|
بريشت والحرب الإمبريالية
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 1724 - 2006 / 11 / 4 - 12:20
المحور:
الادب والفن
بريشت الذي اشتهر عن طريق مسرحياته، كان في ميدان الشعر أيضا فارسا له قدرة ونفوذ كبيرين. فأغلب قصائده يعبر عنها شخصيات مسرحياته . ويبدع بريشت قصائده بلغة ساخرة و لاذعة ، يبدي فيها رأيه في مسائل صغيرة أو كبيرة، ويفسر أحداث زمانه وأحداث الماضي ، مثل اضطهاد غاليليو غاليلي . واكتشف في هذا السبيل أسلوب " التغريب" في مسرحياته لكشف الأعماق الإنسانية ، وكشف أسرار الأحداث التي تغير مسير التاريخ البشري وأسبابها الحقيقية الخفية . وهذا الأسلوب الرائع ، أي التغريب أضفى على كتاباته روح المتعة والسحر والإكتشاف. يعايش بريشت جمهوره بشعره المسرحي في قلب الأحداث، ويجعلهم على بينة من الحقائق الخفية عنهم ، وثم يعود بهم إلى مواقعهم السابقة وقد أمسوا أكثر وعيا ويقظة. كان شعر بريشت شعرا دعائيا ، يدعو إلى الثورة والشيوعية وكسب العلم والمعرفة ، يدعو إلى النضال الطبقي ، ولقد كانت قصائد تعبر عن آلام كانت ستتحول إلى غضب عارم أثر ضغوط مالكي السلطة . كانت قصائده قبل تعرفه على الماركسية واستيعابها، لا تخرج من دائرة أفكار البرجوازية الصغيرة المدينية ، ولم تبد ُ لها آفاق وأبعاد سياسية، أو حتى يمكن القول إنها لم تكن تعبر عن أفكار تحرريةى حقيقية . ورغم كان بريشت منذ البداية يقف في صف الناس ، وينعت الظالمين بالأعداء ، ويصف الكادحين بالأصدقاء. كان يرى بوضوح التناقضات الحادة التي تنهش المجتمع، وكان يعرف من هم المضطهِدين و من هم المضطهَدين، و كان يلمس الكفاح العفوي السلبي للكادحين، لكنه لما يكتسب القدرة الفنية بعد لإضفاء أبعاد ثورية على هذه النضالات والأوضاع وتحويلها إلى حركة تواجه أسس نظام الإستغلال وتهددها. وقد تحول إلى فنان نصير الشيوعية والثورة بعد فهمه الماركسية واستيعابها وانتمائه إلى مدرستها الفنية خلال دراسته لكتاب رأس المال و استيعابه المادية التاريخية والديالكتيك. فهذه التحولات التي جرت على أفكار بريشت كانت تتناسق مع حركة تطور المجتمع في تلك الفترة، حيث كان العالم يموج في تيارات تغيير حادة ، و يكتسب محتوى جديدا كان يعبر عنه التاريخ بلحن مختلف عن لحن الماضي. ايّ باختصار ، بريشت كان يعيش عصر الثورات البروليتارية.
" إنها غاية في البساطة، وادراكها سهل. حقك، وأنت عامل من بين العمال، اكتسب العلم، واعمل الصحيح! لكن تبقى ثمة مشكلة تستعصي عن الفهم، فإن كانت حصتك من كدح الآخرين، أي إن عضوا في جماعة قطاع الطرق والحرامية، يعجز عن ادراك معناه، فالأحمق يدعي أن المسألة حمقاء، والظالم يعلن أنها مسألة ظالمة... لكن نهاية كل جهل هي بزوغ فجر نظام إنسانيّ، إنه ليس لغزا، إنه أسلوب لحل هذه المسألة، ليست جريمة ، بل موت للمجرمين، لا جنون ، بل علاج لأي ّ جنون، فالعين بصيرة، واليد قصيرة، إنها طرفة عين ، وسهل ممتنع" .
