|
عن الشريط السينمائيّ أوبنهايمر – Oppenheimerو الدروس الحقيقيّة من التاريخ
شادي الشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 7694 - 2023 / 8 / 5 - 14:23
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
عن الشريط السينمائيّ أوبنهايمر – Oppenheimerو الدروس الحقيقيّة من التاريخ جريدة " الثورة " عدد 812 ، 24 جويلية 2023 https://revcom.us/en/film-oppenheimer-and-real-lessons-history
في السادس و التاسع من أوت 1945 ، قذفت حكومة الولايات المتّحدة قنبلتين نوويّتين على مدينتين يابانيّتين هما هيروشيما و نغازاكي ، مقترفة جريمة ضد الإنسانيّة لم يُشهد لها مثيل أبقت الإنسانيّة في الأسر مذّاك . كانت تلك قمّة و نقطة نهاية الحرب العالميّة الثانية و حرب الولايات المتّحدة مع اليابان بوجه خاص . " القنبلة النوويّة " ، ظهرت فجأة كأشعّة كرة ناريّة ذات مليون درجة ، فوق المدينة اليابانيّة هيروشيما ، قاتلة على الفور و حارقة أناسا و هم أحياء أو جاعلة آلاف البشر يتبخّرون . و قد غرقت المدينة في الحرائق . و بعد ذلك أتت موجات الصدمة و الرياح ذات السرعة التي تفوق ألف كلم في الساعة لتمزّق الأجساد و البنايات و قاذفة بالرجال و النساء و الأطفال في الهواء . لقد حطّمت تقريبا جميع الهياكل على بعد ميل من نقطة الصفر . و ىلآلاف الذين بقوا على قيد الحياة أمام الإنفجار سرعان ما عانوا إرتفاعا في حرارة أجسادهم والإسهال و التقيّئ و فقدان الشعر و الجلد – قرع ناقوس الأمراض الإشعاعيّة . و مع نهاية 1945 ، بين 140 ألف و 150 ألف إنسان ، بشكل طاغي ، مدنيّين ، قد لقوا حتفهم في هيروشيما. و جُرح مئات الآلاف الآخرين . لقد كانت الولايات المتّحدة تعلم أنّ اليابان ستنهار دون غزو و كانت تبحث على السلم قبل أسابيع من قصف هيروشيما و ناغازاكي بالقنابل . ففي 12 جويلية 1945 ، أحال الرئيس هاري أي ترومان في مفكّرته الخاصة على " تلغرام من الإمبراطور الياباني يطالب بالسلم " . و مثلما يبيّن شريط أوبنهايمر ، لم تكن الولايات المتّحدة تصطفى حتّى الأهداف العسكريّة بل إصطفت حرق مدن مدنيّين . و لم يعتذر أيّ رئيس من رؤساء الولايات المتّحدة عن هذا – بمن فيهم بيدن عندما زار هيروشيما . و جميعهم يبرّرون ذلك على أساس أنّه " أنقذ حياة جنود الولايات المتّحدة " . تاركين جنبا الطبيعة المزيّفة لهذا التبرير ، وهو ما بيّنناه للتوّ ، القتل الجماعي للمدنيّين " لإنقاذ حياة " المقاتلين هو ذات مفهوم جريمة الحرب . حكومة الولايات المتّحدة في ظلّ الرئاسة الديمقراطيّة لترومان أرادت أن تتحكّم كلّيا في يابان ما بعد الحرب و أن تمنع الإتّحاد السوفياتي من كسب مزيد الأرضيّة في منشوريا التي تمسك بها اليابان و من الحصول على المزيد من النفوذ في " ميزان القوى " ما بعد الحرب . ختم قصف هيروشيما بالقنابل نهاية الحرب العالميّة الثانية ، لكنّه كان يهدف أكثر إلى تحديد إطار هيمنة الولايات المتّحدة على عالم ما بعد الحرب . كانت هيروشيما عبارة عن إنذار لكلّ من تخوّل له نفسه أن يفكّر في تحدّى الهيمنة الأمريكيّة في عالم ما بعد الحرب ، مكتوب في تلال اللحم المفحّم و عشرات الآلاف من الباقين على قيد الحياة و هم يحملون تشويهات جسديّة فظيعة . في سنوات ما بعد الحرب العالميذة الثانية ، فكّرت الولايات المتّحدة بصفة متكرّرة و هدّدت بإستعمال الأسلحة النوويّة لفرض هيمنتها العالميّة : في خمسينات القرن العشرين ، خطّطت الولايات المتّحدة لإمكانيّة حرب نوويّة مع الإتّحاد السوفياتي و قد قدّر أنّها ستتسبّب في قتل 600 مليون إنسان ، وفى 1958 ، خطّطت بنشاط لإستعمال الأسلحة النوويّة في أزمة طرأت مع الصين ؛ و في 1958 و 1973 و 1980 ، وضعت الولايات المتّحدة قوّاتها انوويّة في حالة