أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبد الله ميرغني محمد أحمد - مألات مشروع الحداثة في السودان المعاصر : الواقع و التحديات















المزيد.....



مألات مشروع الحداثة في السودان المعاصر : الواقع و التحديات


عبد الله ميرغني محمد أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 7675 - 2023 / 7 / 17 - 22:08
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مدخل:

بـدأت الحداثـة كحركـة فكريـة مـع عصـر التنويـر فـي الغـرب خلال القرنيـن الثامـن عشـر والتاسـع عشـر، وذلـك بعـد سـيطرة الكنيسـة والإقطاع والطبقـة الاروسـتقراطية علـى مفاصـل الحيـاة، الثقافيـة، الاقتصادية والسياسـية، لعـدة قـرون. تحـررت الكنيسـة عبــر حركــة الاصلاح اللوثريــة، بــدأت الثــورة الِعلميــة خطواتهــا الأولى مـع جاليلـو ونيوتـن ودارون وباسـتير، وفـي المقابـل انتفضت الفلسـفة ضـّد الكهنـوت علـى يـد فالسـفة التنويـر، حيـث ظهـر الشـك المنهجـي مـع رينيـه ديـكارت، والمنهـج ألاسـتقرائي الحديث مــع فرانســيس بيكــون، وفلســفة القيــم مــع إيمانويــل كانــط، والماديــة الجدليــة مــع هيجــل وماركــس. العالم المشــترك بيــن الجميــع أو كلمــة الســر هــي «الوعي»، أي أن يكــون «الإنسان الفـرد» هـو المحـور الـذي تـدور حولـه الأحداث، الوعي الـذي يعمــل كحلقــة وصــل بيــن «الــذات» و«الموضــوع.» التنويــر أو الحداثـة كحركـة ثقافيـة تاريخيـة، اعتمـدت علـى مربـع الخـلاص - «العقلانية، التاريخية، الحريـة والعلمانيـة»، لتأسـيس نظـام الأخلاق والمعرفـة، قوامـه العقـل.

وبالعـودة إلـى تجربـة السـودان -الخجولـة والمتواضعـة إلـى حـ ٍّد كبيـر- فـي مجـال الحداثـة أو التنويـر، نجـد إنهـا مازالـت فـي طور التشـكيل الجنينـي - تحـارب مـن أجـل تحقيـق مربـع الخـلاص علـى الواقـع، الواقـع الـذي يتحرك باسـتمرار تجاه الماضـي «المقدس.» الماضــي يتدثــر بالديــن ويفــرض نفســه رغــم أنــف المســتقبل، المجتمـع لـم ولـن يتجانـس ثقافيـًا مـع حركـة شـد الأطراف، التـي قــد تنتهــي بمــوت المركــز ســريريًا، المثقــف الســوداني تحــت كل المسـميات، اليسـار، الوسـط واليميـن، مـا انفـك يحمـل صخـرة سـيزيف ، وينـادي بشـعارات فقـدت شـرعيتها، لكنهـا المكابـرة ولوثة النخبويـة، أو حالـة هـروب مـن الـذات. والعقـل الجمعي السـوداني يسـوده «ظاهـرة التفكيـر الرعـوي»، وعندهـا يعانـ ي «الوعـ ي» حالــة انقســام بنيــوي، بيــن الوعي اليقينــي واللاوعي، وتتجــذر المعضلــة أكثــر فأكثــر، عندمــا يكــون «اللاوعي» هــو صاحــب الكلمـة الفيصـل، عندهـا ينفـرط العقـد والـكل يبحـث عـن المعادل الموضوعي، لواقـع أقـل مـا يوصـف بـه إنـه مـأزوم.

وتتميـز مرحلـة الحداثـة بازديـاد الفرديـة والطابـع اللا شـخصي فــي النظــم الاجتماعية، والــذي نجــم عــن تقســيم العمــل والتخصــص والتمايــز ثــم وجــود المؤسســات. ومــن المألــوف أن تصنـف الحداثـة تحـت مفاهيـم مثـل الوضعيـة، النسـبية، التطـّور، الحريـة، الِعلـم، العقلانية، التخصـص، وذلـك علـى عكـس الثقافة التقليديـة التـي تـدور حـول مفاهيـم الُّسـلطة: الحقيقـة الخالـدة، المنطـق، الاندماج، والتماسـك ألاجتماعي وليـس تقسـيم العمـل. ويـرى شـرابي أن معنـى الحداثـة يتجسـد فـي اتجاهيـن مترابطيـن: الاتجاه العقلاني والاتجاه العلمانـي، أي عقلنـه الحضارة وعلمنـة المجتمــع.(1)

وفـي المقابـل، غيـاب الدولـة المركزيـة التـي تقـ ّدم الخدمـات الأساسية، وعــدم وجــود برنامــج الحــد الأدنى الوطنــي الــذي يتوافـق عليـه الجميـع، علاوة علـى تجـذر القبليـة والنـزوع إلـى القدريـة لمواجهـة قضايـا الواقـع، بالإضافة إلـى تعـدد الثقافـات المتنافــرة بطبيعتهــا، وعــدم تحقيــق دولــة المواطنــة التــي تعــِّزز الشـعور بالانتماء للوطـن. هـذه التحّديـات وغيرهـا مـن المعوقـات تقودنــا إلــى طــرح المزيــد مــن التساؤلات، عّلهــا تســاعد فــي تحســس بدايــة الطريــق الســليم مــن أجــل تحقيــق «مشــروع الحداثـة» المشـروع الـذي طـال مخاضـه، منـذ أن غادر الاستعمار التقليـدي أرض الوطـن. هـل هنالـك تجربـة «حقيقيـة» للحداثـة فــي الســودان المعاصــر؟ ولمــاذا تأخر«المثقــف» أو «الُمفكــر» السـوداني فـي حمـل رايـة التنويـر مـن أجـل حيـاة كريمـة للجميـع بعيـدًا عـن الاستقطاب والتحـزب والنرجسـية؟ هـل هنالـك قاسـم مشــترك بيــن ُكِّل الشــعوب الســودانية، لتعمــل ســويًا مــن أجــل الحريـة والعـدل والسـالم فـي إطـار الحداثـة؟ وإلـى متـى سـوف تظــل الدولــة - التــي تمثــل الوجــه القبيــح للســلطة فقــط - فــي الســودان العــدو الأول لبرنامــج الحداثــة المتعثــر؟

الحداثة - المصطلح والمفهوم:
معالجـة موضـوع إشـكالية أزمـة الحداثـة فـي السـودان، يرتبـط عضويـًا وجدليـًا بالمثقـف، الـذي بـدوره مـأزوم، يعيـد إنتـاج نفسـه مـع سـبق الإصرار، وهـو خـارج دورة التاريـخ. ينظـر ويطلـق الأحكام جزافـًا، مـن موقـف المتفـرج وليـس صانـع الأحداث. وفـي الغالـب ال يتخطـى دوره «الأمنيات» والحنيـن إلـى مـاض ال يصلـح كمرجعية لإعادة الأمور إلـى نصابهـا فـي الواقـع، الواقـع الـذي يتشـكل كل يـوم، وفقـًا لإيقاع الأحداث السـريع، وفـي المقابـل إنتـاج المعرفة، صناعـة الأفكار أو حتـى ردود الأفعال تأتـي سـلحفائية، منبتـة، في صـورة شـعارات بعيـدة عـن الواقـع، لتشـتري ود ورضـاء الجمهور بثمن بخـس، مقابل النجومية. إنها الشـعوبية فـي ثوبهـا الجديد. لم يعـد ذلـك الـدور «الرسـالي» لمثقـف الحركـة الوطنيـة لاستقال، وتحقيـق الثـورة الديمقراطيـة ممكنـًا، بعـد أن تقاطعـت المصالـح، وجــرت الكثيــر مــن التغيــرات الجيــو- سياســية، علــى المســتويين الإقليمي والدولـي. وعلاوة علـى ذلـك، لقـد تـم اختـزال الزمـان والمـكان مـع تقـّدم ثـورة تكنولوجيـا الاتصالات، ولكـن صاحـب ذلـك تعميـق الاستلاب الثقافـي، بعـد أن توحـد المصـدر، وفـي المقابـل تقوقـع المثقـف المسـتهلك -لـ كل أنـواع إنتـاج الأخر- داخـل التـراث «ثقافيـًا» عّلـه يجـد ذلـك المعـادل الموضوعي، فصـار الاغتراب مـزدوج، زمانيـًا ومكانيـًا. ويشــير عبــد الحليــم مهورباشــة إلــى أهميــة طــرح موضــوع الحداثــة للحــوار إماطة اللثــام عــن كــم التناقضــات التــي يتــم تحميلهــا للمصطلــح. ((شــغلت الحداثــة، وال تــزال، مســاحات واسـعة فـي خطابـات الفكـر العربـي المعاصـر، فأعطيـتٍ دلالات َ ومعانــي للمفهــوم، يصــل التداخــل والتناقــض بينهــا إلــى الحــد الـذي يجعـل كل فهـم معرفـي لهـا ملغيـًا المفهـوم الأخرى، نظـرًا إلـى جملـة مـن العوامـل والأسباب التـي أسـهمت فـي بلـورة وعلي العقـل العربـي بهـذا المفهـوم، كغلبـة المنـزع النضالـي والاصطفاف الأيديولوجي علـى التفهـم المعرفـي والفلسـفي للحداثـة، بوصفهـا مفهومــًا تشــكل فــي ســياقات تاريخيــة مرتبطــة بالمجتمعــات الغربيـة؛ الأمر الـذي أدخـل العقـل العربـي فـي نـوع مـن السـجال الســلبي، والــذي لــم يفــض إلــى فهــم معرفــي للحداثــة الغربيــة ومنجزاتهــا السياســية والاقتصادية والثقافيــة والِعلميــة. (2)

