|
السلك الديني المندائي الذكوري.
سنان سامي الجادر
(Sinan Al Jader)
الحوار المتمدن-العدد: 7679 - 2023 / 7 / 21 - 19:21
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
أنّ أهم ما يميّز الدين المندائي هو كونه دين مبني على المعرفة والتفسير والدليل. ولم يكن دين خرافات سوى للطبقة التي تعجز عن فهم الفلسفة فتحاول التفسير معتمدة على المخيّلة. وكذلك فأن هنالك من يبحث عن المعلومة السريعة السهلة وبدون بحوث عميقة فيأخذ أسهل ما يجده ويعطيه للناس. وبالتالي فيتم تداول العديد من المعلومات الخاطئة والمبنيّة على الإشاعات في الغالب. ولهذا فنحتاج لتخليص الدين المندائي من تلك الشوائب التي علقت بفلسفته عبر السنين.
ومن ضمن تلك المعلومات الخاطئة هي بوجود نساء كانت لهنّ درجات دينيّة عالية وحتى وصلن لدرجة الريش أمة! وطبعاً هذا الموضوع غير صحيح, وأصله كان عدم فهم من قبل المستشرقين للفلسفة المندائية. حيث ذكرت دراور بأن أحداً ما كان قد قال لها بوجود نساء في الزمن القديم كانت لهن درجات دينيّة (كتاب الصابئة المندائيون. دراور. النسخة الانكليزية ص147 / النسخة العربية ص168.), فردّد بعدها المُرددون. وبرغم ذلك فهي كانت قد ذكرت بوجود نص صريح في كتاب الترسر بعدم جواز أعطاء الدرجة الدينيّة للمرأة, وهذا النص كان قد نشره العديد من الباحثين المندائيين سابقاً.
وقبل مناقشة الموضوع فنذكّر بأن النشمثة للذكر والأنثى هي بنفس المقاييس, ولا يوجد تفضيل في المندائيّة لإيمان الذكور على الإناث ولا بالتهاون في العقوبات للمخطئين الرجال على حساب النساء. ومع ذلك فيوجد تفضيل للذكور في موضوع تعدد الزوجات الذي هو موجود ضمن شرائع بلاد الرافدين وكذلك في موضوع الطلاق. ولاتختلف الشرائع المندائيّة عن شرائع بلاد الرافدين وحتى في التفاصيل الدقيقة. أنّ الدخول للسلك الديني لدى البابليين والآشوريين كان مقصوراً على الذكور. وبرغم وجود نساء كاهنات في المعابد خلال مراحل متعددة ولكن واجباتهن كانت مختلفة عن واجبات رجال الدين. وكانت لغالبيتهن واجباتهن ساندة للمعبد مثل خياطة الملابس وإدارة الحسابات وطبخ الطعام والتراتيل وغير ذلك.
ولكن لماذا اعتقدت دراور بوجود نساء في السلك الديني المندائي من الأساس؟ وللإجابة على هذا السؤال فهو بسبب وجود ذكر لبعض النساء ضمن سلالات الناسخين في نهايات الكتب المندائيّة. ولكن هذا الموضوع لوحده لا يكفي وهو ليس بدليل, حيث توجد العديد من الكتب التي تمّ نسخها من قبل مؤمنين ومؤمنات وبعضهم لا يمتلك أية درجة دينيّة. وهنالك حالتين تصبح بهما النساء صاحبات للكتب الدينيّة ويتم توثيقها بأسمائهن. حيث أنّ الحالة الأولى كانت من قبل النساء المؤمنات المنتميات للعوائل الدينيّة, فيتعلمن اللّغة ويأخذن المعرفة والمصادر من ذويهنَّ, ويقمن بنسخ الكتب المندائيّة بأنفسهن. ونجد في النصوص المندائيّة إشارة لهؤلاء المؤمنات بالترميداثا وهُنّ صاحبات العلم والمعرفة. وهذه الحالة كانت موجودة منذ القِدم ولغاية عصرنا هذا. وآخر مؤمنة قامت بهذا العمل في هذا الزمان حسب علمي هي السيدة أمل عسكر, فقامت بنسخ كتاب الكنزا ربا بخط يدها مع أجراء الطقوس اللازمة. وأمّا الحالة الأخرى فهي للمؤمنات اللواتي كُنَّ يعطين الزدقا