|
لن تنسحب أمريكا من العراق..!
ابراهيم عباس نتو
الحوار المتمدن-العدد: 1725 - 2006 / 11 / 5 - 10:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد كل ما أقدمت عليه أمريكا في العراق.. و ما "ضحـّت" به.. واستثمرته في داخله و في خارجه على المستوى المحلي و الإقليمي و العالمي، فإن ما أتوقعه هو أن أمريكا لن تنسحب من العراق، إلا ربما شكلياً.. أو بشكل انسحاب من هنا..و إبدال في هناك.. بطرائق "إعادة" الانتشار. إن أمريكا.. بعد نجاحها في القضاء على أي منافس معتبر، تنفرد منذ العقد الأخير من القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي (الذي كان يتهاوى على كل حال)، و منذ عدة أحداث إستراتيجية أخرى و لو جاءت متوزعة: سقوط جدار برلين؛ الحرب العراقية الإيرانية؛ غزو و تحرير الكويت؛..الهجوم على أمريكا في عقر نيويوركها.. في 11 من سبتمبر/ أيلول... حدث 11 من سبتمبر/ أيلول.. الذي رغم انه كان قاصماً / و "قاسماً مشتركاً أعظماً"..إلا أنه كان في نفس الوقت -على ضخامته و فداحته- بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعارين جميعاً.. و قام بتذكير الشرق قبل الغرب بمخاطر و خطورة منطقة مصدر الطاقة الأول (النفط)..و سلّط الضوء بوضوح أكثر على منطقة الشرق الأوسط بعامة..و الوطن العربي تحديداً..و جزء الخليج منها بإمعان أكثر.. و كان أن جاء "على البيعة" فتم تذكير هؤلاء و أولئك بأزمة النفط الكبرى في 1973 و ما حولها ..و هي التي بدأ الغرب جراءها، بقيادة أمريكا و وزير خارجيتها وقتها هنري كيسنجر، عملية /عمليات الرد، بل و الانتقام، الاستراتيجي و طويل المدى! فإذا كان في منطقة الخليج (بمعاني) ما بين 25% و نصف بترول العالم.. إذا أضيفت العراق إلى دول الخليج الست ثم بعدها منطقة بحر خزر (بحيرة قزوين) ... فإنما علينا تصوره هنا هو ما يشبه أن يتجمع في يد مارد واحد مخزونُ مأكول و مشروب العالم..بينما غالبية بيوت العالم تنتظر في طابور يدور مرات حول الكرة الأرضية .. جائعة عطشى! و إذا لاحظنا – في المقابل-- مستوى استهلاك العالم..و خاصة الصناعي منه؛ فمثلاً، أمريكا و هي لا تصل نسبة سكانها إلـ 5% من سكان العالم ..بينما تستهلك ما بين 80 إلى 85% من موارد العالم.. فإنه –و مع کل "القیم"..و المفاهيم الدبلوماسية..و اتفاقيات جنيف..و بقية الاتفاقيات و المعاهدات و سائر الپروتوكولات..الخ، فسيبقى البقاء هو البقاء.. على طريقة نفسي نفسي! ولا بورك فيمن كان السبب..و خاصة السبب المباشر لاحتلال العراق.. في شخص رئيسه السابق.. الذي غرر بنفسه و غرر به أعوانه.. وصور لنفسه –و صدق ما صوروه له.. بأنه ليس فقط "الزعيم" الأوحد.. و صاحب 98 اسماً حسنى..الخ، فلقد يسر ذلك "الزعيم" لذلك الذئب الكبير(أمريكا) بأن يهجم على ما دانى من الغنم..و جعلهم له لقمة سائغة لنهشه، و لقد كان ذلك التمكين بدءاً بدكتاتوريته الستالينية المطلقة التي مارسها حتى تجاه "الرفاق" من زمرته؛ ثم اعتدائه على جارته إيران في 8 سنوات عجاف؛ ثم الانكباب على جارته الأخرى الكويت، حتى خرج منها مدحوراً، و لكن بعد إنهاك قوى بلده و إفناء شبابه و محـْقِ هيبة شعبه و وطنه و أمته. [و هل نذكر حلبجة.. في الداخل؟] أمريكا وجدتـْها!! و جاءتها الفرصة تقريباً إلى حد أقدامها.. و سبب لها كبير نعاجنا بأن ينهش الذئب بملء فمه و بلعومه. ثم جاءتها الفرصة لتنقض و لو تدريجياً..و ربما (في مراحل قادمة على كامل الخليج).. لتمسك بكامل الخليج (على أن تكون مسكة القبضة في تلك الحالة..