كاظم فنجان الحمامي
الحوار المتمدن-العدد: 7666 - 2023 / 7 / 8 - 01:13
المحور:
الادب والفن
في البصرة وفي بداية السبعينيات من القرن الماضي كانت التلفزيونات شحيحة جداً في أحياءنا الفقيرة المؤلفة من صرايف وأكواخ بدائية تسترها وتسوّرها أسيجة متخرقة بثقوب واسعة تسمح بتسلل الهواء إلى باحة الدار (أو الكوخ)، وهو المكان الذي إختاره الناس في تلك الأيام لتناول العشاء والنوم على الأرض. .
فالحي الفقير الذي كنا نقيم فيه خارج مركز مدينة المعقل المزدانة بشوارعها وبيوتها العصرية، اسمه (شط الترك). ليس فيه تركياً واحداً. ولا يبعد كثيراً عن الأكاديمية البحرية بموقعها الحالي. .
كان جارنا (خشّان) يعمل خبازاً في الأفران الشعبية، وهو اول من جلب التلفزيون إلى قريتنا. فشمخ بيته بسارية طويلة تحمل الهوائي المستعرض بأنابيبه الرشيقة. .
أذكر ان شاشة التلفزيون وقتذاك كانت بالاسود والابيض، لكنها في حقيقة الامر تميل في الظلام إلى اللون الأخضر النفطي. والتلفزيون يبث برامجه من السادسة مساء إلى التاسعة أو العاشرة ليلاً، ثم ينتهي البث بالسلام الجمهوري. وكانت زوجة (خشّان) تجلس خلف زوجها حتى لا يراها المذيع الدخيل علينا، واحياناً تلتف بعباءتها المعتمة التزاماً منها بالحشمة والوقار. .
كنا نسمع صوت التلفزيون من مسافة بعيدة، فنزحف خلسة نحو بيت (خشّان) حتى لا يرانا كلبهم، الذي كان كلباً ابن كلب، لأنه يمنعنا من التلصص من خلال ثقوب (الخص). كلب عجيب الأطوار يحوم بلا هوادة حول الدار، يطاردنا أحياناً ليمنعنا من المشاهدة. فنتحين الفرص، ونتوخى الحذر، كلما اقتربنا من السياج. فنجده رابضاً لنا في المكان. .
وأخيراً تعاطف معنا (خشّان) وسمح لنا بدخول بيته والجلوس للمشاهدة مقابل دفع خمسة فلوس تستلمها أبنته التي كانت تتفحص النقود المعدنية قطعة قطعة، ثم تصرّها في خرقة بالية. فكنا ندَّخر مصروفنا اليومي لكي نحظى بفرصة مشاهدة سميرة توفيق وجهاً لوجه. ولا ندري لماذا كانت تغمز لنا (سميرة) بعينها الواسعة كلما اكتشفت وجودنا في بيت (خشّان) ؟. .
#كاظم_فنجان_الحمامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