للشيوخ ليقوموا بنسخ الكتب المندائيّة فيسجلون أسمائهنّ في الكتاب كمالكات له. وتكون الإشارة لتلك النُسخ في هوامش الكُتب التي تنقل عنه بأسمائهن. وتوجد الكثير من الأمثلة على تلك الحالات وهذه بعض من تلك النُسخ التي تعود أسمائها للمؤمنات المندائيّات اللواتي كتبن الكتب أو اللواتي أعطين الزدقا لكتابتها. (1) “… يهانا نسخها من كتاب بيان هيبل بر شدان… وبيان هيبل وأخيه نسخها لهم إقيم بر زندانا من مخطوطة ميرياي بث سيمات وميرياي كتبها لها سام بر ساكارا بر زكي من مخطوطته الخاصّة… من يوزاطق بر ساسا ثم من مخطوطة شلاما بث قدرا لتكون راحة الحياة للمؤمنين العارفين..” من هوامش كنزا ربا رام بختيار كنيانة قطانا 1560 (2) “نسختها إلى مؤمنة صالحة التي وهبت الزدقا لكتابة كتاب ربّ العظمة ليكون لها ذكر في الأرض تيبل وكذلك في عوالم النور العظيمة العالية, وهي أنهر بث مماني وأسمها هو ناصرة بنت شاري بن سعيد بن سهل كنيانة بنكاني.” من هوامش كنزا ربا الشيخ بهرام سام خفاجي ودراجي 1812
لمشاهدة النُسخ الأصلية للنصوص الذهاب للمصدر (1)
أنّ كون السلك الديني المندائي هو ذكوري وخاص للرجال فقط. هو موضوع حاسم ولأنه في داخل الفلسفة. ولمن يقرأ الكتب الدينيّة بلغتها الأصلية فسيجد في أكثر من موضع عدم جواز دخول المرأة للسلك الديني, ولا توجد مساواة بين الجنسين في ذلك. وهذا أحد النصوص الذي يوجد به تحريم صريح لتكريس النساء
“ثم أوضح لكم أنا هيبل زيوا يا أبنائي وشتلاتي وتلاميذي المحبين:
أحذروا أن تُعطوا التاج (الدرجة الدينيّة) للنساء.” ديوان اليف ترسّر شيالي
ولمن لا يكتفي بالنص أعلاه من ديوان الترسر لأي سبب من الأسباب المزعومة. فتوجد نصوص أخرى تشرح لماذا لا يجوز تكريس النساء.
ولكن هنالك من يقول بأن أسماء بعض النساء كانت قد ذُكرت في موضع معين بالنصوص المندائيّة بكونهن صاحبات درجة دينيّة. فهل هذا يعني بوجود تناقض في الكتب حول هذا الموضوع؟ والجواب هو كلا فلا يوجد تناقض ولأن الموضع الذي أشار إليه أصحاب نظرية تكريس النساء. هو أجتهاد شخصي ضمن دعاء اللوفاني الذي يجريه المندائيون لأجدادهم وخاصّة في عيد البرونايا, فيحرصون جميعهم وحتى غير الملتزمين بالطقوس ولكنهم من المُحبين لأجدادهم فيبادرون بعمل اللوفاني عبر تحضير أطعمة طبيعيّة من الخضروات والفواكه والخبز والسمك ومن ثم يقرأون ترتيلة طاب طابا الطابي. وفي داخل الترتيلة يتم وضع أسماء (ملاويش) الأقارب والأجداد وجميع رجال الدين القدامى الذين يعرفونهم والذين قدموا خدمات كبيرة لدينهم ولاستمرار الدارة المندائيّة ليطلبوا لهم غفران الخطايا. وبعد هذه الترتيلة وذكر الأهل والأجداد يتناولون الطعام. ولكن قائمة الأسماء تلك هي مُتغيرة حسب كل شخص ومدى قرابته أو رغبته بذكر الأحياء من الأقارب والمتوفين من الأجداد المندائيين القدامى. وكانت قد وجدت ضمن أزهار أحد نسخ كتاب النياني القليلة, أسماء متعددة وفيها يذكر الشخص الذي نسخ التراتيل ملاويش لناسخي الكتب القدامى الذين يأتون في نهايات سلالات الناسخين غالباً أو حتى من التراث المندائي. ومن ثم يقسمهم إلى ترميدي وكنزبري وريش امي وحسب قدمهم بالنسخ فيضع الأقدم ضمن الريش امي وهكذا وضمن تلك الأسماء يوجد من الذكور والإناث.