ومــن تعقيــدات مصطلــح الحداثــة تداخلــه بيــن العديــد مــن المعـارف والعلـوم والثقافـات. ((اصطلاحا: ينفلـت مصطلـح الحداثة مـن تحديـد مدلولاته والتعريف بـه وتحديـد أصولـه التاريخيـة لأنه مصطلـح تشـترك فيـه كل الحقـول المعرفيـة مـن فلسـفة وسياسـة وديـن واقتصـاد وآداب وفنـون وغيرهـا. لذلـك «ليسـت مفهومـا سوســيولوجيًا أو سياســيًا أو تاريخيــًا يحصــر المعنــى وإنمــا هــي صيغـة مميـزة للحضـارة، تعـارض صبغـة التقليـد أي إنهـا تعـارض جميـع الثقافـات السـابقة، فأمـام التنـوع الجغرافـي والرمـزي لهـذه الثقافـات تفـرض الحداثـة نفسـها كأنهـا واحـدة متجانسـة مشـعة عالميـًا انطلاقا مـن الغـرب ويتضمـن هـذا المفهـوم إجمالا الإشارة إلــى تطــّور تاريخــي بأكملــه وإلــى تبــدل فــي الذهنيــة وعليــه « فالحداثـة مشـروع اجتماعي ثـوري وتقدمـي ومنفتـح إلـى أقصـى حـد، يتميـز بالشـمولية والتفـاوت فـي إحـراز التقـدم فـي كل قطـاع مـن قطاعـات الوجـود الاجتماعي البشـري. (3)

وحتـى لا يتـم التكـرار الممـل، وإعـادة اكتشـاف العجلـة، يبـدأ حيـدر إبراهيـم علـي حيـث انتهـى الباحثـون ((ونبـدأ بالتساؤلات المتداولــة بيــن الباحثيــن: ماهــي الأفكار التــي أنتجهــا العقــل الســوداني وكفي أنتجهــا؟ وهــل الوعي منخــرط فــي ســياق فلسـفي؟ وهـل لديـه القـدرة علـى لأنقـد ولأنقـد الذاتـي، والحـوار وقبـول الأخر المختلـف للمطارحـة؟ وهـل هـو عقـل موضوعي أو إرادوي رغائبـي؟ فالمثقـف -حسـب موريـس بـار- هـو ذلـك الفـرد الــذي يقنــع نفســه بــأن المجتمــع يجــب أن يقــوم وفقــًا لمنطقــه وإرادتـه هـو، والـذي يجهـل أن المجتمـع هـو قائـم فعـلاً وواقعـًا علــى ضــرورات داخليــة قــد تكــون لا علاقــة لهــا مطلقــا بــإرادة العقــل الفــردي)) (4)

وعـودة إلـى عصـر التنويـر فـي الغـرب يلخـص دكتـور عبـد الله تركمانــي مراحــل التنويــر فــي أربعــة محــددات هــي: العقلانية، التاريخانيـة، الحريـة والعلمانيـة. ويواصـل فـي نفـس السـياق ((إ ّن الحداثــة ليســت ترفــًا فكريــًا، بــل هــي تطبيــق منهجيــة عامــة للتحليــل وطريقــة فــي التفكيــر، وهــي ال تحضــر وتغيــب بحســب أنـواع الأحداث أو علاقاتنا العاطفيـة بهـا. وعصـر الأنوار يحيـل إلــى هــذه الظاهــرة الفكريــة، الواســعة الانتشار، التــي عرفتهــا أوروبـا فـي القـرن الثامـن عشـر، حيـن تـم التأكيـد علـى أولويـة الإنسان ودعـم استقلاله وإرادتـه، ورفعـه إلـى مسـتوى يكـون فيـه مرجـع سـلوكه، والقاعـدة المعياريـة لممارسـته الاجتماعية.)) (5)

أمــا الدلالة الفكريــة التــي أعطيــت لمفهــوم الحداثــة، فتشير إلى حركـة الاستنارة الفكريـة التـي عرفتهـا المجتمعـات الغربيـة، وثمـة مـا يشـبه الإجماع علـى أن الحداثـة مرتبطـة تمامـًا بفكـر حركـة الاستنارة الـذي ينطلـق مـن فكـرة أن الإنسان هـو مركـز الكـون وسـيده، وأنـه ال يحتـاج ألا إلـى عقلـه سـواء فـي دراسـة الواقـع أو إدارة المجتمـع أو للتمييـز بيـن الصالـح والطالـح، وفـي هــذا الإطار يصبــح الِعلــم هــو أســاس الفكــر، مصــدر المعنــى والقيمـة، والتكنولوجيـا هـي الألية الأساسية فـي محاولـة تسـخير الطبيعــة وإعــادة صياغتهــا ليحقــق الإنسان ســعادته ومنفعتــه، والعقـل هـو الألية الوحيـدة للوصـول إلـى المعرفـة. (2)

ومــن المفارقــات أو التناقــض الــذي يعيشــه المجتمــع العربــي المســلم المحافــظ، ال ســيما فــي الســودان، هــو قبــول نتائــج الحداثـة الغربيـة فـي صـورة تكنولوجيـا وتقانـات ماديـة وفـي نفـس الوقــت رفــض الفلســفة الِعلميــة التــي أطــرت لهــا عبــر التاريــخ. ويظهــر ذلــك التناقــض فــي تعرفي الحداثــة والتحديــث لــدى بعــض المثقفيــن / المفِّكريــن فــي العالــم العربــي. ((يقــدم أحــد المفكرين العــرب تعريفين مختلفيــن للتحديــث والحداثــة ويــرى ضــرورة التفريــق بينهمــا، فيــرى الحداثــة: موقــف للــروح أمــام مشــكلة المعرفــة أي إنهــا موقــف للــروح أمــام كل المناهــج التــي يســتخدمها العقــل للتوصــل إلــى معرفــة ملموســة للواقــع. بينمــا التحديــث هــو مجــّرد إدخــال التقنيــة والمخترعــات الحديثــة إلــى مجتمــع مــا. وقــد يكــون هــذا الأخير تغييــر شــكلي وخارجــي يأخـذ التكنولوجيـا كأدوات بـدون تبنـي العقـل الـذي يقـف خلفهـا أو أدى إلــى إنتاجهــا.))(6)

أمـا حركـة الحداثـة فـي السـودان فقـد عانـت مـن «الاغتراب» منــذ بدايتهــا الأولي بعــد خــروج المســتعمر البريطانــي، وظهــور طبقــة المتِعلميــن كوريــث للسلطة ((نحــن عندمــا نتحــدث عــن حركــة حداثــة ســودانية فــإن ذلــك يشــمل الأفكار والمعاييــر والمفاهيـم والمبـادئ والقيـم والتصـورات والسـيناريوهات والبرامـج التـي طرحهـا المتعلمـون والمثقفـون المحدثـون والقـادة السياسـيون حــول مســتقبل الســودان وعمليــة تحديثــه إبــان العهــد البريطانــي ألاسـتعماري وبعـد استقلاله، ومـدى موافقتهـا أو معارضتهـا لمـا طرحــه أو طبقــه الحــكام البريطانيــون الذيــن كانــوا غربــاء علــى واقــع الســودان وبيئتــه المحليــة وثقافتــه وتركيبتــه الســكانية والتطــور التاريخــي والتدريجــي لطبيعــة العالقــات بيــن جماعــات هــذه التركيبــة ومــا نشــأ بينهــا مــن عالقــات وتعايــش وتمــازج وتســاكن طــوال الحقــب التاريخيــة المتعاقبــة، وجــاء الاستعمار وتدخـل فـي هـذه العوامـل والخصائـص وأحـدث فيهـا الكثيـر مـن الارتباك، بــل وقطــع عليهــا تطورهــا الطبيعي والتدريجــي.)) (7)

ويصــل تعقيــد الموقــف أشــده عندمــا يجســد المثقــف أو المتعلــم الســوداني، التناقــض بيــن مــا يجــب أن يكــون والواقــع: ((نتحــدث عــن الاستنارة ولكننــا نبــث أدخنــة الظلام فــي أول امتحــان لواجبــات الاستنارة ومطلبيتهــا، نفشــل فــي أن نكــون المثــال والقــدوة والقيمــة المعاشــة روحــًا وجســدًا وعقــلاً واعيــًا يهـزم ويهـذب ويشـذب موبقـات الباطـن المـوازي.))(8) ويواصـل جبيـر بـولاد فـي طـرح السـؤال الملـح، دون رتـوش وتذويـق كمـا تفعــل قبيلــة المثقفيــن: ((إلــى متــي يظــل عقلنــا الواعي أســير ومكبـل بسلاسل مخزوننـا الباطنـي ألاسـن، الـذي يمـارس علينـا دومـًا خوفنـا مـن بعضنـا، خوفنـا مـن تبِّنـي مواقـف جديـة فـي مسـار التغييـر وأحـداث الثـورة السـودانية الحقيقيـة، ليسـت ثـورة تغييــر الحاكــم فــي المركــز فقــط ولكــن ثــورة التغييــر الحقيقــي فــي انعتاقنــا مــن موبقــات العقــل الباطــن الاجتماعية والثقافيــة والسياسـية، ال ُبـ ّد مـن الخـالص منهـا تلـك الموبقـات التـي آخرت قاطــرة التحــدث والحداثــة فــي واقعنــا الســوداني)) (8)