تأهّب أثناء أزمات الشرق الأوسط في العراق و إسرائيل و إيران ؛ و في 1969 ، هدّد الرئيس رتشارد نكسن بضرب الفيتنام بالقنابل النوويّة ؛ و قبل غزو العراق سنة 2003 ، أعدّ البنتاغون سرّيا لإمكانيّة إستعمال الأسلحة النوويّة . ثمّ حدث ما يسمّى بأزمة الصواريخ الكوبيّة لسنة 1962 و أثناءها هدّدت الولايات المتّحدة بشنّ حرب نوويّة ضد روسيا إن حافظت هذه الأخيرة على صواريخ مجهّزة نوويّا في كوبا . و اليوم ، تخوض الولايات المتّحدة حربا بالوكالة مع روسيا في أوكرانيا بهدف إضعاف روسيا و قدرتها على تحدّى هيمنة الولايات المتّحدة – حرب ترقص بصفة خطيرة قريبا من الإستعمال الفعلي للأسلحة النوويّة باسم إتّخاذ " قرارات صعبة " لجل إلحاق " هزيمة إستراتيجيّة " بروسيا . شريط كريستوفار نولان ، الذى يصوّر الغموض الأخلاقي لأناس مثل روبار أوبنهايمر الذى صنع السلاح الرهيب و أذن بإستعماله ما أفرز جريمة حرب – و السباق من أجل التسلّح النوويّ الذى صار يؤسف له – هو ذاته يزخر بالنسبيّة الأخلاقيّة و المديح غير المقبولين لما فعلته الولايات المتّحدة خلال الحرب العالميّة الثانية . و لا يأخذ الفلم حقّا أبدا بعين النظر طبيعة هذه الجريمة ، و لا يُظهر حتّى ما حصل في هيروشيما و يستمرّ في الترويج ل " القرار الصعب لكن الضروري" في حرب تقدّم فيها الولايات المتّحدة على أنّها " قوّة خير " في " قتال الديمقراطيّة ضد الفاشيّة " . و الأهداف الفعليّة للولايات المتّحدة بالكاد لها صلة ب " إيقاف الفاشيّة " و صلتها وثيقة تقريبا كلّيا بتوسيع و تعميق الهيمنة في آسيا و أوروبا ، و كسب التحكّم في العالم . لقد رفضت الولايات المتّحدة أثناء الحرب السماح بأقلّ عدد ممكن من اللاجئين بمن فيهم اليهود و كانت على علم بقمعهم بشكل نظامي و بملاحقتهم ، بأن يدخلوا الولايات المتّحدة و بالتالى ساعدت في قتل الملايين و أخّرت مهاجمة ألمانيا لسنوات إلى أن أضحى النازيّون ضعفاء بشدة بفضل الإتّحاد السوفياتي . هنا يجب قول إنّ الشريط يصوّر تقريبا بدقّة الطريقة التي بها عديد الناس الذين قتلوا لأسباب تقدّميّة و أناس يطلقون على أنفسهم نعت الشيوعيّين عانقوا الدعم الحماسي لإمبرياليّيهم " الخاصين " في هذه الحرب . و ساعد الدعم العملي و النشيط لهؤلاء الشيوعيّين و " اليساريّين " و ساهم في إيجاد أسلحة كانت و لا تزال تمثّل تهديدا للإنسانيّة في وجودها . و هذا الخطّ السياسيّ كان حقّا خاطئا ،إنّه خطأ مرير للحركة وقتها و كانت له – و لا تزال – تبعات لا تقدّر سياسيّا . ثمّ ، ببعض السخرية المريرة ، لمّا بعد إستخدام الإمبرياليّين لهذه الأسلحة تماما ، عادوا ليقمعوا و يسجّلوا في قوائم سوداء و يسجنوا هؤلاء خلال عمليّات صيد ماك كارثي التي جدّت عقب الحرب العالميّة الثانية . ما يجب أن يستخلصه الناس من هذه التجربة و ما يقع حجبه في هذا " الدرس التاريخي " الغامض للغاية من الشريط السينمائي هو أنّنا في زمن وجود آفاق حرب نوويّة في مستوى عالى نسبة لما كانت عليه منذ الحرب العالميّة الثانية ، مع عدّة قوى إمبرياليّة تملك ما يكفى من الأسلحة النوويّة لوضع نهاية عدّة مرّات لوجود الإنسانيّة ، و تبرز هذه الحقيقة التي صاغها بوب افاكيان ، القائد الثوري : " ليس بوسعنا بعدُ أن نسمح لهؤلاء الإمبرياليّين أن يواصلوا الهيمنة على العالم و يحدّدوا مصير الإنسانيّة . و إنّه لواقع علميّ أنّه ليس على أفنسانيّة أن تعيش على هذا النحو . " أولئك الذين يشاهدون هذا الشريط يتعيذن أن يتساءلوا عن ما إذا كان يتمّ التلاعب بهم ليساندوا الولايات المتّحدة ك " قوّة خير " في الحرب الجارية في أوكرانيا و إلى أيّ مدى يقترب هذا من دفع العالم نحو نقطة إستخدام هذه الأسلحة الفظيعة مرّة أخرى . لا لحرب الولايات المتّحدة / الناتو مع روسيا ! لتوقف الولايات المتّحدة تهديداتها ضد الصين ! لا لحرب عالميّة ثالثة ! هذا النظام ، و ليست الإنسانيّة ، هو الذى يحتاج إلى الإضمحلال ! لا نقبل بمستقبلهم – آن الأوان للتنظّم من أجل ثورة فعليّة . و لمزيد المعلومات عن جريمة الحرب بهيروشيما و الطابع الراهن للحرب بالوكالة بين الولايات المتّحدة و روسيا في أوكرانيا ، عليكم بالتوجّه إلى موقع أنترنت revcom.us ؛ و إستمعوا إلى بوب أفاكيان هنا - بوب أفاكيان حول بيدن و بوتين و كسى جيبينغ : قطّاع طرق إمبرياليّون و الحاجة إلى الثورة ! و شاهدوا كلّ أسبوع برنامج – الثورة لا شيء أقلّ من ذلك ! على اليوتيوب . ملاحظة : تقديم عرض لتاريخ الحرب العالميّة الثانية ليس مجاله هذا المقال ، لكن إليكم بعض الخلفيّة : دامت الحرب العالميّة الثانية من 1939 إلى 1945 . و معظم القوى الكبرى في العالم شاركت في الحرب في مرحلة ما من مراحلها . و كان جانب يضمّ ألمانيا النازية و اليابان و إيطاليا . و الجانب الآخر يضمّ تحالفا بين الإتّحاد السوفياتي ( الذى قام بالقسط الأكبر من القتال و دفع ضريبة ذلك موتى ) ، و الصين و أنجلترا و الولايات المتّحدة ( التي لم تدخل الحرب إلى سنة 1941).
#شادي_الشماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحن الشيوعيّون الثوريّون (The revcoms ) - بيان للحزب الشيوعي
...
-
نحتاج و نطالب ب : نمط حياة جديد تماما و نظام مغاير جوهريّا -
...
-
بوب أفاكيان : خطّ ثوريّ فى تعارض مع - الإقتصاديّة - / الإقتص
...
-
بوب أفاكيان : كلّ ما نقوم به هدفه الثورة - مقتطف من الجزء ال
...
-
بوب أفاكيان : الأهمّية الحيويّة للقيادة ، القيادة مكثّفة كخط
...
-
ينبغي مواصلة الثورة في ظلّ الإشتراكيّة للإطاحة بالقادة السام
...
-
يضع الشيوعيّون و الشيوعيّات في المقام الأوّل مصالح الشعب و ا
...
-
ممارسة النقد و النقد الذاتيّ - مقتطف من الجزء الأوّل ( الفصل
...
-
المركزيّة الديمقراطيّة هي المبدأ التنظيمي للبروليتاريا - مقت
...
-
لا بدّ من و يمكن تكوين قادة و ثوريّين محترفين - مقتطف من الج
...
-
يتطوّر الصحيح في نضاله مع الخاطئ عبر الجدال و صراع الخطّين -
...
-
قبل أن نتّحد و من أجل أن نتّحد ، لا بدّ من تحديد الإختلافات
...
-
صحّة أو عدم صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي تحدّد كلّ شيء .
...
-
عندما لا يوجد حزب شيوعيّ ، المهمّة الأكثر إلحاحا على كاهل ال
...
-
الجماهير تصنع التاريخ و من واجب الحزب أن ينصهر فيها و يتعلّم
...
-
النضال الثوريّ من أجل إفتكاك السلطة هو الرئيسيّ و النضال الم
...
-
دمج النظريّة و الممارسة . دمج الحقيقة العالميّة للماركسيّة و
...
-
هناك حاجة إلى حزب طليعي يعرف كيف يرفع وعي الجماهير إلى مستوى
...
-
ردّا على تنديد باميلا بول الآليّ بالثورة الثقافيّة لماو ...
...
-
- لا تخشوا الحرب النوويّة – إذا قامت واحدة فروسيا هي التي ست
...
المزيد.....
-
العدد 590 من جريدة النهج الديمقراطي
-
اليمين المتطرف يحتفل برحيل أونروا من إسرائيل
-
الفصائل الفلسطينية تفرج عن دفعة جديدة من الأسرى بينهم أربيل
...
-
تسع خطوات عاجلة لـ 10 نقابات مهنية مصرية ضد تهجير ترامب للفل
...
-
انتهاء إضراب “النساجون الشرقيون”.. وهيكلة المرتبات خلال 15 ي
...
-
وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن
...
-
خواطر واعتراض واحدة من “أطفال يناير” على ميراث الهزيمة
-
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
-
م.م.ن.ص// رقم إضافي لقائمة حرب الاستغلال البشع للطبقة العامل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تدعو إلى التعبئة قصد التنزيل
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|