المسؤول مقاسات

حسن عطا الرضيع
باحث في الشأن الاقتصادي وكاتب محتوى نقدي ساخر
(Hasan Atta Al Radee)

الحوار المتمدن-العدد: 7680 - 2023 / 7 / 22 - 00:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

لطالما عانت الشعوب التي يحكمها بغابة القانون وبقوة السلاح والنار حُكاماً ينخرها أجسادهم الفساد واستلاب الثروات والتعامل مع المال العام بمبدأ أنه تِركة الوالد، حُكاماً أضاعوا مستقبل أبنائهم وسرقوا رغيف خبزهم لينعموا هم ومن هم من عِظام الرقبة بكل الخيرات تاركين خلفهم ملايين من فاقدي العيش الكريم والمُحبطين والبؤساء الذين أضحوا يبحثون عن أي وطن يُوفر لهم حقوقهم الأساسية التي كفلتها الأديان السماوية والقوانين الأممية وتشريعات القدماء، هؤلاء يؤمنون بالقول الخالد للإمام علي بن أبي طالب أن الفقر في الوطن غربة وأن الغنى في الغربة وطن.
يمتلك الرؤساء وكبار الموظفين وأغلبهم من العسكر بتشكيلاته المتنوعة بُجل الثروة بينما ينعم الأغلبية المقهورة بجزء من الثروة تجعلهم يعملون لأجل البقاء على قيد الحياة، فمعيشتهم دون حد الكفاف .
في الحالة العربية ونظراً لتراجع الديمقراطية وتفرد الحزب الواحد وحُكم العسكر و العشيرة والقبيلة في بعض الدول فإن المسؤولون مقاسات، هناك من يكتفي بمعلقة واحدة من طبق الكوشري وهناك من يترك لك معلقة واحدة ويلتهم البقية دون أي اعتبار لجموع الملايين الجوعى والمُشردين في الطرقات، وهناك مسؤولون يلتهمون الطبق كاملاً ويُصادرون منك أي حقوق تُفكر بها ويكبحون جماح أي تحرك ترغب بتنفيذه والزج بالسجن والتعذيب بأقصى الأشكال سيكون سيد الموقف والتُهم جاهزة : أنت عميل وأجندات تعمل لصالح قوى غربية تعمل ليل نهار لإسقاط نظام دولتك التي بُنيت بالدماء .
المسؤولون مقاسات عديدة، فالمسؤول الأول: مقاسه s ، مسؤول بسيط يعمل رئيساً للقسم أحلامه بسيطة هامشية الاستفادة من بعض الفتات، ما يُحصله من منصبه بضع دولارات شهرياً لا تُشكل إلا نسبة محدودة من دخله فهي بمثابة معلقة صغيرة من طبق الكوشري ، يُمكن أن يستغل منصبه وتحقيق بعض المكاسب المادية ويتوقف حجمها على متانة العلاقة بين هذا المسؤول والمسؤولين في المستويات الأعلى.
المسؤول الثاني مقاسه M، مسؤول أفضل حالاً وقوة ونفوذاً من المسؤول S ، يعمل هذا المسؤول مديراً للدائرة، يأتمر بأوامره عدد من الموظفون ومن ضمنهم رئيس القسم، لهذا المسؤول صلاحيات تؤهله أن يغتنم بعض الفرص لكسب المال غير المشروع، من خلاله موقعه كمدير يُمكن أن يلتهم معلقتين لثلاث معالق صغيرة من طبق الكوشري، هذا المسؤول يمكن أن يمتلك شقة سكنية وسيارة ويدخر جزء من الراتب رغم أن نفقاته قد تتجاوز راتبه ، فكيف اشترى هذا المسؤول سيارة حديثة وكيف امتلك شقة سكنية رغم أن ثمنها يفوق 50 ضعف راتبه، حيث أنه لم يقوم مثلاً بمعاملة ربوية واقتراض المال من البنك بضمان راتبه .
