|
التشي: الأيقونة والرفيق والرمز الخالد..
حكمت الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 7642 - 2023 / 6 / 14 - 20:27
المحور:
الارشيف الماركسي
في آيار من عام 1968، غضب شبان العالم في ثورتهم الشهيرة، وخرجوا إلى الشوارع معلنين أنهم يستطيعون إنهاء الحروب وتغيير ملامح العالم، وقد تحول هذا الرجل الثائر بعد موته إلى شهيد لقضاياهم. أصبح يمثل أحلام ورغبات الملايين ممن يحملون صوره. علماً أنه كان يمثل أيضا مجموعة من التناقضات، فكان موته يوحي بأنه لو منحه أعداؤه الحق في الحياة، لربما عجزت أسطورته عن احتلال هذا المدى العالمي الذي تنعم به اليوم. تمر اليوم ذكرى ميلاد إرنستو «تشي» غيڤارا (14 حزيران يونيو 1928- 9 أكتوبر 1967) المعروف باسم تشي غيفارا (Che Guevara)، أو التشي (El Che)، أو ببساطة تشي (Che).. ذلك الثوري الكوبي الماركسي اللينيني الأرجينتيني المولد، الطبيب والكاتب وزعيم حرب العصابات والقائد العسكري ورجل الدولة العالمي والشخصية الرئيسية في الثورة الكوبية. أصبحت صورته منذ موته الدراماتيكي، رمزاً في كل مكان وشارة عالمية ضمن الثقافة الشعبية الاستهلاكية لما بعد الحداثة الرأسمالية. ارتبط تشي غيفارا ارتباطا وثيقاً بالماركسية اللينينية في شبابه، حيث كان عضواً في الشبيبة الشيوعية الأرجنتينية. إن أممية "تشي" وارتباطه المميز بالفقراء والمنبوذين في كل مكان، ورفضه الاعتراف بقداسة القومية في الحرب ضد إمبريالية الولايات المتحدة، ألهمت الحركات الراديكالية الجديدة في العالم كله. وصار شعاره «بأن نبدأ العيش بطريقة لها معنى» يتردد صداه عبر الأجيال الطالعة، ليصل بين طرفي الثورة العالمية آنذاك، من ثورية "ماو تسي تونغ" وصولا إلى "كارل ماركس". وعن طريق الاشتباك مع الظلم بكل أشكاله، صاغ غيڤارا من التيارات الفلسفية المعاصرة موجة تمرد مما جعل أطروحاته قريبة من الطرح الماوي الجديد (الماركسية اللينينية الماوية)، فأخذته الفكرة أولاً إلى الكونغو ثم إلى بوليفيا، حيث نظم فرقة من رجال حرب العصابات لتكون، كما كان يأمل، عاملاً مساعداً على الإلهام بالثورة، ولم ينس أن يمر بمصر والجزائر في طريقه ليلتقى الزعيم المصري جمال عبد الناصر والرئيس الجزائري أحمد بن بللا اللذين كانا رمزين للثورة العربية آنذاك. بعد مضي أكثر من خمسين عاماً على إعدامه، لا يزال تراث "تشي" وحياته مسألة خلاف واختلاف. فثمة نقاط متناقضة مختلفة من حياته خلقت الطابع المعقد الازدواجي اللانهائي لقضيته. وكنتيجة لاستشهاده المروع، وتذرعه "بشعرية" الصراع الطبقي، إن صح التعبير، والرغبة في خلق وعي جديد لرجل يقود الثورة المسلحة أخلاقيا بدلاً من الحوافز المادية، تحول غيڤارا إلى الرمز المثالي للحركات اليسارية. ولكن قد تنظر مجموعة لتشي غيڤارا باعتباره بطلاً، بينما تنظر مجموعة اخرى إليه على أنه مرتكب فظاعات بشرية. فعلى سبيل المثال أشار نيلسون مانديلا بأنه "مصدر إلهام لكل إنسان يحب الحرية" في حين وصفه جان بول سارتر بأنه "ليس فقط مثقفا ولكنه أيضاً أكمل إنسان في عصرنا. ومن الذين أبدوا إعجابهم بغيڤارا أيضاً الروائي غراهام غرين الذي لاحظ أن تشي "يمثل فكرة الشهامة والفروسية والمغامرة"، والفيلسوفة سوزان سونتاغ التي بينت أن "هدف (تشي) لم يكن أقل من القضية