علي طه النوباني
الحوار المتمدن-العدد: 7691 - 2023 / 8 / 2 - 18:55
المحور:
الادب والفن
لم يحلق عبد اللطيف ذقنه منذ أسبوعين، فبدا شكله غريباً على كل من يعرفه. كان قبل وفاة زوجته ورفيقة دربه ليلى إنسانا منظما؛ يحلق ذقنه وشاربه حلاقة إنجليزية كل يوم، ويتأنق في اللّباس ورشّ العِطر، وتصفيف ما تبقى من شعر رأسه الذي خالطه الكثير من البياضِ حتى أنه فكّر في صبغه ثم تراجع لما رأى منظر أصدقائه الذين صبغوا كيف أصبح متنافراً لا يتناسب مع ملامح وجوههم التي بدأت تغزوها التجاعيد!
تُوفّيت زوجة عبد اللطيف في حادث سير على الطريق السريع، فقضى أيام العزاء الثلاثة ذاهلا يمد يده للقادمين مردّدا عبارة: " شكر الله سعيكم" دون وَعيٍ؛ والأفكار تجول في عقله: "ليتها أصيبت بمرض، وقضت عاما آخر حتى أتجرع فكرة الفقد بشكل تدريجي. ولكن لا...، ربَّما أكونُ أنانيا بهذه الطريقة من التفكير، لا...".
مرت أيام العزاء ثقيلة عَليه، ثم قضى عشرة أيام في البيت دون أن يفعل شيئا يُذكر غير الردّ على بعض مكالمات الهاتف، والاستجابة لما يوضع على مَنشور إعلان الوفاة الذي وضعه على فيسبوك: عظم الله أجركم، شكر الله سعيكم، لايك، ....
اليوم هو اليوم العاشر بعد العزاء، صار من الواجب أن يستأنف عمله ويعود للحياة قدر الإمكان. بدأ بحلاقة ذقنه، ولما صار نصف ذقنه ونصف شاربه حليقين؛ سمع رنة الهاتف من رقم غريب، ولما فتح المكالمة سمع صوتا سلطويا يقول: أنت فلان؟ فقال: نعم فلان؛ فجاءه الردُّ: نقدر انشغالك وحزنك على وفاة زوجتك؛ لكنَّ أحدهم نشر تعليقا مسيئا على بوست التعزية الذي نشرته على فيسبوك، وعليك أن تزيل التعليق خلال يومين وإلا أصبحت شريكا في الجريمة!
جريمة!
سقط الهاتف من يده في المغسلة، وحاول إنقاذه لكنّ الماء فعل فعله، فخرج إلى صالة البيت، ووقع نظره على هاتف زوجته الملقى على الطاولة منذ أن أعيد إليه بعد الحادث الذي توفيت فيه، فخرج من حسابها على فيسبوك، وحاول الدخول إلى حسابه، وتفاجأ أنه نسي كلمة المرور، وأنَّ فيسبوك نفسه يعرف أنَّ هذا الجهاز ليس جهازَه، وأن الدخول من جهاز مختلف لشخص نسي كلمة المرور يحتاج إلى معجزة.
ماذا يفعل؟!
ارتدى ملابسه على عجل وخرج قاصدا صديقه زيد الذي يمتلك خبرة في معالجة مثل هذه المسائل، وبمجرد أن وصل الشارع؛ لاحظ أنّ كلَّ من يراه يَكتم ضحكا شديدا، وعندما ركب التاكسي، نظر في المرآة فتذكر أنه حلق نصف شاربه ولحيته، ونسي النصف الآخر لأنه اكتشف أنه تورط في جريمة دون أن يدري!
كانَ سائقُ التاكسي يكتم ابتسامةً عريضة ويتململ؛ فنظر عبد اللطيف نحوه وقال: لقد عرفت الآن أني خرجت من البيت بنصف لحية ونصف شارب، ولولا مرآة السيارة لما تذكرت، وهي قصة طويلة لا يكفي مشوارنا القصير لسردها!
وقف التاكسي أمام بيت زيد، وخرج عبد اللطيف وهو يغطي على النصف الحليق من وجهه بيديه، طرق الباب، فخرج عليه زيد: أهلا عبد اللطيف، ماذا حدث لك يا رجل؟ ما هو الحدث الجلل الذي يجعلك تخرج من بيتك بهذه الهيئة؟
روى عبد اللطيف ما حدث معه لصديقه زيد، وهو يتحسس وجهه ونصف شاربه.
قال زيد: عظم الله أجركم
قال عبد اللطيف: شكر الله سعيكم!
#علي_طه_النوباني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