|
حرب الإسرائيليات التاريخية في صدر الإسلام (2)
محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث
(Mohamed Mabrouk Abozaid)
الحوار المتمدن-العدد: 7641 - 2023 / 6 / 13 - 15:09
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من يجيد التقنع هو من يجيد النفاق أي التظاهر بعكس ما بداخله.. وهذه حرفة اليهود على مدار تاريخهم.. وتاريخهم مع المسيحية هو تاريخهم مع الإسلام ومع كل الأديان والمذاهب. حاربوا الإسلام في البدء، كما حاربوا المسيحية، حتى إذا فشلوا ارتدوا يسالمون سلاماً أكثر شراً عليه من حربه الظاهرة. أسلم منهم الكثير في عهد النبي والخلفاء الراشدين... وعلى كل حال، لن نتهم أحد بالعمالة ولا بالنفاق، إنما سنتناول شخص واحد فقط تولى دوراً حيوياً مفاجئاً في الدولة العربية عقب رحيل النبي محمد مباشرة. هذا الشخص كتب عنه الشيخ/ محمود أبو رية مقالاً لمجلة الرسالة في عددها رقم 665 بتاريخ 1/4 / 1946م تحت عنوان:"كعب الأحبار هو الصهيوني الأول" ...
وكان هذا اليهودي المقنّع بالإسلام يفسر القرآن ويروي الأخبار، يأوي إلى ركنٍ من المسجد ليلقي بعلومه ومعارفه إلى المسلمين العرب الذين انبهروا كثيراً بحكاياته العذبة عن الأنبياء والرسل السابقين، وسار كثير من اليهود بعده على سيرته، ولم نجد مسيحي واحد قام بمثل هذا العمل في أي وقت على مدار التاريخ كله حتى ممن اعتنق الإسلام بعد المسيحية، ولذلك ظهر ما عُرف فيما بعد بالإسرائيليات وهو ما انتقل من قصص وحكايات من كتب التوراة إلى التراث الإسلامي. ولنعلم بداية أن علاقة جمهورية إيجبت الحالية بالقرآن الكريم تنحصر في التفسير الذي أوردته الإسرائيليات فقط لأنه كما بينّا كان اسمها إيجبت وقت نزول القرآن .
أعلن هذا الكاهن إسلامه - كعادة كل العملاء - في عهد عمر ابن الخطاب، ووضع لإسلامه سبباً عجيباً، فقد أخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيّب قال: قال العباس ما منعك أن تسلم في عهد النبي وأبى بكر؟ فقال إن أبي كتب لي كتاباً من التوراة فقال اعمل بهذا وختم على سائر كتبه، وأخذ عليّ بحق الوالد على الولد أن لا أفضي الختم عنها، فلما رأيت ظهور الإسلام، قلت لعل أبي غيّب عني علماً، ففتحتها فإذا صفة محمد وأمته فجئت الآن مسلماً " ! (ابن حجر - الإصابة ( 323/5)) قال ذلك رداً على الصحابة لأنه عاصر النبي ولم يسلم، وعاصر أبي بكر ولم يسلم رغم أنه مقيم باليمن وقد ذهب علي ابن أبي طالب ومعاذ ابن جبل وأبو موسى الأشعري إلى اليمن للدعوة هناك، وأسلم كثير من عرب اليمن، وكان كعب يأتي ذهاباً وإياباً من اليمن إلى الشام في رحلاته ماراً عبر الحجاز، ومع ذلك تأخر إسلامه إلى عهد عمر!
وروى عبد الله بن عمر أن رجلاً من أهل اليمن جاء إلى كعب فقال له: إن فلاناً الحبر اليهودي أرسلني إليك برسالة! فقال كعب هاتها، فقال له الرجل: إنه يقول لك ألم تكن سيداً شريفاً مُطاعاً؟! فما الذي أخرجك من دينك إلى أمة محمد؟ فقال له كعب أتراك راجعاً إليه؟ قال نعم، قال فإن رجعت إليه فخذ بطرف ثوبه لئلا يفر منك! وقل له: يقول لك، أسألك بالذي فلق البحر لموسى، وأسألك بالله الذي ألقى الألواح إلى موسى بن عمران فيها كل شيء! ألست تجد في كلمات الله تعالى أن أمة محمد ثلاث أثلاث: فثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة، وثلث يدخلون الجنة بشفاعة أحمد!! فإنه سيقول لك نعم! فقل له يقول لك كعب: اجعلني في أي الأثلاث شئت!
