|
لن يكون هناك تغيير من دون وجود ثقافة التغيير
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 7662 - 2023 / 7 / 4 - 14:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل يمكن تغيير مجتمع او المجتمع ، من دون وجود ثقافة تغييرية ، او ثقافة للتغيير نسميها بثقافة التغيير . وان كانت هذه الحقيقة من المسلمات الكونية ، فان التغيير ، وايّ تغيير، لا يمكن انتظاره في غياب ثقافة التغيير . فالطبقات التي تقود التغيير ، او المؤهلة للتغيير ، دائما هي الانتلجانسيا الحيوية الهادفة ، بمختلف تركيبتها الفكرية ، واختلافاتها الفلسفية ، والأيديولوجية .. فلم يسبق في التاريخ الإنساني ان سمعنا يوما ، او قرأنا ، ان الاميين يثورون ، وان الجياع ينتفضون ، لان اصل أي تغيير هو درجة امتلاك ناصية الثقافة ، في اطار الصراع الثقافي الذي لن يكون غير صراع أيديولوجي ، فلسفي ، وسياسي ، لبناء المجتمع الجديد ، والتأسيس للدولة الديمقراطية ، الفاعل الوحيد لتكريس دولة كل الحقوق الكونية ، المعترف بها امميا ، وكما هو مشاهد في الميثاق الاممي لحقوق الانسان . وبالرجوع الى حركية التاريخ ، لنتساءل عن الطبقات التي قادت الثورات ، سنجد ان تلك الطبقات كانت مكونة من جمهور المثقفين على اختلاف إعتناقاتها الفلسفية والأيديولوجية ، ولم تكن تتكون من جمهور العوام المعرض للكثير من العناوين التحقيرية ، كالعوام ، والرعايا ، والرعاع ، والاوباش ، وشهداء كوميرة .... الخ . فالثورة الفرنسية ، قامت بها البرجوازية الفرنسية ، المالكة للثقافة البرجوازية ، والثورة الروسية ، قام بها مثقفو الحزب الشيوعي ، والطبقات المتلاحمة مع الشيوعيين فكريا ونظريا ، والثورة في الصين قادها فكر الثقافة الصينية التي بلورها Mao Tsé Tong ، في الاعمال الخالدة التي صهرت الثقافة الصينية الخالصة بمطامح الفلاحين الذين وعدهم Mao بمستقبل زاهر .. وانها نفس الحقيقة قادت الثورة ( الإسلامية ) الإيرانية بالاستناد على الفكر الديني في حلته السياسية التحريضية والثورية .. وبالنسبة لكل هذه الثورات الإنسانية ، سنجد ان الأفكار النيرة للزعماء وللمنظرين ، قد نجحت في توظيف ومزج طبقات الشعب ، بالطبقات المثقفة متزعمة الثورة ..حيث كان الشعب المدرك لثقافة صنعها غيره ، ان ثورة ذاك الغير ، الذي لم يكن عضويا ضمن الشعب العامل ، هي في صالحه ، رغم طابعها الأيديولوجي او الثقافي السائد ، والمفروض بحكم التقاء المصالح بين الثوريين وبين المنظرين ، وبين عموم الشعب ، الذي جعله وضعه الاجتماعي يميل الى الثوار ، ضد أنظمة الحكم المتسلطة من طاغية ، واستبدادية ، ودكتاتورية ، وبوليسية ، تبذر ثروة الشعب تبذيرا ، في الملاهي والكماليات ، فيزيد هؤلاء ثراء في ثراء اكثر من فاحش ، وتزيد الشعوب في فقر اكثر من الفقر المدقع .. لذا فان التعويل على التغيير ، ومن دون وجود ثقافة للتغيير ، سيكون مجرد أضغاث أحلام ، لن تفي بالمقصود من الثورة ، الذي هو الرقي والتنمية ، للشعوب المفقرة ، والمضطهدة ، والمقموعة ، والمستلبة الإرادة .. تتجدد الحاجة الى البحث في المسألة الثقافية في بلادنا ، التي على رأسها نظام يعادي ويكره الثقافة والمثقفين ، لأنه بسبب أميته ومحدودية قدراته التي تنفخ فيها الطبائع البوليسية ، تعتبر أيّة ثقافة مسببة لصداع رأسه ( شْقيقة ) ، وفي الشروط الحالية التي تتميز – ضمن ما تتميز به عامة -- بعملية ترتيب البيت الواسعة التي يقوم بها النظام المخزني البوليسي ، سعيا منه الى تدعيم المتداعي من اركانه ، والتكيف مع التحولات التي شهدها ويشهدها العالم ، حيث تحتل المسألة الثقافية حيزا هاما في مجال اهتماماته الراهنة .. وتبدو هذه الحاجة اكثر إلحاحاً ، في ظل التراجع والنكوص الكبيرين ، الذي يعيشهما ( اليسار ) بمختلف تلويناته وشكلياته ، والتي وصل الى الحضيض الذي ابانت عليه ، نتائج الاستحقاقات السياسية التي نظمها النظام ، وفرض شروطه من دون حاجة الى التشاور ، او التذكير ، او التحذير من الانقراض الكلي ، الملاحظ اليوم تنظيميا ، والملاحظ أيديولوجيا ، حيث التناقض الكبير بين الخطابات الجوفاء من جهة ، وبين الركوع والخضوع لإملاءات النظام ، الذي يشعر بنشوة الانتصار في الحرب ، بعد ان حسم المعارك التي دارت وبمسمياتها المختلفة .. فما تعيشه اطراف ممن تبقى من هذا اليسار الباهت ، ليدعو الى الشفقة ، خاصة وانه اعطى للنظام شيكا على بياض ، عندما تخلى عن شروط المشاركة في الاستحقاقات منذ ستينات القرن الماضي ، كالتذرع بغياب الدستور الديمقراطي ، واشراف الحكم من خلال جهازه السلطوي على احتكار عملية البناء السياسي ، طبقا لما يريد ويخطط له النظام المخزني البوليسي ، الذي اذاب الجميع في طنجرته التي قد تنفجر ، اذا غاب الملك ، وهو انفجار قد يطرأ بغتة ، مما يجعل التحكم فيه ، يواجه بصعوبات ، قد تتضاعف سيرها نحو الهاوية الغير منتظرة نهايتها . هذا اذا توقف الانحدار والانفجار في حدود المطالب الخبزية . اما اذا اصبح رأس النظام والنظام مطلوبان ، فتلك قصاصة أخرى ، لا يستطيع النظام التعامل معها ، اذا تم النفخ فيها من خارج المغرب .. من قبل قوى تحن الى الاستعمار والى عهد الوصاية والتحجر .. فاذا كان ( اليسار ) الرسمي يعيش البلبلة ، واضحى جسم بدون روح ، فان ( اليسار ) الاخر على يسار اليسار المخزني المهيكل ، انتهى الى النهاية التي هو فيها اليوم ، بسبب أخطاء لم يكن مسموحا بها ، لأنها عطلته عن انتاج مشروعه العام ، حول الدولة الديمقراطية . ومن الأخطاء التي سببت في نهاية هذا اليسار ، نذكر على سبيل الأمثلة ، وليس على سبيل الحصر : -- الحلقية الفكرية والسياسية التي تنتهي وانتهت بالخنق الذاتي والتنظيمي والثقافي ، اذ بقي هذا اليسار خارج التغطية الشعبية والجماهيرية ، فتسببت غربته في بقاءه غريبا في وسط اجتماعي معروف بتكلس عقله ، وبالأمية والجهل الضاربين اطنابهما ، في وسط يميل الى المحافظة ، ويتشبث لوحده بالمظاهر المخزنية الملاحظة حتى في (افراحه) و ( احزانه ) وما اكثرها . -- غياب حوار فكري بناء وجدي . -- ضعف العمل لبلورة برنامج سياسي عقلاني . -- ضيق الأفق فيما يخص العمل المشترك والموحد . -- ثم الميل الى التشرذم ، وهو المرض الذي تسبب في نفوق ( اليسار ) الملكي ، وتفريخ اشكال كثيرة من اليسار ، يفرقها كل شيء ، ولا يجمعها أي شيء . وان ما تعيشه اطراف واسعة من ( اليسار ) الملكي التقليدي ، ومن اليسار الجذري الذي على يسار اليسار الملكي ، من بلبلة فكرية واسعة ، تنعكس على نوعية ودرجة اهتمامه بالمسألة الثقافية ، حيث يتراوح الموقف منها عموما ، بين موقف قائم على الإهمال والتهميش ، انطلاقا من رؤية تضع المسألة الثقافية خارج اهتماماتها ، او في احسن الأحوال لا ترتبها ضمن ( أولوياتها ) ، او تعيد انتاج موقف جاهز ، يهتم بالمسألة بأدوات قديمة ومتجاوزة ، لا تأخذ بعين الاعتبار ما استجد على صعيد المسألة الثقافية ، وما استجد في الوضع الاقتصادي والسياسي عموما . اذن الخلاصة ، هي ان أي بحث في المسألة الثقافية ، لا يمكن ان يكون خصبا ومجديا ، دون ربط المسألة بخلفيتها الاقتصادية والاجتماعية ، من حيث ان هذه المسألة ، مرتبطة بتكوينه ، وتاريخه ، وعلاقاته بمحيطه القريب والبعيد ، وبطبيعة النظام القائم او السلطة القائمة ، من حيث هي مؤسسة نافذة وقائمة ، لها آليات وضوابط وهياكل . ومن حيث هي سياسات نافذة ، وممارسات جارية . فالمشكلات المستعصية التي تواجهها الثقافة التي تروم التغيير ، هي في الجزء الأكبر منها ، تتعلق بالسلطة القائمة على القهر ، والطغيان والاستبداد ، والاضطهاد الثقافي والمجتمعي ، والتي تحتكر وسائل ترويج المنتجات الثقافية ، من وسائل اعلام ( صحافة مواقع الكترونية وتلفزة .. ) ودور للنشر . ومن مدرسة تجعلها في خدمتها ، بما تسنه من مناهج ، وتنفذه من خطط ، تحكم على أوسع الجماهير بالأمية والجهل ، وتقصيها من هذه المنتجات ، مما يجعل هذه الجماهير تلوذ بثقافة مخزنية بوليسية قروسطوية ، تجد فيها ضالتها ، أي تجد فيها أجوبة ( صحيحة ) ، على ما يطرحه عليها المجتمع والحياة . وتعمل السلطة القائمة ، على ترويج ثقافة جامدة مبنية على الخرافة ، والغيب ، والتقاليد المرعية ، ثقافة أركاييكية ، تمزج في عجين هلامي ، بين التقليد ، وبين (الحداثة) العصرنة المشوهة والمعطوبة ، وهكذا .... ، تنهل من موروث تقليدي ، يشرعن الاستبداد والطغيان ، ويفرض قهرا الجبرية ، والضبطية ، والتحكمية ، ويقصي الاقصاء الكامل العقل والمنطق ، ويجعل من الطاعة لأولي الامر الطاغية المستبد ، والمفقر للشعب سيدة الفضائل . كما تنهل من ( حداثة ) عصرنة لزجة ، تقوم على ثقافة استهلاكية مشوهة ، تمجد التقنية الخالية من أي مدلول أيديولوجي ، وفي نفس الوقت تحتقر الانسان الفاعل ، وانسان التاريخ .. طبعا سنجد ان هذه الثقافة الأركاييكية ، المبنية على الخرافة واللاّهوت في شقه العبودي / اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر / .. الذي يجب اطاعته ، حتى ولو كان شخصا فاسدا مهلكا للحرث وللنسل . فالطاعة واجبة ، بل هي فرض عين للحفاظ على الدولة اللاديمقراطية ، قائمة ... سنجد ان هذه الثقافة تقدم نفسها على أنها خالدة وأزلية ، غير مرتبطة لا بالمجتمع ولا بالتاريخ . وهي كثقافة مُدلّسة وجبرية ، سنجد انها تعادي التغيير الذي تعتبره شذوذا عن الحالة الطبيعية . انها ثقافة التبرير لا غير ، أي شرعنة وتبرير الوضع القائم ، والدولة القائمة عدوة الديمقراطية ، أي تضفي على الوضع القائم ، مسحة من قداسة زائفة ومغشوشة .. ان وضعا ثقافيا من هذا القبيل ، يطرح على ثقافة المواجهة والتغيير ، تحديات كبيرة ، عليها ان تواجهها بالجرأة والمسؤولية اللازمة لتربح الغد ، وفي مقدمة هذه التحديات ، القدرة على رصد الجديد ، وتمييزه عن القديم الذي يتمظهر بأشكال جديدة ، وعدم