الإنسانية نفسها. وقد نعاه ستوكلي كارمايكل قائلاً "تشي غيفارا لم يمت، أفكاره لا تزال معنا". في عام 2008 تم كشف النقاب عن تمثال لتشي غيڤارا من البرونز بطول 12 قدماً في مدينة "روزاريو" مسقط رأسه. بالإضافة إلى ذلك تم تنصيبه كقديس من قبل بعض الفلاحين البوليفيين باسم "القديس ارنستو" أو "سانت ارنستو"، الذين يستشفعون به من أجل المساعدة في حياتهم. وكمعظم الشباب اليساريين في فترات الدراسة في النصف الأول من القرن العشرين، مارس تشي غيڤارا الكتابة شعراً ونثرا، ومن أعماله المعروفة، قصيدة بعنوان "ماريا العجوز" التي تكشف عن جانب من شخصية غيڤارا وفكره: ماريا العجوز أنت ستموتين إني أحدثك بجدية لقد كانت حياتك سلسلة من الصعاب اسمعي أيتها الجدة البروليتارية فلتؤمني بالإنسان القادم فلتؤمني بالمستقبل الذي لن ترينه فلا تصلي لرب قاس أنكر عليك حياة الأمل، ولا تطلبي الموت الرحيم لتشاهدي غزلانك الهجينة تكبر.. لا تفعليها، لا تفعليها!
لقد أصبحت صورة وجه تشي غيڤارا الدقيق الملامح وباللون الأبيض والأسود، واحدة من أكثر الصور المرمزة الأيقونية انتشاراً عابرا للحدود في العالم أجمع، حيثما يمكن تسويقها وتسليعها، إذ يمكن العثور عليها في مجاميع لا حصر لها من المنتجات، بما في ذلك القمصان والقبعات والملصقات والأوشام. وإنه لمن سخرية القدر أن تكون صورته تلك تسهم في ثقافة ما بعد الحداثة الاستهلاكية للرأسمالية التي كان يحتقرها ويحاربها، ومع ذلك لا يزال غيڤارا شخصيّة يتم ذكرها على وجه التحديد، سواء في السياقات السياسية، أو على النطاق الشعبي الواسع، كرمز للتمرد والثورة وعنفوان الشباب.
#حكمت_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلمان رشدي وكتاب جديد عن تعرضه للطعن على خشبة المسرح..
-
الأشياء التي تأخذك مني..
-
مدينة النصر، مدينة النساء وأعجوبة العالم..
-
تجهيز الآلات ووضع الرموز ..
-
من يقتل الزهرة؟
-
دَليلُ المُتَحيّرينَ..
-
مضيئة..
-
لقد احتجتكَ في الظلامِ ولَمْ تُنِرْ ..
-
الحرب..*
-
من الواقعية إلى جحيم جنون العظمة: سترندبرغ روائيا..
-
لا أقسم بهذا البلد...
-
الصحو في الليل للبحث عن شمس النهار..
-
لعل رغيفي أن يحترق..
-
ماذا يعني أن تكون كاتبا؟
-
ما بعد قصيدة النثر: مقدمة وقصيدة..
-
جِنان في جنين..
-
أنا اسمي بغداد، أنا أدعى شهرزاد..
-
دعاء وبراء وعواطف... قصيد في خمس حركات
-
ست قصائد من مقتبل العام..
-
هايكواتٌ عَشرةٌ في نهاية العام..
المزيد.....
-
العدد 590 من جريدة النهج الديمقراطي
-
اليمين المتطرف يحتفل برحيل أونروا من إسرائيل
-
الفصائل الفلسطينية تفرج عن دفعة جديدة من الأسرى بينهم أربيل
...
-
تسع خطوات عاجلة لـ 10 نقابات مهنية مصرية ضد تهجير ترامب للفل
...
-
انتهاء إضراب “النساجون الشرقيون”.. وهيكلة المرتبات خلال 15 ي
...
-
وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن
...
-
خواطر واعتراض واحدة من “أطفال يناير” على ميراث الهزيمة
-
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
-
م.م.ن.ص// رقم إضافي لقائمة حرب الاستغلال البشع للطبقة العامل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تدعو إلى التعبئة قصد التنزيل
...
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|