في الواقع هناك ثلاثة أحبار من اليهود اندسوا وسط العرب لإفساد دينهم، وهم (كعب الأحبار - عبد الله ابن سبأ - ووهب ابن منبه)، وهناك غيرهم، لكن هؤلاء هم رؤوس الأقلام التي ابتدأت صفحة الإسرائيليات في الإسلام، كانوا عبارة عنا مجلس تنفيذي للسندريون، فقد أتبع هؤلاء الأحبار طرقاً عجيبة لكي يستحوذوا على عقول المسلمين.
يقول الشيخ أبو رية:" وأنى للصحابة أن يفطنوا لتمييز الصدق من الكذب من كلامهم.. وهم من ناحية لا يعرفون العبرانية وهي لغة كتبهم.. ومن جهة أخرى فإنهم لا يجارونهم في دهائهم ومكرهم .. وبذلك كان الصحابة ومن تبعهم يأخذون كل ما يبثه هؤلاء الدهاة بغير بحث ولا نقد معتبرين أنه صحيح لا ريب فيه... ونحن هنا نلم بطرف صغير من تاريخ زعيم هؤلاء الدهاة وشيخهم وهو كعب الأحبار ... وقد اصطفاه معاوية وجعله من مستشاريه لكثرة علمه... وقد اغتر به الصحابة ومن بعدهم فرووا عنه وسمعوا منه.. وكان أكثر من روى عنه من الصحابة أبو هريرة الذي كان كذلك أكثر تحديثا عن النبي.. ذلك بأن هذا الكاهن سلط عليه قوة دهائه لكي يستحوذ عليه وينميه ليلقنه كل ما يريد..."
ولما افتتحت إيلياء وأرضها على يد عمر في ربيع الآخر سنة 18هـ ودخل عمر بيت المقدس دعا عمر كعب الأحبار وقال له: أين ترى أن نجعل المصلى؟! فقال كعب: إلى الصخرة. فقال له عمر: يا ابن اليهودية، ضاهيت والله اليهود، وفي رواية أخرى خالطتك يهودية! وقد رأيتُك وخَلعَك نَعليك! ولما أخذوا في تنظيف بيت المقدس من الكناسة التي كانت الروم قد دفنته بها سمع التكبير من خلفه فقال ما هذا؟ فقالوا كبّر كعب وكبر الناس بتكبيره! فقال عليَّ به فأتىَ به فقال يا أمير المؤمنين: أنه قد تنبأ على ما صنعت اليوم نبي منذ خمسمائة سنة! قال وكيف؟ فقال إن الروم قد أغاروا على بني إسرائيل فأديلوا عليهم فدفنوه! إلى أن وليت فبعث الله نبياً على الكناسة فقال ابشري، أورى شلم، عليك الفاروق ينقيك مما فيك! (الطبري ص 160 وما بعدها ج 4.) . وهكذا يلعب بعقول المسلمين . وقال كعب مرة: (إن الله قال للصخرة أنت عرشي الأدنى وأنها موضع قدم الرحمن). وقد وضع كعب وإخوانه في فضائل بيت المقدس وغيره من البقاع التي في الشام أكاذيب كثيرة ملأت مؤلفات.