الركون الى الأجوبة الجاهزة والبالية ، والجرأة على التقدم نحو هذا الجديد ، والكشف عنه ، واعلانه جهرا ، من دون ريبة ولا خوف . ففي نظرنا كمحللين للإشكالية المنزلة ، والمفروضة على ضوء المعطيات المتوفرة ، نجزم الجزم القاطع ، بان مشروع ثقافة التغيير ، بما هو مشروع مضاد للوضع القائم ، يمكن ان يستشف ملامحه وأسسه ، من ملامح وأسس الوضع الثقافي القائم ، من حيث انه ينبني على نقضه . فثقافة التغيير تقوم على : 1 ) العقل : في ظل الشروط القائمة ، التي تتسم بانتعاش التيارات اللاعقلانية ، على خلفية الازمة ، وانسداد الآفاق في بلدان المركز الرأسمالي ، وفي بلدان الأطراف ، وانحسار المشروع الماركسي ، والقومي ، والوطني في العالم العربي وببلادنا ، تتفاقم ظاهرة النكوص والارتداد عن القيم المستندة على العقل ، والواثقة في قدراته ، بما هو آلة للكشف والتحليل ، واستخلاص النتائج . ففي هكذا شروط ، تبرز الحاجة ماسة الى رفع لواء العقل ، والاستناد عليه في تحليل المجتمع والتاريخ ، ضداً على الرؤى والنظريات اللاعقلانية ، التي هي أوسع من ان نحصرها في الديني منها ، وانْ كان هذا الأخير ذو حضور ملحوظ ، ودور وازن ، وله " شرعية " تاريخية تفتقدها النظرات الأخرى ، حيث تنتشر بشكل واسع هذه الرؤية المنغلقة ، التي ترى ان النص الديني قدم أجوبة تامة ونهائية ، للمشكلات التي طرحتها ، وتطرحها الحياة على الانسان في الماضي ، والحاضر ، والمستقبل ، وترى ان العقل قاصر ، او انه يقود الى الظلال عن الطريق المستقيم ، وبالتالي ينبغي التسليم بما نعتبره حقائق ازلية، دون تمحيص نقدي ، ولا اعمال للعقل فيها . اما التيارات الأخرى ، وان كانت لا تقوم على الدين ، فهي ذات منحى لا عقلاني ، تنظر للإنسان ككائن تحكمه الغرائز ، وتسوقه الاهواء ، ويستسلم للعواطف الجامحة ، ويلعب اللاّوعي دورا أساسيا ، انْ لم يكن اشبه بالقدر في حياته . وهذه التيارات التي تنتشر كاللهيب في اوربة عصر الامبريالية ، تجد لها صدى واسعا في صفوف ( مثقفي ) دول المحيطات ، او دول الأطراف ، وليس بدول المحاور او المحور . 2 ) التاريخ : ليس التاريخ فيما ترى ثقافة التغيير ، تدفقا لا عقلانيا للأحداث يقف الانسان مشدوها امامها . انه سيرورة يحكمها منطق داخلي ، فهو ذو معقولية ومعنى ، وهو يتحرك بفعل البشر افرادا وجماعات . فالتاريخ بدأ بظهور الانسان على الأرض ، ويستمر مع هذا الانسان في صراعه ، من اجل غد افضل . هذا الصراع الذي خاضه الانسان منذ القدم ، ضد قوى متنوعة ، من نظم استبدادية ، وطغيانية ، وطبيعة متسلطة وغريبة . كما خاض هذا الصراع ضد الجهل ، مما مكنه من معرفة واسعة ، بددت العوالم المظلمة التي كانت تلوح امامه ، وفتحت له آفاقا واسعة ، واكسبته الثقة في النفس وفي المستقبل ، وحفزته على استكشاف عوالم مجهولة . ان التاريخ هو تقدم واستمرار متواصل . ومستقبل الانسان ليس وراءه ، ولا يمكن استعادة الماضي ولا تكراره ، والتقدم سنة من سنن الكون . والبشرية تتقدم نحو الأفضل ، ونحو الغد الأكثر من افضل عبر منعرجات متنوعة . ان الركود ليس الاّ عرضي ، فالزمان بأبعاده الثلاثة ، ماضي وحاضر ومستقبل ، فهو ليس دائرة مغلقة ومتكررة . ان الوجود التي تحكمه السيرورة ، يتفتق دائما على اشكال جديدة من الحياة ، أغنى وأخصب من سابقاتها . ولا يعني الإقرار بهذه الحقائق ، السقوط في التفاؤلية الساذجة ، او اليوتوبيا L’utopie ، كما لا يعني الركون الى انتظار حتمية مفترضة . 