المسؤول الثالث مقاسه ML، مسؤول يعمل نائباً للمدير العام ، يمتلك من الصلاحيات ما يجعله مُقرباً من رجال الأعمال والأثرياء فيمكن تبادل المصلحة بينهما، وبُحكم طبيعة النفس البشرية فيلجا هذا المسؤول لتكسب المال وبدون بذل جهود كبيرة من خلال موقعه، بإمكان هذا المسؤول شراء عمارة سكنية أو بناء منزل بعدة طوابق إضافة لسيارة حديثة والمشاركة مع أصدقاء كشريك في مشاريع تجارية لا يظهر أي صفة للمسؤول فيها من باب التكتم وقضاء الحوائج بالكتمان، يُمكن لهذا المسؤول أن يتناول 3 ل 5 معالق كبيرة من طبق الكوشري ، يظهر على هذا المسؤول حالة من الترف لا تتناسب ودخله .
المسؤول الرابع مقاسه L يعمل مدير عام، لديه صلاحيات تجعله يسير بمركبته وكل الطرق والأزقة مُشرعة لخدمته، يستغل منصبه للعمل في التجارة ويستثمر في معاناة الناس، يُمكن أن يتملك هذا المسؤول أكثر من منزل وأكثر من سيارة منها من هي لتوليد الدخل، يتناول هذا المسؤول قرابة عشر معالق كبيرة من طبق الكوشري يلتهم قرابة الربع، يظهر عليه حالة من الثراء والبذخ بشكل ملحوظ.
المسؤول الخامس مقاسه XL يعمل وكيلاً للوزارة، يمتلك علاقات واسعة مع جميع مكونات المجتمع ويُركز على تنمية العلاقة مع التجار وأصحاب الفعاليات الاقتصادية الكبرى، يمكن أن يتملك عدد من العمارات السكنية والمشاريع التجارية حذاء عدد من السيارات الفاخرة، يلتهم هذا المسؤول أكثر من ثلث طبق الكوشري، يرفع هذا المسؤول شعار : الأمانة أولاً وهي منه براء.
المسؤول السادس مقاسه XXL يعمل وزيراً ، يمتلك صلاحيات غير محدودة، يُوظف كل صغيرة وكبيرة لأجل مصلحته الخاصة، يعمل تاجراً ومضارباً ومقامراً وبدرجة كبيرة من السرية والكتمان، يمتلك هذا المسؤول أبراجاً سكنية وأسهماً في المصارف والجامعات والشركات التي تستثمر في معاناة الناس.
المسؤول السابع مقاسه XXXL يعمل هذا المسؤول رئيساً للوزراء أو رئيساً للقضاء والمؤسسات ذات الوزن الكبير كالبنك المركزي وغيرها، يلتهم هذا المسؤول ثلاثة أرباع طبق الكوشري، يمتلك ضوء أخضر مُشتعل على الدوام، يدعس في طريقه الفقراء ويسرق أحلامهم ، يمتلك أرصدة بالملايين يستثمرها في الخارج ، يمتلك مساحات شاسعة من الأراضي ولديه عدد من الشركات ويدخر في المصارف الأجنبية ملايين من الدولارات اختلسها من خزينة الدولة.
المسؤول الهمر مقاسه يبدأ من 4XL حتى يصل لمقاس 8XL هذا المسؤول إما أن يكون قائداً لقوى الأمن أو رجل دين أو رئيساً للدولة، يمتلك صلاحيات غير محدودة، يأكل الأخضر واليابس ، يلتهم طبق الكوشري ولا يكتفي بذلك ليلتهم محلات الكوشري جميعاً، يمتلك ثروة تفوق إجمالي ما يًنتجه المجتمع من سلع وخدمات سنوياً، هذا المسؤول ثري وفاسد للغاية، يتحدث عن الصبر والحوكمة والعدالة الاجتماعية وفي الحقيقة هو ليس كذلك، بسبب هذا المسؤول عم الفساد وأضحى ضرورة للمسؤولين وبأحجامهم المتعددة.
لقد ضاع طبق الكوشري وكبر أولاد المسؤولين ليعملوا في كار آبائهم ، ففساد المسؤول يُورثه لأبنائه ، وهكذا سيستمر اللصوص في التهام المزيد من أطباق الكوشري، ورغم ذلك يخرج المسؤول الفاسد كما صورته إحدى حلقات مرايا (محكمة في حب الوطن) ليقول لك : أنت شو قدمت للوطن مقابل اللي قدمه رسمي بيك .

#حسن_عطا_الرضيع (هاشتاغ)       Hasan_Atta_Al_Radee#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات