رولا حسينات
(Rula Hessinat)
الحوار المتمدن-العدد: 7691 - 2023 / 8 / 2 - 12:14
المحور:
الادب والفن
اليوم الأول: الحافلة
الأربعاء الثاني من شهر آب...الساعة الثانية من بعد الظهر، في قاعة الانتظار في إحدى شركات السفريات، الرجال هنا يرتدون قمصان قطنية فضفاضة، عشرة منها لها ألوان متداخلة واثنان فقط صماء بلون أبيض والأخر أصفر يجلسون على مقاعد فضية ذات أرضية ومسند ظهر مثقبين، واحد منهم يمكن وصفه بأنه مدخن شره أبقى على سيجارته بين إصبعيه وهو يسحب نفساً عميقاً بشفتين بنيتي اللون، ومن ثم يغيب في سحابة من الدخان...لم تكن الأفاعي الملتوية قد خلقت بعد، وطفله ذو الأربعة أعوام الملتصق بأمه معلق عينيه اللوزيتين بطريقة والده في التدخين لا ينقص منها شيئاً. في حين بقيت والدته بصفحة وجهها الباهتة الملساء وعينيها الصغيرتين محدقة بالشاشة المضيئة من هاتفها المحمول ذي النوع الغالي الثمن. النساء الأخريات لم يكن لديهن ما يميزهن، الكثير من المساحيق الرخيصة المختلطة بالكثير من العرق ببشرة دهنية...استحال لون بشرتهن الى زرقة داكنة، ثلاثة عشر امرأة، ثلاثة منهن لديهن أولاد صغار دون الخامسة من العمر، بالمجمل يحاولن أن يتقن دور الأم التي لا أعلم حتى هذه اللحظة من تكون...اشتركن جميعهن بعدم ممانعة إزعاج صغارهن للجالسين في انتظار وصول الحافلة، ومن ثم الفرار بالبكاء. كنت بسري أدعو الله بأن لا ينظر اي منهم في وجهي فيفر باكيا.
عقارب الساعة لم تكن تشعر بالملل...فتسير على استحياء تكة تكة...والكثير من الضجيج والضحكات يلف من تبقى منهم جميعاً، رغم أن كل منهم يمارس طقوسه دون إبداء الاهتمام للآخرين
العشرون دقيقة في انتظار الحافلة كانت كفيلة بأن أعرف القليل من تفاصيل حياة موظفتي الاستقبال...ببرودتهن وصلافتهن والكثير من المساحيق البالية، وذلك الفتى ذي السادسة عشر من العمر الواقف بين الغرفة الزجاجية وبين باب غرفة الانتظار الزجاجي، يتأمل الداخلين والخارجين، لم تكن وقفته تدعو للاستهجان من قبل موظفي الشركة رغم أنه لا تبدو عليه ملامح الرجل المهذب...بقدر ما كانوا يعرفونه بقدر ما أثار ريبتي واستيائي فقد كان مقعدي في زاوية تتيح لي سرعة التأمل والتركيز في كل شيء واللاشيء في حين من الدقائق العشرين.
رغم أنه لم يعجبني ذو القميص ذي الرسومات البحرية لسبب أجهله، ولم أشعر بأنه توجب علي انتظار الحافلة في حين كان يمكنني استئجار سيارة لتقلني في طريق عودتي، لكني فضلت أن أكون مثل البقية دون استثناء أملك تذكرة للعودة انتظر أن تدق عقارب الساعة لتنطلق الحافلة بي.. لرحلة ما وإلى مكان ما يبقى تعريفه ذو خصوصية لي ولكل واحد منهم..
#رولا_حسينات (هاشتاغ)
Rula_Hessinat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