وأخرج الخطيب عن مالك، أن عمر دخل على زوجته أم كلثوم بنت علي فوجدها تبكي، فقال ما يبكيك؟ قالت هذا (اليهودي) أي كعب يقول أنك باب من أبواب جهنم! فقال عمر ما شاء الله! ثم خرج فأرسل إلى كعب فجاءه فقال يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة! فقال ما هذا! مرة في الجنة! ومرة في النار! فقال: إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقتحموا فيها فإذا مت اقتحموا! ... وقد برت يمينه فقد قُتل عمر في ذي الحجة سنة 23هـ
وما يقطع الشك باليقين في أمر كعب بشأن عمر هو ما ذكره المسوّر بن مخرمة أن عمر لما أنصرف إلى منزله بعد أن أوعد أبو لؤلؤة جاءه كعب الأحبار فقال يا أمير المؤمنين (أعهد) فأنت ميت في ثلاث ليال (رواية الطبري في ثلاث أيام) قال وما يدريك؟ قال أجده في كتاب التوراة! قال عمر: أتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟ قال اللهم لا، ولكن أجد حليتك وصفتك، وأنت قد فني أجلك! قال ذلك وعمر لا يحس وجعاً، فلما كان الغد جاءه كعب، فقال بقي يومان! فلما كان الغد جاءه وقال: مضى يومان وبقي يوم! وهي لك إلى صبيحتها، فلما أصبح خرج عمر إلى الصلاة وكان يوكل بالصفوف رجالاً فإذا استوت كّبر، ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجره فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته. ودخل عليه كعب وقال له: ألم أقل لك أنك لا تموت إلا شهيداً وأنك تقول من أين وإني في جزيرة العرب؟ وفي رواية أخرى: لما دخل كعب على عمر قال له: ﴿الحق من ربك فلا تكونن من الممترين﴾.
وقد اتهم الشيخ محمد رشيد رضا في مقدمة تفسيره، اتهم كعب الأحبار بإفساد الدين، بعد أن ذكر كلاماً لابن تيمية في شأن ما يُروَى من الإسرائيليات عن كعب ووهب، يقول ما نصه:" فأنت ترى أن هذا الإمام المحقق - يريد ابن تيمية - جزم بالوقف عن تصديق جميع ما عُرِف أنه من رواة الإسرائيليات. وهذا في غير ما يقوم الدليل على بطلانه في نفسه، وصرَّح في هذا المقام بروايات كعب الأحبار ووهب بن منبِّه، مع أن قدماء رجال الجرح والتعديل اغتروا بهما وعدَّلوهما، فكيف لو تبين له ما تبين لنا من كذب كعب ووهب وعزوهما إلى التوراة وغيرها من كتب الرسل ما ليس فيها شيء منه ولا حوَّمت حوله".... ولو تساءلنا عما قدمه كعب الأحبار فعلياً للإسلام فلن نجد شيء إطلاقاً، لأن القصص والحكايات التي رواها عن الأنبياء من كتب التوراة، هي أصلاً موجودة في الكتب وفي كل أسفار التوراة، وكل ما في الأمر أنه نقله للناس بأسلوب حكائي، وكأنه صار بذلك علماً من أعلام الأمة الإسلامية ! وذلك يعود فقط لجهل العرب المسلمين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة ولم يفكر أحدهم بتعلم اللغة العبرية أو حتى قراءة ترجمة التوراة العربية، فصاروا ينقلون عن حكايات كعب التي ألقاها في المساجد شفوياً، ثم يختلفون في التوثيق، ويبحثون في السند، فلان نقل عن فلان عن فلان نقل عن فلان ابن علان الذي سمع كعب يروي كذا وكذا ..إلخ، وهل كان النقل دقيقاً أميناً أم شابه تحريف نتيجة ضعف الذاكرة أو التدليس ! وجاءوا بعد مائتي عام ليوثقوا هذه الروايات الشفوية، ولم يكلفوا أنفسهم بقراءة كتب التوراة بذاتها، وكأن كعب هذا كان هو مصدر هذا العلم !