فـي سـياق التمسـك بالنمط التقليـدي ورفـض الحداثـة، ورفض الأخر مـن قيـل المجتمـع السـوداني، يطـرح د. بخيـت أوبي سـؤالا بديهيـًا ((فصـراع المثقـف بيـن مـا اغترفـه مـن علـوم فـي التعليـم النظامـي والشـخصي ومـا تلقـاه مـن مصـادر الاطلاع المختلفـة، وبيـن الوجـه الأخر المتمثـل فـي الخلفيـات الاجتماعية والتاريخيـة والســياق الزمانــي والمكانــي ومــا رفدتــه مــن معرفــة شــفاهية متوارثــة منــذ الصغــر، ومــا وضعتــه تلــك المجتمعــات مــن قيــود وأطــر وقوالــب جاهــزة للتعامــل مــع المواقــف المختلفــة وأيضــًا فـي سـياق التعامـل مـع الأخر المختلـف، فعمليـة المـد والجـذر بيـن النقيضين يعتبـر مـن المقاربـات الصعبـة، ويعمـق مـن ألازمـة الســيناريوهات المتطابقــة مــن القوالــب النمطية. عنــد الاصطدام مــع الأخر فــي بعــض المواقــف ممــا يؤكــد المتــوارث وينتقــص مـن المكتسـب، وهنـا ينشـأ الصـراع النـزاع وإن كان مبنيـًا علـى افتراضــات خاطئــة، وهنــا يمكــن إثــارة التســاؤل البديهــي لمــاذا يعجـز المثقفـون عـن قيـادة زمـام المبـادرة فـي مجتمعاتهـم؟)) (9)

الوضـع السياسـي المتهتـك فكريـا، وسـيطرة كهنـة السـلطان، أو ثقافــة الســلطة علــى المشــهد الثقافــي، والقبضــة الأمنية الحديديـة ضـد كل مـا يدعـو إلـى إعمـال العقـل، لإيجاد موطئ قــدم لمشــروع الحداثــة، الــذي تــم إجهاضــه - مــرارًا وتكــرارًا - مــع بدايــة عــزف المارشــات العســكرية لتعلــن نهايــة البدايــة. ويلخـص أحمـد ضحيـة التحديـات التـي يعانـي منهـا حملـة الرايـة مـن أجـل الحداثـة: ((فهنـاك ضغـوط كبيـرة تعـرض ويتعـرض لهـا المثقـف فـي السـودان، فالأجهزة الأمنية تلاحقه كونـه أداة تحريك للجماهيــر وقــادة الأحزاب المعارضــة يســعون جاهديــن لإقصائه وتهميـش دوره، ففـي لا شعورهم أن المثقف يشـكل تهديدًا مباشـرًا لمراكزهــم الحزبيــة - كثيــرون هــم السياســيين الذيــن لا يجيــدون السياســة كفــن وتخصــص قائــم بذاتــه، باعتبــاره أحــد أنمــاط الثقافــة، ومعظــم السياســيين الســودانيين انخرطــوا فــي العمــل السياســي بدوافــع ذاتيــة أو قبليــة أو طبقيــة أو بيوتاتيــة دون أن تكـون لهـم درايـة كافيـة أو فهـم عميـق لماهيـة الفكـر الـذي يؤطـر فعلهــم السياســي فــي المجتمع، علــى عكــس المثقفيــن - بســعيه للكشــف عــن جهلهــم أو تعريــة فســادهم وأخطاؤهــم. )) (10)

وهــذا التناقــض الصــارخ بيــن الواقــع الكائــن ومــا ينبغــي أن يكــون، يقودنــا إلــى قضيــة العقلانية فــي المجتمــع الســوداني. ويحلـل دكتـور حيـدر إبراهيـم الموقـف بطـرح التسـاؤل المحـوري، وهـو: مـدى انتشـار وعمـق العقلانية فـي الفكـر السـوداني. وتعريف العقلانية ببسـاطة فـي السـياق الحالـي هـي عـدم تناقـض الغايـات والوسـائل. ولكـن العقـل المختـون فيصـل باسـتمرار بينهمـا، ممـا يعكــس لأنقــص القاتــل فــي ذلــك العقــل أي نواقــص التفكيــر والتحليــل الســليمين. وهــذا مــا يوقعــه أيضــًا فــي ممارســات يصعــب إدراكهــا منطقيــًا، فــي كل مجالات الحيــاة، وبالــذات السياســة. ويرجــع ذلــك إلــى عــدم طــرح الأسئلة الصحيحــة، وبالتالـي الوصـول إلـى نتائـج مختلفـة تمامـًا مـن المقدمـات)) (4)

وعــودة إلــى الواقــع، وتحــت ظــروف الســودان غيــر المســتقرة منـذ عقـود، لا تسـتطيع القـوى الحديثـة الوصـول إلـى السـلطة، نسـبة لمحدوديتهـا، وحصرهـا فـي المـدن الكبيـرة فقـط، لذلـك يـرى محمـود ممدانـي ((إن قـوى الحداثييـن فـي السـودان اشـتملت علـى علمانييـن وإسلاميين، وجـدوا أنفسـهم ُمجـّرد جيـو ٍب صغيرٍة فــي خضــٍّم مــن القــوى التقليديــة، لا يرجــى لهــا أن تصــل إلــى السـلطة عـن طريـق صنـدوق الاقتراع. لذلـك، عنـت الديمقراطيـة بالنسـبة لهـم حركـًة ثوريـًة، تغِّيـر الأوضاع القائمـة جذريـًا.)) (11) والسـؤال الملـح الـذي فيـرض نفسـه مـن جديـد: هـل فـي الواقـع تسـتطيع أي قـوى سياسـية - مهمـا كانـت عدالـة الشـعارات التـي ترفعهـا - أن تكـون فـي حالـة ثوريـة باسـتمرار؟

وفــي المقابــل هنالــك ظاهــرة القدريــة والركــون إلــى الغيــب، التــي تشــكل حجــر الزاويــة، فــي تفاعــل الفــرد الســوداني مــع الأحداث، ومــن ثــم تتجســد فــي الفعــل الثقافــي، فــي قضايــا تخـص العامـة. هـل تعـود إلـى «العقـل الرعـوي»، الـذي يشـكل وعي الشــريحة الكبيــرة مــن المتِعلميــن فــي الســودان، خاصــة بعـد سـيطرة الدولـة التـي ترفـع شـعارات الإسلام السياسـي علـى مجريـات الأمور حينـًا مـن الدهـر. ((الصـورة النمطية والازدواجية واللاعقلانية، صــارت أهــم ســمات المشــهد الثقافــي، المزمــع أن يقـود الحداثـة، ولكـن هيهـات. « المثقـف السـوداني، مـا زال وفـي الألفية الثالثـة، لـدى “أجيـال جديـدة” يجتـر تلـك الصـور النمطية ويتسـلح بهـا علـى أنهـا أنمـوذج.. وهـو مـا يتطلـب إعـادة التفكيـر فيـه، بعـد أن اختلفـت صـورة المثقـف كثيـرًا فـي عالـم اليــوم.)) (12)

ويواصـل دكتـور النور حمـد الطـرق علـى موضـوع الثنائيـة التـي تتجـذر فـي العقـل السـوداني، ليسـمع البـدو والحضر على السـواء، فهــل مــن مجيــب. ((لا ينبغــي أن يعمينــا تداخــل أي ثنائيــة عــن رؤيـة طرفيهـا وتمايزهمـا. فثنائيـة «البـدو» و«الحضـر»، ثنائيـة تسـببت فـي فـرز شـقيها أسـبا ٌب تاريخيـ ٌة موضوعيـة. والتعريـض بالثنائيــات، واعتبارهــا مــن تخارفي الماضــي، علــى نحــو مــا يجـري فـي بعـض دوائر الاكاديميـا الغربيـة، فـي بعـ ٍض منزلقاتهـا العقليـة البهلوانيـة، يمثـل فـي كثيـ ٍر مـن تطبيقاتـه، تعريضـًا فـي غيـر محلـه. ومـا أكثـر مـا انشـغلت الاكاديميـا بالقشـور، وتركـت اللبـاب. فالسـودان ظـل يجلـس علـى بنيـة «عقـل رعـوي»، يكـره الحداثـة، ويسـخر منهـا ومـن أهلهـا، ويعـ ِّرض بهـا، كلمـا وجـد إلــى ذلــك ســبيلا ً. هــذه البنيــة المســتهزئة بالقانــون وبالأنظمة وبالتمــدن، قمعتهــا الحداثــة قمعــًا، فاختبــأت تحــت الســطح، تتحيــن الفــرص. )) (13)

وبالعــودة إلــى المصطلــح، والإسقاط ألاجتماعي، السياســي، التاريخــي، نجــد لــب المشــكلة يتمثــل فــي البدايــة مــن «اللا شــيء»، ومحاولــة للحــاق بالركــب بعــد الاستقلال، دون توفـر كل الأليات الضروريـة لإنجـاح المشـروع علـى الواقـع. إشـعاع الحضـارة الغربيـة أدي إلـى إحـداث «عشـى ليلـي» مسـتدام لـدى مثقفــي المســتعمرات الســابقة، والعمــل دون وعي لنقــل التجربــة الغربيــة إلــى واقــع يعيــش فــي القــرون الوســطى.

