند غيري. ولم تحب الا جزءا مني. ربما احببت خضوعي وطاعتي، او احببت مرحي وخفة دمي، او ادبي واخلاقي. ورغم كل هذا كنت تبحث عن ما ينقصني، من صفات جمالية، لا تجتمع حتى عند اجمل عارضات الازياء او ملكات الجمال. هو : ما هذا الذي اسمعه منك! ألم اعد على مسامعك الاف المرات، ان أنسب امرأة لي في العالم هي انت! هي : نعم انسب ما موجود، وليس انسب ما في خيالك. هو : ما معنى ذلك، اوضحي لي؟ هي : عندما ترى امرأة اطول مني، تتمنى ان اكون انا بذلك الطول. وعندما ترى اخرى اكثر امتلاء مني، تتمنى ان اكون انا مثلها. وعندما ترى وجها اجمل من وجهي، تتمنى ان يكون ذلك الوجه هو وجهي. فإن المرأة التي تريدها لا توجد الا في خيالك. هي مشتت الاجزاء بين كثيرات موجودات في الواقع. وما انا الا واحدة منهن لا اكثر. المرأة التي في خيالك، تريدها كقيثارة متكاملة الاوتار لتعزف عليها الحانك. هو : ولكن بمرور الزمن، يتناقص ما كان يتمناه المرء في خياله. فانا احب صفات من الجمال، ولا احب امرأة بعينها، سواك انت. هي : انت أحببت صفة أو عدة صفات في، لا كل ما في .واحببت صفة او عدة صفات في زميلتك في العمل. وكذلك احببت صفة معينة في اخرى، وهكذا فإن معبودتك تشظية بين عدة نساء. هو : الإنسان تعيقه اللغة في التعبير عما يريده. أما المخلوقات الأخرى فتعبر اصدق منه عن عواطفها وعما تريده. فلغة الانسان نقمة لا نعمة. وان لغة الحب عن العصافير تفوق لغة شكسبير في التعبير. كثيرة هي الاشياء التي كنت اتمناها منك، واريد ان تفعليها لي دون ان اطلبها انا. ولكنك كنت بالنسبة لي ابرد من الثلج القطبي. في الوقت الذي كنت تتصورين نفسك انك تبذلين قصارى جهدك لإسعادي. ان الذي لم نقله لبعضنا فرقنا وخلق فجوة بيننا أكثر من الذي كنا نقوله. وان قلنا فان الفجوة كانت ستزداد، لان لغة الكلام اعجز من لغة الروح التي تملكها باقي المخلوقات من دون الانسان. كنت اريد منك الكثير، وانت قدمت لي الكثير، ولكن كسهمين متقابلين ولكنهما منحرفين قليلا عن بعضهما فلن يلتقيا. ولن يشبعا رغباتهما، فقد انطلق السهمان المتعاكسان دون ان يلتقيا ولكن كل منهما ذهب بعيدا عن الاخر. كنت تمنحيني ما لم اريده، وكنت اريد ما لم تمنحيني اياه. هي : يستحيل تلبية طلبك، فانت تريد الكمال مكتمل في امرأة واحدة، الكمال في الشكل والمضمون. وهذا ما اختصه الله لنفسه فقط. هو : فهل الحل هو أن يبق الرجل كالنحلة يتنقل من زهرة إلى اخرى ويلغي المؤسسة الزوجية. أم يبق داخل هذه المؤسسة، ولكن مع مبدا تعدد الزوجات؟ هي : ولكن لماذا تنظر للأمر بعين واحدة؟ هو : ماذا تعنين؟ هي : وماذا عني انا كامرأة؟ هو : ماذا عنك انت، لا افهم؟ هي : اكيد، انتم الرجال لا تفهمون إلا نصف الموضوع. هو : وما هو النصف الآخر للموضوع؟ هي : هو أننا نحن النساء مثلكم تماما، لنا أحاسيس وأفكار ورغبات. نحن بشر مثلكم بالضبط. مثلما ان الزوج يريد الرزانة في زوجته ويشتهي العشيقة اللعوب، كذلك الزوجة تريد الزوج الرزين وتشتهي دون جوان وكلماته في الغزل. هو : (مضطرب) اوضحي في قولك، ماذا تريدين ان تقولي؟ هي : (بثقة في النفس) انا ايضا لم اجد الرجل الكامل الا في خيالي، وهو مشتت بين أكثر من رجل موجود واقعيا. هو : هل تبحثين عن ما ينقصني في رجال غيري. هي : على الاقل انا لا ابحث مثلك في الواقع، بل في خيالي. وذلك لقسوة حكم المجتمع لا اكثر. هو : لم اتوقع منك ولا من أي امرأة، هذه الجرأة في التصريح. هذا سقوط لا يليق بك. هي : وعندما كنا نتحدث نفس الموضوع ولكن بما يخصك انت، الم يكن ذلك سقوطا، وهل كان يليق بك؟ هو : سنصل الى طريق مسدود وشائك، في جدالنا هذا. هي : بل سنفتح ابواب طريق جديد. هو : ان هذه أبواب جهنم. هي : وربما ابواب الجنة. هو : انت تفتحين عيون الأعمى على واقع أمر من الظلام. هي : كم هو مؤلم مبضع الجراح! ولكن ربما فيه الشفاء. هو : وهل تشفى العين المفقودة بمبضع! كلا والف كلا. الان اكتشفت كم كنا نحن متباعدين دون ان ندري. ولا يمكن لهذه الهوة ان تردم. من المستحيل ذلك. وسأعتزل كل النساء. لا يمكنني أن أرى في عيون امرأة، شظايا رجال غيري. سيخرج من حياتك وحياة كل النساء، لا اريد امرأة بعد اليوم. الوداع الوداع. (ينهض ويخرج مذهولا) هي : اما انا سابقي على عهدي، واحضر كل يوم خميس الى هنا، واعيش الخيال واكتب، واكتب واعيش الخيال. (تنكب على اوراقها وتواصل الكتابة)
ســــــــــــــــــــتار
#رياض_ممدوح_جمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طباخ في الحرب
-
زوجتان في المخيم
-
تبادل ادوار
-
جوهرة في الاوحال احيانا
-
مسرحية تناقض والتقاء
-
عدالة تحت المشنقة
-
بقايا في الصحراء
-
-حطام- مسرحية من فصل واحد
-
العجوز العاشق
-
مسرحية -لسانها-
-
مسرحية -حب عند قفص قرد-
-
أربع مسرحيات مترجمة
-
مسرحية صفعتان على الوجه
-
ثلاث مسرحيات قصيرة جداَ
-
مسرحية سيد المنزل
-
الأسقف والشمعدانات
-
المسرحية -شؤون الأزواج-
-
مسرحية -هو قال وهي قالت-
-
مسرحية -أمس-
-
مسرحية الباب المفتوح
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|