وذلك فقط نابع من مستوى الجهل الذي عاش فيه العرب المسلمون ما سمح لكعب مثل هذا أن يدغدغ عقولهم بحثاً وراءه وعن رواياته وتوثيقها، لدرجة أن كثير منهم نقل عنه واستحى أن يذكر اسم كعب كمصدر للرواية كونه يهودياً ومشكوك في إسلامه... فتلاميذ ابن عباس، وأبي هريرة، تجاوزوا كعب الأحبار ونسبوها إلى أساتذتهم، وصولاً إلى ابن جرير الطبري الذي يمتلئ تفسيره وتاريخه بالروايات الإسرائيلية دون الإشارة إلى كعب الأحبار، نتيجة الحساسية من ذكر السند ذي الأصل اليهودي عند رواة الحديث، وكان كعب يقول عن أبي هريرة أنه أعلم الناس بالتوراة دون أن يقرأها ! أي أنه يتلقى رواياته عن كعب، لكن كعب لا يريد أن يظهر في الصورة، ويريد في ذات الوقت أن يحافظ على وجاهة أبي هريرة في المجتمع الإسلامي كي يظل قناة صالحة يضخ من خلالها كعب سمومه، ونقل تلاميذ أبي هريرة هذه الروايات دون إسنادها لكعب مما أحدث خلطاً بين روايات كعب التوراتية وأحاديث النبي محمد، حتى أننا نجد أغلب تفسيرات القرآن (فيما يخص حكايات أنبياء بني إسرائيل) جاءت نقلاً عن ابن عباس! وكأن ابن عباس نفسه كان حبراً وكاهناً عالماً بالتوراة قبل الإسلام، مع أن ابن عباس هذا كان طفلاً في العاشرة من عمره عند رحيل النبي، ما يعني أنه مولود مسلم، فكيف نقل كل هذه الروايات التوراتية، هل كان يقرأ اللغة السريانية؟ أو العبرية المكتوبة بها التوراة؟ وهل كان يترك الفقه الإسلامي ليعتكف على أسفار التوراة؟! بالطبع لا ولكنه نقل شفاهة عن كعب، وربما نُسب إليه النقل زعماً فقط من أجل صبغ المصداقية على الروايات التوراتية... وبالطبع فهذا الوضع يؤكد أن هذا الكعب استطاع بجدارة أن يوجه عقول العرب ببوصلته ودون عناء، فقط لأنهم لا يقرؤون مصادره واعتبروه هو المصدر ! ومن ثم صاروا يبحثون فقط في مصداقية من نقل عنه !
قال كعب: (إني وجدت في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله) (كنز العمال ج 43, ص 143) ... هكذا كان كعب يلفت نظر المسلمين عن مكة المكرمة إلى الشام ويحاول إقناعهم بأنها الأكثر قدسية، وهي محاولة لتقعيد أورشليم بدلاً من مكة، برغم أنه لم يوضح مصدر استناده لهذه القدسية على الإطلاق، إلا أنه كان يسعى لتوطين الفكر اليهودي بأن فلسطين هي قبلة اليهود ولا بد أن تكون كذلك للمسلمين، وهذا الفصل سنتناوله بالتفصيل في الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب بشأن موقع بيت المقدس وهل هو في الشام أو في جزيرة العرب...
وروى ابن عساكر: إن عمر بن الخطاب سأل كعب الأحبار عن سبب عدم رغبته في السكن في المدينة بعد إعلان إسلامه؟ والمدينة موطن هجرة النبي وقبره ومسجده، ومقر صحابته ومقر الخلافة! فقال كعب: إني وجدت في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله من أرضه فيها كنز من عباده، وقال كذلك: أحب البلاد إلى الله الشام وأحب الشام إلى الله القدس. (تاريخ دمشق ج1 , ص110, كنز العمال ج14, ص 143.) . هكذا يتغلب كعب على عقيدة المسلمين وعلى القرآن ذاته حيث قال الله أن مكة هي الأرض المباركة، وهي أقدس بقاع الأرض، وبها بيت الله الحرام، ونطق اسمها علماً بارزاً واضحاً.