الحداثة - الـواقـع المأزوم:
عندمـا تطـرح إشـكالية «الحداثـة «للنقـاش، فيـرض موضـوع «الُهِّويــة« نفســه بإلحــاح. وعندهــا «الديــن» أو التديــن يصبــح محـور الجـدل البيزنطـي، الـذي اسـتمر لقـرون دون أن يأتـي أكلـه. والسـؤال الجوهـري حينئـذ: هـل الديـن يقـف ضـ ّد الحداثـة؟ وكفي يتسـنى لنـا بعـث التديـن الحقيقي بعـد أن صـادرت «الصوفيـة «كل الشــرعيات، وأصبحــت رقمــًا أساســيًا فــي الفعــل «السياســي» الســوداني، حتــى بعــد الثــورة الأخيرة. هــل مــن حوجه إلــى الدعـوة إلـى «لاهـوت تحريـر» جديـد، يعيـد الأمور إلـى نصابها؟

فــي هــذا الصــدد وتحــت عنــوان «لاهــوت تحريــر إســلامي» يـورد دكتـور حيـدر إبراهيـم علـي بعـض التساؤلات التـي طرحهـا رجـال الديـن فـي أمريـكا اللاتينية: ((هـل يدعـم الديـن النظـام أم يضـع الأسس لمـا يـراه تغييـرًا شـرعيًا وممكننـا؟ هـل يمكـن أن يســاعد الديــن الفقــراء إلــى فهــم أقــل قدريــة لأوضاعهم؟ وكيف ارتبـط الديـن مـع السـلطة السياسـية؟ يؤخـذ علـى الإسلام السياسـي المنتشـر خلال السـنوات الماضيـة أنـه يؤدلـج ويعكـس الأسباب والنتائـج حيـن يطـرح الأسئلة - وهـذا قليـل - لأن لديـة أجوبــة دوغمائيــة جاهــزة للســؤال والتســاؤل.)) (6)

يشــير دكتــور حيــدر إبراهيــم علــي فــي مصــدر آخــر إلــى العلاقـة بيـن الحداثـة والديـن «ومـن أكثـر النظـم تأثرا بالحداثـة والعولمــة هــو الديــن حصــرًا. حتــى إن بعــض الباحثيــن يتســاءل هــل يقــود التحديــث فــي أوروبــا أو العالــم العربــي إلــى علمنــة كاملـة؟ ويتسـاءل آخـرون هـل يتحـول الديـن إلـى مسـالة ثقافـة مـع انهيـار أو ذبـول شـكله كنسـق أو نظـام؟ علـى أن تحـل قيـم مثـل المساواة، التقـدم، حقـوق الإنسان محـل الوظائـف الثقافية التـي كان يدعـو إليهـا الديـن. ويعنـي هـذا ظهـور أديـان مدنيـة تتسـق مـع العمليـات ألاجتماعيـة المتغيـرة». (1)

ويواصــل إلــى حالــة التناقـض أو الصـراع بينهمـا «ولكـن الديـن يصطـدم أحيانـًا مـع الحداثـة والعولمـة بسـبب اشـكالية شـمولية الديـن، أي أنـه يقـرر ويحـدد كل الوجـود مـن خلال التواصـل المتعالـي الكامـل والشـامل وهـذا يقـود إلـى مشـكلتين فـي ظـل ظـروف العولمـة والحداثـة:
أولا: الشـمولية ضـ ّد التخصـص والتمايـز وتقسـيم العمـل الـذي يميـز هـذا العصـر. ممـا يجعـل الديـن ضـ ّد التخصـص والنمط الاداتـي فـي لأنظـم الوظيفية، ففـي السـابق كان يمكـن لجماعـة واحــدة أن تملــك المعرفــة والكتابــة والعــلاج مثــلا ً ممــا يدخلهــا فــي تخصصــات مختلفــة ومــع ذلــك يحتكرها الديــن لنفســه، ولكـن تحولـت عموميـة التطبيـق الدينـي التـي كانـت سـائدة فـي مجتمعــات ليــس بهــا نظــام وظيفي للتماريــن والتخصــص إلــى سـلبية فـي الزمـن الحديـث. ثانيــًا: قــد تزدهــر الشــمولية جيــدًا مــع وجــود المؤسســة والحفـاظ عليهـا. وتنظيـم الحـدود الاجتماعية كمـا حـدث للكنيسـة، والإمبراطورية، والخلافـة، وغيرهـا. ولكـن تطـورات العالـم الحديـث أنتجــت مجموعــة متنوعــة مــن الحــدود المتقاطعــة والمشــتركة بحيـث أصبـح التعـاون -سـواء كان دينيـة أم غيـر دينـي. - صعبـًا أم مسـتحيلا - إلا علـى حسـب توجـه الكوكـب أو العالـم نفسـه. (1)

لا يقـف هـذا التمـزق أو فقـدان الائتلاف النفسي عنـد النخبة المجـددة مـن اليسـاريين والليبرالييـن، بـل أيضـًا إلـى تلـك التـي تدعـو إلـى تدييـن السياسـة وتجاهـر بالقـول بـان كل فكـر جديـد وارد هـو تلويـث لكياننـا الحضـاري، بـل أن الحضارة العصرية نفسـها «جاهليـة ثانيـة»، ومـع ذلـك أن هؤلاء يعيشـون نهارهـم ولياليهـم يغترفــون مــن هــذه الحضارة الملوثــة ويســتهلكون أنفســهم فــي الاستمتاع بنتائجهــا، والاستمرار فــي نبذهــا لفظيــًا دون وعلي بهـذا التناقـض. وبمـا أن الأمر فـي قضايـا العامـة ال يقـف عنـد حــد إعلان المواقــف الفكريــة بــل يتعــداه إلــى قبــول النتائج المترتبــة علــى ذلــك الإعلان. (14)

ومكمـن المأسـاة فـي محاولـة الإنسان تعديـل مسـار «المقـدر والمحتــوم» الــذي لــم يصنعــه بيــده ولكــن عليــه أن يتحمــل نتائجـه كاملـة وبمسـؤولية ال هـروب منهـا. فقـد وجـد المفكـرون الاسـلاميون أنفسـهم علـى عتبـة القـرن الحـادي والعشـرين ضمـن ظــروف وتطــورات وتحولات متســارعة عميقــة وشــاملة. وهــم مطالبــون بالتعامــل مــع والوصــول إلــى أجوبــة للأسئلة التــي يطرحهـا هـذا الواقـع. لذلـك يجهـدون أنفسـهم فـي التعايـش مـع معطيـات وأوضـاع لــم يخلقوهــا. قــد يشــترك فــي هــذا الوضــع الكثيــرون، ولكــن مــأزق الاســلاميين فــي لجوئهــم إلــى محاولات بائسـة ومسـدودة الافـق تسـعى للسـيطرة علـى التاريـخ والإنسان مــن خلال نماذجهــم الأتية مــن الماضــي والنصوص. (1)

يحلــل النور حمــد المــأزق التاريخــي للقائميــن علــى مشــروع الحداثــة فــي الســودان (( يجســد مــا يجــري حاليــًا فــي الســودان سـلطة المعرفـة ومعرفــة الحقــوق، مـا وصـل إليـه الصــراع بيــن مــن جهــة، وســلطة المــال والســلاح والاستبداد، واللا مؤسسية، مـن الجهـة الأخرى. يـدور هـذا الصـراع بصـوٍر متفاوتـة الحـدة، فـي أقطـار إقليمنـا هـذا المضطـرب... وعلـى الرغـم من اسـتعجال الحداثييــن الســودانيين للنتائج، وعلــى الرغــم مــن أخطائهــم المعــادة، يمكــن القــول إن الثــورة الســودانية الجاريــة ألان إنمــا جـاءت لتبقـى، وتحقـق أهدافهـا. ولربمـا لـن تكـون حدثًا حاسـمًا، بقـدر مـا سـتكون سـيرورًة تبلـغ أهدافهـا عبـر موجـات متعاقبـة. وأرجـو أن تحقـق، عبـر هـذه الموجـات المتعاقبـة، الوعي اللازم للمصالحــة المنتظــرة بيــن الحداثــة والتقليــد، حتــى نخــرج مــن هــذه الدائــرة الشــريرة.)) (11)

وفــي ســياق الحداثــة عبــر التاريــخ الحديـث فـي السـودان «لـم تحـاول الطـرق الصوفيـة الاصطدام بأفــكار الســكان المحلييــن؛ بــل تكيفــت معهــا مــن خلال ادعاء المعجـزات والكرامـات الخارقـة، وهـذا هـي أسـس الديـن الشـعبي Islam) (Popular الــذي ســاد حتــى اليــوم فــي الفضــاء الدينــي الســوداني.(15)