و في هذه المرة بصفة مباشرة). بل و لعلها في طيات خططها إحكام السيطرة على منابع النفط من أواسط آسيا ..أذربيجان و ما حولها.. و إعادة إحكام القبضة على نفط الخليج.. مع إزالة أو على الأقل تحييد) ما بقي في طريقها –إيران و سوريا—حتى يخلو لها الطريق سالكاً لربط نفطي أذربيجان و الخليج.. إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط.. ومنها --في خط مستقيم-- إلى أوربا، ..و إلى أمريكا بالطبع. و الذي أراه –على المستوى الأوسع-- هو أن تربط أمريكا بين البحرين (هنا أعني بها: بحر خزر و البحر الأبيض) بإكمال سيطرتها المباشرة و غير المباشرة فيما بين نفط أذربيجان الدافق.. و نفط الخليج الغادق.. مع توصيل هذا و ذاك إلى سواحل شرق المتوسط العربي منها والإسرائيلي، و بالتالي: "من البحر إلى البحر"!.. فإن أوربا و من ورائها أمريكا تكونان قد ضمنتا مصدر الطاقة و الحياة لسنين و سنين و سنين..(ربما إلى أن تتمكنان من الاستغناء عن النفط كمصدر لحياتهم..بالبدائل التقنية المنتظرة منذ أزمة النفط الأولى..في 1973..و لا يزالون يشتغلون على ذلك.) و حتى يأت ذلك الحين.. فإن أمريكا (لن) تنسحب. لقد صرفت أمريكا مئات البلايين/المليارات..و خسرت –إلى تأريخه-- ما تعدى الألفين من مواطنيها؛ و أيضاً كثيراً من المخاطرة بسمعتها و مركزها الكوني؛ و هي تعمل على إقامة أكبر مبنى (مجمع بنائي) يفوق أكبر سفاراتها في العالم حجماً، و بإدارة أكبر عدد من منسوبيها "الدبلوماسيين" في العالم (أكثر من 3000 موظفاًُ)؛ و تعمل على إقامة عدد من القواعد العسكرية العملاقة في أنحاء العراق. وحتى إذا ما بدا و أنها توارت عن الأنظار..و إذا ما قام السفير الأمريكي بتسليم صولجان أو نحوه إلى قائد عسكري عراقي أو إلى أحد رؤساء السلطة المحلية العراقية أمام كاميرات التلفاز و الفضائيات.. و حتى إذا هم أكملوا ذلك (المسرح) باحتفالية لإنزال العلم الأمريكي و رفع العلم العراقي.. فإن كل هذا و ذاك لن يغير في الأمر شيئاً. لقد صرح رئيس أمريكا و معه وزير الدفاع.. و عبرا كلاهما في مناسبة عدة.. بعبارة مطلية بماء البلاغة، المزركشة بالألفاظ التي بدت و كأنها غير تسلطية، بل و كأنها من باب "الفروسية" الموشاة حتى بالإيثار..فجاءت العبارة و كأن أمريكا لا تنوى أبداً تثبيت الاحتلال و لا الرغبة في البقاء.. بقولهما: أمريكا لن تبقى في العراق ثانية أكثر مما يلزم، و لا ثانية واحدة أقل. و من هذه العبارة قد يفهم بأن أمريكا لا تعتزم البقاء أكثر مما يلزم. و لمن فاتته النكتة، فإنها تعبر عن شيء صحيح حرفي، فالمقصود (الحقيقي) هو العزم على البقاء بما لا يتعدى ساعة "عدم اللزوم"..ألا و هي ساعة نضوب النفط في المنطقة!! (أو)ساعة استغناء أمريكا والعالم الصناعي عن النفط كمصدر رخيص للطاقة (أو) بعد اكتشاف ما يكفي من الوسائل البديلة لتوليد لطاقة و لإدارة دفات الصناعة و الحياة بعامة هناك)، ..أياً من الحدثين كان أبعد!! وإلا، فإن أمريكا هذه..و حتى بعد مضي 61 سنة على انتهاء الحرب العالمية الثانية.. و الهزيمة التاريخية الساحقة لقطبـيها اليابان و ألمانيا.. لم تنسحب سياسياً من هذين البلدين، حتى بعد توقيع "اتفاقيات" السلام، كالتي تم توقيعها..