إن الحبر اليهودي كعب يحدث المسلمين بالتوراة في مسجد النبي رغما عن تحذيرات النبي (ص) للمسلمين بقوله: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم)، ويقول النبي كذلك: عن جابر بن عبد الله أنه قال ( أن عمر بن الخطاب أتى النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه النبي - فغضب فقال: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذِّبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني) (مسند أحمد بن حنبل) ... فقد تنبأ بذلك النبي محمد ص عندما قال: ( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضبٍ لسلكتموه) فقال السامعون: (يا رسول الله اليهود والنصارى؟ فقال النبي: فمن؟ (راجع الحديث عند البخاري ومسلم) .
روى الدارمي عن كعب من مفترياته عن صفة النبي محمد (ص) في التوراة قال: (في السطر الأول محمد رسول الله عبده المختار مولده مكة ومهاجره طيبة وملكه بالشام (راجع د. إسرائيل ولفنسون في كتابه " كعب الأحبار") وقوله (ملكه بالشام) كناية عن دولة أموية تحت حكم صاحبه معاوية، وكانت هذه مجاملة لمعاوية كي يزيد من كرمه لليهود، وفي ذات الوقت تقديس للشام أكثر من مكة كما تنص العقيدة التوراتية المزورة.
وقال كعب: إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة (الدر المنثور للسيوطي ج1 ص136) ! يفسر العلامة الطائي نوايا كعب فيقول: (وعلى أثر طلب الخليفة عمر من كعب البقاء في المدينة ورغبة كعب في تحريف الحديث وتفسير القرآن فقد بقي في المدينة. وفي المدينة أفصح كعب عن أهدافه ونواياه. فقد حث عمر على زيارة الشام وترك زيارة العراق، واستجاب عمر لذلك، ثم بدأ في قص القصص في مسجد النبي (ص) وأظهر زيفاً فضل الشام وأهلها وفضل قبة الصخرة والتوراة على الكعبة والقرآن. وأشار كعب إلى رغبته في الانتقام من النصارى الروم الذين هجّروا اليهود (تاريخ الطبري ج4 ص 160) والذي عنده قدرة على إقناع عمر بعدم زيارة العراق وحثه على زيارة الشام ومرافقة عمر في سفره، عنده القدرة أيضاً على حث عمر على ترحيل اليهود إلى الشام. ولكن لماذا لم يسكن كعب في الشام قرب معاوية في بداية إسلامه؟
الجواب: إن إسلام كعب الظاهري كان من أجل فلسطين، وفي سبيل تحطيم الإسلام وإعلاء دين اليهود، لذا كان ناويا السكن فيها، ولكن عمر طلب منه السكن في المدينة. ولما مات عمر التحق كعب بالشام فسكن فيها إلى جنب اليهود المُرحلين إليها وإلى جنب معاوية كي يستزيد من المكتسبات السياسية... فتحققت غاية كعب في سكن فلسطين مع اليهود وفي ظل حكومة ابن أبي سفيان ! فأصبح اليهود في ظل حكومة معاوية أسياد الأرض والمالكين لها، بعد أن كانوا عمالاً في أرض خيبر يعملون بها على نصف الحاصل في أرض أصبحت مملوكة للمسلمين. وحصول كعب على مكانة المشاور الديني والسياسي للخليفة هو الذي دعاه للبقاء في المدينة في زمن عمر (كتاب فضائح يهود للدكتور نجاح الطائي) .
ومن الواضح أن الكعب لم يكن يقصد هذا المعنى الهزلي الساذج الذي يصور الكعبة تسجد لبيت المقدس، إنما كان يقصد تركيع العقيدة العربية الإسلامية للعقيدة اليهودية، وذلك من خلال الهيمنة الخفية للفكر اليهودي على الفكر العربي الساذج ومن ثم التوجيه بالاستشعار عن بعد، فلا تعود هناك حاجة للتدخل مرة أخرى، لأن اليهود وصل بهم الدهاء إلى التفكير في غرس بذور فكرية يمكنها أن تنمو في رحم العرب وتعمر آلاف السنين وتنتعش، لأن العقلية العربية عقلية أدبية سطحية طائشة، بينما سلالة بني إسرائيل مختلفون في طريقة تفكيرهم عن العرب فهم يغرسون عيونهم في عمق الزمن كما المسبار يصل إلى آلاف السنين في الماضي ويرى آلاف السنين في المستقبل، ويأتي بأفكار من عمق الزمن الماضي ليربطها مع أفكار ستعيش في أفق الزمن المستقبلي آلاف السنين، وذلك من خلال تضفير الأفكار كما المغزل، بينما العرب الجهلاء برعوا في تضفير المعاني الشعرية بأسلوب سطحي ومؤقت، محوره بلاغة التصوير والتعبير والمجاز، وليس محوره العمق الفكري أو الدهاء والمكر كما الإسرائيليين.