3 ) الديمقراطية : ان ثقافة التغيير معنية قبل غيرها بالمسألة الديمقراطية ، بما هي مطلب لا وسع الجماهير الشعبية ، وبما هي شرط لازم لازدهارها وانتعاشها . وتقتضي هذه الديمقراطية الغاء كافة التشريعات الدكتاتورية ، ورفع الإجراءات الإدارية البوليسية ـ التي تضيق الخناق على ثقافة التغيير، وعلى المبادرات الحرة . ان ديمقراطية الثقافة ، تستوجب فتح المناطق المحروسة ، لان المقدس هو الله وحده ، لا شريك له في هذا التقديس ، غير مصالح الشعب ، ومصلحة الوطن في بشره، وفي جغرافيته التي يجب دفع أي خطر يتهددها . وفي هذا الاطار ، تبدو حاجة ثقافة التغيير ملحة ، الى نبذ الانغلاق والتقوقع السائد داخلها ، واعتماد الحوار والجدل العلني ، دون رمي بالتكفير ولا الهرطقة ، باعتبار ان سيادة الديمقراطية داخلها ، هي مجال لتفاعل الآراء وتخصيبها . وتقتضي هذه الديمقراطية الانفتاح على أوسع الجماهير ، والبحث عن السبل للنفاد اليها ، وإمكانية التغلغل في الوجدان والوعي والسلوك ، اعتبارا انه دون هذا الانفتاح ، محكوم على هذه الثقافة بالضمور والكساح Le rachitisme ، وهنا ينبغي بذل مجهود جبار ، لتجديد اللغة ، بما هي وسيلة تواصل ، وامدادها بالحياة ، دون السقوط في الابتدال ، ولا اهمال أي مكون من مكونات الهوية . 4 ) الانفتاح او علاقة الكوني بالمحلي : مع التحولات الاستراتيجية التي تحصل في العالم ، مثلا كانهيار الاتحاد السوفياتي ، وسقوط جدار برلين ، وسقوط الأنظمة السياسية في اوربة الشرقية ، التي حكمت باسم الشيوعية ، والشيوعية منها براء ، لأنها كانت أنظمة برجوازية الدولة .. ، وتعمق عملية العولمة ، او القطب الواحد بدل القطبين الاقتصادي والسياسي ، وتوجيه طعنة للصراع الأيديولوجي ، ذاك التناقض الذي انعكس بحدة على المستوى الثقافي ، خصوصا في ظل ما تمتلك الامبريالية من إمكانيات هائلة ، لنشر خطابها وقيمها الثقافية ، تطرح بشدة على جدول اعمال ثقافة التغيير ، مسألة علاقة الكوني بالمحلي ، وما يرتبط بها من مشكلات الهوية ، وأسلوب ومضمون الانفتاح .. وهكذا تبدو الهوية مهددة بخطر كاسح ، لا تملك من أسلوب للمقاومة ، غير الانغلاق . ان المطلوب من ثقافتنا ، انْ لا تتعامل مع الهوية كمعطى جاهز ونهائي ، او ككيان فوق التاريخ . بل هي مشروع منفتح على الدوام ، على المنجزات التقدمية للآخر ، تتفاعل معها دون تعصب ، ولا انغلاق ، وانْ لا نضع الذات ( هل هي مكون منسجم ) في تعارض مع الآخر . فعلاقة الخاص بالعام ، هي علاقة جدل وتفاعل مستمر ، وليست الخصوصية مقدسا جديدا ينضاف الى جملة مقدسات ، التي ترفع لمحاربة الفكر الاخر بكل منوعاته ، تحت يافطة الفكر المستورد ، الدخيل ، الأجنبي الخ ... وفي هذا الصدد تطرح مشكلة الفرنكوفونية ، بما هي مشكلة لغوية ثقافية ، تتداخل بالسياسة والاقتصاد . فاللغة هي اكثر من أداة تواصل . انها الواقع المباشر للفكر ، ترتكز فيها النظرة للذات وللعالم ، وتلخص التجربة المعايشة . ان الطبقات والشرائح المرتبطة بالاستعمار ، هي التي تستميت دفاعا عن الفرنسية ، بتقديمها على انها أداة محايدة ، ووسيلة لامتلاك ثقافة الغرب المتقدم في مواجهة همجية الشرق . غير انه يجب ان لا يفوتنا التسجيل ، ان هذا الرأي يجد مبرره فيما تعيشه اللغة العربية من ركود ، وعدم مواكبة التطور ، وكون البحث في اللهجة البربرية بأصنافها الثلاث : تريفيت ، تشلحيت ، وتمزيغت لا يزال الى الآن ، كأنه في اطار التأسيس . بقي ان نسجل في معرض العلاقة بين المحلي والكوني ، ان الحداثة الحقيقية وليس العصرنة ، كهَمّ يخامر كثير من المثقفين ، وحتى اشباه المثقفين ، ليست مغامرة غير مسؤولة ، ولا استهلاك لإحداث الصراعات الفكرية التي ينتجها الغرب المسيحي اليهودي الماسوني . ان الحداثة بما هي حركة ومفهوم ، هي ارتباط بهموم الانسان والمجتمع المغربي ، الذي يرزح تحت القهر ، والفقر ، والتجهيل ، والمرض .. ويعيش تحت سلطة الاستبداد والطغيان ، ومصادرة الحقوق .. وعلى سبيل الختام . قد يلحظ القارء النزيه ، انّ هذه الملاحظات عامة ، لا مست قضايا شائكة بخفة . واغفلت قضايا أخرى ، في الوقت الذي يتطلب الامر ، تفكيرا معمقا ، وبحثا جديا وجماعيا ، للتدقيق فيها ، اعتبارا من ان هذا التدقيق ، واجب ومسؤولية على الغيورين على هذا المنبر . وهكذا انْ نجحت هذه الملاحظات في التحريض على الأسئلة والكتابة ، يكون ذاك هو المبتغى والمأمول .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أشباه المثقفين من يقبضون العصا من الوسط
-
سقوط الإمبراطورية الروسية
-
بوليس المخابرات
-
دعوى قضائية جديدة للقضاء الإسباني، للمطالبة بفتح تحقيق في جر
...
-
البوليس السياسي من الاختطاف السياسي ، الى الاختفاء القسري .
-
صراع الأمراء ، او الصراع داخل القصر
-
هل غيرت جبهة البوليساريو قواعد الاشتباك ؟
-
الاتحاد الأوربي يلغي اتفاقية الصيد البحري مع النظام المغربي
...
-
دولة البوليس ، دولة الغاب
-
هل للمثقفين المغاربة من دور في حركية المجتمع ؟
-
فرنسيس فكوياما ونهاية التاريخ
-
الخطاب الفلسفي والخطاب الغوغائي
-
ثلاثة أجهزة مخابراتية ، تتآمر لخلق الاضطرابات الاجتماعية في
...
-
التنظيم السري او البنية السرية
-
الدرس المستفاد من الهزيمة المدوية للحزب الاشتراكي العمالي ال
...
-
هل القضاء مستقل في المغرب ؟
-
المظاهرة ، التظاهر ، والمسيرة
-
قصيدة شعرية بعنوان -- لن يتحد الليل مع النهار
-
المثقف والسياسة
-
أين وصل نزاع الصحراء الغربية ؟
المزيد.....
-
لأول مرة منذ 9 أشهر.. شاهد إجلاء مرضى فلسطينيين عبر معبر رفح
...
-
السيسي لترمب.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة ليكون أول رئيس يلتقي ترام
...
-
-د ب أ-: منظمة الشباب التابعة لحزب -البديل من أجل ألمانيا- ت
...
-
صربيا.. المحتجون يغلقون الجسور عبر نهر الدانوب في مدينة نوفي
...
-
اكتمال تثبيت قلب مفاعل الوحدة الثالثة في محطة -أكويو- النووي
...
-
بعد سحب منتجات كوكاكولا مؤخرا.. إليكم تأثيراتها على الجسم!
-
هل تعاني من حرقة المعدة أو الارتجاع بعد شرب القهوة؟.. إليك ا
...
-
مشاهد للقاء الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال مع بناته
-
ظاهرة غامضة تتسبب في سقوط شعر جماعي لسكان إحدى ولايات الهند
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|