و في احتفال معلن و مفعلن و على رؤوس الأشهاد في سان فرانسيسكو. بينما يبقى الواقع بأنه و إلى يومنا هذا لا تزال هناك قواعد لأمريكا في اليابان؛ ففي جزر أوكيناوا -مثلاً-- هناك ما لا يقل عن 35 ألف جندي أمريكي، و كذلك القواعد البحرية مثل التي جوار ميناء يوكوهاما الشهير. ومثل ما في اليابان، فهناك من القواعد و المعدات والمشفيات العسكرية الأمريكية التي لا تزال قائمة (و مستمرة) في ألمانيا.. كما فيما بين فرانكفورت و في غرب البلاد حتى حدودها مع فرنسا فيما قبل سار بروكين، و ما بينهما في مانهايم و قرب بادن بادن و غيرها. و كذلك في كوريا (الجنوبية) و حتى بعد مضي 53سنة على انتهاء حرب أمريكا على كوريا التي نجمت عن وقف إطلاق النار و قيام الكوريتين (الشمالية و الجنوبية).. فلا يزال في كوريا الجنوبية حوالي 38 ألف جندي أمريكي في أنچونگ غرباٌ و بوسان غرباٌ.. و فیما بينهما! قد يقول البعض: هذا قانون الغاب! هذا تسلط ! هذا استعمار جديد!؛ و لكن منطق المنتصر سيجيب بأنه لن ينسحب المنتصر هكذا من تلقاء نفسه، ناسياً كل الخسائر المادية والبشرية التي صرفها لقاء "النصر"؛ و لن يخرج (إلا إذا تم تعويضه..أو استعاض لنفسه ما يرضيه -و يكون ذلك في هذه الحالة: بقاء سيطرته! و لو بدا ذلك و كأنه بأيدي بعض أهل البلاد و لو بكوفيات محلية أو برانيص مخملية؛ و حتى لو تم تصويرهم و هو يحملون كل الشارات و الصولجانات الفضفضية و العبارات الدپلوماسية.. التي تنبي عن "الاعتراف" بالنظام "الحاكم" الجديد!! إن الذئب المتضور جوعاً.. و خاصة ذا العضلات المفتولة.. لن يفلت بنعجة سائغة، لن يتركها تفلت من بين أنيابه. و بالنسبة لأمريكا و معها أوربا و أضرابها.. فإن المسألة مسألة بقاء..مساء حياة أو موت. فلا ننتظر أن أمريكا ستنسحب من العراق، و لا من أمثالها ممن تم التغلب عليها من البلدان "النامية". و لا بورك فيمن كان السبب الأكثر مباشرة: دكتاتوريّونا الأواحد.
#ابراهيم_عباس_نتو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-أسامة- بن لادن،..أما آن لك أن تخجل؟!
-
كونسِرفَتوار سعودي..معهد عالي للموسيقى
-
مَحَطّاتٌ مِفْصَلية في عِراقِ ما بَعد صَد ّام 2003-2005م في
...
-
الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي
-
ديموقراطيةُ المشاركةِ الشعبية تَبزُغُ في العراق!
-
الديموقراطيا
-
عما جاء في مقال الدكتور وحيد حسب الله في -الحوار المتمدن- عن
...
-
-إقرأ-..لفظة ٌقـُرآنية لها معنى غير -القراءة-
-
الموسيقـَى غِذاءُ الرُّوح!
-
قرارٌ أمريكيٌ قد يؤذي مستقبلنا في المملكة العربية السعودية!
-
سياقة ُالمرأةِ سيّارتـَها حَـقٌ طبيعي
-
قصيدة اعملوا.
-
المرأة و الفئات المتزمِّتة!
-
قصيدة / إلى ما وراء عاشوراء
-
أول روائية سعودية تكتب عن الإرهاب
-
الانتخاب على الباب: بدء الديموقراطيا في السعودية
-
بَدءُ الديموقراطيا و الانتخابات السعودية
-
ما ضَــرَّ لو جاء المترشحُ العربي في الانتخابات بأقل من 99,9
...
-
بني وطني، لا تقاطعوا الانتخابات
-
نجمتان خليجيتان: لـُبنىَ العِلَيّان..و نَدىَ زيدان
المزيد.....
-
فيديو لحافلات تقل مرضى وجرحى فلسطينيين تصل إلى معبر رفح في ط
...
-
قصف روسي لبلدة دوبروبيليا الأوكرانية يخلف جرحى وخسائر مادية
...
-
مقتل عشرة في قرية سورية سكانها علويون والسلطات تبحث عن الجنا
...
-
لمن سيصوت الألمان من أصول عربية خلال الانتخابات المقبلة؟
-
للمرة الأولى منذ 12 عاما.. أسير أردني يلتقي بطفله الوليد من
...
-
مجموعة لاهاي تكتل دولي لمحاسبة إسرائيل
-
حماس: حالة أسرى العدو تثبت قيم وأخلاق المقاومة
-
كاتب تركي: ترامب حوّل -الحلم الأميركي- إلى كابوس
-
الجميع متعبون والمزاج تغير.. الغارديان تلقي الضوء على أزمة ف
...
-
-مشهد مخيف هناك-: مراسل CNN يصف ما سببه تحطم الطائرة بمركز ت
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|