لقد كانت الحرب الإمبريالية ثيمة أساسا في شعر بريشت، إذ لا بد ّ للإمبرياليين أن يشنّوا الحروب للخروج من الأزمات السياسية والإقتصادية التي تنتاب النظام الرأسمالي. فمنطق النظام الإمبريالي يولد أسباب التصارع والتنافس بين النظم الإمبريالية للحفاظ على وجودها وتوسيع امكانيات تراكم الثروة والسيطرة على مقدرات الشعوب المضطهدة والمحرومة. وأدت العوامل أعلاه إلى ظهور النازية في ألمانيا واستلامها السلطة ، وكانت تمهيدا للحرب العالمية الثانية في سبيل انقاذ بنية رأسمالية لم تعد قادرة على تلبية أفضل وسائل تراكم رأس المال ، وكانت آيلة إلى الإنهيار. كانت البروليتاريا وطلائعها الشيوعيون ، وفي مقدمتهم بريشت الفنان الملتزم بالدفاع عن مصالح العمال والمحرومين ، يعون هذه الأمور. ولم يسلم بريشت من اتهامات الفاشية واعتداءاتها في ألمانيا حتى اضطر إلى الهجرة والإغتراب واختيار منفاه في الولايات المتحدة حيث المكارثية كانت له وللشيوعيين الآخرين بالمرصاد. ولم يقصر بريشت عن فضح الوجه القبيح لقادة الحروب الإمبريالية، فقصائده في تلك الفترة كرسها لفضح حقيقة الروح العدوانية للرأسماية وسياساتها الإمبريالية وشنها الحروب لأجل استمرار أسباب الإستغلال الرأسمالي ونهب العالم وتقسيمه بين الامبراطوريات المتنافسة، مثلما يحدث اليوم في الشرق الأوسط خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير الأمريكي. وكان بريشت يعي وعيا تاما ما تخفيه الإمبريالية وراء بسماتها الصفراء، وشعاراتها ،و البروباغنده التي تبثها أبواقها ، وادعاءاتها في نشر التحضر والرفاه والديمقراطية فيما يسمى بالعالم الثالث. يقول في أحدى مسرحياته: "يقول الحكام المتسلطون ، إن السلام شئ ، والجرب شئ آخر. أية مفارقة! إنها لمسألة صعبة ، لكننا نعلم علم اليقين أن سلمهم وحربهم مثل الريح والعاصفة ، لهما الجوهر ذاته. تخرج حربهم من قلب السلم، مثلما ولد يولد من رحم أمه، يبقى له منها إرث من صورتها . تأتي حربهم لتقتل من خرج بسلام أثناء السلم".
كما يقول في إحدى قصائده: " نحن في حاجة إلى أراضٍ شاسعة، وأخي طيار يشن الحرب في هذا السبيل، بقصف قرى كثيرة، ويقتل أناسا كثيرين للسطو على أراضيهم لتوسيع رقعة وطننا، لكنه أخيرا بعد استشهاده في سبيل الوطن، كانت الرقعة من الأراضي التي حصل عليها، عبارة عن مترين مربعين ، وحفنة من التراب"
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنسان في النظرة البرجوازية الغربية
-
شاعر المقاومة بول ايلوار
-
وضوح الرؤية بعد وصول اليمين الوسط إلى الحكم في السويد
-
فدرالية أم مركزية؟ فتلك ليست المسألة
-
الأرمن ضحايا الصراع الإمبريالي والإستبداد الشرقي
-
الأفق الساطع
-
كابوس القانون... شبح الإرهاب
-
شافيز واليسار القومي والأنظمة والقوى الرجعية الفاشستية
-
لا حياد للميديا
-
قصيدة - الموت وحده- لبابلو نيرودا
-
ما وراء حوار الأديان والحضارات
-
Look who is talking عن تصريحات بينيديكت السادس عشر :
-
بروق في خطوات الرمّان
-
معاداة الإمبريالية في عصر العولمة
-
ثلاث قصائد للشاعرة التحررية فروغ فرّخزاد - 1935_ 1967
-
تشريع الإرهاب و تقنين انتهاك حقوق الإنسان وحرياته
-
ألا إن حزب الله وإسرائيل كانوا هم الغالبين
-
فيكتور خارا – انتصارالفن ّ على طغيان رأس المال
-
ملوك الطوائف في أرض الرافدين
-
نجيب محفوظ الحاضر أبدا في بيوتنا
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|