وكما نلاحظ من مقارنة تلك الأسماء في الدعاء مع أزهار أحد الكتب الدينيّة من سنة 1883 بأنها نفس أسماء الناسخين الأقدم في نهاية الأزهار وأنّ الريش أمه الوحيد الذي كان موجودا هو آدم ابو الفرج. وحتى أنّ أسم هيونه ربما أتى بخطأ لإضافة أسمها فنجد الناسخ في كتاب المصبوتا هو بيني بر زكي وأمه هيونه, ولكن لا وجود لهيونه كشخصيّة منفردة ضمن الناسخين.
ولمشاهدة النصوص والمقارنة بينها الذهاب للمصدر (2)
وطبعاً لا يمكن قبول ذلك الدعاء أو إعطائه مصداقيّة ولأنهم نفس الناسخين القدامى ولا يتم ذكر أية درجات دينيّة لهم ضمن ذكرهم في الكتب الدينيّة التي نسخوها. ولكن فقط في ذلك الدعاء العائد للشخص الذي نسخ الترتيلة ومن دون أية تفاصيل. من حرصهم وأمانتهم في النَسخ فقد أبقى الذين ينسخون تلك النسخة من النياني لاحقاً على تلك الأسماء ضمن الأزهار نفسه وكانوا يضيفون أو ينقصون منها حسب معرفتهم للترميدي أو للكنزبري أو لشخصية جيدة. ونجد أختلافات بينها لغاية الريش امي ولأن هذه الدرجة لم يصلها سوى الرموز القليلة عبر التاريخ. وأما الأزهارات الخاصّة بالكتب فهي تذكر الدرجة الدينيّة للناسخين كاملة فتقول نسخها الربي فلان أو الشواليا أو الكنزبرا أو الريش أمه. ولهذا فهي تخص ذلك الشخص بمصداقية. بينما هذا الدعاء هو شخصي غير معروف من كتبه وهل له درجة دينيّة أم لا وهو متغير من شخص لآخر. وأن أي شخص كان يستطيع أن يضيف ما يريد من الأسماء لكي يقرأها عند قيامه بعمل اللوفاني فهي نُسخة لعامّة المندائيين. ولهذا فأن ذلك التوثيق لا يعتبر من النصوص الدينيّة المندائيّة وليست له مصداقية النصوص ولا الأزهارات التي كتبها رجال الدين في هوامش كتبهم التي نسخوها.
المصادر 1. بحث, السلك الديني المندائي الذكوري, سنان سامي الجادر https://mandaean.home.blog/2023/06/22/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%83-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%af%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%83%d9%88%d8%b1%d9%8a/
2. بحث, السلك الديني المندائي الذكوري / تكملة, سنان سامي الجادر https://mandaean.home.blog/2023/06/25/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%83-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%af%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%83%d9%88%d8%b1%d9%8a-%d8%aa%d9%83%d9%85%d9%84%d8%a9/
#سنان_سامي_الجادر (هاشتاغ)
Sinan_Al_Jader#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الآثار المندائيّة في الطِيب
-
الويكيبيديا وتحريف التاريخ المندائي
-
الحِقد على الحضارات الأصيلة
-
شيوخ السُلالة الناصورائيّة المندويّة
-
اللّغة الرافدينيّة المندائيّة والترجمة
-
أين آثارنا الرافدينيّة المنهوبة؟
-
المندائيّة الأخلاقيّة والغنوصيّة الإباحيّة
-
حقيقة التصميم الذكي للحياة وإنهيار فكرة التطور والإنتخاب الط
...
-
الحِبر المَندائي السرّي
-
المطرقة والسندان إسرائيل وإيران
-
الحَذر من الإسرائيليين والمدسوسين
-
يهانا يَقول: لستُ يهوديّاً ولا أشربُ الخَمرة.
-
يحيى بهرام ..والقصّة المُحرّفة!
-
تطابق مخطوطات نجع حمادي المصريّة مع الفلسفة المندائيّة
-
نقد وتحليل// كتاب جديد صَدَرَ عن الصابئة “الصّابئة في الثّقا
...
-
صابئة القرآن, الحرانيين, تسمية الصابئة, المانويّة
-
الضّعيف.. أمانة الأقوياء والمُتّقين
-
هولاكو الجديد مدمّر الحضارة
-
البساطة أقرب للحياة
-
سِر الحَياة المُلوّث.. بالمَجّان
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|