فـي خضـم هـذا الصـراع، الإنسان البسـيط فـي الريف، وهـم غالبيــة الســكان فــي الســودان، هــم الذيــن يدفعــون الفاتــورة، لتظـل النخـب تتحـدث باسـمهم، بلغـة لا فيهمونهـا، لكـي يصنـع «المثقـف النخبـوي» هالـة، تحفـظ لـه مـا تبقـى مـن مـاء وجهـه. والمفارقــة الصارخــة هــي أن نشــر الوعي والتنويــر فــي المــدى البعيــد ســوف يكــون علــى حســاب هــذه الفئــة مــن المتِعلميــن ألانتهازييـن الذيـن يمثلـون بجدارة، تناقـض دكتـور جيـكل ومسـتر هايــد، ثوريــون فــي لأنهــار، تقليديــون فــي الأمسيات الخاصــة، التـي تعقـد فيهـا الصفقـات. ((نلاحظ فـي واقعنـا العربـي تلـك الســيطرة علــى المشــهد الثقافــي، مــن الشــعر إلــى الأدب إلــى الفنــون التشــكيلية، جميعهــا تــم مزجهــا بمصطلحــات ومفاهيــم وأسـلوب حداثـي مغـرق فـي الغمـوض، وحتـى النقاشات الأدبية أصبحــت ال ترقــى إلــى نقاشــات ثقافيــة معتبــرة ألا إذا عقــدت فــي صالونــات أدبيــة رفيعــة المســتوى، ال مــكان فيهــا للشــخص البسـيط الـذي لـم يقـرأ لـرواد الأدب الروسـي والانجلوسكسـوني، والجاهـل بالمـدارس الأدبية والفلسـفية الغربيـة، ولـم يطّلـع علـى مسـرحيات شكسـبير، وال يسـتطيع الخـوض فـي تحليـل شـخصية الملــك كلوديــس فــي مأســاة هاملــت..)) (16)

هنالـك مقولـة شـائعة تفتـرض حتميـة انتمـاء المثقفيـن الداعيـن إلــى الحداثــة فــي الوطــن العربــي إلــى اليســار العريــض، هــذه المقولة بدورهــا تحتــاج إلــى التدقيــق والتمحيــص. وبنــاًء علــى هـذا الادعاء، لقـد حمـل لـواء الحداثـة فـي السـودان «المثقـف اليسـاري «، ممـا أدى إلـى اتسـاع الهـوة بيـن الغالبيـة العظمـى من الســكان وحملــة اللــواء. وتتعقــد الصــورة أكثــر عندمــا يســتغل «التيـار الإسلامي « محاربـة الحداثـة فـي صـورة الحـزب الشـيوعي الســوداني، بادعاء إنـه ضــد الإسلام. فـي هـذا السـياق يشـير دكتــور حيــدر إبراهيــم علــي إلــى مقالــة عبــد الخالــق محجــوب ((إن الفكـرة الشـيوعية تدعـو فـي نهايتهـا إلـى ألاشـتراكية؛ حيـث يمحـى استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، أيـن هـذا الهـدف مـن محاربـة الديـن الإسلامي؟! ويواصـل فـي نفـس المقالـة « والفكـرة الشـيوعية تدعـو إلـى إخضـاع الِعلـم والمعرفـة لحاجيـات البشـرية؛ مـن بحـوث علميـة وطبيـة وأدبيـة، وتشـذيب الإنسان مـن الخوف والحاجة إلـى إنهـاء الظـروف الاقتصادية والفكريـة، التـي تنشـر الخــوف مــن المســتقبل، وتدفــع الإنسان تحــت ضغــط الحاجــة إلـى درك ال يليـق بالبشـر، مـن سـرقة ودعـارة واحتيـال وكـذب، أيـن هـذا الهـدف مـن محاربـة الديـن الإسلامي. )) (15)

الصـورة تقتـرب مـن السـريالية عندمـا نقتـرب أكثـر مـن الواقع. ال توجــد طبقــة عماليــة عريضــة تتبنــى الشــعارات ألاشــتراكية المرفوعــة، لعــدم وجــود قطــاع صناعي حديــث فــي الســودان خـارج عبـاءة الدولـة، وعالقـات الإنتاج فـي الريف، مـا زالـت في عهـد شـبه الإقطاع، حيـث تسـيطر عليهـا بيوتـات بعينهـا، ونسـبة الأمية الأبجدية تصــل %30، والأمية الثقافيــة والرقميــة أكثــر مــن ذلــك بكثيــر، ومعظــم الشــريحة المتعلمــة، تخشــى الخــروج عـن القطيـع، ترتكـز علـى «عقـل جمعي» فيضـل أن يعيـش فـي «الماضـي» مـع سـبق الإصرار، وبالرغـم مـن تسـارع الأحداث تجــاه المســتقبل، وعندهــا يتجــذر الفقــر والجهــل والمــرض، الثالـوث غيـر المقـدس، وعندهـا تتجسـد الحتميـة التاريخيـة فـي تكــرار الـدورة الشــريرة فــي الواقـع السياســي. ((ويرجــع تناقــض الإنسان السـوداني إلـى هـذه الوضعيـة الثقافيـة- الاجتماعية التـي وجـد فيهـا، وجعلـت منـه كائنـًا متنازعـًا بيـن ولاءات متعـددة مـع مسـتوي معيشـة بائـس. وعلـى مسـتوي التفكيـر، كانـت العقليـة أو البنـاء الفوقـي غيـر محـدد- رماديـة أو ذات ألـوان متداخلـة، وغالبًا تضيــع فيهــا الحــدود بيــن الأبيض والأسود. وهــذا هــو خلــل الرؤيــة وتداخــل الاحــكام. وهــذه بعــض الخصائــص الاجتماعية والثقافية-الفكريـة التـي وسـمت السـودانيين وحرمتهـم مـن التمتـع بـروح الأمة ثـم الوحـدة القوميـة )) (17)

وعـودة إلـى البدايـات الأولى لنشـوء «الإسلام السياسـي « فـي السـودان المعاصـر، يلاحظ التركيـز علـى مناهضـة «الحداثـة» وردفيهـا الحـزب الشـيوعي السـوداني ((ويكتـب (الترابـي) عـن فترة النشــأة والتكويــن: «كانــت قضيــة العهــد هــي تقريــر المصيــر أو تحديـد الُهِّويـة، وكانـت الدعـاوى تتنـازع بيـن الأصالة السياسـية الوطنيــة المتحــدة مــع مصــر، أو المســتقلة عنهــا، والاصطبــاغ بصبغــة الغــرب فــي الشــرق، وكان الشــباب والطــالب بوعيهــم ووزنهـم هـم أطـراف النـزاع وموضوعـه. وفـي ثنايـا هـذه الظروف، ووســط الطــالب، نشــأت الحركــة مــن عناصــر طالبيــة تائبــة إلــى الديــن، مــن بعــد مــا غشــيت بعضهــم غاشــية الشــيوعية، واسـتفزت بعضهـم أطروحاتهـا السـافرة فـي تحـدي الديـن عقيـدة وخلقـًا، وأثـارت غيرهـم غلبة التصـورات والأنماط الحياتيـة التـي فرضهــا التعليــم النظامــي، الــذي يسوســه الإنجليز.)) (15)

وللتذكيــر -تاريــخ الدولــة- ليــس بالمفهــوم العصــري للمصطلــح - فـي السـودان، يتسـم فـي الغالـب بسـيطرة البعـد الدينـي علـى مقاليــد الأمور، ال ســيما السياســية والاجتماعية منهــا، فــي حالات الاستقرار لأنسـبي التـي مـرت علـى تاريـخ المنطقـة التـي يطلــق عليهــا جغرافيــا الســودان. فــي القــرن الســادس الميـلادي دخلــت المســيحية الســودان (500 – 1504) خلال الدويلات التــي نشـأت وتطـورت علـى الشـريط النيلـي (نوباتيـا، المقـرة وعلـوه)، واســتمرت حتــى ظهــور دولــة الفونــج أو الســلطنة الزرقــاء (1504 – 1821) والتــي اســتمرت حتــى وصــول الاستعمار التركــي، والــذي بــدوره رفــع شــعار الخالفــة الإسلامية، لتعطيــه شيئاً مــن الشــرعية، واســتمر فــي قهــر الشــعوب الســودانية (18821 – 1885) باســم الديــن. وبعيــدًا عــن لأنيــل هنالــك ســلطنة الفــور –(1603 – 1874) ومملكـة تقلـي (1750 – 1769) وسـلطنة المسـبعات ( 1770 - 1821) ويضـاف إلـى ذلـك فتـرة دولـة المهديـة ( 1885 - 1898) ، التـي كانـت فــي بداياتهــا الأولى «ثــورة» ضــد الظلــم، ولكــن ســرعان مــا انتكسـت، وصـارت تجسـيدًا للظلـم. وهـذا التاريـخ وحـده دليل على نـوع وكـم التحديـات التـي تواجـه حركـة الحداثـة فـي السـودان. ودور الدولــة وفقــًا للفقــه الإسلامي ينحصــر فــي التربيــة والأخلاق، لإعــداد الفــرد للــدار الآخرة، مــن حيــث التنظيــر للعامــة، بينمــا الصفــوة تنغمــس فــي الوحــل السياســي بــ كل سـوءاته، لتسـجيل الانتصارات ضـد الآخـر، الأخر الـذي ينـادي بالعلمانيـة، أو فـك الاشتباك بيـن الدينـي والمدنـي، الـذي عانـت منـه المجتمعـات الإسلامية عبـر التاريـخ. فـي هـذا السـياق يشـير دكتــور حيــدر إبراهيــم علــي بإمكانيــة أو ضــرورة علمنــة الديــن، الديـن الـذي يتعامـل مـع المجتمـع عبـر الزمـان والمـكان والتاريـخ. ((يبــدأ أي ديــن أو معتقــد مقــدس بالضــرورة فــي العلمنــة حيــن ينــزل إلــى لأنــاس ويؤمنــون بــه لتبــدأ عمليــة إخضاعــه للحيــاة والتاريـخ وكلهمـا متغيـر وغيـر ثابـت. ففكـرة التجديـد أو الإصلاح هـي عمليـة علمنـة بامتيـاز، لأنـه فيتـرض أن يكـون لأنـص ثابتـًا ونهائيـ ًا ومطلقـ ًا، وبالتالـي يتكيف الواقـع أو يدخـل فـي شـروط لأنــص كمــا هــي. ولأن هــذا مســتحيل، يتعلمــن الديــن باســتمرار لكــي يســتمر، ولكــن الديــن فيقــد أصولــه ولذلــك هنالــك مــن يــرى أن الديــن الــذي يلجــأ إلــى الإصلاح لا يعــد دينــًا.)) (6)