وهذا كله يتضح ليس فقط في ملامح الفكر العربي والفكر الإسرائيلي والتاريخ العربي والتاريخ الإسرائيلي، بل في ثنايا اللغة ذاتها، لأن العقل العربي كانت لغته في البداية 16 ألف جذر لغوي فقط واستطاع تطويع هذه الجذور وليها وطيها وثنيها ومطها وعجنها وخبزها وتقطيعها حتى وصلت 12 مليون كلمة عربية الآن !... وهذا ما يعني بجلاء أن كل إمكانات العقل العربي هذا تتركز في الفكر الأدبي السطحي المؤقت السائل الطائش. وهو كان بذلك صيد سمين للعقل الإسرائيلي المغزلي المسباري، فهناك فروق شاسعة ما بين تضفير الأفكار وتضفير الكلمات . فلا نجد بيتاً شعرياً في اللغة العبرية يبارع أشعار ومعلقات العرب، لأن الإسرائيليين عقلية مختلفة عن العرب وليست حرفتهم الشعر وليست صنعتهم البلاغة، ولا عندهم وقت يضيعونه في الشعر والبلاغة، بل إن أسلوبهم في الكتابة ركيك ومتدنٍ للغاية مقارنة بالبلاغة العربية، لكن بالتأكيد لديهم ميزة منافسة وهي الخبث والمكر والدهاء ... فهاتان العشيرتان من جنس واحد وقدراتهم الذهنية متكافئة ومتوازية. يُتبع ... (قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت ) (رابط الكتاب على أرشيف الانترنت ): https://archive.org/details/1-._20230602 https://archive.org/details/2-._20230604 https://archive.org/details/3-._20230605 #مصر_الأخرى_في_اليمن): https://cutt.us/YZbAA #ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني
#محمد_مبروك_أبو_زيد (هاشتاغ)
Mohamed_Mabrouk_Abozaid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرب الإسرائيليات التاريخية في صدر الإسلام (1)
-
مراسلات تل العمارنة مزورة (5)
-
مراسلات تل العمارنة مزورة (4)
-
مراسلات تل العمارنة مزورة (3)
-
مراسلات تل العمارنة مزورة (2)
-
مراسلات تل العمارنة مزورة (1)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (6)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (5)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (4)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (3)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (2)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (1)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم – هيروغلي.عبراني (8)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (7)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (6)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (5)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم – هيروغلي.عبراني (4)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي عبراني (3)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم – هيروغلي.عبراني (2)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي عبراني (1)
المزيد.....
-
ردًا على ترامب.. المكسيك في طريقها لفرض رسوم جمركية انتقامية
...
-
رئيسة المكسيك تحذر من عواقب وخيمة للرسوم الجمركية التي فرضته
...
-
شولتس يستبعد أي تعاون مع اليمينيين المتطرفين
-
تديره شركة إماراتية.. حقل غاز شمالي العراق يتعرض لهجوم دون إ
...
-
كندا والمكسيك.. ردة فعل انتقامية
-
عودة 300 -مرتزق روماني- من الكونغو بعد مشاركتهم في دعم الجيش
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تفجير مبان ومقتل عشرات المسلحين في الض
...
-
الخارجية الأمريكية: روبيو أبلغ الرئيس البنمي بأن ترامب لا ين
...
-
سيدة تلتقي بأطفالها لأول مرة منذ 6 أشهر بعد تحرير قريتها في
...
-
مينسك لا ترى أي مؤشرات لنشوب عدوان عليها
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|