الحداثة - التحديـات والطموح:
فــي مــا ورد ذكــره ســلفًا، كان ومــا زال محــور حركــة التنويــر فــي الغــرب الأوروبي هــو الفــرد، الــذي عمــل جاهــدًا لتحقيــق شــروط الحداثــة علــى الواقــع، مــن العقلانية، التاريخانيــة، العلمانيـة والحريـة. والنخبة البرجوازيـة المسـتنيرة تبنـت مشـروع الحداثــة. الحــال فــي الشــرق العربــي، المســلم - علــى ســبيل المثــال الســودان - يختلــف جذريــًا. يحلــل دكتــور منصــور خالــد فشـل النخبة السـودانية فـي تحقيـق الحداثـة إلـى نشـأة وتركيـب الطبقـة أو الشـريحة البرجوازيـة فـي السـودان. « كان عمـاد النخبة البرجوازيـة السـودانية هـو شـريحة الموظفيـن «الأفندية» حتى وان ولـج بعضهـم فـي مـا بعـد، مياديـن المـال والسياسـة، ممـا جعـل مـن البرجوازيـة السـودانية. كاريكايتـرًا شـائهًا لنظيرتهـا الأوروبية. وقـد ظلـت هـذه الشـريحة تعانـي كل عوامـل الضعـف الكامنـة فـي «أفنديتهـا» ومـن ذلـك الرتابـة والخشـية مـن المبـادرة، والخـوف مــن اقتحــام الأفاق، وزاد مــن الأمر ســوءًا أن هــذه الشــريحة الاجتماعية هــي التــي ورثــت الحكــم الأجنبي، ورثــت عنــه كل امتيازاتـه، بـل ظلـت تعـض عليهـا بلا نواجـذ دون أن تحـس بأنهـا بحاجــة إلــى جهـ د إضافــي تعمــق بـ ه مشـروعيتها. حســبت أن الموقــع المتقــدم الــذي تحتلــه بحكــم تعليمهــا وقيادتهــا للقطــاع الحديــث، هــو حــق مشــروع توارثتــه منــذ الاستعمار كابــرًا عــن كابــر. هــذه الاســتماتة فــي الحفــاظ علــى الامتيازات، أّدت إلــى أن تصبـح تلـك النخبة عنصـر محافظـة أكثـر منهـا عنصـر تثويـر. هـذا لـم يكـن هـو حـال النخبة البرجوازيـة الأوروبية التـي قـادت الثـورة الاجتماعية، علـى سـيادة الإقطاع، وقضـت علـى علاقـات الإنتاج غيــر المتكافئــة فــي المجتمــع الأوروبي» (14)

يرصـد عمـران سـلمان الحالـة فـي الوطـن العربـي ويصـل إلـى أن الدولــة هــي المعــوق الأساسي ضــ ّد الحداثــة «وهنــا نعــود إلـى الإجابة علـى سـؤال المعوقـات، والتـي أعتقـد أنهـا أكثـر مـن معـوق وليـس واحـدًا. ولكـن منهـا مـا هـو أساسـي وثمـة مـا هـو متفـرع عنهـا. لعـ ّل المعـوق الأكبر أمـام انتقـال المجتمعـات العربية نحـو أي إصلاح أو تغييـر، بمـا فـي ذلـك «الحداثـة»، يعـود إلـى طبيعـة الدولـة العربيـة أو النظـام السياسـي العربـي نفسـه. وصفات تلـك الدولـة تتلخص فـي:(18)
• دولــة أبويــة، تقــدم نفســها بوصفهــا راعيــة ومســؤولة عــن المواطنيــن وليســت شــريكة لهــم وخاضعــة لنفــس العقــد الاجتماعي. وهــي بهــذا المعنــى تتحــدث نيابــة عــن لأنــاس وتعمـل مـا تعتقـد أنـه يصـب فـي مصلحتهـم. وهـي تعاقبهـم أو تغـدق عليهـم بحسـب أدائهـم، بالضبـط كمـا يعامـل ألاب أو الام أطفالهــم.
• دولــة تحتكــر الفضــاء السياســي والدينــي والاقتصادي. ويشـمل ذلـك مؤسسـات السـلطة والتعليـم والمسـجد والإعلام والأنشطة الاقتصادية الأساسية.
• دولــة يســتحوذ إدامــة الوضــع الراهــن علــى جــل اهتمامهــا ووقتهــا ومواردهــا، بمــا فــي ذلــك علاقاتها مــع العالــم الخارجــي.

وعليــه المعوقــات الكبــرى للتنويــر وللحداثــة عبــر تاريــخ المنطقـة العربيـة عمومـًا تتثمـل فـي الاستبداد السياسـي، التخلف ألاقتصــادي / الاجتماعي، غيــاب الديمقراطيــة والواقــع المــأزوم ثقافيــًا / فكريــًا / أيدولوجياـ. وبالإضافة إلــى هــذه التحديــات يـري د. عبـد العليـم محمـد أن ((أحـد أهـم هـذه المعوقـات فـي طريـق الحداثـة العربيـة يتمثـل فـي ضغـط الماضـي علـى الحاضـر وخاصـة الميـراث الإسلامي فـي الانتقال إلـي الحداثة، حيـث ظل هـذا الماضـي يمثـل فـي نظـر قطـاع كبيـر مـن النخبة والمواطنين علـى حـد سـواء هـو النمـوذج الـذي ينبغـي التوجه إليـه واسـتعادته وأنـه النمـوذج الـذي ينبغـي أن تنتظـم فـي إطـاره العقـول والجهـود فـي السـعي لاستعادته وإعـادة بنائـه فـي الواقـع المعاصـر، أي أن يكـون الماضـي هـو المرجعيـة التـي ينبغـي الاحتكام إليهـا وتقويـم الحاضـر مـن خلالهـا والحكـم عليـه سـلبًا أو إيجابـًا)) (19)

علاوة علــى ســيطرة الدولــة علــى ُك ِّل المداخــل للحداثــة، وضغـط الماضـي علـى النخبة، المشـهد السياسـي فـي السـودان، لـم يتغيـر خلال الفتـرة مـا بعـد الاستقلال، بـل تع ّمقـت ألازمـة وصــارت جــزءًا مــن التخبــط الــذي يســود الموقــف. ((والمشــهد السياســي فــي العالــم العربــي (الســودان خيــر مثــال) ليــس أفضــل ممــا ســبق: أنظمــة الحــزب الواحــد، أنظمــة انتخابيــة ملتبسـة وغيـر عادلـة تـؤدي إلـى نتائـج غالبـًا مـا تصـل إلـى 99 %، ســيطرة الأجهزة الأمنية وتدخلهــا فــي الشــؤون الحياتيــة اليوميـة وفـي الحيـاة المدنيـة، جهـل بأحـكام القانـون، قضـاء غير مســتقل تتحكــم فيــه الســلطة التنفيذيــة لأغراض فئويــة، غيــاب حريـة التعبيـر والتجمـع السـلمي، التعـدي علـى الإعلام المرئـي والمكتــوب والمســموع، انعــدام الشــفافية فــي الإدارة والاقتصاد.)) (5)

وكنتيجــة حتميــة تجســد ذلــك فــي عجــز تحقيــق الحريــة، عجــز إنتــاج المعرفــة، وعجــز تمكيــن المــرأة. وانطلاقـًا مـن المعطيـات، الموصوفـة أعـاله، ثمـة أهميـة كبري لصياغــة إســتراتيجية عربيــة (ســودانية) للحــوار والشــراكة مــع الثقافـات الأخرى، ممـا يسـتدعي القيـام بدور نقـدي مـزدوج: أولا: الاستيعاب النقـدي لفكـر الأخر، بمعنـى المتابعـة الدقيقـة للحـوار الفكـري العميـق الـذي يـدور فـي مراكـز التفكيـر العالميـة، وفـي العواصــم الثقافيــة الكبــري. ثانيــًا: النقــد الذاتــي للانا العربيــة (الســودانية)، بمــا يعنيــه ذلــك مــن ضــرورة أن نمــارس النقــد الذاتـي لممارسـاتنا السياسـية والاقتصادية والاجتماعية والثقافيـة فـي عقـود مرحلـة استقالاتنا الوطنيـة علـى الأقل.))(20)

مفارقـة التحديـث ضـّد الحداثـة وضـرورة أن نبـدأ مـن الواقـع وليــس الركــون إلــى المســتورد مــن الغــرب. فــي هــذا الســياق يؤكـد محمـد محفـوظ فـي مداخلـة تحمـل عنـوان -التحديـث ضـ ّد الحداثـة – ((ومفتـاح الحداثـة، ليـس اقتفـاء أثـر الغـرب فـي أمـوره وقضايـاه، بـل اسـتنفار الجهـود العقليـة والعمليـة الذاتيـة فـي تجاه التطويــر والنهضــة. وكل تحديــث ال ينطلــق مــن الــذات بإمكاناتهــا وآفاقهـا، سـيتحول إلـى مشـروع يناقض الحداثـة. فليـس كل تحديث يـؤِّدي إلـى الاستتباع والالتحاق الدونـي لمشـروع الغـرب التحديثي. وهـذه العمليـة، تحيـل كل شـيء فـي فضائنـا المجتمعي إلـى موات وسـكون مطبــق. فالتحديــث ليــس جملــة المؤشــرات الكميــة فــي المسـيرة المجتمعيـة. وإنمـا هو صيـرورة تاريخيةــ اجتماعية، تلامس بالدرجـة الأولى البنـى الأساسية والجوهرية فـي العمليـة الاجتماعية بأسـرها. وتثبـت الأسس العقليـة للتحديـث المجتمعي، إن الثبـات علـى النمـوذج الغربـي أو المعاصـر فـي التحديـث أمـر موهـوٌم. لأن التحديـث ال يمكـن بـأي شـكل مـن الأشكال أن يسـتعار. فأسـس التحديـث المجتمعي، لا تسـتورد مـن الخـارج الثقافـي والحضـاري. وإنمـا تنبثـق انبثاقـًا مـن الـذات والواقـع المجتمعي.)) (21)

وهنالـك الـرأي الأخر الـذي يدعـو إلـى قـراءة حديثـة للتـراث بعيـدًا عـن إعـادة إنتـاج ألازمـة، ممـا يـؤدي إلـى تمكيـن النظـام السياسـي السـائد. ((تأتـي أهميـة التنويـر فـي حياتنـا ومجتمعاتنا، علـى أنـه السـبيل الرئيـس، لإعادة هـذه المجتمعـات إلـى سـكة تطّورهـا الطبيعي فـي المجالات السياسـية والاقتصادية والِعلميـة والفكريـة. لقـد تعطلـت سـكة التطـور فـي هـذه المجتمعـات، مـع تحــُّول الخطــاب الفكــري الممتــد للحداثــة إلــى خطــاب معــوق لهــا فــي ُكل أنســاقها، إذ اعتمــد خطابــًا فكريــًا، ارتكــز علــى قــراءات خاصـة للإسلام لإلســالم، تخــدم إعــادة إنتـاج النظـام السياســي المهيمــن، وتبــرر هيمنتــه، وبالتالــي تجعــل مــن باقــي أنســاق الحيــاة الاجتماعية والاقتصادية والثقافيــة ُمجــّرد توابــع تدويــر هـذا النظـام. إن هـذه القـراءات الخاصـة بالإسلام فيصلنـا عنهـا شــرطا الزمــان والمــكان، وبالتالــي هــي صالحــه لزمنهــا، وغيــر صالحـة لزمننـا، ولذلـك مـن غيـر المعقـول أن تثبـت وكأنهـا جـزء مــن الديــن ونصوصــه القرآنيــة.)) (22)

انطلاقا مــن جدليــة العلاقــة بيــن الواقــع والــذات يعيدنــا الباحــث والأكاديمي المغربــي كمــال عبــد اللطيف فــي كتابــه المعنـون (أسـئلة الحداثـة فـي الفكـر العربـي - مـن إدراك الفـارق إلـى وعلي الـذات) إلـى اللحظـات الفارقـة فـي سـيرورة الحداثـة. ((يحــدد الباحــث لحظتيــن فارقتيــن فــي عمليــة اســتجابة الفكــر العربــي لأسئلة الحداثــة هما: لحظــة إدراك الفــارق ثــم تأتــي لحظـة وعلي الـذات، وبيـن اللحظتيـن هنـاك الكثيـر مـن المحطات التـي يصعـب اختزالهـا ذلـك أن التغيـرات الفكريـة تحـدث بصـورة متداخلــة ومركبــة ومرتبــة لتصــّورات ناظمــة للمتحــول والمختلــف والمتناقــض.)) (23)

يبقــى التســاؤل عنــد الإسلامويين وغيرهــم مــن التقليدييــن ليــس كيف نحمـي أنفسـنا مـن الحداثــة وانتشـار آثـار العولمــة؟ ولكـن كيف نتعايـش ونتفاعـل مـع الحداثـة والعولمـة مـن خلال الإضافة الثقافية فــي شــكل العالــم الاتي؟ الإجابة علــى هــذا الســؤال تعتمــد لــدى المســلمين عمومــًا علــى الإجابة علــى تسـاؤلين مترابطيـن: هـل الحداثـة مشـروع غربـي؟ وهـل الحداثـة علمنـة كاملـة بمعناهـا الـذي يقطـع أي ارتباطـات بالديـن ورمزيتـه؟ أمــا التســاؤل عــن العلمنــة الكاملــة للحداثــة فــي الواقــع ال توجــد عمليــًا علمنــة كاملــة. فقــد ينحســر الديــن كمؤسســات وحتــى كثقافــة تؤثــر بعمــق علــى الحيــاة العامــة وتتدخــل فــي شــؤون وقضايــا ذات طبيعــة غيــر دينيــة. فالوجــه الأخر لغربيــة الحداثـة تاريخيـًا هـو مسـيحيتها، الرأسـمالية ليسـت فـي قطيعـة مــع المســيحية، المذهــب البيروتســتانتي علــى الأقل، الأخلاقية البيروتســتانتية أنبتــت عقلانية الرأســمالية.(1)

مـن أجـل تحقيـق الإرادة والفعـل الإنساني علـى أرض الواقـع، درجـت حركـة التنويـر منـذ البدايـات الأولى وحتـى اليـوم للتركيـز علـى محوريـن. ((يحمـل التنويـر دلالتين ثورتيـن: كينونـة الإنسان عابــرة للُهِّويــات الوطنيــة والدينيــة والقوميــة، وبالتالــي لــه وجــود كونـي. قـدرة العقـل الإنساني علـى بنـاء عالـم مضيـئ ومتنـور، بالتالــي الإنسان مشــروع التنويــر. ففــي الدلالة الأولى أطــاح التنويــر بالقوالــب الدينيــة والطبقيــة التــي وضــع فيهــا الإنسان وأعلـن القطيعـة مـع التـراث والقديـم. وفـي الدلالة الثانيـة أيقـظ القـدرة الفكريـة للفـرد لمعارضـة دور الديـن الإرشادي فـي الفكـر والعمــل. )) (24)

أيــن يقــع موقــف المثقــف الســوداني، مــن الأعراب، فــي ســودان اليــوم، مــن كل الــدلالات والمحــاور والتساؤلات التــي ورد تكرارهــا، بصــورة مملــة بعــض الشــيء، والتــي أّدت إلــى تغبيـش الحقائـق، علاوة علـى إجالئهـا، طـوال الفتـرة مـا بعـد الاستقلال، أي حوالــي خمســة وســتين عامــًا، مــن البحــث عــن أقصــر الطــرق، أو الصــراط المســتقيم إلــى الحداثــة؟ وباســتعادة تلــك المقولــة المشــهورة - «حــدود العقــل هــي حــدود التجربــة» - الســودان المعاصــر فــي حاجــة ملحــة لــ ُك ِّل منهمــا، أي العقــل والتجربـة. وفـي هـذا الصـدد يؤكـد دكتـور منصـور خالـد أهميـة التجربـة «وفـي نهاية الأمر فـإن القـول ال يغنـي عـن الفعـل، كمـا أن الوهـم الرغبـوي ال يغنـي عـن الحقيقـة، لهـذا فـإن الاستكانة للقديـم فـي ذات الوقـت الـذي يلعلـع فيـه المجـدد بالحديـث عـن التثويـر الاجتماعي يقـود ال محالـة إلـى ارتجـاع اجتماعي مثـل مـا نحـن فيـه، كمـا يجعـل مـن المجتمـع مجتمعـًا مغلقـًا يكـرر ذاتـه ال مجتمعــًا منفتحــًا يســعى لاستكشاف آفــاق جديــدة » (14)

هــل هنالــك ثمــة عقلانية جديــدة، نســتطيع أن نتبّناهــا فــي العالـم العربـي؟ وهـل مـن الممكـن أسـلمة الحداثـة؟ يحلـل دكتـور حيـدر إبراهيـم علـي هـذه التساؤلات «أمـا الفكـر الإسلاموي - الاسـلامي عمومـا - فقـد حـاول الاستجابة لهـذه التحـولات كمــا أســلفنا - مــن خلال اختيــار عقلانية جديــدة، يحاولــون إعــادة تأويــل النــص بطريقــة نفعيــة ووظيفية كذلــك الدعــوة إلـى قيـام يوتوبيـا الامـه كتأكيـد جماعي ضـد تعقيـدات الـذات الحديثــة. (1)

ولكـن الإسلاميين اختزلـوا هـذه العمليـة منـذ زمـن إلـى آليـات شـ كلية وأداتيه تعمـل علــى قيــم وآراء متوارثــة، عندمــا يســتورد الغــرب إلــى الشــرق، يحــول مــن خلال تبســيطات مخّلــة إلــى جانبيـة الأدائي والفنـي والمـادي أو كمـا عـرف بـن نبـي الوسـائل الديكارتيـة حيـن تطبـق علـى الإسلام. ويمكـن القـول مـن ناحيـة أخــرى إنــه ليســت مهمــة الحداثــة اســتبدال الــرؤى أو النظــرات الكونيـة للثقافـات الإنسانية بمبادئ وقيـم غربيـة حديثـة. ولحداثة العولمـة تأثيـر حاسـم واحـد هـو أنهـا تخلـق أفـكارًا مسـيطرة عـن تنـوع الثقافـات فـي إطـار التسـاوي. وتدخـل الأصولية الإسلامية والتحديثيــة الإسلامية ضمــن نمــط تحويــل الأفكار هذه، ومــن مصـدر الغمـوض والتناقـض الـذي يلازمهما وبالـذات حيـن نحـاول تطبيـق سياسـة أسـلمة الحداثـة. (1)

وأخيــرًا: هــل هنالــك ثمــة عالقــة بيــن الدعــوة إلــى الحداثــة فــي مجتمــع متخلــف تقنيــًا واقتصاديــًا بامتيــاز، والأوهام التــي أشــار إليهــا بيكــون؟ والإجابات بالطبــع لهكــذا أســئلة مفتوحــة لـ ُك ِّل الإرهاصات. «تنـاول فرانسـيس بيكـون فـي فلسـفته موضـوع الأوهام البشـرية، والمقصـود بهـذه الأوهام عـادات سـيئة للذهـن تســبب وقــوع لأنــاس فــي الخطــأ أثناء التفكير والبحــث عــن الحقيقــة، وهــذه الأوهام خمســة أنــواع: (25)
• أوهــام القبيلة: وهــي تلــك الأوهام المتأصلــة فــي الطبيعــة البشـرّية،وهـي بشـكل خـاص َوهـم توّقـع وجـود نظـام فـي الظواهــر الطبيعيــة أكثــر ممــا هــو موجــود بالفعــل.
• أوهــام الكهف: وهــي الآراء الشــخصية الســابقة التــي يحملهــا الفـرد الباحـث.
• أوهــام الســوق: وهي تلــك الأوهام المتصلــة باســتبداد الكلمــات، وصعوبــة النجــاة مــن تأثيرهــا علــى أذهــان الباحــث
• أوهـام المسـرح: وهـي تلـك الأوهام المتصلـة بمذاهـب الفكـر المعتــرف بصحتهــا ويعــود الســبب فيهــا مــن وجهــة نظــر فرنســيس بيكــون إلــى الفلاسفة المدرســيين.
• أوهــام المدارس: وهــي الأوهام التــي تجعــل الباحــث يعتقــد بقاعـدة مـا ويثـق فيهـا ثقـة عميـاء، مثـل: القيـاس.

وهـذه بدورهـا تعيدنـا مـن جديـد إلـى «أوهـام النخبة » التـي أشـار إليهـا دكتـور علـي حـرب فـي كتابـه الموسـوم بعنـوان: أوهـام النخبة - نقـد المثقـف، تلـك الأوهام التـي يعانـي منهـا بامتيـاز، قطـاع كبيـر مـن المثقفيـن فـي السـودان المعاصـر، وهـي: وهـم النخبة - الُهِّويـة - الحريـة - المطابقـة، ووهـم الحداثـة.(26) وبيـن أوهــام «بيكــون - حــرب» يجــد المثقــف/ المفكــر الســوداني نفسـه، أمـام موقـف أخلاقي، يحتـم عليـه السـمو فـوق التحديات والجـراح، لكـي يبعـث الحيـاة مـن جديـد فـي مشـروعية «مشـروع الحداثـة» المشـروع جـدًا..

المراجع:

(1) حيدر إبراهيـم علي - مواقـف فكريـة - الفكـر الإسلاموي والحداثـة المعكوسة الطبعـة الثانيـة- القاهـرة - مركـز الدراسـات السـودانية - 2006 - ص 217، 220، 222، 223، 224، 257، 259

(2) عبـد الحليـم مهورباشـة - الحداثـة الغربيـة وأنمـاط الوعي بهـا في الفكـرالعربي المعاصر - «دراسـة مقارنـة بـن عبـد اللـه العـروي وطـه عبـد الرحمـن» - تبيـن – المجلد رقـم 6، العـدد رقـم (23) – 2018- ص 104، 107


(3) رشيقة فضيلـة وبـن أحمـد حليمـة - إشـكالية الحداثـة في الفكـر العربي المعاصر - « محمـد أركـون وطـه عبـد الرحمـن نموذجا» - كليـة العلـوم الاجتماعية - جامعـة عبـد الحميـد بـن باديـس - مسـتغانم- رسـالة ماجستير – 2017 – ص 9

(4)حيــدر إبراهيــم علي - الخفــاض الفرعوني لعقــل المثقف السوداني - ســودانايل – 19 يونيــو 2019 – ص 2

(5) عبـد اللـه تركماني - أسـس الحداثـة ومعوقاتهـا في العالم العربي المعاصر- منبر ابـن رشـد للحداثـة - 20 أكتوبـر 2005 - ص 2، 3، 5

(6) حيـدر إبراهيـم علي - السـودان: الحكـم الإسلامي وتحديـات الدولـة الحديثـة - القاهـرة – 2013 – ص 81، 212

(7) محمــد عــوض عبــوش - حركــة الحداثــة وبدايــات تجلياتهــا في فكــر الوطنيـيـن الســودانين ((( - الصحافــة - 8 مايــو 2012 – ص 2

(8) جبـر بـولاد - موبقـات العقـل الباطـن السوداني - مجلـة الدراسـات السـودانية- 1 يونيو – 2020 – ص 2، 3

(9) بخيــت أوبي - أزمــة المثقف السوداني وإشــكالية التنويــر الثــوري- صــوت الهامــش - 26 نوفمبر 2019- ص 1

(10) أحمـد ضحيـة - حـول المثقف والسـلطة في السـودان - الحـوار المتمدن - العـدد 1612- 15 يوليو 2006- ص 6

(11) النور حمــد - عــن المأزق التاريخــي لقــوى الحداثــة في الســودان- آراء – 29 يونيــو 2019 ص 1، 2 ، 4

(12) عـادل البليـك - المثقف السوداني: ألانهزاميـة، التنميـط والدوغماتيـة» - صحفية الراكوبـة – 2 يوليو 2014- ص 1

(13) النور حمـد - تشريـح بنيـة العقـل الرعـوي - حريـات – 2 ديسمبر 2016- ص 3

(14) منصــور خالــد - النخبة الســودانية وإدمــان الفشــل- بيروت - دار الســاقي للنشر والتوزيــع - الجــزء الأول- 1993- ص 9 1، 23

(15) حيـدر إبراهيـم علي - اليسـار والديـن في السـودان «الحـزب الشـيوعي أنموذجا» - حفريـات - قسـم الأبحاث - 29 يوليـو 2018 – ص 3، 7، 8

(16) حمد البوعينن - في نقد الفن والثقافة والحداثة - 22 أكتوبر 2019 – ص 1

(17) حيــدر إبراهيــم علي - الســودان: الانشــطارية والتناقضــات المتساكنة -صحفيــة الراكوبــة – 12 ما يو 2014 – ص 2

(18) عمر سلمان - معوقات الانتقال للحداثة - الحرة - 3 يناير 2020 - ص .2

(19) عبـد العليـم محمـد - معوقـات الحداثـة في العالم العربي- الأهرام - 25 سبتمبر 2013 – ص 1

(20) عبـد اللـه تركمـاني - أسـس الحداثـة ومعوقاتهـا في العالم العربي المعاصر - إيلاف (2) - 24 ينايـر 2005 ص 7

(21) محمــد محفــوظ - في العالم العربي: التحديــث ضــد الحداثــة - آراء وأفكار شبكة النبــأ - 10 أغســطس2019 – ص 2

(22) مجموعــة مؤلفـيـن - خطــوات عــلى طريــق التنويــر (5) - المعوقات الكبرى أمـام التنويـر - وحـدة الدراسـات التنويريـة - مرصـد الـرشق الأوسط وشـال أفريقيـا الإعلامي - 3 ينايــر 2020 - ص.2

(23) أسـمـاء رمضــان - كتــاب «أســئلة الحداثــة في الفكــر العربي» طريقنا إلى عــالم أكبــر إنســانية وحداثــة -الثقافــة - 26 فبراير 2020 - ص.2

(24) مجموعــة مؤلفيــن - فلســفة التنويــر وتفكيــك المقدس - مجتمــع الأكاديمية بوســت – 16 يناير 2020 – ص 2 .

(25) فــرح عبــد الغنــي - أهــم فلاســفة الفلســفة الحديثــة- ســطور – 17 فبراير – 2021 – ص 2

(26) علي حرب - اوهام النخة أو نقد المثقف- المركز الثقافي العربي- الطبعة الثالثة 2004- ص 97



#عبد_الله_ميرغني_محمد_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ...
- المثقف العضوي و الثورة
- الحداثة: تقاطع المطلق و المتغير


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبد الله ميرغني محمد أحمد - مألات مشروع الحداثة في السودان المعاصر : الواقع و التحديات